تفاصيل الخبر

الكاردينال ”مامبرتي“ لم يحمل مبادرة محددة لحل الأزمة الرئاسية ولقاءاته تمهد لتحرك فاتيكاني يتطلب جهوزية لبنانية!

12/06/2015
الكاردينال ”مامبرتي“ لم يحمل مبادرة محددة لحل الأزمة الرئاسية ولقاءاته تمهد لتحرك فاتيكاني يتطلب جهوزية لبنانية!

الكاردينال ”مامبرتي“ لم يحمل مبادرة محددة لحل الأزمة الرئاسية ولقاءاته تمهد لتحرك فاتيكاني يتطلب جهوزية لبنانية!

 

 

مامبرتي-بري   لن يكون في مقدور محافظ المحكمة العليا للتوقيع الرسولي في الفاتيكان الكاردينال <دومينيك مامبرتي> أن يقدم الى البابا <فرانسيس> الذي أوفده الى لبنان الأسبوع الماضي، أي <خبر سار> عن حصيلة مهمته التي استمرت خمسة أيام تنقل خلالها من مقرات رسمية الى مقرات حزبية مع محطات متكررة في بكركي كان أبرزها اللقاء الذي عقده مع رؤساء الطوائف المسيحيين والمسلمين أو ممثليهم، حاملاً الى الذين التقاهم اهتمام البابا من جهة، ورغبته في أن تحصل الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن. ولعل عدم استطاعة الكاردينال <مامبرتي> (الذي تولى وزارة الخارجية في الفاتيكان أكثر من 8 سنوات) أن ينقل الى الأب الأقدس ما يطمئنه الى ان رئيساً لبنانياً سينتخب قريباً، يعود بدرجة أولى الى غياب الموقف المسيحي الواحد عموماً، والماروني خصوصاً لاسيما وأن الموفد البابوي سمع من الذين التقاهم من الأقطاب الموارنة أكثر من لغة حيال الاستحقاق الرئاسي جعلته يتيقن ــ وفقاً لمصادر مطلعة جداً على رحلة الموفد البابوي ــ بأن امكانية اتفاق الموارنة على مرشح واحد للرئاسة يتبناه <الشركاء> في الوطن، صعبة التحقيق في المدى المنظور لاعتبارات متعددة، بعضها ينبع من الداخل اللبناني، والبعض الآخر يتسرب من الخارج الاقليمي.

ما هو مدى تأثير السعودية وإيران؟

 

   المصادر المطلعة نفسها تحدثت أيضاً عن أن الكاردينال <مامبرتي> الذي لم يحمل معه أي مبادرة عملية لتحريك الملف الرئاسي (كما أشارت <الأفكار> في عدد سابق)، فوجئ ان من التقاهم من الزعماء المسيحيين لم يبدلوا مواقفهم التي كان يعرفها سلفاً من خلال التقارير التي كانت تصله الى الخارجية الفاتيكانية من السفير البابوي في لبنان المونسونيور <غابريال كاتشيا>، أو من خلال ما كان ينقله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى المسؤولين في الكرسي الرسولي خلال زياراته المتتالية منذ انتخابه بطريركاً، وهذا ما جعله يقول لإحدى الشخصيات اللبنانية التي التقاها مراراً خلال وجوده في بيروت، أن <الأمل ضئيل> في الوصول الى تفاهم بين القيادات المسيحية، وان ما قاله له الرئيس نبيه بري خلال اجتماعه به بأن الأزمة الرئاسية <مارونية ــ مارونية>، يعكس الحقيقة القائمة، وإن كان الكاردينال <مامبرتي> لا يقلل من أهمية التأثير الاقليمي على مواقف الأطراف اللبنانيين. صحيح ان <مامبرتي> <ارتاح> لتأكيد الرئيس بري من ان ظروف المنطقة <تجعلنا نتمسك أكثر من أي وقت مضى بالرئيس المسيحي وتحديداً الماروني (...) وأنا أقول انه لو لم يكن موجوداً لكان علينا أن نوجده>، إلا ان الصحيح أيضاً ان <فرحة> الموفد البابوي لدى سماه هذا الكلام لم تكتمل لأنه لم يلاحظ أي استعداد لدى من التقاهم من القيادات المارونية لتقديم تنازلات أساسية تجعل خيار الاتفاق على رئيس من بينهم أو من خارج <نادي الأربعة>، ممكناً في الظرف الراهن، وهو ما جعله يعطي الأولوية لسماع مواقف مضيفيه يجيبون عن الأسئلة التي طرحها عليهم، أو يسترسلون في شرح وجهات نظرهم <وقراءاتهم> لمسار التطورات الاقليمية لاسيما في الدول التي تشهد اضطرابات أمنية خطيرة.

