تفاصيل الخبر

الحـــرب اللبنانـيـــة فـي مـعــرض ”مــن ذاكــرة للـذاكــرة“... ناقوس يدق وعبرة للاجيال المقبلة!

17/05/2019
الحـــرب اللبنانـيـــة فـي مـعــرض ”مــن ذاكــرة للـذاكــرة“... ناقوس يدق وعبرة للاجيال المقبلة!

الحـــرب اللبنانـيـــة فـي مـعــرض ”مــن ذاكــرة للـذاكــرة“... ناقوس يدق وعبرة للاجيال المقبلة!

بقلم عبير انطون

مَن قال ان المصورين الصحافيين لا يكتبون التاريخ بعدساتهم او في بعض الأحيان يصنعونه حتى او يغيرون في مجراه؟ كم صورة شغلت الناس والرأي العام فقلبت الموازين؟ مَن أكثر منهم عاش في قلب الحدث فكانت عدسته العين التي تلتقط من قلب اللحظة ما يجري؟ مَن اكثر من المصورين اللبنانيين حرفة ومهنية واستحقاقا للتحية؟ وهم الذين وضعوا حياتهم على كفهم، سلاحهم الكاميرا وذخيرتهــــم عشق لمهنة لم تنصف الكثيرين منهم، وبينهــــم من استشهد ودفع حياته ثمنا غاليا...

مع ذكرى الحرب اللبنانية التي اندلعت في العام 1975 لتمتد نيرانها على مدى خمس عشرة سنة يستعيد <دار المصور> صورا من الحرب لعل الذكرى تحمل العبرة.

ومع اثنين من كبار المصورين الصحافيين في لبنان رمزي حيدر وعلي سيف الدين اللذين يمثلان عددا كبيرا من اسماء زملاء لهم يستحقون مثلهم كل التقدير والتحية، كان لقاء <الافكار> وعودة لزمن فيه، على رغم بشاعة ما جرى، مكمن ضوء تعالوا نسبره معا...

 مع مؤسس <دار المصور> ورئيس جمعية <ذاكرة - مهرجان الصورة> رمزي حيدر كانت استعادة للايام الصعبة التي أعادتها الدار الى واجهة الذاكرة والوجدان من خلال ثلاثين صورة من ارشيف ثلاثين مصوراً صحافياً عن الحرب الاهلية التي عصفت بلبنان يوم كانت النيران تشعل الجبهات والمحاور وترفع خطوط التماس...

نسأل حيدر الذي غطى بصوره الحرب اللبنانية والاعتداءات الاسرائيلية والحرب على العراق وعلى دارفور والالعاب الاولمبية وغيرها الكثير:

 ــ ماذا لمستم؟ هل تريد الناس أن تتذكر تلك الحقبة ام تريد إشاحة الوجه عنها واقفال باب الذاكرة عليها؟

- لا والله، يقول رئيس <اتحاد مصوري العرب> في لبنان والذي عمل لوكالات عالمية كـ<رويترز> والصحافة الفرنسية، كنا نقول دائما بان الناس لا تريد ان ترى ولا أن تتذكر لكننا اكتشفنا العكس، لا بل هي تريد ان تتذكر وأن ترى أكثر بعد. لقد عرضنا بـ<دار النمر> واليوم في <دار المصور> والناس من مختلف الأجيال لاقتنا، فتوقفت مطولا وسألت وتذكرت.

<ذي بيانيست>...!

بين الصور المستعادة وخلف كل واحدة منها قصة لو نطقت لشكلت كتيبا عن واقعها وأسرارها. توقفنا مع حيدر امام الصورة المميزة فعلا حيث يستريح الرشاش لاحد المقاتلين ليترك بشاعة الحرب الى سمو الموسيقى. القصة يخبرنا اياها رمزي الذي التقطها:

 - كان ذلك في العام 1983في عز حرب الجبل وكنت على جبهة سوق الغرب عاليه، وفي ما يعرف بتلة الـ<تلات تمانات> هناك قصر كبير لا يزال موجودا حتى اليوم، وكان على خط المواجهة. اعلن يومذاك وقف لاطلاق النار عاد بعده القصف بغزارة وكانت الاشتباكات على أشدها فصورت المقاتلين في الوضعيات المختلفة. وأنا اتنقّل سمعت عزفا حيا على البيانو وصوتا للموسيقى يعلو. دخلت القصر ووجدت مقاتلا وضع سلاحه جانبا وراح يعزف على البيانو. التقطت الصورة، الا انني، وانا اغادر القصر اصبت في رأسي وكانت الامور صعبة جدا. كانت اصابة بليغة تطلبت مني فترة للعلاج، وقد حملني المسلحون الى ساحة عاليه حيث سيارات الاسعاف العائدة للاحزاب الموجودة، ونقلوني الى مستشفى ميداني في البقاع اذ كانت

الطرقات مقطوعة الى العاصمة، وانتظرت حتى نقلني الصليب الأحمر الدولي الى بيروت في اليوم التالي.

