تفاصيل الخبر

الحكومة الثانية للعهد نسخة منقّحة عن الأولى تساوت الكتل الكبيرة فيها ربحاً وخسارة... ما عدا حزب الله!

08/02/2019
الحكومة الثانية للعهد نسخة منقّحة عن الأولى تساوت الكتل الكبيرة فيها ربحاً وخسارة... ما عدا حزب الله!

الحكومة الثانية للعهد نسخة منقّحة عن الأولى تساوت الكتل الكبيرة فيها ربحاً وخسارة... ما عدا حزب الله!

 

لم يعد مهماً السؤال: لماذا تأخرت ولادة الحكومة تسعة أشهر، كما لم يعد مهماً الحديث عن تدخلات خارجية أو <أطماع> داخلية أو <مزاج استئثار> هذا الفريق أو ذاك... المهم أن حكومة العهد الثانية ولدت بعد مخاض عسير استمر تسعة أشهر إلا بضعة أيام من دون أن تحمل مفاجآت تذكر، أو واقعاً يستأهل معه الانتظار كل هذه المدة. حكومة عادية شبيهة بالحكومة الأولى في عهد الرئيس العماد ميشال عون، جديدها الوحيد ان فيها أربع سيدات وزيرات، احداهن السيدة ريا الحسن وزيرة للداخلية والبلديات، في سابقة لم تسجل لا في لبنان ولا في أية دولة عربية... ولعلّ توزير السيدة الحسن شكّل المفاجأة الوحيدة، لأن أسماء الوزيرات الثلاث الأخريات لم تكن سراً، فالوزيرة مي شدياق رشحتها القوات اللبنانية منذ أشهر لوزارة الثقافة، فتبدلت حقيبتها في الدقائق الأخيرة كمخرج لولادة الحكومة وحظيت بوزارة التنمية الإدارية، والوزيرة ندى بستاني لم يغب اسمها عن أي تشكيلة حكومية منذ بدء تركيب الحكومة لأن وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل سمّاها منذ اللحظة الأولى وزيرة للطاقة والمياه، أما الوزيرة فيوليت خير الله الصفدي فظل اسمها مطروحاً ولم تنفع <الضغوط الأرثوذكسية> التي مورست على الرئيس الحريري في استبدالها لأنه وعد زوجها الوزير والنائب السابق محمد الصفدي الذي انكفأ في الانتخابات النيابية في طرابلس ودعم لائحة <المستقبل>... بتوزيرها!

وهكذا وُلدت الحكومة الثلاثينية نسخة منقحة عن الحكومة السابقة على رغم أنها ضمت 17 وجهاً جديداً يمثلون الكتل النيابية نفسها التي شاركت في حكومة العهد الأولى، مضافاً اليها ممثل عن كتلة شمالية هي كتلة الرئيس نجيب ميقاتي (الوزير عادل أفيوني)، وممثل عن <اللقاء التشاوري> للنواب السنّة المستقلين خارج المظلة <المستقبلية> (الوزير حسن عبد الرحيم مراد). وفي ما عدا ذلك فلا إضافات لافتة في الحكومة الجديدة التي أريد لها أن تكون حكومة متضامنة ومتجانسة، وإن كانت كل المعطيات السياسية تؤشر الى ان التجاذبات السياسية فيها ستكون مماثلة لتلك التي سُجلت في الحكومة الراحلة إن لم يكن أكثر... وما أن تُطرح مواضيع دقيقة وحساسة فإن الخلافات ستظهر على السطح ويبدأ <وجع الراس>!

 

حكومة <لا غالب ولا مغلوب>؟!

وإذا كان الرئيس عون قد شدّد في الجلسة الأولى للحكومة يوم السبت الماضي على أهمية التضامن للإنجاز وتعويض الأشهر التي خسرتها البلاد والعباد، ولاقاه في الطرح نفسه الرئيس الحريري، فإن الانطباع الذي تكوّن لدى الأوساط السياسية بعد الإعلان عن الحكومة بأعضائها وبانتماءاتهم، هو أن التركيبة الحكومية أرضت رؤساء الكتل الكبيرة وبدت وكأنها حكومة <لا غالب ولا مغلوب>، خصوصاً أن كل طرف اعتبر نفسه رابحاً ومحققاً لـ<انتصارات>، فيما الواقع هو أن من ربح في مكان أو أمكنة خسر في أخرى، باستثناء <الثنائي الشيعي> ولاسيما حزب الله الذي استطاع من خلال إدارة قيادته لـ<العملية> الحكومية أن يحقق مكاسب عدة من دون أن يخسر شيئاً إذ كان له ما أراد.

