تفاصيل الخبر

الحكم والحكومة: لا مساس بالحرية الاعلامية شرط التمييز بين النقد والشتيمة والشائعات!

11/10/2019
الحكم والحكومة: لا مساس بالحرية الاعلامية  شرط التمييز بين النقد والشتيمة والشائعات!

الحكم والحكومة: لا مساس بالحرية الاعلامية شرط التمييز بين النقد والشتيمة والشائعات!

هل حرية الاعلام في لبنان... بخطر؟

هذا السؤال الكبير، والخطير في آن، كان محور البحث في الأوساط الرسمية والسياسية والشعبية طوال الأيام الماضية في ضوء ما شهدته البلاد من أحداث خلال الأسبوعين الماضيين رافقتها حملة إشاعات أربكت المجتمع اللبناني بمكوناته كافة وطرحت علامات استفهام كثيرة حول الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية على حد سواء، فيما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مباشراً في صب الزيت على النار في غياب أي ضوابط يمكنها أن تحد من مضار الحملات الاعلامية والشائعات في وطن يقف على <صوص ونقطة> بين التدهور و... الانهيار على مستوياته كافة.

ولعل الحملة التي استهدفت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال وجوده في نيويورك على رأس وفد لبنان الى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت الشرارة التي انطلقت منها مخاوف اللبنانيين حول مستقبل عملتهم النقدية من جهة، وحاضر الحياة السياسية من جهة اخرى، مع تزايد الدعوات الى رحيل الحكومة واستبدالها بحكومة <تكنوقراط> على رغم ان هذا الخيار لا يحظى بتأييد جهات سياسية كثيرة أبرزها رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يعتبر انه بعد اتفاق الطائف لا مجال لحكومة <تكنوقراط> بل ان الحكومات يجب أن تكون سياسية، وما زاد الطين بلّة كانت التسريبات التي ملأت شبكات التواصل الاجتماعي عن أخبار وشائعات ومعطيات افتقرت في معظمها الى الدقة، في وقت تعمد فيه عدد من الأشخاص الذين يقدمون أنفسهم <خبراء في الاقتصاد> ضخ كمية من الأخبار عن <انهيار وشيك> لليرة اللبنانية، وعن <افلاس قريب> لعدد من المصارف، وعن <سقوط الحكومة في الشارع> وغيرها من الأخبار التي زرعت قلقاً وخوفاً في نفوس اللبنانيين وانعكست في عمليات سحب الودائع من عدد من المصارف لاسيما تلك التي طاولتها الإشاعات عن <عقوبات> ستنزل بها على غرار ما حصل مع البنك اللبناني ــ الكندي من أشهر، ومصرف <جمال تراست بنك> قبل أسابيع...

ولأن باب المزايدات يُفتح على وسعه في مثل هذه الحالات لم يبق أحد إلا و<بلّ> يده في موضوع الحريات الاعلامية، مدافعاً أو منتقداً أو متهماً الدولة بمصادرة الحريات وزج الاعلاميين في السجون و<كم الأفواه> وغيرها من الشعارات التي تلقى صدى في نفوس اللبنانيين المفطورين على الحرية ولاسيما منها حرية القول والكتابة. وإذا كان ما ينطبق على وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة لجهة وجود قانون يضبط الأداء والممارسة، فإن وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية لا ضابط قانونياً لها وهي تعيش حالة من الفلتان غير المسؤول، ما دفع مجلس الوزراء في جلسته ما قبل الماضية الى وضع يده على هذا الملف الحساس بعد مداخلة من رئيس الجمهورية وضعت النقاط على الحروف، على حد تعبير أحد الوزراء الذي يتابع عن كثب مداولات المجلس ويدوّن مداخلات الوزراء، وقد أشار الوزير نفسه الى ان الرئيس عون بدا منزعجاً جداً من المشهد الإعلامي الذي عاشته البلاد في الأسبوعين الماضيين وكمية الاشاعات التي ضجت بها المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، مقرونة بالشتائم والنعوت التي لم تستثنِ رئيس الدولة ورمز وحدتها ومصدر هيبتها.