المسلح الذي صوره رمزي، والذي كان رآه يصوّره وهو يعزف، كان بين المسلحين الذين حملوه الى الاسعاف. وبعد خبرة كبيرة في الميدان بات يعرف <كيف يتواصل مع الإنسان داخل المسلّح، أينما كان، كي يضمن سلامته>. هل تعرّف بهذا المقاتل لاحقا؟ اين هو اليوم؟ لست ادري يجيبنا، فكل معلوماتي عنه انه هاجر من لبنان.

الاصابة البليغة لم تثن عاشق كاميرته عن استلالها للتوّ بعد معافاته. سألنا حيدر الحائز على عدة جوائز عالمية، منها <جائزة مراسلي الحروب>، و<جائزة مجلة نيوزويك>: بعد الاصابة هل قلت في نفسك انك لن تعود الى التصوير <الحربي>؟ يبتسم ويجيب: <نعم، قلت أنني لن اعود الى هذه المهنة. قلت <خلص> لأن الوضع كان صعبا جدا لكن القصة لم تطل... عندما تعافيت وتحركت ما رأتني عائلتي واصدقائي الا مع كاميرتي وسط رسالتي>.

على ما يرام...

ــ ماذا عن علاقتكم كمصورين من اطياف مختلفة مع بعضكم البعض نسأل حيدر وهو ابن خط التماس <الشياح - عين الرمانة>، وكان لكل وسيلة اعلامية ولكل صحيفة وصحافي ومصور وجهة نظر بحسب <القضية> التي يحملها؟

- كان المصورون من أطياف مختلفة. كان هناك القواتي والكتائبي والأحرار وكان هناك الشيوعيون والقوميون والبعثيون... ومن كل الاحزاب الموجودة كان هناك مصورون، ولكن كنا جميعا كمصورين نلتقي يوميا تقريبا على خط التماس في منطقة محايدة في وزراة الصحة على المتحف في اجتماعات بين المصورين فيتم التنسيق بيننا وكانت لنا نقابة تتابع مسيرنا. كان التواصل قائما بيننا كمصورين، وصدقا لم يكن هناك عداء على الاطلاق، فكان المصور من بيروت الغربية اذا ما انتقل الى المنطقة الشرقية، تجدون المصورين هناك مسؤولين عن امنه وعن مده بالمساعدة في كل التفاصيل، وكذلك الامر بالنسبة للمصور من الشرقية الاتي الى المنطقة الغربية.

ونعلّق بالقول:

ــ كنتم اذا بعكس صورة الحرب ومنطقها التفريقي؟

- تماماً... صدقيني كان وضعنا مع بعضنا البعض كمصورين في الحرب أفضل مما هو عليه اليوم.

ونسأله مجدداً:

ــ مع هدوء المحاور وتوقف المدفع في التسعينات، عاد وعرف لبنان هزات كبيرة جدا كالاغتيالات الوحشية والمجازر الاسرائيلية و<عناقيد الغضب> ومن ثم صور البؤس الانساني مع النازحين واللاجئين... هل بينها عندك صور تميزت جدا كما <صورة المقاتل والبيانو>؟

<كل يوم في صورة> يقول حيدر، الذي أعلن أيضا عن <مهرجان بيروت للصورة> الذي تنطلق فعالياته في شهر ايلول/ سبتمبر المقبل... طالما هناك <ستوري> (قصة) هناك صورة. الزمن يختلف والشكل والمكان لكن الصورة صورة. لو تعودون الى الأرشيف الخاص بكل مصور لوجدتم فيه ما لا يمكن تصوره، وان المصورين الذين يعملون في مجال الاخبار والذين عملوا مع الوكالات الاجنبية يعرفون ان جمهورهم واسع جدا بعكس الصحف المحلية حيث يبقى عدد قرائها محدودا، فلما تصورين لوكالة الصحافة الفرنسية مثلاً، فانما تعلمين انها ستوزع لما يفوق المئة بلد من حول العالم في آلاف المطبوعات اي ان الملايين سيرون الصورة التي تلتقطينها، ومع ملايين القراء عليك ان ترضيهم وتعرفي كيف يفكرون هم، وليس كما تفكرين انت. اعطيكم مثلا: في قانا الاولى (96) مثلاً كان هول الصور أكبر من هول المجازر التي جرت في الحرب الاهلية، لذا فان الصور لقساوتها لا يمكن ان تنشرها الوكالات العالمية.

 الحالة الانسانية اولاً...

المصور المخضرم ذو الباع الطويل والمتألق في المهنة علي سيف الدين، والذي كانت عدسته ايضا شاهدا على فظاعة الحرب الاهلية يشارك هذا العام في معرضين والهدف واحد: الذكرى للعبرة. المعرض الاول <ذكرى وعبرة> في <بيت بيروت> السوديكو مع نقابة المصورين الصحافيين حيث عرض حوالى مئة صورة لكل مصوري الحرب من تنظيم نقابة المصورين، والثاني في <دار المصور> مع <من ذاكرة للذاكرة>.

