إذا كان الخوف من «داعش» أن تكون حركة تقسيمية، فإن الأمل أن تتحول إلى سبب توحيدي. فجأة، أحست «كردستان» ان دولتها المنشودة لا يمكن أن تنعم بالأمن كما لو كانت جزءاً من عراق موحد. تهديد «داعش» بالوصول إلى مشارف «اربيل» أصبح واقعاً ولو أخرته بضع ضربات جوية للأميركيين تمثل أول استعمال للقوة المباشرة في العراق، منذ سنتين ونصف السنة. «إربيل» في خطر. هذا ما جعل الرئيس «أوباما» يرسل إلى شمال العراق مئة وثلاثين جندياً بعدما كان قد تعهد بأن يسحب كل الجنود الأميركيين من العراق وأصبح هذا الانسحاب من أهم إنجازاته كرئيس.
كثر الكلام حول استفادة «داعش» من تسهيلات مخابراتية غربية في سوريا والعراق. واسترسل أصحاب نظرية المؤامرة في أن هذا التنظيم العابر لكل الدول العربية من ليبيا إلى العراق والقادر على الحرب على سبع جبهات في وقت واحد والمجهز بأسلحة غربية متطورة والمتمتع بإمكانيات لوجستية متكاملة لا تحصل عليها إلا جيوش دول، لا يمكن أن يكون فقط وليد لحظات عفوية من أنصار «القاعدة» في مدينة الرقة السورية أو من النقشبنديين والبعثيين من المحافظات السنية في وسط العراق. «داعش» هو أشبه بوسيلة تكافلت في تقويتها أجهزة مخابرات متعددة من أجل تحقيق استراتيجيات دولية لا يمكن أن تتحقق لولا نشوء هكذا تنظيم.
وكما في كل منحى سياسي أو عسكري هناك جانب اقتصادي يكشف الكثير عن أصل وفصل «داعش». من هم المستفيدون الأوائل من «داعش»؟
١- في المقام الأول تجار السلاح. ليس فقط السماسرة الكبار وأكثرهم من الروس بل أيضاً الشركات الغربية التي تبيع السلاح. مليارات (نعم مليارات) الدولارات انفقت في سلاح «داعش» منذ ثلاث سنوات و
حتى اليوم ولا يمكن أن يكون ذلك مجرد صدفة سعيدة عند تجار السلاح. تداخل المصالح بين الشركات الكبيرة وأجهزة المخابرات يجعل من «داعش» زبوناً مهماً عند الأول وفي الوقت نفسه عاملاً تغييرياً فاعلاً عند الثاني.
٢- في المقام الثاني تجار النفط. من يسوق النفط الخارج من الآبار التي تسيطر عليها «داعش» وبأي ثمن؟ ومن يدفع لهؤلاء وكيف يحاسبون «داعش»؟ اسئلة كثيرة لا يمكن إلا الخروج منها بجواب واحد: هناك تقارب مصالح بين بعض الدول المستوردة للنفط وتجار النفط من جهة و«داعش» من جهة أخرى.
من المؤكد أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام هو مرحلة عابرة وليس نهاية بحد ذاته. لن تنتهي الأنبار في العراق أو الرقة في سوريا أو حتى جرود عرسال في وضع ظلامي أبدي ولكن طول هذه الفترة وحجم الخسائر فيها تحدده ردة فعل حكومات المنطقة وطريقة أدائها. لنوري المالكي في العراق وبشار الأسد في سوريا أياد طويلة في ما وصلت إليه «داعش» اليوم قصدا ذلك أم لم يقصدا. والسبب الأول هو الإهمال الإنمائي والفساد على مستوى إدارة أموال الدولة. في لبنان، عندنا من الإثنين ولذلك يجب أن لا نستغرب ظهور «داعش» في منطقة عكارية أو بقاعية. ما نستغربه أن رغم كل ذلك لم نجد في مكرمة المليار دولار السعودية والتي خصصت لدحر الارهاب إلا الجانب الأمني والعسكري. عسى أن لا يفوت الرئيس سعد الحريري الذي غادر منذ أيام إلى جدة أن نصف هذه الهبة يجب أن تخصص لمشاريع إنمائية في عكار والبقاع بالتوازي مع دعم الجيش والأمن العام والأمن الداخلي. عسى أن يستلحق ذلك فلا يضمه التاريخ إلى الذين أهملوا الإنماء، فكان الإرهاب هو البديل.