تفاصيل الخبر

الحريري خارج السباق الحكومي.. من أخرجه؟

02/09/2020
الحريري خارج السباق الحكومي.. من أخرجه؟

الحريري خارج السباق الحكومي.. من أخرجه؟

بقلم علي الحسيني

 

[caption id="attachment_80743" align="alignleft" width="366"] الرئيس سعد الحريري خارج السراي.[/caption]

 منذ استقالة حكومة الرئيس حسّان دياب، ظلّ التداول بعودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة يتصدّر واجهة الأحداث السياسية المحليّة مع عطفها على التداولات الخارجيّة وتحديداً الأميركية ـ الفرنسية ـ السعودية. والمُلاحظ أن البعض فسّر الشروط التي كانت تصدر باسم "بيت الوسط" أو من مقربين منه لعودته، بأنها "عرف مقامه فتدلل". أيضاً هناك البعض الآخر الذي اعتبر خروجه من السباق الحكومي، جاء على طريقة "أُحرج فأُخرج" وذلك بعد العراقيل التي وضعت أمامه وتحديداً من قبل "التيّار الوطني الحر".

مشكلة الحريري مع البعض وليس الكل

بالعودة إلى إستقالة الحريري التي تقدم بها في التاسع والعشرين من تشرين الأول (اكتوبر) العام الماضي بعد وصوله إلى "طريق مسدود" وأيضاً من بوّابة إحداث صدمة كبيرة لمواجهة الأزمة، وذلك تجاوبا مع ارادة اللبنانيين الذين نزلوا الى الساحات للمطالبة بالتغيير، فقد جاءت الخطوة هذه في حينه، بعدما أدرك الرجل صعوبة أو استحالة البقاء في سُدّة المسؤولية في وقت يُعاني الشعب من الجوع والفقر والذل بسبب المُمارسات القهريّة التي ما زال يُصرّ بعض أصحاب القرار على المضي بها من أجل تحسين مواقعهم وتحصينها، غير أبهين بأوجاع الناس ولا بمصالح البلد.

 المعروف، أن هذه المُمارسات التي كانت وما زالت حتّى الامس القريب سائدة ومطبوعة في أذهان هذا البعض والتي تحوّلت مع الوقت إلى نهج سياسي لدى هؤلاء، هي التي دعت الحريري منذ اسبوعين لسحب اسمه من التداول حول رئاسة الحكومة، انطلاقاً من قناعته التي سبق وتحدّث عنها ولعلّ أبرزها: الحفاظ على فرصة للبنان واللبنانيين لإعادة بناء عاصمتهم، وتحقيق الإصلاحات المعروفة، والتي تأخرت برأيه كثيراً.

وأيضاً في المعلومات أن الحريري لمس خلال الفترة الأخيرة وتحديداً قبل سحب اسمه من التداول، بأن هناك إصراراً لدى رئيس "التيّار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، بالإحتفاظ بما يعتبره مكاسب سياسيّة ـ طائفيّة، وهو أمر يتنافى تماماً مع الشرطين الأساسييّن اللذين كان وضعهما لقبوله بالعودة إلى رئاسة الحكومة، الاول: تشكيل حكومة مستقلّة، والثاني: منح الحكومة الصلاحية لإصدار مراسيم اشتراعية.

الرفض الداخلي والخارجي.. ما حقيقته؟

[caption id="attachment_80744" align="alignleft" width="516"] الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل.. ما هي كلمة السر؟[/caption]

وتُشير المعلومات إلى أن هذين الشرطين اللذين أضاف اليهما الحريري شرطه الثالث الذي كان أعلنه من على بوّابة المحكمة الدولية في لاهاي، وهو تسليم "حزب الله" المُتهم سليم عيّاش كبادرة حسن نيّة من الأخير على فتح طريق الإنخراط تحت مظلّة الدولة، مع رفض الفريق الآخر تطبيق أي منها، كانت بمثابة الدليل القاطع له، على أن ترؤسه لأي حكومة مُقبلة، سيضعه أمام خيارين: إمّا ان يكون شاهد زور فيها، أو أنه سيحمل التكليف في يد، والإستقالة بيده الأخرى.

وحول ما يُحكى عن رفض سعودي لعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، بالإضافة إلى رفض كل من رئيسي حزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط و"القوّات اللبنانية" سمير جعجع، توضح المعلومات أن الرفض السعودي ليس قائماً على خلفيّة شخصيّة، بل العكس فالعلاقة بينهما أكثر من ممتازة، وهذا ما تؤكده الزيارات المتكررة للسفير السعودي وليد البخاري إلى "بيت الوسط"، لكن المملكة لا تُريد منح "حزب الله" وسلاحه شرعيّة سُنيّة، خصوصاً من جهة بحجم الحريري السياسي مع ما يُمثله في الشارع السُنّي.

أمّا عن الحليفين جنبلاط وجعجع، فثمّة تأكيد على أن العلاقة مع الأوّل مستقرّة وأن أي خلاف بينهما، لا يعدو أكثر من كونه خلافاً تكتيكياً أو حول الأولويات أو طبيعة المواجهة السياسية مع ما تتطلبه من مواقف قد يُختلف حولها حتّى ضمن الفريق السياسي أو الحزبي الواحد. وعن علاقة الحريري بجعجع، يتبيّن بحسب المعلومات أن الأخير لا يزال "حاقداً" على قبول الحريري استبعاد "القوّات" من حكومته السابقة والتماهي مع الخيار بالذهاب الى حكومة وحدة وطنيّة، بغض النظر عن نجاح هذه التجربة من عدمها.