 ردود الفعل على المعرضين التي رصدها سيف الدين وخاصة عند طلاب المدارس تلوح من خلالها بادرة امل برفض الجيل الجديد الحرب بكافة وجوهها. اما الجيل الذي عاش الحرب <فـهم حابين يتذكروا الحقبة>. ما رأيناه من المدارس والناس التي دلفت الى المعرض، يقول سيف الدين، برهن عن نقمة على الذي حصل بين ابناء البلد الواحد. من خلال الصورة لمست لديهم ردود فعل ضد هذه الحرب وضد اي حرب ممكن ان تنشب او حتى اي توترات ومشاكل.

 كان المعرض مهما بالنسبة للطلاب وقد قرر المحافظ تمديده ليتسنى للعدد الاكبر من المدارس مشاركة تلاميذها واطلاعهم على ماض اسدل الظلام الحالك على بلادهم التي ما زالت تعيش نتائجه حتى اليوم.

 وعن الاسس التي اختار وفقها سيف الدين صوره في <دار المصور> من بين مئات التقطها يجيب:

- اخترنا الصور التي تحكي وتنقل حالة انسانية معينة اكثر منها حالة اشلاء وجثث. جميعنا ركزنا على الحالات الانسانية التي عاشها اللبناني في تلك المرحلة من تهجير ودمار وخطف وابتعدنا عن المناظر البشعة وصور القتل والتشويه.

كمصور محترف له تاريخ طويل في تغطية الكثير من الاحداث المختلفة يرى سيف الدين انه من الافضل عدم نشر صور القتلى والجثث ولا الاشلاء والدماء: <من خلال الصرخات المعبّرة وصور دمار الشوارع ودمار البيوت أبرزنا نتيجة البشاعة لما جرى...>.

 ركز سيف الدين أيضاً على اهالي المخطوفين الجرح النازف حتى اليوم، كما وعلى الدمار الهائل في شوارع بــــيروت الرئيسيــــة المعروفة. يكفي برأيه ابراز النتيجة من خلال الحالة الانسانية الموجعة والمؤلمة التي عاشها البشر وعانى منها الحجر لانها توازي بشاعة القتل بذاتها.

الخطر المباشر هل طال سيف الدين يوماً؟ بكل تأكيد يقول. كنا في صباحات تلك الفترة نقوم كمصورين بجولة على مختلف الجبهات وكأنه فرضنا اليومي، الواجب الذي علينا اتمامه من الشياح الى الضاحية وراس النبع والهوليدي ووسط بيروت... والجبهات المختلفة. يوميا، كنا مجموعة مصورين نجمع بعضنا بعضا ونقوم بجولتنا هذه، وقد تعرضنا للكثير من حالات خطر الموت المحقق وقد فقدنا زملاء عديدين، وتعرفون أننا في خلال الحرب الاهلية خسرنا 15 شهيداً من مصوري الصحافة.

الموضوعية في التقاط الصورة والعلاقة الوطيدة بين المصورين من الخلفيات <المتصارعة> امران يشدد عليهما سيف الدين بعد الخبرة الميدانية الحية في تلك الفترة. كمصورين ما كنا نعرف العداء لبعضنا ولم نكن في جبهات الواحدة مقابل الأخرى. المصور الصحافي، كان جل هدفه تصوير الحدث الذي يقع امامه بغض النظر عمن قام به والنقل الصادق ليوميات الناس. كنا نركز على الحدث بدون خلفيات.. من وراءه؟ لا يهمنا!

ألهذه الدرجة كان المصور موضوعيا نعيد السؤال على سيف الدين، فيجيب:

- يمكنني القول إن تسعين بالمئة من المصورين الصحافيين حينذاك كانوا يملكون هذه الموضوعية في التقاط الصور، كما اننا كنا أحيانا نتبادل الصور مع مصوري الشرقية وبالعكس. من ذاك الزمن وحتى اليوم كنا اكثر من اخوة وما زلنا.

شاركوا...

 

الى المعرض دلف عدد من المقاتلين الذين شاركوا في الحرب وعلى الجبهات حتى ان مسؤولي احزاب حضروا المعرضين في <دار المصور> و<بيت بيروت> وتجولوا بين الصور <مندهشين> بما جرى معلنين عن استيائهم! ومنهم من قال بانهم كانوا شباباً فتيين في ذاك الوقت، وانجرفوا بها.

لم تتوقف عدسة سيف الدين يوما عن النبض مع كل حدث يستوجب ان <يخلد>، ويشرح:

 - بعد الحرب الاهلية مر البلد بصور توازي في فظاعتها الحرب الاهلية لا بل تتفوق عليها، بينها الغارات الاسرائيلية في العام 2006، ومجازر قانا الاولى والثانية. ففي قانا جرى ما لم يجر في اية حرب مع استشهاد مئات الاطفال والنساء وصور الاشلاء والجثث المنتشرة والمشوهة، وكانت مجازر قانا الثانية تضارع الاولى ببشاعتها وأكثر.

تبقى الصورة بالنسبة لسيف الدين الوثيقة التاريخية الأبدية التي تنقل الى الاجيال الجديدة واللاحقة حقيقة ما جرى، وهي أشد بلاغة من الكلام، اذ يعاين المشاهد بأم عينيه ما جرى في وطنه حتى يتخذ العبرة ولا يعيد كرة النار والعنف والدمار تحت اية ذريعة.