بقلم علي الحسيني
منذ أكثر من شهرين وإعلام حزب الله والنظام السوري يتحدث بشكل يومي عن تقدم ملحوظ لهما داخل مدينة الزبداني السورية حتى بات الجميع ومن بينهم جمهور الحزب نفسه يسأل عن جدوى هذا التقدم في ظل سقوط مزيد من العناصر والسر الذي يمنع اعلان سقوط المدينة بشكل نهائي.
ما هي الزبداني؟
هي مدينة ومصيف سوري يعتبر من أقدم وأشهر المصايف العربية يبلغ عدد سكانها ستين الف نسمة، تتبع لمحافظة ريف دمشق وتقع على مسافة 45 كم شمال غرب العاصمة دمشق. وتمتد المدينة على سفوح جبال لبنان وتشرف على سهل الزبـــــداني وتحيط بالمدينة مجموعة من البلدات والقرى منها: بلودان وبقين ومضايا وسرغايا، وينبع من جنوبها نهر بردى الذي غنّت له فيروز. كما تكثر الينابيع في الزبداني، فمنهـــا نبع العرق و الكبري والجرجانيـــــة، وتتنوع فيها الثمار وأشجار الفاكهة من تفاح الزبداني والإجاص والخوخ والدراق والجوز والتين والعنب وغيرها.
أصل الكلمة
تسمى بـالزبداني بكسر الزاي وسكون الباء وتلفظ ايضا بفتح كليهما وهو الأصح لأنه منقول عن أصله الآرامي، والأصل في اللغة الآرامية والسريانية ثم العربية واحد والمفرد منها <زبد> ومعناه اللب أو لب الخير وخلاصته انها دخلت إلى اللغة العربية باللفظ والمعنى نفسه. ولكون هذه الكلمة مقدسة عند الآراميين فلقد أوجدوا لها إلهاً وصنعوا له تمثالاً عبدوه وبنوا له المعابد والهياكل وجعلوه ابن الشمس الإله الأكبر. ويعتقد ان سكانها القدامى يعودون في اصولهم الى سكان مدينة دمشق وبعلبك والأماكن المجاورة لهما مثل الابلية اي سوق وادي بردى في جبال دمشق وكلشيش أو عنجر وما جاورهما.
وللزبداني مطبخها الخاص
اشتهرت الزبداني بأكلات شعبية متوارثة جيلاً بعد جيل. والمطبخ الزبداني هو جزء من مطبخ بلاد الشام. والمرأة الزبدانية طباخة ماهرة تجلت فيها هذه المهارة عبر الأجيال، فمطبخها مطبخ متنوع حافل بما لذ وطاب من الأكلات الصيفية والشتوية. ومن أهم الأكلات الزبدانية الشعبية: الكبة بأنواعها المختلفة ومنها الكبة العادية، وكبة البطاطا، وكبة بكشك، وكبة يقطين، وكبة بمرمزا، وكبة عكوب، وكبة حيلة، وكبة عصافير. ويتم طبخ هذه الأنواع كافة إما بإضافة اللبن لها وتسمى باللبنية أو مشوية أو مقلية.
الزبداني.. أول بلدة
يقتحمها النظام
خــــلال حركة الاحتجاجـــــات الشعبية في عامي 2011 و2012 ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا كانت لمدينة الزبداني وقراها مشاركة فاعلة في الحراك المعارض وقد تعرضت التظاهرات في ذلك الوقت لهجمات متكررة من النظام وسقط الكثير من القتلى واجتاحها النظام بأكثر من 2000 جندي وسرية من الدبابات والمدرعات وتم محاصرتها بعدما جرى اغلاق منافذها، فكانت البلدة السورية الاولى من بين المدن السورية التي يقتحمها النظام في بداية الثورة. وعلى الرغم من التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار بين اهالي الزبداني والجيش النظامي غير ان الجيش عاد وقصفها مجدداً لينتهي الأمر بعد اسبوع بمقتل زهاء 100 ضحية من الاهالي جرى على أثرها إبرام اتفاق جديد بين السلطات والجيش الحر، يَقضي بانسحاب الاخير من المدينة وتسليمه العتاد والسلاح الذي استولى عليه من قوات الجيش النظامية، مقابل ترك افراده يخرجون بسلام والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى الزبداني.
ستون يوماً مضت على اعنف المعارك التي يشنها حزب الله مدعوماً بجيش النظام وطائراته ودباباته على مدينة الزبداني جرب خلالها النظام والحزب الأساليب العسكرية والسلمية مستعيناً في بعض الاحيان بخبرات الحرس الثوري الايراني لكن من دون أن ينجح في السيطرة على المدينة بأكملها بعدما تمكن بفعل الهجمة الشرسة والامكانات العسكرية الهائلة من السيطرة على سهل الزبداني البالغة مساحته 10 كيلومترات مربعة كانت تستخدمه المعارضة كنقطة انطلاق لمهاجمة حواجز النظام على طريق دمشق بيروت وطريق وادي بردى ومنطقتي الجبل الشرقي والجبل الغربي المحيطتين بمدينة الزبداني وبالسهل الملاصق لها.
ولا تقل الزبداني بالنسبة الى النظام السوري وحزب الله أهمية عن بلدة القصير السورية التي سقطت بيد الحزب منذ عامين تقريباً، وهي تعتبر مفتاح الاستقرار لريف دمشق الغربي والحدود اللبنانية ومعها ينتهي ربما الوجود الاخير او آخر تحصينات الجماعات المسلحة التي تصادمت مع مقاتلي حزب الله في أرياف حمص والقلمون، وانطلاقاً من هذه الاهمية لم يكن مفاجئاً لمتابعي الاحداث في سوريا وسير معاركها توجيه الحزب منصات صواريخه الى الزبداني بعدما اعتبر انه حقق إنجازاً نوعياً في جرود القلمون وعرسال وحصر المسلحين ضمن مناطق محددة يصعب عليهم التحرك بحرية بعدما ضيق الخناق عليهم. وضمن خريطة سيطرته على الحدود اللبنانية السورية يمضي الحزب في سياسة القضم على طول الحدود الشرقية رغم المواجهات الشرسة التي تتصدى له على اكثر من محور داخل البلدة وعند حدودها لا سيما منها الغربية التي تعد من اقوى الجبهات واكثرها صموداً.
الهدنة وأسباب سقوطها
في السابع والعشرين من الشهر الماضي دخلت ايران بشكل جدي وفعلي مع حركة أحرار الشام الفصيل السوري المسلح في مفاوضات سياسية سرية في اسطنبول برعاية تركية تتعلق بإيجاد حلول لمدينة الزبداني المحاصرة من قبل الحزب ولبلدتي الفوعة وكفريا في ريف ادلب اللتين تتشارك الحركة في حصارهما مع عدد من الفصائل المسلحة على رأسها جبهة النصرة ضمن اتحاد عسكري يدعى جيش الفتح. ولكن حركة أحرار الشام أعلنت منتصف الاسبوع الفائت وبشكل مفاجئ في بيان، توقف المفاوضات مع الوفد الايراني بعد إصراره على تفريغ الزبداني من المقاتلين والمدنيين وتهجيرهم الى مناطق اخرى، لتتكشف على الاثر معلومات تفيد عن طرح المفاوض الإيراني جملة حلول لأزمة الزبداني والفوعة وكفريا منها سماح الفصائل لأهالي البلدتين الشيعيتين بالانتقال إلى الزبداني السنية، بعد مغادرة المسلحين والاهالي لها باتجاه بلدتي مضايا او بلودان القريبتين من الزبداني او باتجاه الفوعة وكفريا بعد اجلاء اهاليها وتوجههم الى الزبداني وهو ما اعتبرته الحركة حالة تصب في مصلحة المشروع الايراني الهادف الى تقسيم سوريا طائفياً ومذهبياً.
