تفاصيل الخبر

الحريري نحو مواجهة مع العهد بعد نعي ”التسوية“...وتحالف مع جنبلاط وتحييد حزب الله وإيران!

21/02/2020
الحريري نحو مواجهة مع العهد بعد نعي ”التسوية“...وتحالف مع جنبلاط وتحييد حزب الله وإيران!

الحريري نحو مواجهة مع العهد بعد نعي ”التسوية“...وتحالف مع جنبلاط وتحييد حزب الله وإيران!

الذكرى الخامسة عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في 14 شباط (فبراير) 2005، أرادها نجله الرئيس سعد الحريري مختلفة في الشكل والمضمون، لاسيما وان الظروف التي تمر بها البلاد حالياً بفعل الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة حتمت مقاربة الذكرى من زوايا مختلفة، فانتقل احياؤها من مجمع واجهة بيروت البحرية (البيال سابقاً) الى <بيت الوسط> في خطوة أراد منها الرئيس الحريري توجيه رسالة الى أولئك الذين تحدثوا عن <اقفال> البيت بعد إبعاد صاحبه عن رئاسة الحكومة، بان <بيت الوسط> لن يقفل وسيبقى مفتوحاً.

وبالفعل غصت باحات البيت الداخلية والخارجية بوفود المواطنين الذين أتوا من المناطق اللبنانية للمشاركة في إحياء الذكرى التي مهدت لها الماكينة الإعلامية لـ<تيار المستقبل> بالحديث عن خطاب <استثنائي> و<ثوري> و<تاريخي> سيلقيه الرئيس الحريري الذي يريد <أن يسمي الأشياء بأسمائها>. وبالفعل انتظر اللبنانيون ومَن وفد الى <بيت الوسط> الخطاب الذي حضرت فيه مواقف جديدة نسبياً فيما غابت عنه مواقف كانت تكون حاضرة دائماً في مثل هذه المناسبة. أما الحضور في <بيت الوسط> فلم يكن على مستوى عالٍ إذ غاب الحلفاء الأقطاب وانتدبوا مَن مثلهم، فيما حجب <تيار المستقبل> الدعوة عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فلم يحضر ممثل عنه كما درجت العادة، وكذلك الأمر حُجبت الدعوة عن رئيس الحكومة حسان دياب، وعن رئيس <التيار الوطني الحر> الوزير السابق النائب جبران باسيل، وعن آخرين. والواقع ان مجرد حجب الدعوة عن رئيس الجمهورية ورئيس <التيار> دلّ على ان القطيعة بين الرئيس الحريري وبين رئيس الجمهورية وباسيل واقعة لا محالة، فيما تم تبرير عدم دعوة رئيس الحكومة بأن الدعوات وجهت قبل نيل حكومة دياب ثقة مجلس النواب، علماً ان صاحب الذكرى هو رئيس للحكومة استشهد على أرض لبنانية وبديهي أن يشارك رئيس الحكومة في إحياء ذكراه.

ولم يقتصر الغياب على الرئيسين عون ودياب والنائب باسيل، بل شمل أيضاً الرئيس أمين الجميّل ونجله رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل ومثلهما الوزير السابق ايلي ماروني، كما غاب رئيس <القوات اللبنانية> سمير جعجع وحضرت الوزيرة السابقة عن <القوات> مي شدياق، فيما حضر النائب تيمور جنبلاط وغاب والده رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الوزير والنائب السابق وليد جنبلاط، كما لوحظ غياب النائب <المستقبلي> سابقاً نهاد المشنوق الذي قيل ان الدعوة لم توجه إليه أيضاً. وغابت وجوه من <14 آذار> لأسباب مختلفة، لتحضر وجوه ديبلوماسية بارزة مثل السفيرة الأميركية <اليزابيث ريتشارد>، والسفير السعودي وليد البخاري، وسفير الإمارات حمد الشامسي، والسفير الفرنسي <برونو فوشيه> وغيرهم... أما السفير الروسي <الكسندر زاسبكين> فاكتفى بزيارة ضريح الرئيس الشهيد في ساحة الشهداء مستذكراً دوره في تعزيز العلاقات اللبنانية ــ الروسية.