وتفصّل مصادر مطلعة معادلة الربح والخسارة على <رعاة> ولادة الحكومة، فترى أن الرئيس عون الذي أخرج نفسه من <بازار> التأليف وتفاصيله، استطاع من خلال ثباته على مواقفه - من دون صدام معلن مع أحد - نيل حصة في الحكومة كان يفترض أن تبقى <حصة الرئيس>، لكن مشاركة ممثليه في اجتماعات <تكتل لبنان القوي> جعلتهم <يذوبون> في <التكتل> بحيث لم يعد ممكناً الفصل بينهم وبين وزراء التيار الوطني الحر وحلفائه، ودخلوا في حسابات المعركة التي خاضها الوزير باسيل الذي ربح وخسر في آن معاً. كذلك فإن الرئيس نبيه بري الذي كانت له لمساته المباشرة على التشكيلة الحكومية لم يتحرك وحيداً بل دخل في سياق استراتيجية <الثنائية الشيعية> التي برز فيها دور حزب الله هذه المرة أكثر مما كان عليه دور الرئيس بري خصوصاً في ما يتعلق بتمثيل <اللقاء التشاوري>، وهو الاسم <الحركي> للنواب السنّة الستة من خارج العباءة <المستقبلية>... ويبقى في لائحة الرؤساء، الرئيس سعد الحريري الرئيس المكلف الذي خاض وحيداً معركة حصته الوزارية ووزع بعضاً من الوزراء الذين يفترض أن يكونوا من حصته، على حليفين سنيين آخرين، هما الرئيس ميقاتي والنائب والوزير السابق محمد الصفدي، وفيما عدا ذلك لا يمكن اعتبار الرئيس الحريري خاسراً أو رابحاً، علماً أنه <ربح> تشكيل الحكومة بعد طول انتظار، من دون أن تكون له قدرة تعطيلية بالأعداد، لأنه قادر وحده من خلال صلاحياته الدستورية تعطيل الحكومة ساعة يشاء، وتعليق جلساتها ساعة يريد، وإسقاطها بمجرد استقالته. من هنا لم <يقاتل> الرئيس الحريري كثيراً للحصول على <ثلث معطل> أو <ثلث ضامن> لا فرق، لأنه يملك وحده القرار بإنهاء مسيرة 30 وزيراً ساعة يشاء. من هنا تبدو <خسارة> الرئيس الحريري محدودة وهي <خسارة طوعية> شاءها منذ اللحظة الأولى وفاء لوعود أطلقها خلال فترة الانتخابات. إلا أن الخسارة العددية القليلة تقابلها خسارة معنوية كبيرة تتمثل بأن الرئيس الحريري وافق على توزير ممثل عن <اللقاء التشاوري> بعدما كان اطلق مواقف رافضة لهذا التمثيل <لو صارت المي عامود>! وبدا واضحاً أن الرئيس الحريري استطاع من خلال <تسوية> نسجها مع الوزير باسيل في لقاءات باريس و<بيت الوسط> أن ينقذ حكومته من الضياع، فيما استعمل <نفوذه> مع رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع لـ<إقناعه> بالتنازل عن حقيبة الثقافة لإرضاء الوزير باسيل بحقيبة البيئة التي كانت أساساً مع الرئيس بري، فحصلت عملية التبادل حيث نال <لبنان القوي> حقيبة البيئة (الوزير فادي جريصاتي)، ونالت <القوات> حقيبة التنمية الإدارية (الوزيرة مي شدياق)، ورست الثقافة عند حركة <أمل> (الوزير محمد داوود داوود).

 

<إنجازات> باسيل و<إخفاقاته>!

