تفاصيل الخبر

الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد: العلّة ليست في إنشائها...بل في طريقة تشكيلها!

06/05/2020
الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد: العلّة ليست في إنشائها...بل في طريقة تشكيلها!

الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد: العلّة ليست في إنشائها...بل في طريقة تشكيلها!

[caption id="attachment_77793" align="aligncenter" width="602"] مجلس النواب مجتمعاً في الأونيسكو[/caption]

 إقرار مجلس النواب قانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد خطوة إصلاحية ضرورية لرفد الخطة الاصلاحية للدولة بإنجازات مؤاتية تجعل من مكافحة الفساد واقعاً في بلد يشكو من الرشى والمحسوبيات والفساد...إلا أن القانون الجديد سوف يبقى نصاً من دون تنفيذ إذا لم توضع له آلية تنفيذية وفق ما نص عليه القانون نفسه من خلال مراسيم تصدر عن مجلس الوزراء لتواكب بعد ذلك إقرار قوانين أخرى مثل قانون حماية كاشفي الفساد وتعزيز الشفافية وغيرها من القوانين المماثلة. وسجل بعض المعنيين بملف الفساد ملاحظات عدة على القانون الذي أقر من بينها طريقة تشكيل الهيئة التي تضم ستة أعضاء، بينهم قاضيان متقاعدان حيث كان من الأفضل في رأي هؤلاء المعنيين أن يكونا من القضاة العاملين القادرين على أن يعطيا جهداً وحضوراً أكثر من المتقاعدين، على أن يصار الى انتخابهما من القضاة. أما الأعضاء الآخرون فهم محام وخبير محاسبة تقترحه نقابة خبراء المحاسبة، وعضو تقترحه لجنة الرقابة على المصارف وعضو آخر تقترحه وزارة التنمية الادارية. أما القاضيان المتقاعدان فينتخبان من القضاة.

 ويبدي عدد من أصحاب فكرة إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، خشية من أن تفسح عملية تعيين الأعضاء من غير القاضيين المتقاعدين، لعودة المحاصصة والتسويات والترشيحات "الملغومة" من السياسيين الذين يفترض أن تدرس هذه الهيئة امكانية محاسبتهم عند الضرورة إذا ما ثبت تورطهم في عمليات فساد. وما يجعل الخشية مبررة الأجواء التي تحيط بعمليات التعيين في مجلس الوزراء من خلال التجربة التي حصلت مع تعيين عضوين في التفتيش المركزي، وعضو في مجلس الخدمة المدنية و"الصرخة" التي تصاعدت قبيل تعيينهم وبعده، فضلاً عن "تجميد" تعيين نواب حاكم مصرف لبنان وسحب رئيس الحكومة حسان دياب البند عن جدول الأعمال بحجة أن الترشيحات المقترحة "لا تشبه" توجه الحكومة لجهة عدم اعتماد المحاصصة وتوزيع المغانم كما كان يحصل سابقاً.

طريقة تعيين الأعضاء!

 ويضيف المتخوفون من "علّة" تعيين أعضاء الهيئة من أن يكون مصير تعيين هؤلاء كما حصل مع قانون المفقودين والمنفيين قسراً الذي صدر العام 2018 ونص على انشاء هيئة وطنية للمفقودين والمخفيين قسراً لم تتعين بعد ما جعل القانون مواد وفقرات من دون تنفيذ، علماً أن ثمة جهات سياسية لا تزال تعارض، ضمناً لا علناً إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لاعتبارات غير خافية على أحد وتندرج في إطار صرف النفوذ والفساد. ويسعى الرافضون، منذ اقرار القانون في مجلس النواب الى الاضاءة على "ثغرات" في القانون للدفع في اتجاه تعطيل تنفيذه من خلال التأخير في تسمية أعضاء الهيئة على أمل أن "ينام" القانون الى حين توفير دعم نيابي على تعديله حتى لا يعود له فعاليته. ومن الملاحظات التي سجلت أيضاً على طريقة تشكيل الهيئة، أن مجلس الوزراء يختار اسم المحامي العضو في الهيئة، الأمر الذي حرك نقابة المحامين في بيروت التي اعتبرت ان اختيار المحامي يجب أن يكون من مسؤوليتها وعلى مجلس الوزراء أن يعين من تسميه النقابة أو من ينتخبه المحامون لهذه المهمة. لكن ملاحظة النقابة لن تتفاعل سلباً حتى لا يقال إنها عرقلت تشكيل الهيئة. ومسألة الاختيار المتروكة لمجلس الوزراء تتكرر أيضاً مع ممثلي لجنة الرقابة على المصارف ووزارة التنمية الادارية، الأمر الذي يترك للسلطة السياسية هامشاً واسعاً في أعضاء هيئة يفترض أن يكون عملها مستقلاً ومحصناً في آن لمراقبة الفساد ومكافحته في الادارات والمؤسسات الرسمية والعامة، فإذا كان الأعضاء من اختيار المرجعيات السياسية الممثلة في مجلس الوزراء، فإن عملهم سيبقى محاطاً بشكل أو بآخر بـ"وصاية" من هذه الجهة أو تلك... لأن الذين يختارون للرقابة ينبغي أن تطلق يدهم في أداء عملهم، لا أن يكونوا مقيدين بـ"ملاحظات" من هنا و"توجيهات" من هناك.

صلاحيات واسعة تحتاج الى قضاء فاعل!

 ولعل ما يجعل ملاحظات "المعترضين" في محلها، الصلاحيات الواسعة المعطاة للهيئة التي تتلقى شكاوى ويعود لها إجراء تحقيقات تلقائية وتحيلها عند الاقتضاء على القضاء، كما لها أن تتقدم بشكاوى أمام القضاء، وهي صلاحيات ــ يضيف المعترضون ــ يفرض أن تجعل الهيئة "مستقلة" كي تتمكن من القيام بدورها بعد تأمين الامكانات اللازمة لذلك، وفي مقدمة هذه الامكانات قضاء مستقل يكمل عمل الهيئة ويمكّنها من تحقيق الغاية من انشائها، فإذا لم يكن القضاء مستقلاً وقادراً على مواكبة عمليات مكافحة الفساد، لن يكون في امكان أي هيئة مهما أعطيت من صلاحيات أن تكون فاعلة ومؤثرة في بلد مثل لبنان يرزح تحت تأثير النفوذ السياسي والمحسوبيات والزبائنية. ويرى هؤلاء المعترضون أن ما حصل في ملف التشكيلات والمناقلات القضائية خير دليل على أن القضاء اللبناني غير مستقل، من دون أن يعني ذلك ان هذه التشكيلات كما اقترحها مجلس القضاء الأعلى، هي تشكيلات "مثالية" لأن فيها "ثغرات" كان يمكن تفاديها لتسهيل إصدارها عوضاً أن تبقى مجمدة حتى إشعار آخر.

 في أي حال من الواضح أن العلّة في مسألة مكافحة الفساد، ليس في إقرار قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، بل العلة في طريقة تشكيلها ما يجعل الريبة والشك والمخاوف مشروعة لدى الذين "ناضلوا" طوال سنوات لتحقيق ولادة الهيئة بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية أو ميولهم الحزبية.