تفاصيل الخبر

الـحـــوار حـــول الاستـراتـيـجـيــــــة الـدفـاعـيــــة مـؤجــــل الـى مـا بعـد إقــرار الموازنــة ووضــوح المشهــد الاقليمــي!

09/05/2019
الـحـــوار حـــول الاستـراتـيـجـيــــــة الـدفـاعـيــــة مـؤجــــل  الـى مـا بعـد إقــرار الموازنــة ووضــوح المشهــد الاقليمــي!

الـحـــوار حـــول الاستـراتـيـجـيــــــة الـدفـاعـيــــة مـؤجــــل الـى مـا بعـد إقــرار الموازنــة ووضــوح المشهــد الاقليمــي!

 

بقلم وليد عوض

لم يكن وزير الدفاع الوطني الياس بوصعب يدرك ان إشارته الى ان اقتراح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالبحث في الاستراتيجية الدفاعية عاد ليوضع على نار حامية، سوف يثير ردود فعل سلبية من قبل معارضي العهد الذين ينتظرون أي موقف لـ<الانقضاض> مجدداً على بعبدا والتشكيك بمواقف رئيس الجمهورية وتوجهاته. ذلك ان موضوع الاستراتيجية الدفاعية له <حساسية> خاصة عند الأطراف السياسيين اللبنانيين، إذ يعتبر فريق <14 آذار> الذي يحاول <ترميم> نفسه من جديد، ان الاستراتيجية تعني نزع سلاح حزب الله تمهيداً لتحجيم قدراته النارية والقتالية، فيما يقرأ فريق <8 آذار> في الاستراتيجية الفرصة المناسبة للتنسيق بين الجيش والمقاومة في مواجهة اسرائيل، كما هو الحال منذ أواخر الثمانينات لاسيما خلال عهد الرئيس الأسبق اميل لحود. وحيال هذا التناقض في <القراءات>، تعتبر مصادر مطلعة ومتابعة في آن، ان ملف الاستراتيجية الدفاعية يستعد ليكون ملفاً خلافياً يضاف الى سلسلة نقاط الاختلاف ــ وأحياناً الخلاف ــ بين مكونات الحياة السياسية في البلاد.

وفيما تطرح أسئلة كثيرة حول أسباب إعادة إلقاء الضوء على ملف الاستراتيجية، مع معرفة دقته وحساسيته في آن، تعتبر المصادر المطلعة ان الرئيس عون ليس في وارد <تجاهل> ما التزم به أمام سفراء مجموعة الدول الداعمة للبنان خلال لقائه بهم قبل أشهر، ولا هو يرغب في <الخضوع> للضغط الذي يمارس على بعض المسؤولين في هذا الملف. من الواضح ــ تضيف المصادر نفسها ــ ان أمام رئيس الجمهورية سلسلة تحديات قد تضعه أمام خيارين:

ــ الأول الدعوة الى مباشرة درس الاستراتيجية الدفاعية في أسرع وقت ممكن. لكن هذا الخيار يصطدم بسلسلة مواقف مسبقة تهدف الى جعل هذا الدرس مصوباً على سلاح حزب الله فقط، في حين ان لرئيس الجمهورية وجهة نظر شاملة حول هذه الاستراتيجية سبق أن عبر عنها في مناسبات مختلفة انطلاقاً من أهداف أي خيار يمكن أن يعتمد سواء في الاستراتيجية الأمنية في الداخل، أو شقيقتها على الحدود.