 

وبعيداً عن أرباح أو خسائر رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة، ترسم المصادر المطلعة حالات الربح والخسارة عند الأطراف السياسيين وفق المشهد الآتي:

أولاً: رئيس <تكتل لبنان القوي> الوزير جبران باسيل الذي قاد العملية الحكومية بسلاحين: الأول تفويض من رئيس الجمهورية للتفاوض في شأن حصته الوزارية، والثاني تمثيله لأكبر تكتل نيابي في مجلس النواب (30 نائباً) خصوصاً أنه حرص على المحافظة على حصة أركان التكتل وفقاً للمعايير التي اعتمدت في التوزيعة الحكومية. وتعتبر المصادر أن الوزير باسيل نجح في دمج حصة التكتل الذي يرأس مع حصة الرئيس عون، ما جعل عدد الوزراء <الأصليين> 9 وزراء بمن فيهم ممثل حزب <الطاشناق> الأرمني، وأضيف الى الوزراء التسعة وزير يمثل <اللقاء التشاوري> وآخر الحزب الديموقراطي الذي يرأسه النائب طلال أرسلان، ما رفع العدد الى 11 وزيراً أي <الثلث المعطل> أو <الثلث الضامن> الذي طالما سعى الوزير باسيل للحصول عليه واعداً قاعدته ونوابه بتحقيق هذا <الإنجاز> الذي كلف الدولة تسعة أشهر تقريباً من التعطيل الحكومي وما تخلله من <مناورات> حول الوزير الحادي عشر والتداخل بين ممثلي رئيس الجمهورية وممثلي <لبنان القوي>. كذلك نجح باسيل في تثبيت معيار التأليف لتأمين ما نادى به مع الرئيس عون من <عدالة التمثيل> على قاعدة لكل خمسة نواب وزير (باستثناء القوات اللبنانية التي أعطيت أربعة نواب تعويضاً عن عدم منحها وزارة سيادية)، كما كرست المفاوضات الصعبة التي خاضها باسيل، التعددية داخل الطوائف لأن التمثيل شمل الغالبية العظمى من المكونات السياسية والطائفية في مجلس النواب وفي المجتمع اللبناني. ويتحدث القريبون من الوزير باسيل عن <نجاحه> في تعطيل محاولات من سعى الى إبقاء البلاد من دون حكومة وضرب مسيرة العهد الرئاسي في بداية سنته الثالثة، وذلك من خلال رفضه <تعويم> حكومة تصريف الأعمال من جهة، وتقديم مقترحات وأفكار لحلحلة الأزمة من جهة أخرى، لعل أبرزها <المخرج> الذي اعتمد لتمثيل <اللقاء التشاوري> بعد إسقاط خيار توزير جواد عدرا الذي شكّل خسارة للوزير باسيل لأنه هو من اختاره بالتنسيق مع قيادة حزب الله وآخرين من داخل لبنان وخارجه. وإذا كان <لبنان القوي> احتفظ بالحقائب التي كانت معه في الحكومة السابقة ومنها حقيبة البيئة التي خيضت من أجلها معركة <الربع الساعة الأخير>، فإنه حقق أيضاً نجاحاً في منح <تكتل لبنان القوي> حضوراً من مختلف الطوائف في لبنان (باستثناء الطائفة الشيعية) لاسيما وأنه ضم ممثلين عن المذاهب المسيحية كافة (و<احتكر> التمثيل الكاثوليكي بـ3 وزراء) وعن السنّة والدروز بعد كسر احادية التمثيل التي حاول النائب السابق وليد جنبلاط الاحتفاظ بها ثم قبل الزعيم الدرزي بتسوية أدت الى اختيار الرئيس عون للوزير صالح الغريب من بين الأسماء التي رشحها النائب طلال أرسلان. كذلك <نجح> باسيل في خفض حصة <القوات> من خمسة وزراء الى 4 و<حجب> عنها الوزارة السيادية ثم وزارة الخدمات. وقد لفتت المراقبين عبارة رددها باسيل في تصريح صحافي بعد التشكيل حين قال إن التكتل نال <11 ونص> إذ تبين أن وزير الخارجية عمد الى توصيف الوزيرة فيوليت خير الله الصفدي بـ<المستقلة>، في وقت يعتبرها الرئيس الحريري من حصته. إلا أن مصادر التيار الوطني الحر تحدثت عن أن تسمية الوزيرة الصفدي هي في الواقع ثمرة اتفاق بين باسيل والحريري في إطار <استعادة> <التيار> الوزير المسيحي مقابل إعادة الوزير السني الى <اللقاء التشاوري> مع إبقائه ضمن <تكتل لبنان القوي>. ومعلوم أن <التيار>، والرئيس عون في الأساس، كان يدعم تعيين زوج الوزيرة الصفدي النائب السابق محمد الصفدي رئيساً للحكومة. وفي معرض الربح يتحدث <الباسيليون> أن رئيس <التيار> استطاع <انتزاع> وزارة شؤون النازحين من تيار <المستقبل> (كان يشغلها الوزير معين المرعبي) ونقلها الى الوزير الغريب الذي يمثل أرسلان القريب من دمشق، كما استطاع <انتزاع> حقيبة المهجرين لصالح حزبي من <التيار> (غسان عطا الله) ما يعني إمساك <التيار> بهذا الملف.

