تفاصيل الخبر

الحدود السائبة مصدر ضرر لكل من لبنان وسوريا!

25/07/2014
الحدود السائبة مصدر ضرر لكل من لبنان وسوريا!

الحدود السائبة مصدر ضرر لكل من لبنان وسوريا!

الحدود-اللبنانية--السورية   قبل ان تصبح الحدود اللبنانية السورية السائبة والمفتوحة وغير المضبوطة مدار الحدث منذ بداية الثورة السورية في منتصف شهر آذار/ مارس 2011 ، كانت هذه الحدود المتداخلة وغير المرسّمة والمحدّدة وفق القانون الدولي، سبباً أساسيّاً لصراعات سياسيّة واجتماعيّة، وحتى مناطقية بين لبنان وسوريا، وسبباً لسقوط عدد من القتلى بين أهالي البلدات الحدودية لخلافات على الأراضي والمياه والطرقات والمعابر...

ومنذ بداية الاحداث السورية، ارتفعت أصوات رسميّة في أروقة النظام في دمشق تتّهم نوّاباً وشخصيّات وجهات لبنانيّة بإرسال السلاح الى المعارضة السوريّة من خلال المعابر الحدودية غير الشرعيّة، ثمّ كانت تصريحات وزير الدفاع اللبناني الاسبق فايز غصن الذي اعلن فيها عن تسلّل عناصر من تنظيم <القاعدة> من عرسال الى داخل الاراضي السورية، وغيرها من اتّهامات في هذا الإطار، فضلاً عن تسلّل القوّات السوريّة الى داخل الأراضي اللبنانية في الشمال والبقاع، والادّعاء بأنّ دخولها كان الى أراضٍ سوريّة، هذه الأمور مجتمعة دفعت فِعلاً للعمل على ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، لأهمّية هذا الأمر لكلّ من الدولتين، كون ترسيم الحدود يساعد في ضبط الحدود الفالتة، التي باتت ممرّاً للتهريب بأشكاله كافة.

عرسال في عين العاصفة

ودخلت بلدة عرسال اللبنانية كغيرها من القرى الحدودية المجاورة فجأة في سياق تطور الأحداث المتعلقة بالوضع في سوريا، وصارت الملجأ للعائلات السورية المشردة، لا بل أصبحت جرودها منطلقاً لعمليات عسكرية تقوم بها مجموعات من فصائل المعارضة السورية التي تجمعت في جرود البلدة منذ سقوط يبرود في ايدي النظام السوري.

وتشهد عرسال تطورات دراماتيكية من تسلل لمعارضين سوريين الى داخل البلدة، وغارات مستمرة للطيران السوري على اطرافها. ويعتبر سهيل الفليطي(ناشط في تيار المستقبل ) في دردشة مع <الافكار> ان قضية بلدة عرسال تطرح اشكالية تنسحب على القرى اللبنانية الحدودية كافة المتاخمة لسوريا في البقاع والشمال، من حيث تداخل الاراضي وتشابك العقارات، وتفتح بالتالي الباب واسعاً على موضوع التهريب بين البلدين والذي يعتبر مهنة قديمة تعود الى ما قبل زمان الانتداب الفرنسي.

وطالب الفليطي الدولة اللبنانية بالعمل على فرض وجودها في عرسال وحمايتها، لأن عرسال صارت كبش محرقة للأطراف المتصارعة...

أهالي طفيل: ضحية الحدود السائبة

 