ــ أما الخيار الثاني فيقوم على <تعليق> التفكير في هذا الملف ريثما تهدأ الخواطر من جهة، ويتبلور المشهد الذي سيكون عليه الوضع في دول الجوار لاسيما سوريا التي لم تعد تواجه الارهابيين في الداخل، بل باتت عرضة لـ<تحرشات> اسرائيلية واضحة الأهداف والمعالم، لعل أبرزها مؤخراً موضوع اعلان السيادة الاسرائيلية على الجولان المحتل، والذي سبقه اعلان القدس عاصمة لدولة اسرائيل. وفي هذه الحالة، تضيف المصادر نفسها، لا يمكن للبنان أن يرمي من يده ورقة المقاومة المسلحة للاسرائيليين إذا لم يبادروا هم الى وقف الأعمال العدائية سواء في لبنان، أو الاعتداءات على سوريا، ناهيك بالضربات المتكررة التي توجه ضد فلسطينيي غزة المحاصرين عملياً منذ أعوام.

 

التريث عنوان المرحلة في بعبدا

من هنا، يبدو الرئيس عون متريثاً في ولوج مرحلة البحث في الاستراتيجية، مقدماً الشؤون الحياتية على أولويات اهتماماته، لاسيما منها مسألة الكهرباء واقرار الموازنة، واطلاق خطة عملية لحل أزمة النفايات خصوصاً وان اللبنانيين والمقيمين فيه هم على أبواب فصل الصيف، وبوادر الأزمة بدأت بالظهور وان كانت لم تتفاقم بعد. والأولويات الحياتية التي تمس اللبنانيين في حياتهم اليومية تُعطى راهناً رعاية مميزة من الرئيس عون، ما يعني عملياً ان ملف الاستراتيجية سوف يبقى مقفلاً حتى إشعار آخر. واللافت في هذا السياق، ان <معارضي> العهد لجأوا الى <تكتيك> جديد قديم، يقوم على استعمال وسائل الإعلام للتركيز على ان بعبدا لم تصدر بعد أي إشارة لوجود رغبة رئاسية في الدعوة الى طاولة حوار تبحث الاستراتيجية الدفاعية كما وعد رئيس الجمهورية منذ أشهر بعدما تجاوزت التهديدات الاسرائيلية على لبنان الإطار الكلامي والإعلامي، الى سلسلة ممارسات معادية رصدتها الأجهزة الأمنية اللبنانية على الحدود الجنوبية من خلال تسيير دوريات في مناطق لم يكن يشملها الحضور العسكري الاسرائيلي أو تركيب أجهزة الكترونية وكاميرات تصوير تكشف أماكن محددة داخل الأراضي اللبنانية المحاذية للحدود، وغيرها من المسائل التي يفسرها المعنيون بأنها ممارسات عدائية واستفزازية.

 

لا آلية واضحة بعد

 

ولاحظت المصادر المتابعة ان العاملين على وضع ملف الاستراتيجية وكأنه أولوية ضرورية في هذه المرحلة، يعمدون الى توزيع معلومات حول الآلية التي سوف تعتمد من مثل الحديث عن <طاولة مستديرة> يدعى إليها رؤساء الأحزاب الأساسية التي تمثل الكتل الكبيرة في مجلس النواب، وذلك بهدف استدراج المراجع الرئاسية الى تأكيد مثل هذه المعلومات أو نفيها لمعرفة التوجه الرئاسي حيال موضوع الاستراتيجية، علماً ان الأوساط الرئاسية تؤكد ان لا خيار محدداً بعد للآلية التي سوف تعتمد والتي يمكن أن تكون <الطاولة المستديرة> أحد الخيارات، مع وجود خيارات أخرى من مثل جعل الحوار من خلال مجلس الوزراء الذي يضم ممثلين عن كل الكتل الأساسية في المجلس، أو من خلال لقاءات ثنائية يعقدها رئيس الجمهورية مع ممثلي الأحزاب والكتل الكبيرة، بحيث يستمع رئيس الجمهورية الى وجهات نظر هؤلاء ويقيمها للوصول الى خلاصة تعتمد في ما بعد على أساس انها <الاستراتيجية الموعودة>!