   وكشفت مصادر اطلعت على أجواء لقاءات <مامبرتي> لـ<الأفكار> ان الموفد الفاتيكاني توسع في السؤال عن مدى تأثير كل من إيران والسعودية على مسار الاستحقاق الرئاسي كي يستمع مباشرة الى وجهات نظر القادة الموارنة الذين التقاهم مع علمه سلفاً، من خلال التقارير التي كانت ترده، بقسم كبير من الأجوبة التي كان يعرفها سلفاً. لذلك بدا <مامبرتي> مستمعاً أكثر منه متحدثاً من دون أن يمكن محدّثيه من <انتزاع> موقف يمكن أن يفهمه هؤلاء بأنه يؤشر الى توجه فاتيكاني صوب هذا المرشح أو ذاك. وتجزم المصادر نفسها بأن الموفد البابوي لم يطرح اسماً أو أسماء لمرشحين معروفين أو محتملين أو يطرحون أنفسهم في السباق الرئاسي وكل ما يقال على عكس ذلك غير صحيح اطلاقاً. ولم يخفِ <مامبرتي> على محدثيه وجود <تواصل دائم> بين الفاتيكان وفرنسا وإيران والسعودية والولايات المتحدة الأميركية، وهو قال إن البابا <يعيش الهم اللبناني> على مدار الساعة، وان الاتصالات التي يجريها المسؤولون في الكرسي الرسولي تصب كلها لدى البابا <فرانسيس> الذي تداول في الملف اللبناني مع زعماء عدة في دول العالم بينهم الرئيس الأميركي <باراك أوباما> والرئيس الفرنسي <فرانسوا هولاند> والرئيس الروسي <فلاديمير بوتين>، إضافة الى <خط مفتوح> بين الكرسي الرسولي والأمين العام للأمم المتحدة <بان كي مون>، علماً ان هذا التداول لم يقتصر فقط على الملف الرئاسي بل على ضرورة المحافظة على الاستقرار في لبنان ومنع امتداد نار الدول المجاورة الى ربوعه، مع التشديد على ان <المظلة الدولية> التي بُسطت فوق لبنان منذ زيارة البابا القديس <يوحنا بولس الثاني>، ثم البابا <بنيديكتوس السادس عشر>، لا تزال <تحرس> هذا الوطن الصغير وتمنع عنه ما يجري في جواره من أحداث دامية ليبقى <وطن دور والرسالة> كما قال البابا الراحــــــــــــــــــل <يوحنا بولس الثاني>. وأشار <مامبرتي> في هذا السياق ان البابا <فرانسيــــــــــــــس> يريد أن يبقى لبنان نموذجاً حضارياً وموئـــــلاً للتعـــــــــــــــايش بين الأديان خلافاً لما حصل ويحصل في سوريا والعراق ومصر وغيرها من الدول.

 

مطلوب جهوزية لبنانية

 

   وفي هذا السياق ــ تضيف المصادر نفسها ــ ان الكاردينال <مامبرتي> ذكّر محدثيه بما فعله الكرسي الرسولي منذ أن بدأت المحنة اللبنانية في العام 1975، وفي الفترة التي شهدت ولادة اتفاق الطائف وزيارة الموفد البابوي السابق الكاردينال <بابلو بوانتي> (الذي كان سفيراً للفاتيكان في لبنان) بعد توقيع اتفاق الطائف، ناهيك عما رافق اطلاق <السينودس من أجل لبنان> والارشاد الرسولي، ثم الارشاد الخاص بمسيحيي المشرق. إلا ان كل هذه المبادرات البابوية ــ أضاف <مامبرتي> ــ لا يمكن أن تحل وحدها الأزمة الرئاسية الراهنة ما لم تتوافر إرادة لبنانية جامعة، وإرادة مسيحية ــ مسيحية في تسهيل مهمة المجتمع الدولي الذي لا يزال يضع الأزمة اللبنانية <على الرف> لأنه <غارق> في الأزمات الاقليمية المتشعبة. غير ان الموفد البابوي لم يسقط من حساباته امكانية حصول <اختراق> ما يفضي الى تفاهم اقليمي ودولي على الاستحقاق الرئاسي، كما حصل بالنسبة الى تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام في شباط (فبراير) من العام الماضي، الأمر الذي يستوجب <جهوزية> لبنانية تساعد على <انضاج> الحل الذي يمكن أن يتحضر دولياً واقليمياً بمبادرة فاتيكانية مضمونة.