واللافت أنّ تداخل القرى والبلدات اللبنانية مع سوريا جعل الاهالي الذين <هم لبنانيّون بالهويّة فقط> يتّخذون قبل الاحداث في سوريا من المدن السوريّة القريبة مكاناً لمدارس أولادهم وتأمين الخدمات والاحتياجات الصحّية والغذائية، في حين يؤكّد عدد من الأهالي انّهم لا يشعرون بانتمائهم الى الدولة اللبنانية إلا في مواسم الانتخابات النيابيّة، ومثال ذلك أهالي بلدة «طفيل»، فهي قرية لبنانيّة لا يمكن الوصول اليها إلا عبر الأراضي السورية، ولا يتعرّف اليها النوّاب إلا في المواسم الانتخابيّة. ولبنانية هذه البلدة لم تنفع في تجنيبها ويلات الحرب السورية فتعرضت للحصار والقصف ولتهجير اهاليها وكانوا ضحية الصراع بين النظام السوري والمعارضة، اذ اعتبرت الزميلة كارولين عاكوم التي زارت طفيل خلال ازمتها الاخيرة ان البلدة تعرضت لحصار مزدوج عزل أهالي بلدة الطفيل اللبنانية، التي تحيط بها الحدود السورية في محافظة البقاع، لنحو أربعة أشهر وان حوالى 18 بيتاً كانت هدفاً لطيران النظام السوري حوّلها دماراً ولم يجد الجرحى داخل القرية من يسعفهم أو ينقلهم إلى أي مستشفى قريب.

وأكد مختار الطفيل السابق رمضان دقّو انه كان يتنقّل من منطقة إلى أخرى في بيروت مستغيثاً، آملاً أن يصغي مسؤول لبناني لمناشداته وينظر لوضع بلدته من دون جدوى.وعن حياة أهالي الطفيل قال: «قبل بدء الأزمة في سوريا ورغم المعاناة التي كنا نعيشها، اعتدنا تدبّر أمرنا بالحصول على حاجياتنا من ألفها إلى يائها من هناك، بما في ذلك التيار الكهربائي، حتّى انّ العملة التي نتداول بها هي الليرة السورية وليست اللبنانية. وأضاف دقّو:  إذا كنّا نريد الاتصال بأحد أقربائنا في أي منطقة لبنانية، يُحسب علينا اتصال دولي، أي إن بلدتنا بالنسبة إلى شبكة الاتصالات في لبنان تُعتبر خارج الحدود>.

جان-اوغاسبيان

مفتي بعلبك ــ الهرمل

اما مفتي بعلبك ــ الهرمل الشيخ بكر الرفاعي، فقد حمل المسؤولية لكل من تعاقب على وزارة الأشغال العامة اللبنانية من السياسيين مسؤولية ما وصل إليه الوضع في الطفيل، مؤكداً انه قام بالتواصل مع أي مسؤول للبحث معه في فتح طريق من الطفيل إلى لبنان، وكان آخر اتصال مع رئيس الحكومة تمّام سلام وقبلها مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وقبلهما وزير العدل أشرف ريفي، لكن، كما قال إنه لم يتلقَ إلا الوعود.

تداخل جغرافي ــــ عائلي

 

التداخل الجغرافي السوري اللبناني أدّى الى تداخل عائليّ في كلّ المناطق الحدودية، ففي ريف دمشق تقع بلدة سرغايا التي يوجد فيها تداخل عائليّ كبير مع بلدة معربون اللبنانية، ولكن رغم المصاهرة والعلاقات فإنّ الخلافات حول ملكيّة الاراضي الزراعيّة تتكرّر دوماً ومنذ عقود طويلة، وسقط نتيجتها قتلى وجرحى. ويؤكد بلال عبد الواحد أحد وجهاء بلدة معربون لـ<الافكار> ان هناك خلاف بين أهالي معربون اللبنانيّة وآل شماط ومسعود وأهالي سرغايا حول أراضي موقع النهير حيث يدّعي كِلا الطرفين امتلاك الأرض، وكلّ منهما يملك مستندات رسميّة تؤكّد ذلك، وأيضاً في بلدة كفير يابوس التي تتداخل بالأراضي الحدودية مع قرية مجدل عنجر اللبنانية، حيث يوجد خلاف على حوالى 500 دونم في موقع وادي خليل، وهناك عدد من الاشخاص يعيشون في كفير يابوس ويحملون الجنسيّة اللبنانية، وكذلك في مزرعة دير العشاير التي تتداخل مع دير العشاير اللبنانية نتيجة شراء الفلاحين السوريّين أراضٍ من (آل نصر وآل العريان) وتوجد صلة قربى تجمع بين عدة عائلات من البلدين، كما توجد حوالى 60 امرأة لبنانيّة متزوّجة في مزرعة دير العشاير السورية، يقابلها حوالى 15 امرأة سوريّة متزوّجة من أشخاص لبنانيّين. وفي بلدة الديماس التي تتداخل بالأراضي الغربية من جهة مزرعة دير العشاير السورية ومزرعة دير العشاير اللبنانية يوجد عدد كبير من الفلاحين السوريّين الذين يملكون أراضٍ ضمن الأراضي اللبنانية، وتوجد صِلة قربى بين عائلة (العرسالي والحجيري) السوريتين مع أولاد عمّ  لهم وأقارب لبنانيّين في قرية عرسال اللبنانيّة، وأشخاص سوريّين يحملون الجنسية اللبنانية في بلدة الديماس.