[caption id="attachment_80745" align="alignleft" width="375"] الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله.. اللعبة الخفية.[/caption]

 في ظل ما كان يجري من تقلّبات سياسية أو ربما انقلابات بين أركان السلطة، كانت حركة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أكثر من ناشطة وذلك اثر دخوله كوسيط بين الجهات السياسية محاولا التقريب بين وجهات نظرها المتباعدة حيال التكليف والتأليف، وهو الذي كان يسعى إلى تقصير المسافات بين بعبدا وعين التينة و"بيت الوسط" ودار الفتوى الإسلامية. لكن كل هذه المحاولات باءت جميعها بالفشل خصوصاً بعدما أراد البعض إفشال مساع اللواء ابراهيم منعاً لتكريسه كطرف أساسي في البلاد مسؤول عن حلّ الازمات المستعصية، خصوصاً وان هذا الواقع، بدأ يفتح له آفاقاً واسعة للدخول الى قلب المؤسسات السياسية الرسمية في البلاد.

"القوّات" والاشتراكي يرفضان

[caption id="attachment_80746" align="alignleft" width="376"] الوزير والنائب السابق وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع .. جمعهما الرفض.[/caption]

المؤكد أن حزبي "القوات اللبنانية" و"التقدمي الاشتراكي" كانا قد حسما موقفيهما برفض عودة الحريري الذي اعتُبر كلامه عن الإنسحاب من السباق الحكومي، على انه مناورة تكتيكية ـ سياسيّة تأتي بالتنسيق مع السلطة الحاكمة، تماماً كم اعتُبرت المرحلة الحالية بانها مرحلة حرق أسماء تُشبه إلى حد كبير المرحلة التي سبقت تسميّة الرئيس حسّان دياب والتي احترقت فيها مجموعة أسماء من بينها الحريري نفسه. لكن تسمية مُصطفى اديب كرئيس مُكلّف لتشكيل الحكومة الجديدة، نقضت كل التوقعات وجاءت لتؤكد أن الجميع مُتفق على تسمية الرجل، سواء بضغط خارجي أو تسوية محلية، على الرغم من تأكيد البعض على أن العبرة في التأليف وليس في التكليف.

الحرب بين بعبدا و"بيت الوسط"َ!

مقربون من الحريري، اعتبروا أن خطوة انسحابه من ميدان السباق الحكومي جاءت ذكيّة منه،  ذلك أن الحريري برأي هؤلاء كسر جدار صمت اعتصم به طويلا، ليفتح النار السياسية على الرئيس عون وصهره جبران باسيل، اللذين تشي الأجواء التي ضخت في البلد بأن شروطهما المضادة للسقف الذي حدده الحريري لقبول مهمة التشكيل هي التي قد تكون دفعته إلى الانسحاب من الصورة. وتبعا لذلك، فإن قرار الرئيس الحريري يعتبر خطوة قد تضع بعبدا في موقف حرج لاحقاً خصوصاً في ظل الحديث عن أن حكومة أديب ستكون نُسخّة مُنقّحة عن حكومة الرئيس حسّان دياب، لأن لا معطيات محلية أو خارجية، يمكن الركون اليها من اجل انتشال البلد مما هو غارق فيه من ازمات متشعّبة ومتعددة.

في أي حال، ليس في الصورة ما يشي بأن الولادة الحكومية الجديدة ستكون سهلة كما يظن البعض، هذا في الشقّ المتعلّق بسير عملها، لأنها لا تمتلك مثلاً عصاً سحرياً لتحقيق المعجزات، خصوصاً وأن الجميع يعلمون بأن المشكلة ليست في الأسماء ولا في الشكل، بل في إرادة الاصلاح من عدمها عند البعض، وهو ما يؤكد عليه المجتمع الدولي في وتيرة شبه يومية.

وبرأي مصادر سياسية بارزة أن بيان الانسحاب الذي أراده الحريري مكتوباً ورسمياً جاء ليؤكد جدية ونهائية قراره، وأوحى بأن مشكلته الرئيسية تكمن مع الرئيس عون ومع باسيل. وكانت أيضاً باتجاه الاخيرالذي ما زال (حسب تعبير الحريري) في حال من الإنكار الشديد لواقع لبنان واللبنانيين، ويرى في تشكيل أي حكومة مجرد فرصة جديدة للابتزاز من زاوية أن هدفه الوحيد التمسك بمكاسب سلطوية واهية، ولاحقاً تحقيق أحلام شخصية مفترضة في سلطة لاحقة.

الخلاصة.. هذه مشكلة الحريري

في الخلاصة، يبدو واضحاً أن مشكلة الحريري لم تكن لا مع "حزب الله" ولا مع أي طرف سياسي آخر، بل كانت أولاً مع عون وباسيل، وهذا ما أوحاه عندما أعلن رفضه رئاسة الحكومة حتى لا يقع مجدداً تحت الابتزاز ومن خلال تفاهم مسبق على الحكومة وربط التكليف بالتأليف.. ولكن من الواضح أيضا أن مشكلة الحريري هي أكبر وأوسع من مجرد خلاف مستحكم مع باسيل، وايضاً بالنسبة الى عودته التي لم يكن مرحباً بها من الحلفاء والخصوم على حد سواء، الى درجة أن أي تسمية له في استشارات التكليف قبل تسمية أديب، كانت  ستضعفه أمام جمهوره وأمام الدول الخارجية، لاسيّما منها السعودية والولايات المتحدة الاميركية.