تفاصيل الخبر

الحيوان ضيف شرف حيث هو... والطبيبة تدقّ بابه!

27/09/2019
الحيوان ضيف شرف حيث هو... والطبيبة تدقّ بابه!

الحيوان ضيف شرف حيث هو... والطبيبة تدقّ بابه!

 

بقلم كوزيت كرم الأندري

في عصر الخدمات السريعة، حتى الحيوان بات يتمتّع بخدمة إلى المنازل Delivery! <يَتَسَتّت> وينتظر، فتأتيه طبيبة بيطرية جميلة وبشوشة اسمها ماريا، لتفحصه وتعالجه حيث هو. <فكرة> طليعيّة، تحدّثت عنها لـ<الأفكار> الطبيبة البيطرية ماريا المعلّم...

حين كنت في سنتي الأخيرة من تخصصي البيطري، رحت أحمل شنطة صغيرة <متل شنطة السنغري> (وتضحك) وأقصد الناس في بيوتهم لمعالجة حيواناتهم. لمست، في تلك الفترة، كم أنهم يحتاجون إلى هذه الخدمة فكانت ردّة الفعل على ما أقوم به إيجابية جدا. هكذا رحت أفكر كيف يمكنني تطوير مبادرتي تلك، إلى أن أتت فكرة الباص الصغير المجهّز بالأدوات والمعدات اللازمة لفحص الحيوان وعلاجه، والتي أطلقت عليها اسم فَتليفيري Vetlivery.

ــ إذاً أثمر عملك هذا، في البداية، من خلال التواتر أو De bouche à oreille كما نقول بالفرنسية، قبل أن يأخذ طابع المؤسسة الصغيرة إذا صحّ القول...

- تماما. كانت المسألة ضيّقة النطاق في بادئ الأمر، إلى أن عملنا على توسيعها من باب الصدفة، أو ربما الطرفة. كنت جالسة ورفيقي، ذات يوم، حين فكرنا بإنشاء صفحة على النت حول خدمتنا هذه (معالجة الحيوان في المنزل). وحين بدأنا بالبحث عن اسم مناسب، اقترحنا فَتليفيري <نحنا وعم نضحك>، وهي عبارة مبتكرة ألّفناها من خلال مزج عبارتَي Veterinary (أي الطبيب البيطري) وDelivery (أي الخدمة إلى المنازل). هكذا تطوّر المشروع من <سيارة وشنطة> إلى <فان صرلو أربع أشهر ماشي عالطريق>.

ــ أين تخصصتِ ماريا؟ (يفوتني أن أناديها بلقبها <دكتورة>، ربما لبساطتها في التعامل وبشاشتها وصغر حجمها!).

- تخصصت في الجامعة اللبنانية، وهي الجامعة الوحيدة في لبنان التي تدرّس هذا الاختصاص، وقد كان حديث النشأة يوم انضممت إلى الكلية.

ــ وكم كان عددكم؟

- خمسة عشر طالباً وطالبة.

ــ كانت الأغلبية من الذكور طبعا...

- نعم، لكن تلك هي الحال في لبنان فقط، إذ إن عدد الإناث اللواتي يتخصصن في الطب البيطري في أوروبا يفوق عدد الذكور.

ــ خمسة عشر طالباً وطالبة. عدد ضئيل نسبيا...

- لا بل أراه رقماً مرتفعاً نظرا إلى السوق اللبنانية، فهي لا تحتمل أكثر من ذلك. عدد الطلاب في كلية البيطرة لامس العشرين في السنوات الثلاث التالية، <هَودي ستين بيطري شو بدّن يعملوا بلبنان؟>.

ــ وهل أنت راضية عمّا أُعطِيَ لكم في الكلية، لاسيما وأن اختصاصك هذا كان لا يزال <يافعاً> فيها؟

- لا بل أعترف أن هذا الاختصاص كان ضعيفاً نوعاً ما، لنقص المواد التطبيقية والمعدات والتشريح، إلخ. ففي مهنتنا هذه، للممارسة أهمية كبيرة تفوق أهمية النظريات.

ــ أرى في مهنتكم صعوبة قصوى، كونكم تتعاملون مع كائن لا يتكلم ولا يعبّر بوضوح!

- هذا صحيح، من هنا صعوبة التشخيص. فنحن ننظر إلى سلوك الحيوان وعوارضه ونحللها لتحديد نوعية المرض.

ــ هذا يعني أنكم معرّضون لارتكاب خطأ طبي كما هي الحال بالنسبة للطبيب البشري؟

- طبعاً، قد نقترف خطأ ما وخطؤنا نحن ارتكابه أسهل نظراً لعدم تكلّم الحيوان كما سبق وذكرت. <الإنسان بِقلِّك بطني عم يوجعني، الكلب بتشوفيه لابد عالأرض ما بتعرفي بَطنو، إجرو، ضَهرو>.

ــ طيّب هل تدرسون سلوكيّة الحيوان لاستخلاص أو فهم الإشارات التي قد يرسلها؟

- هذا أمر يأتي نتيجة الخبرة والعمل الميداني أكثر منه نتيجة الدراسة، بالإضافة إلى نقطة أساسية وهي وجود الطبيب البيطري في بيئة حاضنة للحيوان. <ما فيكي تكوني بعيدة عن الحيوانات وتجي تشتغلي معن>. أنا، مثلاً، مُحاطة منذ صغري بالهرر والكلاب. هي أليفة بالنسبة لي ولطالما لعبت معها.