   وفي هذا الإطار، تؤكد المصادر نفسها ان <محطة الأمل> التي أشار إليها الكاردينال <مامبرتي> أمام محدثيه والتي شكلت <المحطة المضيئة> في محادثاته اللبنانية، تكمن في الحوارات القائمة بين الأطراف اللبنانيين وأبرزها الحوار بين حزب الله وتيار <المستقبل> الذي هنأ <مامبرتي> الرئيس بري على حصوله وعلى استمرار رعايته له على رغم كل الأحداث التي تواكبه، واللقاء الذي جمع رئيس <تكتل التغيير والاصلاح> العماد ميشال عون برئيس <القوات اللبنانية> الدكتور سمير جعجع في دارة الأول في الرابية بعد أشهر من المناقشات أثمرت ولادة <اعلان النوايا> الذي <ارتاح> إليه <مامبرتي> وهنأ جعجع على التوصل إليه بعد جهد <جدي ومسؤول>.

   وتقول المصادر نفسها ان الكاردينال <مامبرتي> بحث مع العماد عون خلال زيارته له في الاستحقاق الرئاسي مطولاً بالتزامن مع بحثٍ حول أوضاع مسيحيي الشرق، واستفاض <الجنرال> في عرض وجهة نظره مستعيناً بشروحات تاريخية لفتت اهتمام الموفد البابوي الذي أثنى على سعة اطلاع العماد عون وما تضمنته قراءته للأحداث الراهنة من معطيات ومعلومات على حد سواء، وكان يتمنى الكاردينال ان يصل الى تصور واحد مع العماد عون في الملف الرئاسي، وإن كان أبدى <تفهماً> للكثير من الملاحظات التي طرحها زعيم <التيار الوطني الحر> في هذا الصدد.

 

تحرك منسّق مع باريس وواشنطن وموسكو

   والسؤال يبقى ماذا بعد زيارة الكاردينال <مامبرتي> للبنان؟

   المصادر المواكبة لتحرك الموفد البابوي تؤكد ان زيارة الوزير السابق للخارجية البابوية وفرت له معطيات كثيرة سيطرحها على الأب الأقدس والدوائر الفاتيكانية هدفها <استعجال> إجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية <اليوم قبل الغد> لأن موقع الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة لا يجوز أن يبقى شاغراً لأن وجود هذا الرئيس لا يطمئن المسيحيين في لبنان وحدهم بل يتعداهم الى المسيحيين المشرقيين وأن أي تأخير اضافي سيحدث ضرراً مباشراً على لبنان بمسيحييه ومسلميه، وعلى المسيحيين المشرقيين أيضاً، وبالتالي فإن الديبلوماسية الفاتيكانية المشهورة بفاعليتها وتأثيرها ستنشط في أكثر من اتجاه تحقيقاً لهذا الهدف. إلا ان هذه الديبلوماسية تتصف أيضاً <بعدم التسرع>، ما يعني ان حصيلة جولة <مامبرتي> ولقاءاته قد تتطلب وقتاً لتترجم وقائع ملموسة، لكن التنسيق القائم بين الفاتيكان وأميركا وفرنسا وروسيا قد يفضي الى نتائج عملية مع حلول الخريف المقبل شرط أن يكون الداخل اللبناني قد بات مهيأ ومتفاعلاً بايجابية مع الطروحات الفاتيكانية المنسقة أوروبياً وأميركياً وروسياً، لاسيما وأن المهام موزعة بين باريس وروما وواشنطن وموسكو، وصولاً الى طهران والرياض. وقد <حفظ> الكاردينال <مامبرتي> جيداً ما قاله له الرئيس بري بأن ثلاث دول قادرة على أن تلعب دوراً أساسياً في الدفع نحو انجاز الاستحقاق الرئاسي هي السعودية وإيران والفاتيكان...

   وفي معلومات <الأفكار> ان التواصل بين الفاتيكان وإيران مؤمن من خلال السفير البابوي في طهران الذي تبلّغ وجوب الحضور الى روما ولقاء <مامبرتي> خلال الأسبوعين المقبلين، في حين ان التواصل مع السعودية غير مباشر لعدم وجود سفير بابوي في المملكة، وهي مهمة ستتولاها باريس بالتنسيق مع واشنطن في الأسابيع المقبلة، على أمل أن تسفر كل هذه التحركات عن نتائج ايجابية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة!