تفاصيل الخبر

الـحـــــرب الـســــوريّة.. عـلـــى أي شـاكـلـــــة سـتـنـتـهـــــي؟

24/03/2017
الـحـــــرب الـســــوريّة.. عـلـــى أي شـاكـلـــــة سـتـنـتـهـــــي؟

الـحـــــرب الـســــوريّة.. عـلـــى أي شـاكـلـــــة سـتـنـتـهـــــي؟

 

بقلم علي الحسيني

 من-الشيشان-الى-سوريا-----A  

ست سنوات على الحرب السورية والمشهد هو نفسه. قتل تدمير وتهجير، والاعداد الى تصاعد باستمرار، لكن ليس هناك من يُجيب لصرخات واستغاثة الملايين من أبناء الشعب السوري لإبعاد آلة القتل عنهم التي تأتيهم من كل حدب وصوب. ست سنوات والألم يعتصر في نفوس السوريين بعدما خلفت الحرب في بلادهم اكثر من نصف مليون قتيل وأكثر منهم عدداً من الجرحى ومليوني نازح والحبل على الجرّار.

نتائج الحرب السورية

منذ ستة أعوام، تشابكت الوقائع والمواقع، إذ قرر جزء كبير من الشعب السوري الخروج على النظام الحالي بشكل سلمي من خلال التظاهرات والشعارات وذلك قبل ان تتحول الى ثورة مسلحة أكلت الاخضر واليابس في البلاد. وبعد كل هذا الزمن الصعب الذي مرّ على سوريا، خرجت منذ يومين إحصاءات وتقارير للأمم المتحدة تؤكد أن 2.8 مليون سوري يعانون إعاقة جسدية دائمة بسبب الحرب المستمرة في سوريا، وتعرّض 30 ألف سوري شهرياً لصدمة نفسية جراء الصراع. واليوم تستمر الحرب وسط غياب الجهود الهادفة إلى انهاء الحرب او الحد من الانتهاكات. شنت الحكومة وحلفاؤها هجمات عديدة وعشوائية على المدنيين، علاوة على السجن بمعزل عن العالم الخارجي والتعذيب المنتشرَين في مراكز الاحتجاز. كما قامت جماعات المعارضة المسلحة غير الحكومية أيضاً بانتهاكات خطيرة، شملت مهاجمة المدنيين وتجنيد الأطفال والخطف والتعذيب.

ويصح القول إنه بعد ست سنوات كاملة مضت، فإن الحرب السورية الدامية والمدمرة لم تنته فصولها بعد. صحيح أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد لم يسقط بسبب الدعم العسكري المُباشر الذي تأمن له عبر ايران ومجموعات ممولة ومسلحة من قبلها ثم عبر روسيا في مرحلة لاحقة، وصحيح أن الجيش السوري استفاد من هذا الدعم الميداني الكبير لاستعادة أغلبية المناطق السورية الرئيسة وآخرها حلب، لكن الأصح أن بعض المدن والكثير من الأرياف لا تزال خارج سيطرته، وهي حالياً محور قتال متعدد الأطراف للسيطرة عليها. واللافت أنّه على وقع المعارك المتفرقة التي لا تزال قائمة على الرغم من اتفاقات وقف النار التي كان جرى التوافق عليها نهاية العام الماضي، يتم تنظيم المؤتمر تلو المؤتمر، تارة في استانة وطوراً في جنيف، على أمل الخروج باتفاق تسوية. لكن السؤال البديهي: هل فعلاً توجد هناك نهاية قريبة لهذا النفق المُظلم؟.

من-سيُعيد-بناؤها؟-----A 

الانعطافة الكُبرى في مسار الأزمة

من الجدير بالذكر أن الأزمة السورية شهدت منعطفاً خطيراً في السنتين الأخيرتين، عندما تدخلت القوات الروسية بشكل علني للدفاع عن حلفائها السوريين المتمثلين بالنظام والحلفاء المناصرين له في خطوة اعتبرت انتهاكاً للسيادة السورية التي لم تكن موجودة أصلاً، في ظل وجود نفوذ كبير لتنظيم <<داعش>> وسيطرة قوات حماية الشعب الكردية على مساحات شاسعة من الشمال السوري ناهيك عن الوجود المتبعثر لقوات المعارضة السورية وعلى رأسها <القوة الضاربة> جبهة <النصرة>. ووسط هذا التبعثر الحاصل على الاراضي السورية، استطاع النظام السوري تحقيق العديد من الانتصارات على مدار الحرب السورية على الرغم من انه كان الجهة الضعيفة في بداية الازمة والمرشح الابرز للخروج من سوريا قبل مده من قبل حلفائه بالتعزيزات العسكرية والقدرات البشرية. وقد جاءت هذه الانتصارات مدعومة بسلاح الطيران الروسي الذي مثل الغطاء الجوي الذي فشلت المعارضة في موازاته قوة في أغلب الأحيان.

واليوم وبعد سقوط حلب، لم يبق للمعارضة سوى القليل من المناطق الحيوية، لكن هذا الكلام مبكر في ظل وجود قوات من مختلف الدول في تركيا والأردن على وشك اجتياح الداخل السوري لمحاربة الإرهاب او لمواجهة <داعش> مثل الحلف الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية، أو لمواجهة الاكراد ومنعهم من إقامة دولتهم، وهذا امر تتكفل به تركيا التي تتوعد الاكراد بشكل يومي في سوريا. وهنا يبقى التساؤل عن إمكانية التوصل إلى حل ينتهى بسوريا موحدة بعد الحرب، أم أن سورية باتت على حافة التقسيم في ظل تصريحات أميركية وإسرائيلية تلوح بالخطة (ب) التي وصفها وزير الخارجية الأميركي الاسبق بالخيار البديل في حال فشلت المفاوضات والمؤتمرات والتسويات القائمة. وها هي فعلاً اليوم، تسقط كل هذه المحاولات وفي طليعتها مؤتمرا استانة وجنيف.

موانع الحل في سوريا

هل-سيسمع-نداءات-الرحيل-ام-يُعاد-انتخابه؟ 

لا شك أن جهوداً دولية مضنية تبذل منذ مدة غير قليلة لإنهاء الحرب السورية، لكن من دون تسجيل نتائج مهمة بعد، وذلك بفعل وجود العديد من العقبات والمشاكل التي لم يتم التوافق على صيغة تسوية بشأنها وأبرزها: اصرار الرئيس بشار الأسد على البقاء في السلطة منطلقاً من موازين القوى على الأرض والتي صارت مائلة نوعاً ما لصالحه، الأمر الذي دفعه إلى التشدد في رفض كل ما يُقترح من قبل معارضيه والدول والجهات الداعمة لهم، بضرورة وضع تاريخ محدّد لنهاية ولايته الرئاسية، على أن تدير حكومة موقّتة تمثل كل الأطراف البلاد لفترة إنتقالية تنتهي بإجراء انتخابات نيابية عامة، ثم رئاسية، وذلك بإشراف من الأمم المتحدة.

ثانياً: مشكلة طبيعة الدولة السورية وطبيعة الحكم فيها بعد انتهاء العمليات العسكرية،حيث لا رؤية واضحة حتى اليوم بين القوى والدول المتصارعة على الأرض السورية، بالنسبة إلى من سيحكم سوريا في المستقبل، وكيف سيكون الحكم، وما هي مواد الدستور الجديد، ومن ستضم الحكومة، وكيف ستجري الإنتخابات ووفق اي قوانين، وكيف سيتم إعادة بناء الجيش، وما مصير الوحدات التي انشقّت منه، وعشرات الملفّات الأخرى التي لا تزال من دون حلول حتى تاريخه. والمفارقة أن بعض الخصوم والأعداء يقفون في صف واحد إزاء بعض البنود، على غرار رفض كل من ايران وتركيا تقسيم سوريا إلى كانتونات مذهبية وعرقية كما كانت تخطط الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس <باراك أوباما>، وذلك نتيجة رفض أنقره لأي <كانتون> كردي قد يتحول مع الوقت إلى نواة لدولة كردية على حدودها يمكن أن تستقطب جزءاً مهماً من أكراد تركيا، وكذلك نتيجة رفض طهران لأي تقسيم مذهبي، لأنه سيعني عملياً سيطرة الدويلة السنية على الدُويلة العلوية ولو بعد حين، وذلك بسبب الفارق العددي الشاسع بين الطرفين.

اما المشكلة الثالثة، فتتمثل بالأجانب الذين يدعمون النظام والجيش السوري وهم من لبنان والعراق وايران واليمن وحتى من افغانستان وباكستان وطاجيكستان، و الذين يدعمون فصائل المعارضة بمختلف تلاوينها، وهم من دول الخليج العربي واليمن والأردن ولبنان، ومنهم من يحمل هويات أجنبية لكنه من أصول عربية واسلامية، ومنهم جاء من الشيشان ومن غيرها من الدول الآسيوية. وإذا كان قسم من هؤلاء يمكن ان يخضع لانسحاب منظم من سوريا، فإن قسماً آخر سيبقى يقاتل حتى الرمق الأخير ما لم يتم إيجاد مخارج آمنة له، علماً أن الكثير من الدول التي توافد منها معارضو الأسد، ترفض اعادة إستقبال هؤلاء الشبان والرجال الذين كسبوا خبرات قتالية وأمنية، وأصبحوا أكثر ميلاً للعنف من أي وقت مضى.

مشكلة النازحين

المُشكلة التي تُعتبر الاكثر صعوبة واستعصاء على الحل، هي مشكلة النازحين الذين يقدر عددهم بنحو 7 ملايين لاجئ توزعوا بين تركيا ولبنان والأردن، مروراً بالدول الأوروبية المختلفة، وصولاً إلى كندا. وقسم كبير من هؤلاء لا يُريد العودة إلى سوريا، إما خوفاً على حياته، أو لأنه نجح في الاستقرار مادياً واجتماعياً في الخارج، او حتى لأنه لا يزال يطمح بمستقبل أفضل. كما ترفض دمشق بحزم أي إقتراحات بإقامة مناطق آمنة لا داخل سوريا ولا في مناطق حدودية، بينما تعتبر أنقره أن هذا الخيار لا مفر منه خلال المرحلة الانتقالية الى حين الانتهاء من الازمة بشكل عام. وتُختصر بقية المشاكل بالمفقودين الذين يُقدر عددهم بمئات الآلاف، ومشكلة تنظيم <داعش> وغيره من التنظيمات الإرهابية في سوريا، حيث يُحاول أكثر من طرف قضم أكبر مساحة جغرافية مُمكنة على حساب هذه التنظيمات التي صارت حالياً بحكم المَغضوب عليها من أغلبيّة القوى الإقليمية والدَولية التي تتصارع على الأرض السورية ومن السوريين أنفسهم، بالإضافة إلى مشكلة إعادة إعمار سوريا والتي تقدر تكاليفها الباهظة بأكثر من 200 مليار دولار وشرط توقّف الحرب اليوم قبل الغد، وهذا يُمثل عبئاً باهظاً لا يمكن لأي جهة توفيره، وسيتسبب بوقوع الدولة السورية اياً تكن الجهة التي ستدير البلاد، في دين ثقيل لعقود طويلة.

سيعودون-يوماً-ما-----Aهل انتصر الأسد؟

 

العديد من الصحف والمواقع الاميركية ويضاف اليهم تصاريح لمحللين سياسيين غربيين، تعتبر ان استمرار التطورات الميدانية على هذا النحو يعني الانتصار الاكبر لكل من الاسد وروسيا و حزب الله وايران وان هؤلاء يسعون الى التفوق الميداني بدلاً من التفاوض. ويرى هؤلاء ان ما حصل في الفترة الاخيرة من مساعي اطلاق المفاوضات في جنيف الى اجتماع لندن لبحث ازمة تدفق اللاجئين، تعد قضايا هامشية مقارنة مع التطورات الميدانية في شمال سوريا حيث تقترب قوات الجيش السوري وحلفاؤه من استعادة مدينة حلب بشكل كامل وبالتالي تحقيق اهم انتصار في الحرب. وبالموازاة مع استعادة كافة القطاعات في حلب من شرقها الى غربها وشمالها فجنوبها، سجل النظام وحلفاؤه امس نقطة كبيرة تمثلت بانسحاب ما يُقارب 1500 مقاتل من حي جوبر بحماية قوات من النظام.

لكن هذا كله لا يعني برأي من سبق ذكره بأن الحرب قد انتهت وان النظام يُمكن ان ينام على حرير، فـ<داعش> لا يزال تسيطر على اراضٍ شاسعة في سوريا. كما ان هناك جماعات مسلحة راديكالية ستواصل القتال على الارجح حتى اذا خسرت المعارضة الكثير من الاراضي التي تسيطر عليها. لكن اللافت وسط ما يحصل من تطورات، هو ان التحولات الميدانية قد خففت الضغوط الغربية المطالبة برحيل الاسد، لافتاً بهذا السياق وسبق لـ<جون كيري> ان قال خلال اجتماع جرى مع رياض حجاب انه يمكن للرئيس الاسد الترشح مجدداً للرئاسة.

يقول العراف الكندي <جون ولدن> إن الحرب في سوريا ستنتهي في عام 2017، وان الخليج سيقسم إلى إمارات متناحرة. ويعتبر ان روسيا ستنفذ ضربة عسكرية شاملة تقضي بها على الإرهاب في غضون شهرين بشكل كامل، ثم ينتقل المسار السياسي وستجري انتخابات بحضور أممي، وأن الأسد سينتصر مجدداً في ولاية جديدة وسينتخب من قبل الشعب السوري. وتابع توقعاته أو رؤيته،  قائلاً: إني أرى الجيش السوري في لبنان بناء على طلب الجيش اللبناني بعد قيام امارة ارهابية في الشمال اللبناني، حيث سيقوم الجيش السوري بتحرير تلك المنطقة من الإرهابيين نتيجة الخبرة الطويلة التي اكتسبها في الخمس سنوات الأخيرة. وتوقع <جون> كارثة من صنع البشر في أوروبا، وقال اعتقد أن تسرباً نووياً سيقضي على آلاف البشر في أوروبا. والمفارقة ان هذا التنبؤ تماهى مع تصريح للمحلل السياسي الروسي <مراد موسين> الذي رأى ان الازمة السورية ستنتهي خلال نصف عام. وان اجراء المناورات الحربية الروسية في البحر المتوسط جاءت لتبريد الرؤوس الساخنة.

وأكد انه يمكن التنبؤ الآن بكل ثقة ان الحرب في سورية ستنتهي بعد نصف سنة، فالادارة الاميركية باتت تمتلك اشخاصاً يفكرون بالعقل السليم ويعترضون على اي حرب مع ايران، كما انهم ضد زيادة النفقات العسكرية. والولايات المتحدة ستتخلى عن تمويل المجموعات السلفية في سورية، وطبعاً ذلك لا يعني ان بعض الدول العربية ستفعل الشيء نفسه، ولكن من الواضح ان اللاعب الرئيسي المتمثل بالولايات المتحدة سيفعل ذلك. وختم: سنشهد في السنوات القادمة تحسناً في العلاقات الروسية الاميركية وحتى بين الولايات المتحدة وايران.

قراءة مفصلية في الأزمة

الحرب الأهلية تنتهي عادة إما بانتصار أحد الطرفين، أو عندما يتوصلا إلى اتفاق ما أو عندما يصل الطرفان إلى طريق مسدود، أي عندما لا يستطيع أحد الجانبين تحقيق نصر عسكري، إما بسبب عدد القتلى الكبير وتناقص الذخيرة أو فقدان الدعم الخارجي. ففي سوريا يدعم الثوار كل من <المتطرفين> السنة ودول الخليج وكذلك بعض الغرب، ويدعم الأسد كل من إيران وروسيا والشيعة وحزب الله، وهذا ما يجعل الانتصار العسكري الحاسم من قبل أي من الجانبين غير مرجح على المدى القصير. ومع هذه المعضلة، يتبين أن الحل السياسي المرغوب فيه ثبت حتى الآن أنه بعيد المنال لعدة أسباب منها الانقسامات في المجتمع الدولي، ونظراً للوضع الراهن فالحرب في سوريا لن تنتهي حتى وصول الخصوم إلى طريق مسدود، والمشكلة هي أن هذا الأمر قد يستغرق سنوات أو حتى عقوداً.

وفي الخلاصة، يمكن القول إن سوريا التي عرفناها لا يمكن أن تعود إلى سابق عهدها بعد مرور ست سنوات من الحرب الضارية التي لم تنته فصولاً بعد. لكن المرحلة الحالية توحي بأنّه بعد إنهاء ظاهرة <داعش> وغيرها من التنظيمات الإرهابية على الأراضي السورية بغض النظر عن الجهة أو الجهات التي ستُنفّذ هذه المهمّة، ومع هذا السياق الجديد من مرحلة الحرب السورية، قد ترتفع فرص إيجاد حلول أكثر من السابق، إنطلاقاً من الملفات المذكورة، لتبدأ سوريا بعدها عملية نُهوض شاقة وطويلة الأمد من دون تحديد هوية الجهة التي ستحكمها ان من خلال فرض امر واقع، أو من خلال اتفاق دولي.