تفاصيل الخبر

الحكومة العتيدة بين ”هبة باردة“ و”هبة ساخنة“ والحراك الدولي أسير لا تفاهم موحداً على المخرج!

05/12/2019
الحكومة العتيدة بين ”هبة باردة“ و”هبة ساخنة“ والحراك الدولي أسير لا تفاهم موحداً على المخرج!

الحكومة العتيدة بين ”هبة باردة“ و”هبة ساخنة“ والحراك الدولي أسير لا تفاهم موحداً على المخرج!

 

أسبوع آخر انطوى من دون أن تبرز أي إشارات داخلية توحي بامكانية الوصول الى حل الأزمة الحكومية التي تعصف بلبنان بالتزامن مع تداعيات <ثورة 17 تشرين> التي تكاد تنهي شهرها الثاني من دون أن يرى <الثوار> ولادة حكومة جديدة يريدونها من الاختصاصيين ومن غير السياسيين الذين يتهمونهم بالفساد وضرب أسس الدولة والوصول بالبلاد الى أزمة اقتصادية خانقة قد تؤدي الى انهيار اقتصادي محتوم.

أسبوع آخر مضى ولا تزال الاستشارات النيابية الملزمة تنتظر موعدها في قصر بعبدا، في وقت لا ثبات بعد على اسم شخصية تكلف تشكيل الحكومة باستثناء المهندس سمير الخطيب الذي تقدم الى الساحة السياسية من نادي رجال الأعمال على أمل أن يدخل نادي رؤساء الوزراء علماً انه كثف اجتماعاته ولقاءاته مع <اللاعبين الكبار> في ميدان تشكيل الحكومة ومرّ من اختبار الى آخر في انتظار أن ترسو سفينته عند بر التكليف لتبدأ مسيرة التأليف التي يفترض ألا تأخذ وقتاً طويلاً إذا ما كانت حصيلة الاتصالات التي أجراها ويجريها ايجابية وصدق الجميع مع المهندس الخطيب ولم تكن الوعود التي سمعها من الرئيس سعد الحريري و<الثنائي الشيعي> ورئيس <التيار الوطني الحر> الوزير جبران باسيل... مجرد وعود لقطبة مخفية قد تجعل الخطيب ينضم الى نادي المرشحين الى الرئاسة الثالثة الذين احترقت أوراقهم بدءاً بالوزير السابق محمد الصفدي الى الوزير بهيج طبارة والرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف وليد علم الدين والنائب سمير الجسر، وغيرهم من الشخصيات.

وفيما كانت المعلومات المتوافرة تشير الى ان عملية تدوير الزوايا مستمرة وان حصيلة الاجتماعات تتأرجح بين تقدم حيناً وتعثر أحياناً مع بروز شروط وشروط مضادة، فإنه من الواضح ان مهمة المهندس الخطيب لن تكون سهل خصوصاً إذا ما صدقت المعلومات عن ان الأطراف السياسيين الذين التقاهم كانت له <مطالب متناقضة> راوحت بين طبيعة الحكومة بوزراء تكنوقراط مطعمين بوزراء سياسيين، وبين حكومة لا وزراء فيها ممن كانوا في الحكومة السابقة، فضلاً عن عدد الوزراء السياسيين والتكنوقراطيين، ومن يتسلم الوزارات السيادية وهل يكون بين أعضاء الحكومة نواب حاليون أو سابقون، ولمن ستسند الحقائب الخدماتية <الدسمة> وغيرها من المواضيع. هذه الأسئلة وغيرها كانت الأجوبة عليها متناقضة، ما جعل التفاهم متأخراً وكذلك تحديد مدة الاستشارات النيابية الملزمة التي كادت أن تبدأ هذا الأسبوع.

 

التحرك العربي... معنوي!