ماذا قالت مصادر الحزب والمعارضة؟
لم يستفد المقاتلون والمدنيون في الزبداني من وقف النار الذي استمر 72 ساعة لإدخال المؤن او الذخيرة بسبب الحصار المشدد على جميع مداخلها. هذ ما اكدته مصادر في المعارضة عبر مجلة <الافكار> واضافت <الايرانيون بالغوا في مطالبهم المتعلقة بتسليم مدينة الزبداني الى جانب اخلاء بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين من قوات المعارضة مقابل عدم التنازل تجاه مطالب المعارضة التي كان بينها اطلاق سراح عدد من المعتقلين>. ولفتت الى ان الشروط التي ارسلها النظام عبر الوسيط الايراني قوبلت بالرفض القاطع من جميع فصائل المعارضة خصوصاً بعد شعورها بأن التفاوض يجري فقط على خروج المسلحين وهو ما لا يحقق أي فائدة للفصائل.
وقالت المصادر: <هذا الرفض انعكس غضباً من النظام الذي صب براميله على الزبداني التي انهالت عليها الصواريخ بشكل جنوني لم يسبق له مثيل مباشرة بعد خرق الهدنة في حين ردت المعارضة بمعركة لهيب داريا ومعركة تحرير ادارة المركبات واعادة الهجوم على كفريا والفوعـــــة. واكدت ان حــــوالي خمسمئة مدني لا يزالون في المدينة إضافــــة إلى اكثر من ألفــــي مقاتـــــل في حين نزح نحو اربعة آلاف نسمة في بداية المعركة الى القرى المجـــاورة ويعـــاني معظمهم من نقص في المواد الغذائية ناهيك عن الذين ينامون في الشوارع>.
في المقابل أشارت مصادر مطلعة قريبة من حزب الله الى ان وقف إطلاق النار كان فرصة للمسلحين في الزبداني لمغادرة المدينة دون ان يضطر الى استعمال الاسلوب الحربي لمواجهتهم، ولكن بعد عدم احترام شروط الهدنة التي نصت على انسحاب المسلحين واخلاء بلدتي كفريا والفوعة لم يعد من خيار الا اقتحام المدينة. وتوقعت ان يكون الحسم لصالحها في الزبداني خلال مدة ليست طويلة خصوصاً وان تفويت فرصة الهدنة التي كانت لمصلحة الطرفين سينعكس على المقاتلين المحاصرين داخل المدينة منذ شهر ونصف الشهر.
ايران: الى الخطة <ب> در
القيادة الايرانية كانت وضعت منذ فترة طويلة حلفاءها في أجواء استحالة السيطرة على الوضع الميداني السوري برمته او حتى استرجاع مناطق وبلدات كانت قد سقطت بأيدي الثوار، ودعتهم يومها للتحضر الى تطبيق (الخطة ب) وهي الاستماتة في الدفاع عن البلدات الواقعة على الحدود اللبنانية من القصير الى القلمون فالزبداني والتي تعتبر اول خطوة في آخر مرحلة ستنتهي في الغوطة الشرقية لتفريغ دمشق ومحيطها من الوجود السني، وبهذا يمكنها فرض واقع ديموغرافي جديد على حدود حليفها حزب الله يمكن ان يستوعب لاحقاً اهالي بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب وغيرهم من أهالي القرى والبلدات الشيعية التي تقع ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار، وذلك كعملية استباقية لأي مخطط غربي يمكن ان يضع في الحسبان نهائية تقسيم سوريا.