في المقابل، يرى مطلعون ان <إنجازات> الوزير باسيل تقابلها <إخفاقات> ميزت معركته الحكومية، لعل أبرزها عدم تمكنه من حيازة حقائب دسمة مثل وزارة الأشغال التي آلت مجدداً الى تيار <المردة> ممثلاً بالوزير نفسه يوسف فينيانوس، كما أخفق في تحقيق تبادلات في الحقائب بعد ممانعة الرئيس بري ورفضه المساس بوزارة المال، ولم يتمكن باسيل من تمثيل الأقليات المسيحية والإسلامية بعد رفض الحريري رفع عدد الوزراء الى 32 وزيراً، وكذلك فإن التأخير الذي حصل في ولادة الحكومة يعتبر كثيرون ان باسيل هو السبب المباشر له من خلال طروحات لم يتمكن من تحقيقها سواء لجهة عدد الوزراء (كان يريد 12 وزيراً) أو نوعية الحقائب، وخصوصاً سعيه الى حجب حقائب عن <القوات> و<المردة> و<المستقبل>. أما بالنسبة الى موضوع حيازة <تكتل لبنان القوي> على 11 وزيراً، فإن ثمة جهات تؤكد أن هذا الأمر هو <انتصار وهمي> للوزير باسيل لا يتناغم مع الواقع، اذ إن الوزير حسن مراد الذي يمثل <اللقاء التشاوري> هو في النهاية في حضن حزب الله وينفذ عند <الحشرة> إرادة الحزب وقراراته، وإذا ما اختلفت وجهات النظر بين <التيار> والحزب يوماً في قضية ما فإن الوزير مراد سيقف الى جانب قرار حزب الله من دون تردد. كذلك فإن الوزير الغريب الذي يمثل النائب أرسلان سيكون في التموضع نفسه في أي خلاف بين الطرفين، الأمر الذي يعني عملياً ان وزراء <لبنان القوي> هم ثمانية، في حين أن الوزير التاسع الذي يمثل <الطاشناق> يرتكز في مواقفه على ما تقرره قيادة الحزب اللبناني الأرمني وليس ما يقرره باسيل! من هنا، فإن ثمة من يدعو الوزير باسيل الى الكف عن <إحراج> الوزير مراد بمواقف لن يلتزم بها إذا ما قرر <اللقاء التشاوري> موقفاً مغايراً لما يريده باسيل.

 

حزب <القوات> ربح وخسر...!

ثانياً: خرج حزب القوات اللبنانية من <المعركة> الحكومية محققاً أرباحاً وخسائر على حد سواء، وثمة من يعتبر أن رئيسه الدكتور سمير جعجع لم يخض <القتال الحكومي> باستراتيجية واضحة ما جعله يقبل في النهاية بما رفضه في البداية، ويسلّم بتسوية لم يكن هو شريكاً فيها، بل رُسمت بين حارة حريك وعين التينة و<بيت الوسط> وسن الفيل... ويمكن لـ<القوات> أن تُسجل بأنها ربحت حصة وزارية رباعية فعلية بزيادة وزير عن حصتها الثلاثية في الحكومة السابقة، خصوصاً أن الوزير ميشال فرعون كان حليفاً وليس <قواتياً>. ونجحت قيادة <القوات> في الحصول على نيابة رئاسة الحكومة مجدداً بالاتفاق مع الرئيس عون وبعد إصرار من الرئيس الحريري، لكنها أخفقت في الحصول على حقيبة سيادية بعد إصرار منها امتد الى شهور عدة، علماً أن الوزارات التي حلت فيها، ولاسيما وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية، أساسية، تضاف إليها وزارة التنمية الإدارية التي تشكل جسر عبور بين الدولة اللبنانية والمنظمات الدولية والدول المانحة. وتراهن <القوات> على أن يكون لنائب رئيس الحكومة الوزير غسان حاصباني الدور البارز في رئاسة اللجان الوزارية وفي المشاركة بالعمل الحكومي المباشر، لا أن يبقى منصبه شكلياً. وبين إنجاز من هنا وإخفاق من هناك، تمكّنت <القوات> من فرض نفسها شريكاً أساسياً في الشارع المسيحي لم يستطع معارضوها الحد من فعاليته وحضوره، إلا أن الموضوعية، كما تقول مصادر متابعة، تفرض الإقرار بأن ما ربحته <القوات> سياسياً يوازي ما خسرته وزارياً، على رغم أن رئيسها الدكتور جعجع يعوّل على تعويض ما لـ<التضحية> التي قدمها في الساعات القليلة التي سبقت إصدار المراسيم من خلال قبوله بالمبادلة بين الثقافة والتنمية الإدارية.

