تفاصيل الخبر

الحراك الشعبي المتنوّع وطنياً يطغى برمزيته ومطالبه وشكاواه على حوار 2015!

11/09/2015
الحراك الشعبي المتنوّع وطنياً يطغى برمزيته ومطالبه وشكاواه على حوار 2015!

الحراك الشعبي المتنوّع وطنياً يطغى برمزيته ومطالبه وشكاواه على حوار 2015!

بقلم جورج بشير

التيار-الوطني-الحر-1 نزول التيار الوطني الحرّ بهذا الكمّ الشعبي الكبير الى شوارع العاصمة والضواحي، كان مفاجئاً للدوائر الأمنية والسياسية، لأن أحداً لم يكن يتوقّع أن تكون تلبية نداء الرئيس ميشال عون في العاصمة أم في سائر المناطق اللبنانية بهذا الشكل الواسع. لكن كل شيء تمّ بأمان وعلى خير كما قال أكثر من مسؤول في الدولة، وكان تعبير الجماهير اللبنانية عن رأيها بطريقة حضارية مميّزاً في نظر المراقبين الديبلوماسيين المعتمدين في لبنان، هؤلاء الذين يُقيّمون الوضع اللبناني وتطوراته المتواصلة على صعيد الشارع ولجوء الأطراف السياسية خصوصاً الممثلة في حكومة الرئيس تمام سلام الى الشوارع للتعبير عن آرائها ومواقفها السياسية، مما يدلّ دلالة واضحة على أن وجود هذه الأطراف داخل مجلس الوزراء أو حتى داخل مجلس النواب، لا يوفّر لها ما تريده وتتطلّع إليه من خلال مشاركتها في الحكم والحكومة والمجلس النيابي.

إذا ما أُضيف هذا الحراك الشعبي الكبير الذي تمّ بسلام يوم الجمعة الماضي، وأبرز رئاسة وزير الخارجية جبران باسيل لرئاسة حزب لبناني كبير مشارك في الحكم والحكومة ومجلس النواب، هو التيار الوطني الحر، الى الحراك الشعبي المماثل والمتواصل الذي قادته فئات شبابية تمثل معظم الأطياف وفاعليات المجتمع اللبناني بالنسبة للمراقبين، فإن ذلك بات يشكّل ظاهرة لا بدّ من أن يتعاطى معها طاقم الحكم وطاقم السياسة والسياسيين في لبنان بصورة مختلفة عن تلك التي كانت معتمدة في الماضي في التعاطي مع أمثالها من جانب الحكام والإقطاعيين السياسيين والميليشياويين الذين دأب بعضهم على اتباعها منذ بداية الاستقلال اللبناني الى اليوم، وعلى مدى هذه السنين، بطرق ملتوية يلفّها التجاهل والإهمال وعدم الإصغاء لمطالب الشعب على اختلاف طبقاته، هذه المطالب التي مهما بالغ أركان الحكم والطبقة السياسية في وصفها الجاهل وغير المعبِّر عن الواقع والحقيقة، فإنها باتت معبّرة بشكل فاقع عن الواقع المرير الذي يعيشه شعب لبنان ودولته، هذا الواقع الذي يتمثل بمسلسل الهجرة المستمرة، خصوصاً للشباب ولطاقة الأدمغة والعلم والنبوغ التي يمتلكها لبنان ويتميّز بها، الى البلدان الأجنبية والعربية بحيث أن أعداد جاليات لبنان المنتشرة في مختلف دول الأرض تفوق بالملايين أعداد اللبنانيين إخوانهم المقيمين.

