تفاصيل الخبر

الكاردينال "بارولين" في بيروت: تشجيع وتضامن و"تمايز" مع الراعي في موضوع الحياد!

09/09/2020
الكاردينال "بارولين" في بيروت: تشجيع وتضامن و"تمايز" مع الراعي في موضوع الحياد!

الكاردينال "بارولين" في بيروت: تشجيع وتضامن و"تمايز" مع الراعي في موضوع الحياد!

  [caption id="attachment_81040" align="alignleft" width="375"] الكاردينال "بيترو بارولين" والرئيس ميشال عون[/caption]

 حقيقتان برزتا من خلال زيارة الموفد البابوي أمين سر الدولة البابوية الكاردينال "بيترو بارولين" الى بيروت الاسبوع  الماضي والتي استمرت 24 ساعة امضاها متنقلاً بين الاماكن التي طاولها الانفجار في مرفأ بيروت، اضافة الى لقاءات مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وذلك بالتزامن مع يوم الصلاة من اجل لبنان الذي اعلنه البابا "فرنسيس" وطلب فيه من كل الكاثوليك في العالم رفع الصلوات للاستقرار في لبنان والهناء للبنانيين كي يتمكنوا من تجاوز المرحلة الصعبة التي يعيشون فيها.

 الحقيقة الاولى ان الاب الاقدس لا يزال يولي اهتماماً كبيراَ بلبنان على رغم عدم تلبيته دعوة الرئيس عون لزيارة لبنان، وقد تجلى هذا الاهتمام من خلال زيارة الكاردينال "بارولين" وهو الرقم 2 في دوائر الفاتيكان بعد البابا مباشرة. وبدا واضحاً ان الزيارة ليست تقليدية ولا هي "رفع عتب" كما قال البعض بدليل ان محطات الزيارة كانت منتقاة وهدفها ابلاغ اللبنانيين تعاطف قداسته معهم والصلوات من اجلهم. وفي هذا السياق، نقل عن الكاردينال "بارولين" قوله ان لبنان كان ويجب ان يبقى وطن تفاعل الحضارات والعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين حيث لم يعد في المشرق العربي اي واقع مماثل لاسيما بعد الحروب التي وقعت في العراق وسوريا حيث نزح مئات الالاف من المسيحيين من بلداتهم وقراهم، وانتقلوا مشردين الى دول الغرب واميركا وافريقيا. وهو، اي الكاردينال "بارولين"، استشهد بأكثر من مكان بقول البابا القديس يوحنا بولس الثاني خلال زيارته للبنان بأنه "وطن الدور والرسالة في محيطه والعالم". ولم يكن سهلاً على الكاردينال الضيف تصور بأن الهجرة المسيحية من بلد الارز، تتزايد يوماً بعد يوم، وقد شهدت في الاشهر الماضية منسوباً مرتفعاً من اللبنانيين، لاسيما الشباب منهم الذين قصدوا دولاً اوروبية او اميركية وصولاً الى دول الخليج.

لا للاختراق

 وقد سعى بعض مضيفي الكاردينال الى معرفة كيف يمكن للكرسي الرسولي ان يساعد لبنان مباشرة، فأتى الجواب قمة الوضوح من خلال التأكيد ان الدعم البابوي للبنان يترجم من خلال أمرين: الاول الدعم المباشر من المساعدات والاغذية والادوية وغيرها، والثاني الدعم غير المباشر من خلال الاتصالات التي التزم البابا "فرنسيس" القيام بها مع الدول الكبرى للوقوف الى جانب لبنان، علماً ان التأثير المعنوي للكرسي الرسولي مع الدول الاخرى، تأثير عميق ومباشر. وفي قناعة الكاردينال "بارولين" ان لا شيء مهما تعاظم، يمكن ان يقضي على الحضور اللبناني في الداخل والخارج، وهو حضور يعتبر الرقم الثاني في الهيكلية البابوية وانه يتعزز بقدر ما يحافظ اللبنانيون على وطنهم ولا يسيئون اليه من خلال ممارسات ومواقف تترك اصداء سلبية لدى المجتمع الدولي، وعوضاً ان يهب هذا المجتمع للمساعدة، نراه ينغمس أكثر فأكثر في التجاذبات الاقليمية وفي الحروب الداخلية والتي ادت الى تعطيل قدرات هذه الدول، وبالتالي اضعاف لبنان ودخوله في نفق القلق والخوف والضياع.