ثالثاً: تيار <المردة> خرج من <المعركة> الحكومية رابحاً حقيبة الأشغال مجدداً ومع الوزير فينيانوس نفسه بعدما فشلت محاولات انتزاع هذه الحقيبة منه، تارة لمصلحة التيار الوطني الحر، وتارة أخرى لمصلحة القوات اللبنانية. وكان يمكن أن تكون نسبة الربح وفيرة أكثر لو كان ممثل <اللقاء التشاوري> من سماه النائب فيصل كرامي اي الزميل عثمان مجذوب لأنه بذلك يكون التكتل الذي ينضوي تحته تيار <المردة> قد نال وزيرين بدلاً من وزير واحد، لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، وظل تمثيل <المردة> والتكتل الذي ينتمي إليه تمثيلاً أحادياً.

 

... وكذلك <المستقبل>!

 

رابعاً: في المكونات الاسلامية، لا بد من تسجيل تراجع حصة تيار <المستقبل> مع حلفائه من 8 وزراء في الحكومة السابقة الى 6 وزراء في الحكومة الحالية، وإن كانت الوزيرة الصفدي قدمت نفسها كوزيرة مستقلة. وقد خاض الرئيس الحريري مفاوضات صعبة مع الأفرقاء السياسيين طوال أشهر الأزمة الحكومية واستطاع أن <يربح> معركة الحفاظ على تمثيله السني مع حليفه الرئيس ميقاتي ولم يأت تمثيل <اللقاء التشاوري> من حساب تيار <المستقبل> أو على حسابه، على رغم أنه عارض في البداية مجرد تمثيل <اللقاء التشاوري> ثم عاد وقبل بالأمر الواقع خصوصاً أن توزير حسن مراد لم يكن من حصته. وأبقى الحريري على كون تياره عابراً للطوائف من خلال وجود الوزيرة الصفدي معه لكن من حصة الطائفة الأرثوذكسية. والواقع ان كان يمكن للرئيس الحريري وتيار <المستقبل> أن يحققا مكاسب إضافية، لكن الرئيس المكلف <تعب> من كثرة المناورات التي رافقت تشكيل الحكومة، ويقول القريبون منه أنه كان يريد أن <يخلص> من هذا الهم <بالتي هي أحسن>. ويُسجل للرئيس الحريري أنه جمع في حكومته المتناقضات كافة ولم يلغِ أحداً لاسيما من حلفائه مثل القوات اللبنانية أو الحزب التقدمي الاشتراكي الذي <زعل> رئيسه من الحريري لأنه <تساهل> مع الفريق الدرزي الثاني.

 

<الثنائي الشيعي> ربح ولم يخسر!