وفي الوقت الذي سعت فيه شخصيات سياسية وروحية الى القيام بتحرك ضاغط للاسراع في تشكيل الحكومة لأن التأخير فيها له مضاعفات سلبية نتيجة الأوضاع الاقتصادية في البلاد، بدا ان الاهتمام الخارجي بما يجري في لبنان، تدرج من المتابعة البعيدة الى المتابعة القريبة من خلال الموفدين الذين حضروا الى بيروت <معززين> ببيان مجلس الأمن الدولي الذي انعقد الأسبوع الماضي وأصدر بياناً بالاجماع يطالب بتشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن. فبعد التحرك الفرنسي الذي تلاه حركة بريطانية، دخلت جامعة الدول العربية على الخط وإن كان دخولها رمزياً، من خلال الزيارة الاستطلاعية التي قام بها الأمين العام المساعد للجامعة السفير حسام زكي على رأس وفد من الديبلوماسيين في الجامعة، نقل خلالها اهتمام الأمين العام أحمد أبو الغيط وحرصه على أن تكون الدول الأعضاء الى جانب الشقيق الأصغر لبنان الذي يعاني مرة جديدة من أزمة صعبة يخشى أن تكون لها تداعيات على الاستقرار والسلام في لبنان وفي المنطقة. وبدا من خلال لقاءات السفير زكي ان لا مبادرة عربية محددة، بل اظهار نيات طيبة مع استعداد للمساعدة إذا ما طلب لبنان ذلك، مقروناً برغبة عربية في تحريك الصناديق المالية العربية بعد تشكيل الحكومة للمساعدة في خطة النهوض الاقتصادي التي يؤمل أن تنطلق بزخم بعد ولادة الحكومة. وكان السفير زكي واضحاً خلال محادثاته مع المسؤولين ان لا رغبة عربية في التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، بل رغبة في الوقوف الى جانب لبنان عند الضرورة وعندما يجد لبنان ذلك ضرورياً. بمعنى آخر فإن التحرك العربي الذي قاده مساعد الأمين العام للجامعة هو عملياً <وقفة معنوية> الى جانب لبنان وليس اكثر، إلا إذا قررت الصناديق العربية تحريك مساعداتها لدعم الاقتصاد اللبناني، وهو أمر غير مضمون. ولاحظ الذين التقوا السفير زكي انه لا يحمل أفكاراً محددة لما يمكن أن تقوم به الجامعة لمساعدة لبنان، وانه جاء الى بيروت ليستمع ويُعلم الأمين العام على ان يبنى على الشيء مقتضاه بعد ذلك!

 

لا موقف دولياً موحداً!

 

بالتوازي كان الاهتمام الدولي بالوضع اللبناني يتأرجح بين المتابعة القريبة التي تقوم بها الديبلوماسية الفرنسية، والاهتمام الحذر الذي عكسته الديبلوماسية البريطانية، والمتابعة المحدودة التي أظهرتها الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن الحضور المميز للديبلوماسية الروسية التي عبرت بوضوح عن اهتمام غير مسبوق بالوضع اللبناني. وبدا واضحاً وجود تناقض في المقاربات الدولية على اختلافها، الأمر الذي جعل من المتعذر انعقاد اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي كان مقرراً مبدئياً في الأسبوع الأول من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، ثم أرجئ الى الأسبوع المقبل من دون تحديد موعد ثابت له، وتردد في الأندية الديبلوماسية ان لا تصور نهائياً بعد لحل الأزمة اللبنانية الراهنة لدى الدول المعنية، وهذا ما دفع الى التأجيل، وسط تباين في وجهات النظر باستثناء الالتقاء على هدف واحد، وهو ضرورة تشكيل حكومة جديدة والاسراع بهذه الخطوة قبل ضياع <زخم> الاهتمام الدولي بلبنان. وثمة من أشار الى ان روسيا التي تبدي اهتماماً جديداً بالوضع اللبناني وجهت رسالة غير مباشرة الى الولايات المتحدة تدعوها فيها الى عدم توظيف الأزمة اللبنانية في صراعها مع إيران لأن الشعب اللبناني لا يستطيع الصمود شهراً أو سنوات الى حين جلوس الطرفين الأميركي والإيراني على طاولة المفاوضات، علماً ان الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> رفض الاعلان عن نيته تخفيف العقوبات على إيران في مقابل قبول الجمهورية الاسلامية الإيرانية ببدء المفاوضات. أما فرنسا، المهتمة مباشرة بالوضع اللبناني، سعت الى اقناع القيادة الأميركية بأن تقوم الديبلوماسية الفرنسية باتصال مباشر رفيع المستوى مع طهران تبحث خلاله الوضع في لبنان، لكن واشنطن التي لم تتجاوب مع الرغبة الفرنسية وتردد في هذا السياق، أنها تفضل التريث في انتظار معركة نتائج الانتفاضات الشعبية في لبنان والعراق قبل حصول أي اتصال سياسي مع طهران، لا بل ان واشنطن تميل الى التشدد في اجراءاتها ضد <الأطراف الإيرانية> في كل من لبنان والعراق لدفعها الى القبول بمطالب المتظاهرين، لاسيما وان التوجه في الكونغرس يصب في هذا الخيار.

