تفاصيل الخبر

 الخبيرة في التنمية المستدامة لارا موتان مطلقة مبادرة "نوافذ لبيروت" : 300 ألف شخص شردوا من منازلهم بسبب إنفجار المرفأ..وهدفنا إعادتهم إليها ودوران العجلة الاقتصادية !

02/09/2020
 الخبيرة في التنمية المستدامة لارا موتان مطلقة مبادرة "نوافذ لبيروت" : 300 ألف شخص شردوا من منازلهم بسبب إنفجار المرفأ..وهدفنا إعادتهم إليها ودوران العجلة الاقتصادية !

 الخبيرة في التنمية المستدامة لارا موتان مطلقة مبادرة "نوافذ لبيروت" : 300 ألف شخص شردوا من منازلهم بسبب إنفجار المرفأ..وهدفنا إعادتهم إليها ودوران العجلة الاقتصادية !

بقلم عبير أنطون

[caption id="attachment_80790" align="alignleft" width="250"] صورة لنوافذ بيروت.[/caption]

 وسط ثلاثماية ألف شخص نكبوا وشرّدوا من منازلهم بفعل انفجار الرابع من آب الرهيب وكلفة توازي المليار يورو لاعادة اعمار كل المنطقة التي اصيبت، ومع تضرر مئة الف بيت كلياً والكثير من الأبنية بينها 55 مستشفى ومبنى صحيّاً، ومع اقتلاع الأرواح من الأجساد كما اقتُلعت الشبابيك والأبواب من أماكنها بفعل العصف الرهيب، تبقى الاولوية اليوم لإعادة الناس الى بيوتها بأسرع وقت ممكن، اذ تشكل هذه العودة مساحة أمان ولو ضيّقة في طمأنة القلوب التي لا تزال ترتجف لألف سبب وسبب.

 صحيح انه إزاء الوضع الطارئ تبقى المساعدات الغذائية والصحية أمراً لا مفر منه، والمطلوب ان تكثر وتتوسع بعد، لكن من الضروري ايضاً أن تلاقيها خطوات تجاه إصلاح المساكن، في نوافذها وأبوابها وواجهاتها وجعلها صالحة لاحتضان ابنائها من جديد قبل ان تصفر الريح ويهطل المطر فيزيد وجعاً على جراح نفسية عميقة ما زالت تنزف. من هنا كانت مبادرة "نوافذ لبيروت" التي نصبت لنفسها أكثر من هدف، أبرزها إعادة المنكوبين، خاصة من ذوي الدخل المحدود، الى بيوتهم قبل الشتاء.

فكيف ومتى انطلقت المبادرة، ما نطاق عملها، وأي صعوبات تعترضها، وماذا يقول المهندس الخبير من جمعية "مهندسو الطوارئ" باتريك كولومبل حول المناطق المتضررة والكلفة والوقت المتوقَعين لإعادة إعمارها؟

"الأفكار" عادت بالأجوبة ..

 من أب فرنسي وأم أرمنية ولدت لارا موتان في بيروت "ملتقى الحضارات"، وتشعر انها لبنانية حتى العظم . هي مستشارة وخبيرة في التنمية المستدامة وسلسلة التوريد، وتعمل في العديد من المشاريع الكبرى بما فيها البناء وفقًاً لمعايير التنمية المستدامة لقرية بيئية في الشوف اللبناني.