 اللاجئون والنازحون

 

مما يضيف الى الطين بلّة، هذا التدفّق الهائل لأعداد النازحين من سوريا والعراق الى لبنان، بحيث أن عدد هؤلاء (مليون ونصف المليون) إذا ما أضيف الى عدد اللاجئين الفلسطينيين (نصف مليون ونيّف) الذين يتوزعون على المخيمات في طول لبنان وعرضه، يصبح عدد غير اللبنانيين المقيمين في لبنان بفعل اللجوء والنزوح نصف عدد المقيمين في لبنان من اللبنانيين، وهذا واقع ليس مرفوضاً من اللبنانيين الذين نزلوا الى الشوارع فحسب، إنما هو واقع يرفضه المجتمع الدولي. فهذه دول الاتحاد الأوروبي تواصل عقد اجتماعاتها على مستوى وزراء الخارجية والداخلية وخبراء الأمن والاجتماع في مقرها بروكسيل عاصمة بلجيكا منذ ثلاثة أشهر للنظر في كيفية توزّع أعباء تدفق اللاجئين السوريين الناجين من البحر والبر والحرب والإرهاب والموت والدمار المموّل من الغرب ومن بعض العرب، والمدعوم سياسياً من الفريقين، على الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي، وذلك لتخفيف أعباء اللجوء المتدفق هذا عن كاهل إيطاليا وبريطانيا والمجر والنمسا، فيما هذا العبء لم يتجاوز بعد على هذه الدول وشعوبها المئة ألف لاجئ وهي تئن من نتائجه على أوضاعها المعيشية والاجتماعية وحتى الديموغرافية....

فأين هو لبنان وأوضاعه المعيشية والاقتصادية، وهو الدولة الضعيفة الفقيرة الموارد والقدرات إذا ما قيست بما تمتلكه الدول الأوروبية؟! وأين هو لبنان من وقوف إخوانه الدول العربية موقف المتفرج على مسلسل النزوح السوري - العراقي الى أراضيه وهو يتواصل مخلّفاً هذا الكمّ من التهديدات والمخاطر المعيشية والاقتصادية والديموغرافية والأمنية، ولا اجتماع عربي واحد عُقد لمعالجة هذه المشكلة أو لتقاسم أعبائها أسوة محمد-المشنوقبدول الاتحاد الأوروبي، تبادر للدعوة إليه جامعة الدول العربية أو رئاسة القمة العربية، لتخفيف أعباء هذه الكارثة عن النازحين واللاجئين وعن لبنان الدولة العضو في جامعة الدول العربية في الوقت ذاته؟!

هذه ليست مشكلة وحيدة

 

هذا الحراك الشعبي اللبناني في شوارع العاصمة، إن دلّ على شيء، فإنما هو يدل على أن الكيل قد طفح، ولم يعد في مقدور الشعب على اختلاف طبقاته وقطاعاته خصوصاً فئة الشباب والجيل الصاعد، الصمت والصبر على طبقة سياسية وطبقة حاكمة معظمها أثبت فشلاً ذريعاً في الحفاظ على مدخرات اللبنانيين وعلى ممتلكاتهم وعلى قيمة وكرامة وطنهم الرسالة في هذا الشرق، فساهم جهلهم، أي جهل هذا البعض وإهماله، وفساده وإقطاعه ومتاجرته بالقيم وبالمسؤولية وبالثقة الممنوحة له من الشعب في إيصال لبنان الى درجة متدنية جداً من الفقر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والدين الغارقة فيه خزينة الدولة، وعدم توافر المساءلة والمحاسبة ولجوء هذا البعض من الطاقم السياسي والحاكم الى تجاهل صوت الشعب ورأيه ودستور البلاد بتمديد ولاية مجلس النواب مرتين، وقبلها تمديد ولاية البلديات، ناهيك عن الإهدار المتعمّد للثروات الوطنية الطبيعية من النفط الى الغاز الى المياه والكهرباء، وعدم استثمارها أسوة بالدول الأخرى.

طبعاً هنالك سبب آخر وجيه يضاف الى كل هذه الأسباب كان ولا يزال وراء التحرك الذي قام ويقوم به حزب التيار الوطني الحرّ وقد تمكّن من ضم الكثير من اللبنانيين وخاصة المسيحيين منهم الى تحرّكه من غير المنضوين إليه، ألا وهو انعدام المشاركة في الحكم والحكومة ومجلس النواب والإدارة على الصعيد الوطني، وهذا التيار ممثل في مجلس النواب بفاعلية، وكذلك في الحكومة يرفع مع غيره من الأحزاب والكتل المسيحية مطلب الإتيان بقانون جديد للانتخابات النيابية يصحّح التمثيل الشعبي ويعيد 34 مقعداً نيابياً يعتبرها هؤلاء مسلوخة من أصحابها الشرعيين بفعل قانون غازي كنعان الذي سُنّ بفعل الهيمنة السورية، وإجراء انتخابات نيابية جديدة على أساس القانون الجديد لقطع طريق اللجوء الى آفة التمديد للمجلس النيابي، وعندها يصار الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية عن طريق مجلس نيابي منتخب من الشعب وحائز على ثقة الناخبين الدستورية، وليس من مجلس نيابي ممدّد لذاته بصورة غير دستورية وبشكل منافٍ لكل قواعد النظام الديموقراطي.