حزب الله يعيد تزييت
سلاحه في القصير
إشارات عدة تبرز صعوبة المواجهة التي يخوضها حزب الله في سوريا وعلى جبهتي القلمون والزبداني على وجه الخصوص، فخلال الاسبوعين المنصرمين اضطر الحزب الى تحريك جبهة القصير في ريف حمص التي ظلت منذ احتلاله لها بعيدة عن الصراع المسلح والمناوشات لدرجة ان الحزب نفسه كان اعتبرها حزاماً آمناً له وجزءاً اساسياً من حدوده الديموغرافية، لكن وبفعل الضغط العسكري الذي يمارسه الثوار من داخل الزبداني وعند اطراف جوسية والقصير حيث دارت منذ ايام اشتباكات بين الجهتين، أعاد الحزب تزييت مدافعه ورفع الشوادر عن راجماته تحسباً لمعركة قريبة وقد ترافقت هذه التحركات مع معلومات تحدثت عن استعدادات تقوم بها الفصائل المسلحة لخلق جبهة موحدة في ريفي دمشق وحمص لاسترجاع قرى وبلدات كان النظام والحزب قد سيطرا عليها في السابق.
المقداد: أهالي الزبداني رفضوا الشروط المذلة
كل هذه التطورات قال فيها الكاتب والمحلل السياسي السوري خليل المقداد <ان فشل المفاوضات بشأن الزبداني يعود الى ان أهالي المنطقة يرفضون الشروط المذلة والمتمثلة في تفريغ الزبداني من أهلها السنة وان إيران والنظام السوري أرادا استغلال الحراك الدولي الحاصل حالياً بشأن سوريا لتحقيق مكاسب، ويريدان عملية احلال بشري في المنطقة تضمن لهم حماية حليفهم حزب الله اللبناني>. وأكد ان النظام السوري سيفرغ الزبداني خاصرته الغربية وايران تريد الحفاظ على حزب الله اللبناني ولذلك اعتقد بأنه لن تكون هناك تسوية في المنطقة ونحن مقبلون على مزيد من المعارك وعلى جميع فصائل المعارضة أن تنبري للدفاع عن الزبداني>.
فرحات: العودة الى
المفاوضات واردة
من جهته اعتبر العميد اللبناني المتقاعد الياس فرحات ان مفاوضات الزبداني خطوة الى الامام وهي حققت في بداياتها نجاحاً ضئيلاً لوقف إطلاق النار ولو لفترة محدودة لكن الخلاف حصل حول التسوية. واعتبر أن التهجير أمر جديد في الأزمة السورية وان التركيبة السورية ستتغير اذا ما فتح هذا الباب، وأعتقد بأنه لا النظام ولا المعارضة السورية يريدان تقسيم سوريا لأن الصراع بينهما ليس طائفيا او مذهبيا وانما هو صراع سياسي على السلطة.
ورأى العميد فرحات ان العودة الى المفاوضات بشأن الزبداني واردة وان الإيرانيين يمكن ان ينجحوا في الوصول الى تسويات أمنية تتطور الى تسويات سياسية لاحقاً.
حزب الله يعزل بعض عناصره
في الزبداني
خلال اليومين الماضيين وتحديداً قبل سقوط اتفاق الهدنة بين حزب الله والفصائل السورية المسلحة في الزبداني جرى تسريب صور من أرض المعركة تظهر عناصر من الحزب وهم يتحدثون على الارض وعبر الشرفات مع عناصر من المعارضة واكثر من ذلك تؤكد مصادر خاصة ان لقاءات حصلت بين مندوبين عن الطرفين في الزبداني تحدث كل منهما عن وجهة نظره حول المعركة، ولكن، وبعد سقوط الهدنة عمدت قيادة حزب الله الى تجميد عضوية عدد من هؤلاء العناصر خصوصاً وان صرخة عارمة كانت خرجت عن بيئة الحزب وجمهوره استنكرت هذه الصور ودعت الى محاسبة العناصر الذين تواصلوا مع المسلحين وحتى الى طردهم. وكانت والدة احد عناصر الحزب الذين سقطوا في الزبداني علقت على مشاهد الصور عبر صفحة ابنها على <الفايسبوك> بالقول <دماء أبنائنا لم تجف بعد وأـنتم تلتقطون الصور مع الذين قتلوهم>.