ولاحظت مصادر متابعة ان السفير الفرنسي في بيروت <برونو فوشيه> يكثر من لقاءاته مع الرسميين والأطراف السياسيين اللبنانيين تحت عنوان الوقوف على مواقفهم من التطورات الجارية، فيما السفير الروسي <الكسندر زاسبكين> يقوم بدوره بلقاءات مماثلة يبقى معظمها بعيداً عن الأضواء، لكنه يحمل في طياتها رغبة روسية في أن تبقى حاضرة في الملف اللبناني كي لا تستأثر به واشنطن وحدها، أو فرنسا والأوروبيون وحدهم. ويتزامن التحرك الفرنسي السياسي مع إصرار على أن يفهم اللبنانيون ان ما تقوم به باريس هدفه الاسراع في تصحيح الوضع السياسي المأزوم في لبنان حتى تتمكن لاحقاً من توفير الدعم المالي الذي تم الالتزام به في مؤتمر <سيدر> والذي أسفر عن تعهدات مختلفة بين قروض وهبات تعد قيمتها الى ما يزيد عن 11 مليار دولار. وتعتقد باريس ــ وفقاً للمصادر الديبلوماسية المطلعة ــ ان هناك فرصة لتوفير الدعم المالي للبنان عبر جمع أطراف مجموعة الدعم الدولية من دون أن يعني ذلك وضوحاً في شكل الآلية التي يمكن من خلالها توفير الدعم المالي علماً ان الرئيس الحريري كان أشار الى حاجة لبنان الى 5 مليارات دولار ليكون دفعة أوكسجين في الرئة الاقتصادية اللبنانية بهدف التغلب ولو مرحلياً على الأزمة المالية الخانقة في لبنان. لكن تبقى ضرورة تشكيل الحكومة الجديدة الأولوية التي تجمع عليها باريس وسائر دول مجموعة الدعم، وهذا ما تبلغه لبنان بوضوح خلال زيارات الموفدين الدوليين الى بيروت. وتؤكد المصادر نفسها ان الرسائل التي وصلت الى لبنان وركزت على أهمية تشكيل الحكومة الجديدة، لم تقابلها بيروت بالتجاوب المطلوب على رغم انها كانت موحدة في الهدف والمضمون في آن حتى ان الاصلاحات التي وعد بها لبنان المجتمعين في <سيدر> لم يتحقق منها شيئاً لأن مجلس النواب فشل في الاجتماع لدرس القوانين المعنية بالاصلاحات بسبب مواقف المتظاهرين الذين منعوا وصول النواب الى مبنى مجلسهم.

 

لا اعتراض على مشاركة حزب الله!

ولعل أهم ما أظهرته الرسائل الدولية للبنان وجود تباين في المواقف، ففي حين ترى الدول الأوروبية (ومعها روسيا) ليس ثمة اعتراضات على مشاركة حزب الله في الحكومة الجديدة لاسيما وان الحزب شارك في حكومات سابقة، فإن الولايات المتحدة الأميركية متمسكة في رفض اشراك الحزب في التشكيلة الوزارية <حتى لا تكون إيران شريكة في القرار الحكومي اللبناني>، وذلك على رغم الشروحات التي قدمت للأميركيين عن صعوبة ابعاد حزب الله عن الحكومة وهو الذي يملك كتلة نيابية كبيرة في مجلس النواب ويمثل، مع شريكته حركة <أمل>، ثلث الشعب اللبناني، ودفع الموقف الأميركي الدول الأوروبية الى القول علناً بأنها لا تريد التدخل في تشكيل الحكومة التي يعود الى اللبنانيين التوافق على تشكيلها بسرعة وفق الدستور، مع رغبة في أن يتمثل <الحراك الشعبي> في الحكومة العتيدة من اجل تحقيق انتاجية أفضل في الحكومة. وهذا الموقف يعني فعلياً ضرورة عدم استبعاد أي من المكونات اللبنانية عن الحكومة العتيدة شرط أن تتمثل هذه المكونات بخيرة أبنائها من خلال شخصيات معروفة بكفاءتها ونزاهتها وتحظى بثقة الناس خصوصاً في الوزارات الحساسة لمنع استخدامها لمزيد من الفساد.

في أي حال، بين حراك داخلي ينتظر حلولاً عملية لوقف التظاهرات والاعتصامات، وبين لا تفاهم دولياً على حلول صنع في لبنان، تبدو الأزمة الحكومية مفتوحة على مستقبل مجهول، فيما الحكومة مدعوة الى تصريف فعلي للأعمال ريثما تسمح الظروف بتشكيل حكومة جديدة يتأرجح موعد ولادتها بين <هبّة باردة> و<هبّة ساخنة>!