الحراك الشعبي بوجهيه المشار إليهما يظهر بشكل واضح أن الخلاف الوطني ليس على أمورٍ إدارية سطحية بقدر ما أن هذا الخلاف هو على أمور لها علاقة مباشرة بالحياة الوطنية، أي بالنظام، مما دفع معظم القائمين بالحراك الشعبي في الشارع في مختلف الاتجاهات الى المناداة علناً وبأصوات مرتفعة <بأن الشعب يريد إسقاط النظام>...

نهاد-المشنوقالمطالبة بإسقاط النظام لا تعني في مطلق الأحوال بالنسبة للبنانيين استبدال النظام الحرّ والديموقراطي، وحرية التعبير، واحترام حقوق الإنسان، بقدر ما أن هذه المطالبة تعني بصريح العبارة المحافظة على كيان الدولة ونظام العيش المشترك الذي يتميّز به لبنان عن غيره، وتعزيز وتنظيم الممارسة الديموقراطية وحرية التعبير، وشن حرب شعواء على الفساد والفاسدين وتطهير الهيكل منهم ومحاسبتهم لإعادة المال العام المنهوب من الدولة، واعتماد نظام مساءلة ومحاسبة صحيح وواضح، ومصارحة الاخوة الدول العربية بواقع لبنان المرّ من جراء تحميله لوحده أوزار الصراع العربي - الاسرائيلي، والحرب الكونية الإرهابية في سوريا والعراق ودعمها مالياً ولوجستياً من بعض هذه الدول، وإدارة ظهورها للبنان الدولة العربية التي تتحمّل أعباء كل هذه المشاكل، فيما يحاول لبنانيون وغير لبنانيين بطريقة أو بأخرى تغطية هذه الجرائم المرتكبة بحق لبنان.

في هذا المجال، لا بدّ من الاعتراف بأن أجهزة الأمن اللبنانية وخاصة الجيش وقيادته، ووزارة الداخلية وخاصة الوزير نهاد المشنوق، جرى ويجري تحميلهم من الأعباء ما يفوق طاقتهم من المسؤولية في ظل هذا الحراك الشعبي المتدفق من كل جانب في مدن وقرى لبنان من الشعب تعبيراً عن واقعه الأليم. كما أن البعض وخاصة المتظاهرين يحمّلون هؤلاء وزر المسؤولية عن هذه الأزمات المتفاقمة في البلاد، وهذا خطأ كبير يسجّل على القائمين بالحراك الشعبي والقيمين عليه... كما أنه من الخطأ الفظيع الذي ارتكب على هامش هذا الحراك الشعبي محاولة بعضهم المشبوهة، احتلال مقار وزارات ودوائر رسمية للدولة متجاهلين أن هذه هي من ممتلكات الشعب، ومحاولة الاعتداء لو جرى التمكن من ذلك على الوزير البريء محمد المشنوق وزير البيئة الذي لم ينجح في معالجة أزمة النفايات الخانقة، وأمّن الغطاء لإلغاء المناقصة.

البلاد اليوم في ظل حوار يقوده الرئيس نبيه بري ويضم معظم فاعلياتها وقادة هذه الفاعليات المطعمين بمن لا ثقل لهم أو تأثير على الصعيد الشعبي، وهؤلاء أمام امتحان كبير وعسير وتاريخي في آن، بأن يكون حوارهم معالجاً فعلاً لمشاكل البلاد وأزماتها، أم يتحوّل كغيره من الحوارات الى تظاهرة فولكلورية تتحول الى مادة في أرشيف الحكم، فيما البلد يغلي ومصيره على كف العفريت، لا بل العفاريت.