لـ"الافكار" تروي موتان شرارة انطلاق "نوافذ لبيروت" :

قبل الانفجار صودف أنني كنت في لبنان لأقف الى جانب بعض الاصدقاء وسط الرياح الصعبة التي تتلاطم في البلد، وقد اتخذت غرفة لي في احد فنادق العاصمة . لما وقع الانفجار تضرر زجاج الغرفة، فتركتها لبعض الوقت، ومن ثم أفسحت المجال لعائلة متضررة ان تكون فيها، وعدت في اليوم التالي لاحجز غرفة اخرى علها تشكل ملجأ لعائلة ثانية، فطلب مني مدير الفندق 2400$ دولار كاش. افقدني الأمر صوابي، خاصة في ظرف مماثل، حيث الحس الانساني يجب ان يطغى على كل ما عداه، وحيث من المفترض ان نقف الى جانب بعضنا البعض فتكون هذه الغرف إما مجانية وإما منخفضة الثمن لعائلات نُكبت من غير ذنب. الغضب الكبير الذي اعتراني وجّهته في مبادرة ايجابية تحت عنوان "نوافذ لبيروت" التي انطلقت في الثالث عشر من شهر آب - اغسطس، حتى تعود الناس بأسرع وقت الى بيوتها، والأهم حتى لا يصبح المؤقت دائماً، خاصة مع بعض الآراء التي سمعتها ومن بينها مثلاً تقديم "خيم" للعائلات، الى غيرها من الاقتراحات.. وقد توجهنا لأن يكون العمل على المنازل المهدمة وتهيئة الظروف الضرورية لذوي الدخل المحدود من خلال التركيز على إعادة تأهيل منازلهم، وعلى وجه الخصوص أعمال الواجهات، النوافذ والألمنيوم، والعزل المائي..

وتزيد موتان:

 لا يمكن أن نترك العائلات على قارعة الطريق..لا يمكن ان يُقتل الناس مرتين. اتصلت بصديق لي في باريس، وأعلمته بما أنوي عليه، فدلني علىArchitectes de l’urgence  "مهندسو الطوارئ" الذين يتكئوون بدورهم على خبرة كبيرة مع "أرشيتكت دو موند". وهؤلاء المهندسون يقع نطاق عملهم ما بعد الاحداث والنكبات الكبرى، إذ هم متخصصون في الطوارئ وتقديم المساعدة التقنية، ولاسيما في مجال الإسكان لضحايا الكوارث الطبيعية أو التكنولوجية أو البشرية، وقد تدخلوا في حوالى ثلاثين دولة، بما في ذلك المناطق التي تعرضت الى زلازل وفياضانات او حروب كمثل إندونيسيا والفيليبين وهايتي والنيبال وكولومبيا وغيرها.

وتضيف موتان:

 كذلك فقد اتصلت في لبنان بالاعلامي ريكاردو كرم حتى يكون معنا واخترته لاكثر من سبب اولها الاسم الجيد الذي يتمتع به، وقد تعرفت عليه من خلال مبادرة "تكريم" التي يحييها سنوياً للاضاءة على المواهب والقدرات العربية في شتى المجالات، كما انه يحظى بثقة الناس ويعتبر من المؤثرين الجيدين فيهم، خاصة مع منتدى "تاك مايندز" الذي يسعى الى التفاعل بين المواهب من خلال المؤتمرات والتبادلات والمبادرات العملية، كما انه يعمل دائماً على تسليط الضوء على المبادرات والمهمات الانسانية .

 وتؤكد موتان أن ريكاردو، وعلى الرغم من جروحه وتضرر بيته ومكتبه وسيارته بشكل كبير لم يتردد لحظة في وضع يده بيدها، إذ لهذه المبادرة أهمية كبيرة ولها جانب سيكولوجي مهم ايضاً. فالناس مفجوعة وأكثر من مئة الف طفل تشرد، وخمسون بالمئة من اطفال بيروت يعانون من صدمة ما بعد الانفجار، واعادة بعض الامان تحت سقف بيتهم، تبقى عاملاً اساسياً، إذ لا يمكن الفصل بين اصلاح البيوت وتقديم الدعم النفسي للسكان حتى تفتح معهم "نوافذ الأمل" بعد ذلك .