ولاحظ الذين التقوا الكاردينال "بارولين"، ان الكرسي الرسولي يريد من اللبنانيين ان يكونوا متماسكين اكثر وموحدين حتى لا يتم "اختراقهم" من الخارج لاسيما وان الحضور المسيحي في الشرق تراجع على نحو كبير الى حد لم يعد موجوداً الا في لبنان وينبغي العمل للمحافظة عليه وخصوصاً على الاندماج الكامل مع المسلمين علماً ان مبادرات البابا "فرنسيس" في هذا الاتجاه كثيرة لأنه يريد المحافظة على هذا التنوع والعيش المشترك. وفي تقدير الكاردينال الضيف ان لبنان بحاجة الى دعم دولي كي "يقف على رجليه" مجدداً ويتجاوز الاوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي يعيشها، ولا بد من اجل ذلك ان يتحرك المجتمع الدولي في التضامن مع لبنان لاسيما وان هذا المجتمع يبدي ارادات طيبة في هذا المجال لكن يطلب في المقابل تنفيذ اصلاحات ضرورية في الحياة اللبنانية لاسيما في مجالات مكافحة الفساد والحد من الهدر واصلاح الكهرباء وغيرها من المطالب التي يعتبر المجتمع الدولي انها ضرورية لمد يد العون للبنان والتأكد من ان المساعدات التي سترد، تذهب الى اماكنها الصحيحة وليس الى جيوب الذين امعنوا في ضرب المؤسسات واستغلالها وتعزيز حساباتهم الخاصة، عوضاً عن تقوية مالية الدولة والحد من استغلال المرافق العامة لاعتبارات شخصية. وقال الكاردينال انه في التنوع والتعددية قوة، خصوصاً اذا كان الانسجام قائماً والتعاون يتم بشكل مسؤول ولا يكون الولاء إلا للدولة.

"برودة" مع بكركي

 الحقيقة الثانية ان زيارة الكاردينال "بارولين" اكدت المعطيات التي كانت ترددت بقوة خلال الفترة الماضية عن "برودة" بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والكرسي الرسولي على رغم الجهود التي بذلتها بكركي لتنفي هذه المعلومات والتأكيد على العلاقة "الممتازة" بين بكركي والفاتيكان. ومن مؤشرات هذه "البرودة" ان البرنامج الاساسي الذي وزع رسمياً لزيارة الكاردينال لم يكن يلحظ لقاء مع البطريرك الراعي الذي لم يكن في استقبال الكاردينال الضيف في مطار رفيق الحريري الدولي، ولا رافقه في جولاته التفقدية، ولم يشارك في القداس الذي اقامه في باحة دير سيدة حريصا وغيرها من الاماكن. وقد نشطت الاتصالات في اكثر من اتجاه لتأمين اجتماع ثنائي بين الكاردينال والبطريرك اسفرت عن لقاء جمع الرجلان في حضور بطاركة الطوائف الكاثوليكية في بكركي لكـن لم تعقد اي خلوة بين  الكاردينالين "بارولين" والراعي خلافاً لما كان يحصل في زيارات يقوم بها مسؤولون من الكرسي الرسولي الى لبنان.

 ولعل ما عزز وجود "البرودة" هو حرص الكاردينال على عدم الدخول في تفاصيل المبادرة البطريركية باعلان "الحياد الناشط" للبنان، لكنه عندما طرح عليه هذا السؤال خلال احد جولاته التفقدية، تفادى الاجابة المباشرة مكتفياً بالقول إن لبنان بلد نموذجي ويجب ان يبقى كذلك نظراً لما يمثله من قيمة ونموذج للعيش معاً بجميع ابنائه. اكثر من ذلك، قال الكاردينال انه "اخذ علماً" بوجود "مثل هذه المبادرة" لدى البطريرك الراعي، لكنه اعتبر ان هذا الخيار يخص اللبنانيين وحدهم، وهو يحتاج الى توافق في ما بينهم. لقد كان واضحاً ان الكاردينال الضيف لم يشأ الاعراب عن اي موقف حيال صيغة "الحياد" للبنان، علماً انه سبق ان ابدى مسؤولون في الكرسي الرسولي استغرابهم للتوقيت الذي اثار فيه البطريرك الراعي ملف الحياد من دون ان يتشاور مع القيادات اللبنانية الروحية والزمنية ومن دون ان يحيط المسؤولين في الكرسي الرسولي بتفاصيلها واسباب طرحها....

 في اي حال، زيارة الكاردينال "بارولين"، السريعة لكنها كانت محشوة بالمواعيد والنشاطات والجولات التفقدية، افرزت امرين: الاول ان البابا أراد من خلال ارسال امين سر دولة الفاتيكان القول للبنانيين إن بلدهم ليس وحيداً ابداً في الظرف الاليم الذي يجتازه، وانه يمكن دائماً ان يتكل على الكرسي الرسولي كما على التضامن الدولي معه، خصوصاً ان لبنان يمتلك من المقومات الداخلية ما يجعله ينهض من آلامه محولاً فترة الالم الى محطة رجاء جديد له وللمنطقة وللعالم الذي يقف الى جانبه. اما الامر الثاني فهو ان الفاتيكان يلتقي مع المجتمع الدولي في الدعوة الى تطبيق اصلاحات ضرورية للنهوض من جديد ولاسيما في المجالين المالي والاقتصادي. وهذا الالتقاء ان دل على شيء فهو يدل على "التناغم" بين الدول والكرسي الرسولي حول اهمية خروج لبنان من المحنة التي دخلها منذ اشهر، علماً ان الخروج منها ما زال ممكنا بشهادة جميع المسؤولين الدوليين وآخرهم الكاردينال "بيترو بارولين"!.