أمّا القرى السوريّة الممتدّة من نقطة العريضة غرباً الى نقطة الدبوسية شرقاً، والبالغة 21 بلدة وقرية فيسكنها خليط من سوريّين ولبنانيّين، والعوائل اللبنانيّة لديها أراضٍ في الجانب السوريّ من الحدود ويعمل أفرادها فيها ويعودون الى الجزء اللبناني، وكذلك الحال بالنسبة إلى بعض العائلات السوريّة. وهناك قرى حدوديّة مقسّمة الى قسمين: قسم في الأراضي اللبنانية، وقسم آخر في الأراضي السوريّة.

ازدهار التهريب

تداخُل القرى والبلدات أدّى الى ازدهار حركة التهريب بين البلدين، وبات موضوع التهريب مشكلة شائكة يصعب حلّها، وبرأي الخبراء في المجالات الأمنيّة فإنّ أيّ تهريب بين أيّ دولتين لا يمكن ضبطه بالشكل المطلوب حتى لدى أهمّ الدول وأقواها عسكريّاً وأمنيّاً.

رئيس بلدية عرسال علي الحجيري أكّد في هذا المجال: <انّ السوريّين مستفيدون من عمليّات التهريب، لذا فإنّهم لم يزرعوا الألغام على الحدود مع عرسال حتى تظلّ الطريق سالكة امام عمليّات تهريب المازوت والبضائع...>.

وحسب عدد من الذين يعملون في التهريب، فإنّ عناصر الهجّانة السوريّة (حرس الحدود) يتّخذون من التهريب وسيلة ارتزاق وعيش، فهم يتقاضون الرشاوى والسمسرات لقاء غَضّ النظر عن البضائع وتسهيل عمليّات التهريب...>.

المفتي-بكر-الرفاعي  

أنفاق عسكريّة

لذا فإنّ ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، إضافة الى تفعيل القوى الأمنيّة لدى الطرفين لمراقبة هذه الحدود وضبطها يؤدّي حتماً الى التخفيف والقضاء على آفة تهريب البضائع والاشخاص، ولكن ما بين لبنان وسوريا عوامل أخرى تمنع هذا الأمر، أهمّها ما يقال عن الضرورة الاستراتيجيّة العسكرية لحزب الله، التي تقضي بإبقاء المجال البرّي السوري مفتوحاً أمام تدفّق السلاح والصواريخ عبر هذه البوّابة، فضلاً عن الأنفاق التي تمتدّ من داخل مواقع الجبهة الشعبية - القيادة العامّة في مناطق قوسايا في البقاع الى داخل الاراضي السوريّة، والحديث مؤخّراً عن أنفاق أخرى أقيمت من داخل الأراضي اللبنانيّة في جرود الهرمل الى داخل العمق السوري.