كولومبل والمقارنة مع تولوز

[caption id="attachment_80791" align="alignleft" width="250"] لارا مع فريق العمل.[/caption]

تلبية النداء إذاً كانت سريعة من قبل Architectes de l’urgence الجمعية العالمية المعروفة، وقد شمّر لها عن سواعده المهندس المعروف باتريك كولومبل الشريك في تأسيسها عام 2001 ومؤلّف كتاب "مهندس الطوارئ، مهنة إنسانية جديدة"، والحاصل على جائزة "فاسيليس سغوتاس"، التي يمنحها الاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين.

فما إن حطت طائرته في بيروت بعد ايام على الانفجار حتى نزل كولومبل الى الارض فعاينها، وتجول في مختلف المناطق والاحياء المتضررة، حتى إنه دخل البيوت يسأل اصحابها عما سمعوه وشاهدوه، ما يفيده في عمله وتقديراته، فيطمئن او يحذر ويشرح، كما ويتحدث ايضاً عما يجب خاصة تفاديه.

 بحسب ما صرح به كولومبل بعد جولته فإّنه بحوالي مليون الى مليون ونصف المليون من اليورو يمكن مساعدة حوالي 10 آلاف شخص، وهو أكّد انه يستحيل إصلاح ما تهدم في خلال عام واحد فقط . وفي مقارنة لانفجار بيروت مع انفجار الامونيوم الذي حصل في مدينة تولوز الفرنسية في شهر ايلول من العام 2001، فقد قال إن معالجة أمر الموقع وإعادة إعمار ما تضرر هناك تطلبت حوالي العشرة اعوام، وكذلك في لبنان، ستكون الورشة كبيرة، وتدخلها قرارات سياسية وقرارات للتنظيم المدني، كما ويدخلها تقييم لطبيعة العلاقة بين المرفأ وسكان محيطه والخطر الذي يمكن ان يتعرضوا له . وفي ما يخص اعادة الاعمار، وهذا امر اساسي، أَعترف، يقول كولومبل "انه في ما خص مؤتمر المانحين الذي تعهد بـ 250 مليون يورو - ونعلم ان الاعلان لا يعني بالضرورة التنفيذ - المبلغ منخفض بشكل كبير وبعيد عن الواقع مقارنة بحجم المشكلة ولا استبعد بأن تكون الكلفة الفعلية لاعادة الاعمار اكثر بعشرة اضعاف من هذا الرقم . يجب مقاربة الكلفة الحقيقية بنحو مليار يورو للمنطقة المنكوبة والمرفأ".

تبرعات..كافية؟ وممن؟

 بالعودة الى موتان فهي تؤكد ان ليس لها أية خبرة سابقة في جمع التبرعات . للمرة الاولى هي تقوم بذلك، وستكون في ذهاب وإياب الى فرنسا لتأمين ما يلزم بعد والحث على المساعدة . وقد زاد على ذلك، ما خبرته من خلال تجربة شخصية يوم كانت على بعد 20 متراً من سيارة اتخمت بـ 300 كيلوغرام من المواد المتفجرة في العام 1989 "جعلتها تطير في" الهواء "كسّدة عبوة مياه" بحسب وصفها . هي اليوم في سباق مع الساعة، وتقول: "سأعمل جاهدة على جمع التبرعات التي بدأناها في فرنسا لتمويل هذه الإصلاحات الأساسية التي لا يستطيع معظم الضحايا القيام بها لاكثر من سبب، بينها نقص الموارد، السحوبات مصرفية محدودة، الحاجة إلى الدفع نقداً وبالعملة الدولية، الحرفيون الذين يستوردون المعدات، انخفاض معدل عدم التأمين فضلاً عن عدم اليقين بشأن التغطية التأمينية وغيرها؟

 ما يتم جمعه جيد، تقول موتان، وقد تم تقديم معدات بـ 70 الف يورو، لكن مطلوب أكثر بعد، خاصة من قبل المقتدرين اللبنانيين الذين لا يقوم عدد كبير منهم بواجبهم "الوطني" وهم كما تقول، صنعوا أموالهم في هذا البلد، وجنوا من خيراته، ويجب أن يساعدوا في هذه الظروف، مؤكدة أنها ستبادر الى الاتصال بهم . كذلك، لم تنس موتان الاشارة الى من تسميهم "المنسيون"، خاصة في الدوائر البعيدة نوعاً ما عن الدائرة الاولى للانفجار، وهؤلاء يجب ان تتم مساعدتهم بأسرع وقت .