خامساً: خرج <الثنائي الشيعي>، لاسيما حزب الله، من الأزمة الحكومية محققاً ربحاً وفيراً من دون أن يخسر شيئاً، بل بالعكس تعزز دوره في الحياة السياسية اللبنانية أكثر فأكثر، وإن كان حزب الله بدا الأكثر تقدماً على حليفه الرئيس بري وحركة <أمل> ويُسجل في هذا السياق نجاح <الثنائي> في فرض توزير وزير من 8 آذار تحت عنوان <اللقاء التشاوري> على نحو كرّسه أمراً واقعاً، ولو كان هذا التمثيل قد نتج عن دمج 3 كتل نيابية ممثلة أصلاً في الحكومة، هي كتلة التنمية والتحرير برئاسة الرئيس بري، وكتلة <الوفاء للمقاومة> والتكتل الشمالي (تحالف المردة - كرامي - الصمد). وبات في استطاعة العضو الأبرز في <الثنائي>، أي حزب الله، ان يجاهر بأن هذه الحكومة <صديقة> له ولن تكون احادية في مواقفها، خصوصاً ان حصته الوزارية زادت من وزيرين في الحكومات السابقة الى 3 وزراء حلّ احدهم (الدكتور جميل جبق) في وزارة الصحة على رغم الاعتراضات الداخلية أولاً، ثم الخارجية. وترتفع حصة الحزب غير المباشرة الى خمسة مع احتساب ممثلي النائب أرسلان و<اللقاء التشاوري> نظراً للدور الذي لعبه الحزب في توزيرهما. وتكفي الإشارة الى أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تمسك بتوزير ممثل عن <اللقاء التشاوري> وأخّر تشكيل الحكومة الى أن تحقق له ذلك، ما يدل على عمق العلاقة بين الحزب و<اللقاء> وبالتالي الاتجاه الذي سيكون فيه الوزير مراد عند <الحشرة>! وبالتوازي ربح الرئيس بري الحفاظ على حضوره شريكاً أساسياً في الحكومة بحصة وزارية وازنة بدءاً من وزارة سيادية هي المال وصولاً الى وزارة خدمات هي الزراعة ووزارة ذات قيمة معنوية هي الثقافة. ولم تنجح محاولات حثيثة جرت في أوقات معينة بانتزاع وزارة المال من بري، بالتوازي مع محاولات مماثلة لوضع <فيتو> على اسم وزيرها الثابت لدى رئيس المجلس أي الوزير علي حسن خليل. غير أن الواقع يفرض الإقرار بأن دور الحزب داخل <الثنائي> في تقرير مصير الحكومة الجديدة كان أكبر هذه المرة من دور الرئيس بري وحركة <أمل>.

سادساً: لم يعد التمثيل الدرزي <المقرّر> محصوراً برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط الذي رضي بتسوية لاختيار الوزير الثالث من <الكوتا> الدرزية في الحكومة بعدما تمسك طوال أشهر بأن يسمي هو الوزراء الدروز الثلاثة، إلا أنه رضي في النهاية وقبل بوزيرين مع حقيبتين، واحدة أساسية هي التربية (أكرم شهيب) وثانية خدماتية هي الصناعة (وائل أبو فاعور) وهو نجح في التمسك بالصناعة بعد محاولات أجريت معه لاستبدالها بحقيبة وزارة التنمية أو غيرها، لكن نجاحه في الاحتفاظ بالصناعة لا يعني نجاحاً في محاولة حصر التمثيل الدرزي به، إذ شاركه فيه مرة جديدة النائب طلال أرسلان الذي ربح تمثيلاً في الحكومة بدعم من رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، والسيناريو الذي اعتُمد في تمثيل أرسلان (اقتراح أكثر من اسم واختيار الرئيس عون لواحد منها)، اعتمد هو نفسه في تمثيل <اللقاء التشاوري>... والمُخرج واحد ومعروف!

تبقى الإشارة الى أن حكومة العهد الثانية، التي أراد الرئيس الحريري أن يسميها حكومة الوحدة الوطنية، ليست بالفعل كذلك، إذا أخذنا في الاعتبار غياب كتل نيابية صغيرة عنها، مثل كتلة الكتائب، وكتلة الحزب القومي إضافة الى المستقلين.

باختصار، ولادة الحكومة الثلاثينية الجديدة كانت حصيلة <تنازلات متوازنة> قدمتها ثلاثة أطراف رئيسية: الطرف الأول هو حزب الله الذي <أقنع> نواب <اللقاء التشاوري> السنّة بأن يكون ممثلهم ضمن <تكتل لبنان القوي> ليكون من حصة رئيس الجمهورية مع خصوصية مماثلة لتلك التي يتمتع بها حزب <الطاشناق> والنائب أرسلان. والطرف الثاني هو التيار الوطني الحر الذي قبل بممثل <التشاوري> من ضمن حصة الرئيس (الذي كان يريد وزيراً سنياً آخر من فريق عمله) فتحققت <أعجوبة> ولادة الحكومة. أما الطرف الثالث فهو الرئيس الحريري الذي قبل بتوزير حسن مراد المنتمي الى <التشاوري> ونجل <خصمه> البقاعي اللدود الوزير السابق عبد الرحيم مراد، بعدما كان يرفض رفضاً قاطعاً هذا التمثيل!