وبعيداً عن الغياب في الحضور وتعويضه بجموع أتت من بيروت والشمال والبقاع، فإن كلمة الرئيس الحريري أفرزت سلسلة ملاحظات بعضها أساسي فيما البعض الآخر ثانوي، إلا انها أطلقت العنان لردود فعل لما تنتهي لاسيما وأنها خلطت الأوراق السياسية وكرست سقوطاً للتسوية التي ولدت في العام 2016 وأدت الى انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية.

أولى هذه الملاحظات ان الخطاب الحريري آثر الابتعاد عن تطورات كثيرة تحصل في لبنان والمنطقة وركز على الشأن السياسي منذ التسوية الرئاسية حتى موعد المهرجان الخطابي، مع إشارات سريعة الى موضوع <الحراك المدني>، من دون أن ينسى الإشارة الى الطائفة السنية وما ترمز إليه في دورها الأساسي في الدولة.

 

<رئيس الظل> والتعطيل!

ثاني هذه الملاحظات ان الرئيس الحريري وجه نقداً الى الرئيس عون من دون أن يسميه، فيما ركز سهامه على النائب باسيل من دون أن يسميه أيضاً، في ما فسرته الأوساط السياسية <شد عصب> لجماهير <المستقبل> بعد التراخي الذي حصل في صفوف <المستقبليين> خلال الأعوام الماضية لأكثر من سبب.

نعى الرئيس الحريري التسوية الرئاسية واعتبر انها باتت <في ذمة التاريخ> متحدثاً عن وجود رئيسين للدولة، واحد أصلي (هو الرئيس عون) وثاني <رئيس الظل> (أي النائب باسيل) الذي حمله الحريري مسؤولية تعطيل البلاد ومرافقها. صحيح ان الحريري حيّد موقع الرئيس عون مسجلاً له مواقفه تجاهه، ومذكراً بمواقفه هو تجاهه أيضاً، لكن الهجوم على باسيل كان قوياً ما استدعى رداً أقوى من باسيل نفسه الذي اعتبر ان الحريري سيعود يوماً الى التسوية لكن مشوار العودة سيكون صعباً وطويلاً... ويستدل من كلام الحريري ورد باسيل ان الجرة انكسرت نهائياً بين الرجلين وان الآتي من الأيام سوف يشهد مواجهة سياسية حادة بين الحريري و<رئيس الظل> لن تكون سهلة على الطرفين، لاسيما وان الهجوم على باسيل تصيب شظاياه رئيس الجمهورية الذي حرص الحريري على عدم المساس بموقعه لأنه يدرك حساسية هذا الموضوع عند المسيحيين.

 

تغييب حزب الله!

ثالث هذه الملاحظات عدم ذكر حزب الله بالاسم وعدم الإشارة الى سلاحه ودوره في الداخل والجوار، وذلك للمرة الأولى منذ سنوات لأنه لطالما كانت وضعية حزب الله مادة دسمة في مهرجانات <المستقبل> واحتفالات ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري. الإشارة الوحيدة واليتيمة كانت غير مباشرة حين ذكر زعيم <المستقبل> ان أموال <الكاش> الإيراني يمكن أن تحمي حزباً لكنها لا تحمي دولة. حتى ان الدور الإيراني في لبنان والمنطقة غاب عن الخطاب غياباً تاماً باستثناء الجملة اليتيمة أعلاه. وفي هذا الموقف، حدث متطور في أداء الرئيس الحريري الذي لم يكن يترك مناسبة إلا وينتقد الدور الإيراني ويربطه بالحزب الذي يتكل على <فائض القوة> ويلمح بشكل غير مباشر الى أحداث 7 أيار (مايو) 2008. وردّت مصادر سياسية <تغييب> الحزب بأنه <لحفظ خط الرجعة> ولتثبيت مناخ التهدئة القائم بين الحريري وحزب الله الذي ظل متمسكاً بزعيم تيار <المستقبل> رئيساً للحكومة حتى آخر لحظة. وهو أراد، وفقاً للمصادر نفسها أن يوجه رسالة الى حزب الله بأنه لا يريد المواجهة معهم سياسياً لئلا تنعكس ميدانياً خصوصاً وان النفوس مشحونة ولا ينقصها لإشعال فتنة إلا عود ثقاب سياسي يزيد الطين بلّة.