 وحول "قصص" الانفجار التي أثرت بها وهي كثيرة، فتستعيد لارا ما سمعته عن عائلة تجمّع أهلها في بيت واحد بسبب الحالة الاقتصادية المتردية لتقليص مصاريفهم في الايجار وفواتير المياه و الكهرباء والمولّد .. فإذا بالبيت الذي يأويهم تهدم بسبب ما حصل. فهل من حال أسوأ بعد؟

جمعيات لبنانية ..

[caption id="attachment_80792" align="alignleft" width="250"] لارا موتان وباتريك كولومبل في جولة ميدانية.[/caption]

ورداً على سؤال حول الصعوبات التي تواجهها المبادرة ميدانياً، وكيفية مساعدة المتضررين تجيب موتان :

- هناك عدم تنسيق بالقدر الكافي على الارض، وبين الجمعيات، وكأنّ هناك سباقاً وليس تكاملاً للوصول الى المبتغى . نحن بحكم اننا مبادرة فرنسية نقوم بالمساعدة من خلال ثلاث جمعيات لبنانية اخترناها هي "آرك أون سيال"، "فرح العطاء" وجمعية "بسمة"، ولهذه الجمعيات التحية على العمل المحترف الذي تقوم به

أما بالنسبة الى سير العمل من قبل المبادرة، فإن خيار العمل في البداية كان يتم عبر الأحياء، مبنى بعد آخر، الا انهم عادوا وعملوا بحسب الاولويات والاحتياجات والمساكن خاصة تلك التي لا تفوق طوابقها ثماني طوابق، وبدءاً من المساكن الأقل ضرراً حتى تكون العودة اليها اسرع .

في النهاية تعيد موتان التأكيد على الحس الوطني، وتحمّل الصحافيين امانة نقل الوقائع الكارثية حقاً، والاضاءة على نقطة بالغة الاهمية الا وهي عدم تمكن اللبنانيين الذين اودعوا اموالهم في المصارف من امكانية سحبها لاصلاح بيوتهم واعادة تجهيز ما تدمر. فالاوروبيون وغيرهم، قد يرون هذه البيوت كبيرة ومساحاتها واسعة فيعتقدون ان اصحابها مقتدرون، الا ان العديد منهم لا يعرف ربما ان هؤلاء يعجزون عن القيام باصلاح بيوتهم لحجز اموالهم في المصارف.

 ومع أمل موتان بتأمين عودة الكثيرين الى منازلهم، تدخل اعادة دوران العجلة الاقتصادية في ظرف استثنائي وصعب ايضاً في مبادرتها كأولوية، خاصة وان اللبناني يواجه الأزمات على جبهات عدة اقتصادية، سياسية، صحية وايضاً نقدية، ومن دون ان يكون المستقبل واضحاً امامه. لأجل ذلك تسعى "نوافذ لبيروت" الى تشغيل العمال والحرفيين والشركات اللبنانية فلا يتم التلزيم للشركات العالمية الكبرى عل العجلة تدور من جديد وتشكل سنداً بات ماساً .

نهاية، وفي ما يتعلق بالمواد التي يتم استخدامها، خاصة بعدما تبين بأن الزجاج والواجهات الزجاجية كانت سبباً في وفاة الكثيرين او تعرضهم لجروح بالغة، فإن أمر استبداله بما يمكن أن يكون أكثر أماناً للبيت وسكانه، مرهون بالكلفة وقيمة ما ستصل اليه التبرعات . وتؤكد موتان ان الاولوية اليوم هي للعودة الى بيوت تصلح للسكن على أبواب الشتاء. للتبرع www.windowsforbeirut.org.