ويروي الوزير وقائع ما حصل فيشير الى ان حملات التجريح والتشكيك التي طاولت الحكم والحكومة ولم <ترحم> أحداً، دفعت بالرئيس عون الى التساؤل عن أسباب غياب الحكومة خلال تلك الأيام عن مخاطبة اللبنانيين وشرح حقيقة الأوضاع المالية والنقدية كي لا يستسلم المواطن الى الشائعات، وما أكثرها. كذلك استغرب تلكؤ الأجهزة الأمنية في التدخل منعاً لقطع الطرق والحد من مظاهر العنف والفلتان التي سادت بقوة في شوارع العاصمة، واستطرد الرئيس ــ تبعاً لرواية الوزير نفسه ــ ليقول ان الحديث عن <قمع الحريات> و<منع النقد> لا صحة له لكن لا بد من التمييز بين النقد البناء والإشاعة والشتيمة، فالنقد البناء مرحّب به وضروري جداً وجوده ليصحح المسؤول من مساره، أما الشائعات لاسيما تلك التي تهدد أمن الدولة وسلامتها والاستقرار الأمني والنقدي فيها فلا يجوز ان تمر مرور الكرام وأن يستسلم لها اللبنانيون ويتصرفوا على أساس انها حقيقة وليست إشاعة ويبنوا مواقفهم عليها ما يعرض البلاد الى هزات مالية واقتصادية. ويضيف الرئيس: هذا الواقع يدفعنا الى التمييز بين النقد السياسي من جهة أولى، وبين الإشاعة من جهة ثانية، وبين الشتائم من جهة ثالثة. فالقدح والذم والشائعات تعالجها محكمة المطبوعات، أما الشتيمة والكلام النابي فلا بد أن يطبق عليه قانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية كي يدرك كل مرتكب ان فعلته لن تمر مرور الكرام وانه سيحاسب عليها وفق القوانين. أما مواقع التواصل الاجتماعي فلا بد من ضبطها ومن غير الجائز أن تستمر <فالتة> على هواها، تدين من تشاء وتجرم من تشاء وتدافع عمن تشاء. كرامات الناس ــ أضاف الرئيس ــ ليست ملك أحد حتى يتسلى بها أو يسيء إليها من خلال بث الشائعات والترويج للأكاذيب وغيرها، والقول إن المصارف سوف تفلس ولن تعيد الأموال الى المودعين يحدث كارثة مماثلة لتلك التي عاشها بنك <انترا> في الستينات حين أفلسته الشائعات وقضت عليه، في وقت لا يزال حياً يرزق ولديه امكانات مادية كبيرة وممتلكات وشركات ومؤسسات الخ...

وخاطب الرئيس عون الوزراء ــ على حد تعبير الوزير نفسه ــ فقال: <نحن الرؤساء والوزراء عرضة للانتقاد وتوجيه الملاحظات وهذا أمر مرغوب به، لكن الذي حصل في الآونة الأخيرة ان شخص رئيس الجمهورية استهدف على نحو يجافي الحقيقة ويؤثر على الكرامة الوطنية، لأن رئيس الدولة يمثل هذه الكرامة ويجسد مع الحكومة السلطة الاجرائية في البلاد، فإذا ما فشل الرئيس، تفشل السلطة كلها ويخسر لبنان، لكننا لن ندع أحداً <يفشّلنا>، وأنا شخصياً مررت في ظروف صعبة وواجهت الكثير من التحديات ولم أفشل، واليوم أتعرض للشتم والتجريح والإهانة ولا أسمع من ينادي بوقف هذه المهزلة... أنا لا أريد أن يدافع عني أحد، لكن هل من الطبيعي أن يتعرض رأس الدولة لما تعرضت له خلال الأيام القليلة الماضية، وتبقى السلطة الاجرائية مكتفة اليدين تتلقى ولا تبادر؟ هذا الواقع لن يستمر، ولن أسمح باستمراره مهما كان الثمن. القانون يجب أن يطبق على الجميع، ولا داعي للصراخ وندب الحريات، فالحرية الاعلامية ليست في خطر وأنا أصونها وأحرص على استمرارها، لكن حرية الشتم والتجريح والإساءة وبث الشائعات المدمرة للبلاد لا يجوز السماح باستمرارها لأن الثمن سيكون غالياً.

 

لا سجن للاعلاميين!