رابع هذه الملاحظات ان الرئيس الحريري، رغم خلافه مع <التيار الوطني الحر> ورئيسه، لم يقترب من حزب <القوات اللبنانية> الذي لم يسمه رغم انه حرص على الترحيب بالوزيرة السابقة مي شدياق بصفتها <الشهيدة الحية>، وهذا الأمر يدل على رغبة حريرية بالابتعاد أكثر عن الثنائي الماروني (باسيل وجعجع) في مقابل الاقتراب أكثر من البيوتات السياسية المسيحية التقليدية مثل آل فرنجية، وهو خص الوزير السابق سليمان فرنجية بلفتة خاصة على رغم عدم وجود ممثل عنه في الاحتفال. وفي رأي مصادر سياسية متابعة ان الحريري ينوي في المرحلة المقبلة الانفتاح أكثر على المراجع الدينية المسيحية، وأول خطوة في هذا المجال ستكون زيارته بكركي بعد عودة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من زيارته الرعوية الى روما.

لفتة نحو جنبلاط!

خامس هذه الملاحظات، انه في مقابل امتناع الحريري عن تسمية باسيل بالاسم أو تحية جعجع أوآل الجميّل، حظي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وحده بإشادة اسمية، علماً ان هذا الأمر كان متوقعاً في إطار معاودة انفتاح الحريري على جنبــــــــــــــــــــــــــــــــــلاط على رغم الفتور الذي أصاب العلاقة بين الرجلين في الآونة الأخيرة. ولا ينتسى في هذا السياق دور الرئيس نبيه بري الذي يريد أن تبقى علاقة الحريري بجنبلاط جيدة، مثل العلاقة بين الحريري وسليمان فرنجية، علماً ان الأربعة (بري ــ الحريري ــ جنبلاط ــ فرنجية) يشكلــــــــــــــــــــــــون نواة المواجهة المرتقبة مع العهد والنائب باسيل وتياره الواسع. وفي كلمة الحريري أكثر من إشارة الى الآتي من الأيام حيث من المفترض أن تشهد البلاد ولادة جبهة المعارضة ولو من دون اعلان أو تحالف معلن.

سادس هذه الملاحظات ان الرئيس الحريري خصص مساحة واسعة في خطابه للحديث الى القاعدة الزرقاء التي قال انه بَعُدَ عنها بسبب الظروف السياسية التي مرت بها البلاد، فوعد بالعودة إليها من خلال <حركة تصحيحية> داخل <التيار الأزرق>، وزيادة حضوره في صفوفها، والاستماع أكثر الى مطالبها من خلال ورشة عمل داخلية في التيار، وتنظيم المؤتمر العام الذي يمكن من خلاله انتخاب قيادة جديدة تعيد الهيكلية التنظيمية للتيار، الأمر الذي أراح الكثير من القيادات <المستقبلية> التي باتت على قناعة بأنه لا يمكن استمرار التيار في ظل الهيكلية الحالية. كما حرص الحريري على إعطاء تطمينات لجميع موظفيه الذين تم تسريحهم من مؤسساته بأنه ملتزم بدفع كل مستحقاتهم المالية مهما كلف الأمر.

سابع هذه الملاحظات مسايرة الرئيس الحريري لـ<الحراك الشعبي> من خلال تأكيده على انه استقال من الحكومة تلبية لرغبته، وباعلان تأييده إجراء انتخابات نيابية مبكرة، على رغم ان هذه المسألة غير موجودة في <أجندة> القوى السياسية الرئيسية حتى الآن، لاسيما وان الحديث عن اجراء مثل هذه الانتخابات من دون قانون انتخابي واضح هو مجرد <امتصاص نقمة> أو <ركب موجة> الحراك لا أكثر.

ثامن هذه الملاحظات تجاهل الرئيس الحريري حكومة الرئيس دياب كلياً وعدم الإشارة إليها، لا بل انه قلل من شأن ما يمكن أن تقوم به الحكومة، معلناً انه سيجوب العالم من أجل تقديم المساعدة للبنان وللبنانيين...

أما الملاحظة التاسعة والأخيرة فهي غياب المحكمة الدولية من أجل لبنان عن الخطاب بكامله خلافاً لما كان يحصل في خطب سابقة!