إلا ان مراجع متابعة تعتبر ان <التلهي> في قشور الخيارات والتركيز عليها واطلاق المواقف والتحليلات حيالها، يصرف النظر عن المسألة الأهم وهي ماهية هذه الاستراتيجية والأسس التي تقوم عليها وأهدافها ووسائل تطبيقها، وهي النقاط الأكثر أهمية ودقة والتي تعتبر من التفاصيل الأساسية التي يكمن عادة <الشيطان> فيها، لاسيما وأن الخلافات حول دور سلاح المقاومة في المرحلة المقبلة لا تزال قائمة وتتطور تدريجاً، وكذلك مرجعية اعلان الحرب أو السلم، وأدوات المواجهة ومدى شموليتها مؤسسات الدولة المعنية، لأن مثل هذه الاستراتيجية لا يمكن أن تكون مقتصرة على النواحي العسكرية فحسب، بل كذلك على الانعكاسات التي ستترتب عن أي قرار يتخذ في ضوء الاستراتيجية وسبل تحقيقها. من هنا، فإن المراجع المتابعة ترى أنه من المبكر الحديث عن موعد قريب لاطلاق الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية قبل بلورة كل النقاط التي ترتبط بها هكذا استراتيجية ترسم مستقبل البلاد وخياراتها وتحدد مدى ارتباطها بالارادة اللبنانية الداخلية في الوحدة في مقاربة هذا الملف الحساس، لاسيما وان الرئيس عون يرى ان الوحدة الوطنية هي ثابتة تبنى عليها الاستراتيجية الدفاعية التي غدت ضرورة للبنان كما هي ضرورة أيضاً لبلدان العالم كافة مهما اختلفت مكونات مجتمعاتها وتشعبت أفكار أبنائها. وفي رأي الرئيس عون انه من الخطأ حصر الحديث عن الاستراتيجية الدفاعية في مسألة تنظيم القوات المسلحة وأسلحتها وأساليب قتالها، لأن الدفاع عن بلد ما لا ينحصر في الشقين العسكري والقتالي فقط، وذلك لأن لمؤسسات الدولة كافة دوراً فيه إذ لكل منها دور أساسي في إعداد الوسائل وتحفيز المجتمع وتعبئة القوى الداخلية والخارجية لمساندة الجهد الدفاعي فأي استراتيجية دفاعية ينبغي أن تتسم بشمولها كل مؤسسات الدولة ومواردها لتتمكن من العمل ضمن آليات تعتمد على مركزية القرار ولا مركزية التنفيذ.

لا يمكن عزل لبنان عن جواره

وفي تقدير المراجع نفسها انه لا يمكن تجاوز ما يجري حول لبنان، وما هو متوقع لمستقبل عدد من دول المنطقة، لأن خيار الدولة لن يكون معزولاً عن الإطار العام والشامل، في ظل المتغيرات الكثيرة الأمنية منها والسياسية التي تحصل في عدد من الدول المجاورة للبنان الذي يواجه تداعيات أي تبدلات، والحرب السورية خير شاهد على ذلك. ولعل ما يقلق المسؤولين اللبنانيين هو الحديث المتنامي عن عمل جهات دولية فاعلة على إحداث تغييرات ديموغرافية وجغرافية في آن تتناول خصوصاً الوضع في كل من سوريا والعراق، علماً ان أي تبديل يمكن أن يقع في هذه الدول، ستكون له انعكاسات سلبية على لبنان لأن هذا البلد ليس جزيرة معزولة عن محيطه و<هشاشة> الوضع فيه سياسياً وأمنياً واقتصادياً تجعل الارباك سيد الموقف، علماً ان حالات الارباك تدفع في اتجاه خيارات غير مدروسة ومتسرعة.

فهل آن أوان درس الاستراتيجية الدفاعية؟ الجواب الآتي المستند الى المستجدات الراهنة حول لبنان، لا بد أن يأخذ في الاعتبار ان الوقت غير مناسب، علماً ان ملفاً بهذه الأهمية والحساسية يفترض أن تتوافر لفتحه ودرسه واتخاذ قرارات فيه، ظروف ليست متوافرة في الوقت الحاضر!