ويؤكد الوزير نفسه وهو يروي وقائع ما حصل ان الرئيس عون لم يقل في مداخلته انه سيلجأ الى سجن الاعلاميين، حتى ان كلمة <سجن> لم ترد في كل الجلسة، خصوصاً ان الرئيس الحريري في معرض الشكوى من <فلتان الاعلام> دعا الى معالجة الوضع من خلال قانون المطبوعات وتعديله بحيث ترفع الغرامات التي يُحكم بها المخالفون مورداً سلسلة أمثلة في دول أكثر ديموقراطية من لبنان بينها بريطانيا التي شهدت اقفال صحيفة <غلوبال> بعد عجزها عن دفع غرامة مالية زادت عن 100 جنيه استرليني حكمت بها المحكمة للفنانة <مادونا> بعد نشر الجريدة اخباراً كاذبة عنها. وتدخل وزير الإعلام جمال الجراح في النقاش ليقول ان قانون الاعلام بحاجة الى تعديل، مع ضرورة التمييز بين من هو اعلامي ومن هو غير اعلامي، خصوصاً ان المواقع الالكترونية تنبت مثل الفطر ولا قوانين ترعاها ولا رقابة عليها ولا من يراقب... وكشف وزير الإعلام انه شكل لجنة استشارية تعمل على وضع مقترحات عملية لتعديل قانون المطبوعات وعرضه على لجنة الادارة والعدل التي تدرس هي الأخرى مشروع قانون للإعلام بهدف الوصول الى التصور الذي يحفظ حرية الاعلام المصانة بالدستور، ويضع الضوابط الضرورية لوقف حالة الفلتان التي أصابت الجميع من دون استثناء...

ويضيف الوزير الراوي، ان وزيرة التنمية الادارية رأت هي أيضاً ضرورة لتطوير قانون الاعلام لكنها حذرت من <الشطح> بالعقوبات حتى لا تتأثر حرية الاعلام بل توضع ضوابط لعمل الاعلاميين ضمن القانون والمصلحة العليا. وكاد النقاش ــ حسب الرواية الوزارية ــ يذهب الى أمكنة اخرى ما دفع بالرئيس عون الى التأكيد على ان حق التظاهر مسموح به، وكذلك حق النقد، لكن ما ليس مسموحاً به هو الشتيمة والتجريح والاساءة الى الكرامات، وبالتالي فإن التمييز بين هذه الأمور مسألة ضرورية لا يمكن تجاهلها، والأصح ان تتوزع مثل هذه الأحداث بين الشتيمة ومكانها المحاكم الجزائية، والنقد على أنواعه ومكانه محكمة المطبوعات وغير ذلك مما لا يمكن استمرار القبول به لأن مقومات الدولة باتت على المحك.

ويضيف الوزير نفسه ان النقاش في الواقع الاعلامي لم ينتهِ عند هذا الحد، إذ كانت مداخلات للوزير ريشار قيومجيان وأخرى للوزير محمد شقير وثالثة للوزير علي حسن خليل الذي تحدث عن حملة تستهدف الدولة برمتها بدءاً من رئيس الجمهورية وصولاً الى الوزراء والنواب والمسؤولين كافة، داعياً الى تصحيح أساليب التخاطب والتمسك بالتضامن الحكومي و<ما نبخّش ببعضنا أو نجلد بعضنا البعض>. أما الوزير جبران باسيل فطلب من وزير الاعلام أن يقدم مشروع قانون يعدّل فيه الغرامات المحددة في قانون المطبوعات من دون أن يعني ذلك مساساً بحرية التعبير، لاسيما وان المساس بهيبة الدولة، رئيساً ورئيس حكومة وأعضاء، يؤثر على صورة البلد في الخارج والداخل على حد سواء. لكن باسيل أقرّ في المقابل بأن ثمة مسؤولية على الحكومة لأنها وعدت بتقديم موازنة مع رؤية اقتصادية وهذا لم يحصل ما يجعلنا نسير على الطريق الخطأ. وكرر رئيس <التيار الوطني الحر> القول إن وزراء التيار ونوابه <ما رح يمشوا بموازنة بلا اصلاحات أبرزها الكهرباء التي يجب أن تترجم في الموازنة وتقرّ بها>. وأراد الوزير أبو فاعور ان يسجل موقفاً بالقول ان فريقه لا يقبل بأي إساءة لرئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو الوزراء، <لكن نحن متمسكين بعدم المساس بالحرية والأفضل عدم إثارة هذه المسألة في الإعلام راهناً>. ودخل على الخط وزير الشباب والرياضة محمد فنيش داعياً الى تطبيق القوانين وتعديل الثغرات التي فيها مسجلاً <فلتان> وسائل التواصل الاجتماعي لعدم وجود ضوابط لها <ولا بد من معالجة ضمن القانون مع التمسك بحرية التعبير المصانة بالدستور>.

في أي حال، ما دار من حوار داخل مجلس الوزراء يفضي الى نتيجة واحدة ان لا رغبة لدى السلطة التنفيذية بالمساس بالحرية الاعلامية، لكن لا بد من ضوابط تحمي هذه الحرية وتحفظ للجميع كراماتهم ولا تكون مستهدفة بالتجريح والشتيمة!