مراقبة ورصد

وكانت اللجنة الأمنيّة الألمانية ـــ اللبنانية قد بدأت بعمليّة مراقبة دقيقة للحدود اللبنانية ــ السوريّة قبل بدء الثورة، لمنع حركة نقل السلاح والأشخاص، وتمّ إعداد دراسة علميّة تقضي بتركيب أجهزة رصد وآلات سكانر للمراقبة، وتركيب كاميرات على النقاط والمعابر الحدوديّة، في الوقت الذي طرحت فيه عدّة اقتراحات، منها نشرُ قوّات دوليّة على الحدود اللبنانية ـــ السورية، والتي أحدثت جدالاً عميقاً في الوسط السياسي اللبناني. في حين اكدت مصادر خاصة لـ<الافكار> أنّ فِرَقاً أمنيّة اميركيّة تقوم، وبشكل غير معلن ومن حين الى آخر، بمراقبة الحدود اللبنانية السورية في البقاع والشمال تخوّفاً من تسلّل عناصر إرهابيّة ومن تهريب صواريخ وأسلحة لصالح حزب الله، وأبرز مثال على ذلك الضجّة التي قامت منذ ثلاث سنوات بسبب ادّعاءات إسرائيليّة عن تسلّم حزب الله صواريخ <سكود> من سوريا.

اللجنة التقنيّة

وكانت اللجنة التقنيّة لمراقبة الحدود برئاسة وزير الدولة جان اوغاسبيان قد واصلت البحث لوضع تصوّر استراتيجي لمراقبة الحدود وضبطها. وعن موضوع ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، قال الوزير السابق جان اوغاسبيان: <إن موضوع ترسيم الحدود يبحث بين رئيسي حكومتي لبنان وسوريا.. على أن يعلن بعد ذلك ما سيتم الاتفاق عليه». وشدد اوغاسابيان على أن عمل اللجنة التقنية لمراقبة وضبط الحدود التي يرأسها لا يتعلق على الإطلاق بترسيم الحدود وإنما بوضع رؤية استراتيجية لضبط الحدود ومراقبتها وتطوير وبناء معابر حدودية وتعزيز الإنماء الإقتصادي والإجتماعي للقرى الحدودية>.

عرسال

فهل ستكون الأحداث الجارية في سوريا السبب الاساس في قيام حكومة كل من البلدين بالبحث جدياً في طريقة مراقبة الحدود المشتركة، وضبطها وفي العمل جدياً على ترسيم الحدود وذلك في إطار إقفال الملفات الخلافية العالقة منذ التاريخ البعيد بين لبنان وسوريا؟

تحفّظات سوريّة

سوريا لها تحفّظاتها في مجال ترسيم الحدود، إذ تطالب بالبدء في ترسيم هذه الحدود من الشمال وصولاً إلى الجنوب، مع تعليق ترسيم الحدود في المنطقة التي لا تزال إسرائيل تحتلها في القطاع الشرقي من جنوب لبنان لحين <جلاء> إسرائيل عنها. واعتبر مندوب سوريا لدى الأمم المتّحدة بشّار الجعفري أنّ قضيّة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا هي مسألة ثنائيّة يجري العمل على تسويتها، ونفى أن تكون هناك أيّ قواعد منظّمات فلسطينيّة مسلّحة على الحدود اللبنانية السورية، قائلاً إنّ هذه القواعد توجد على الأراضي اللبنانيّة فقط.

أمين عام وزارة الخارجية السابق ورئيس وفد لبنان في لجنة ترسيم الحدود السابق السفير وليم حبيب أشار إلى أن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا يتم بالاتفاق بين الدولتين، حيث تقدّم كل واحدة ما لديها من معطيات ومستندات وتحدّد ما هي مطالبها.

واعتبر حبيب ان كلمة ترسيم ليست في محلها هنا، بل سوريا تضع حدودها مع لبنان دون ان يحصل تفاهم بين الجانبين، لافتاً إلى وجود اتفاقات بين الدول حول موضوع الحدود، حيث لا يمكن لدولة ان تقرّر الحدود دون التفاهم بشأنها، وعندها تجتمع لجنة مؤلفة من البلدين للبحث في ترسيم الحدود، وهذا ما لم يحصل بين لبنان وسوريا، بل هذه الأخيرة تخلق أمراً واقعاً.

ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان بات حاجة مُلحّة تدخل في إطار سيادة كلّ من البلدين، حتى لا تظلّ هذه الحدود سائبة وفالتة، ولا تظلّ ذريعة للنظام السوري لتوجيه الاتّهامات لعدد من اللبنانيّين.