 

<يدي في مؤخرة البقرة>!

ــ أودّ لو يفسّر لي أحدٌ <كيف> ينتفي شعور الخوف عندكم وعند أمثالكم من محبّي الحيوانات؟! <إنو كيف بدي أوثق، مثلا، إنو هالكلب اللّي ما بيفهم عليي ولا بفهم عليه مش جايي يِكدشني؟>

- (نضحك) الخوف من الحيوانات نابع من تخيلاتنا عنها أكثر منه من الواقع. فالحيوان، عامّةً، لا يؤذي أحداً، إلا في حالات معينة ولأسباب معينة، كأن يكون تعرض لعنف سابق أو لضرر في مكان ما في جسمه، فتولّد ملامسة هذا المكان ردة فعل لديه. الخوف من الحيوانات مسألة سيكولوجية تعني الشخص نفسه وليس الحيوان، ثم للعادة أهمية بالغة في هذا الموضوع. إن درّبت ولدك، منذ الصغر، على عدم الخوف من الحيوان فهو لن يخاف منه...

- بعيدا من صعوبة التشخيص، ما هي الصعوبة التي تواجهك في عملك هذا؟

- من الصعوبات التي نواجهها، على سبيل المثال، عدم سهولة التعامل مع بعض الحيوانات. فقد تمر ساعتان، أحياناً، قبل أن نلتقط هراً لنفحصه. المسألة تحتاج إلى صبر وأعصاب باردة.

ــ لدى الكثيرين منّا، وأنا كنت أوّلهم قبل البحث في الموضوع، اعتقاد خاطئ بأن عمل البيطري ينحصر في معالجة الحيوانات، فيما عمله أوسع من ذلك بكثير...

- لا يقتصر عمل الطبيب البيطري على معالجة الحيوان فحسب، بل إنه مسؤول عن كل ما يرتبط به من الألف إلى الياء، لاسيما حين يتعلق الأمر بالحيوانات المنتجة، كي تصل المنتوجات من حليب ولحوم إلى المستهلك بحالة ممتازة. غذاء الحيوان ونمط عيشه قد يؤثران سلباً في نوعيّة الأكل الذي سيتناوله الإنسان، لذا يهتم الطبيب البيطري بما هو أبعد من تطعيم حيوان أليف يعيش معنا في المنزل. دوره محوري بالنسبة لصحة الإنسان، إذ يتحكّم بالأمراض المنتقلة إليه بصفة مباشرة أو غير مباشرة.

ــ لكل مهنة آدابها، لاسيما لمهنة الطب البشري. هل ينطبق المبدأ عينه على الطب البيطري؟ فقد قرأت أن وزارة البيئة في السعودية غرّمت طبيباً بيطرياً بعقوبة مالية لمخالفته نظام الرّفق بالحيوان، وقرأت، أيضاً، خبراً مماثلاً من مصر...

- طبعاً، هناك ضرورة الالتزام بشرف المهنة والابتعاد عن الممارسات المسيئة، ثم إن الزبون الذي يأتي بكلبه أو بهرّته لفحصها يشعر وكأنه يأتيكِ بأحد أفراد عائلته! المبادئ الأخلاقية هذه لا بد أن تنطبق أيضاً على الحيوانات الشاردة فنعاملها برفق. <ومش كل حيوان شارد يعني جربان!>. يجب أن نفهم ما هو الجرب وما هي عوارضه قبل أن نعمّم هذه الحالة على كل كلب نجده في الطريق.

ــ هل تشعرين بأن النظرة إلى الطبيب البيطري لا يزال فيها شيء من الدونية؟

- في لبنان نعم، لكن الوضع مختلف تماماً في الخارج. ففي أوروبا، مثلاً، من يرسب في مسابقة الدخول إلى كلية البيطرة يتحوّل إلى كلية الطب البشري!

ــ هل هناك تخصص محدّد في الطب البيطري أم أن باستطاعتكم الاعتناء بكل أنواع الحيوانات؟

- نعم نتخصص في طب الزواحف أو الخيول أو المجترّات... ندرس عن كل الحيوانات في البداية ثم نختار التخصص.

ــ وهل يوجد مستشفى بيطري في لبنان؟

- نعم هناك أكثر من مستشفى للحيوانات.

ــ ماريا، لدي سؤال شخصي يحيّرني: هل بإمكان امرأة مثلك أن تكون مع رجل لا يحب الحيوان؟

- نعم ممكن، هو حر في ألاّ يحبه لكن أرفض أن يؤذيه.

ــ هل حصل أن شعرتِ باشمئزاز أحد أصدقائك أو أقاربك منك كونك تتعاطين مع الحيوانات وتلامسينها طوال اليوم؟

- لم يحصل. ثم إن الذكور منهم يقدّرون عملي وشغفي هذا، من منطلق أنه إذا كانت لطيفة وعاطفية إلى هذا الحد مع الحيوان فهي حتماً هكذا مع البشر.

ــ هل شعرتِ يوماً بالقرف أو بالنفور؟

- لا إطلاقاً، فقد سبق ونشرت صورة لي على فيسبوك حيث تبدو يدي في مؤخرة بقرة! (أفلتت هي ضحكة فيما جحظت عيناي!)