تفاصيل الخبر

الحدود اللبنانية ـ السورية السائبة.. إضبطوها

01/07/2020
الحدود اللبنانية ـ السورية السائبة.. إضبطوها

الحدود اللبنانية ـ السورية السائبة.. إضبطوها

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_79165" align="alignleft" width="375"] معابر التهريب بين لبنان وسوريا[/caption]

 كما في عمليات التهريب على الحدود اللبنانية ـ السورية والتي تُكلّف خزينة الدولة اللبنانية ملايين الدولارات سنويّاً نظراً للهدر، تجهد أيضاً شخصيّات سياسيّة لبنانية لإقامة علاقات فرديّة مع أطراف نافذة داخل النظام السوري بعيداً عن "البروتوكول" المُتفق عليه بين النظام نفسه وحلفائه اللبنانيين والذي ينصّ بأن يتولّى "حزب الله" مهمة تنسيق الزيارات التي تحمل طابعاً سياسياً وأمنيّاً وتحديد طبيعتها ومواعيدها.

خط عسكري.. وزحمة منتفعين

 منذ فترة والحدود اللبنانية ـ السورية تشهد دخول وخروج مواكب تعود لسياسيين ورؤساء أحزاب لبنانيين إمّا بهدف حجز أمكنة لأنفسهم في إعادة إعمار سوريا وسط عروض خيالية، أو بهدف إعادة وصل ما قطعته الأحداث المتراكمة من اجل تثبيت مكانتهم ضمن التوليفة السياسية اللبنانية، الأمر الذي استدعى إحدى الشخصيّات التي تجمعها علاقات قديمة ومتجذرة مع النظام في سوريا للقول، إن الحدود أصبحت شبه "سائبة" أمام من يسمّون أنفسهم "حلفاء" ولا بد من إعادة ضبطها.

 الخطوط العسكرية بين البلدين مفتوحة والبطاقات أو التصاريح الصادرة عن الجهات الأمنية في الداخل السوري والتي تُمنح لبعض اللبنانيين، ما زالت مفاعيلها قائمة من اجل تسهيل عبور حامليها إلى الجهة الأخرى من دون التوقف عند الحواجز الأمنيّة السورية، أو تلك المُشتركة مع الحلفاء في لبنان. وهنا تعود الشخصيّة الحليفة نفسها للكشف عن أن معظم هؤلاء الزوّار يُريدون العودة بنا إلى زمن التشبيح، زمن غازي كنعان ورستم غزالي، إذ كان يومها دخول سوريا للقاء شخصيّات سياسية أو أمنيّة نافذة، مُكلفاً جدّاً.

سماسرة وعروض مغرية

[caption id="attachment_79167" align="alignleft" width="530"] وللبشر حصة في عمليات التهريب[/caption]

 مصادر سياسيّة بارزة تؤكد أن ثمة وزراء لبنانيين كُثر بدأوا يشقّون منذ فترة، طريقهم نحو سوريا حاملين معهم ملفات تتضمّن عروضاً لشركات إعمار بعضها وهمي، للدخول في مناقصات ضمن خطّة عودة إعمار سوريا، واللافت أن عدداً غير قليل من هؤلاء الزوّار، هم سماسرة ووسطاء بين أصحاب القرار في سوريا، وبين أصحاب شركات لا تجمعهم علاقة ود مع النظام السوري.

وتُضيف المصادر: في طبيعة الحال فإن حركة الزيارات هذه من دون التنسيق مع "المايسترو" حزب الله، تُزعج الأخير رغم معرفته جيّداً أن ما من مسمار لأي شركة لبنانية يُمكن أن يُدق في سوريا من دون علمه أو موافقته. والأغرب أن تجاهله من بعض الحلفاء والدخول الى سوريا عبر طرق ملتوية للدخول في سوق الإعمار عبر العرض والطلب، يُفسّره البعض على أن استغلال للدم الذي قدمه "الحزب" وقطف ثمار "الإنجازات" التي تحقّقت منذ بداية الحرب ولغاية اليوم.

شركات وهمية للمشاركة في إعمار سوريا

 في الجهة المقابلة وبينما يرى عدد من هؤلاء الزوّار أن الدخول في إعادة الإعمار في سوريا هو حق مشروع لهم تكفله العلاقات الثنائيّة بين البلدين، بالإضافة إلى القوانين الموضوعة من الجهة السوريّة، تكشف مصادر مقربة من "حزب الله" أن ثمّة شركات وهميّة تعود لشخصيّات لبنانية تسعى جاهدة للمشاركة في عودة الإعمار من خلال استحصالها على رخص وهميّة من "الكناري" أو "الرأس الأخضر" في أفريقيا.

 وتشير المصادر إلى أن كل ما من شأنه أن يكسر الحصار على سوريا أو يضرب مفاعيل "قانون قيصر"، هو أمر مرحب به لدى سوريا كدولة وكذلك الأمر بالنسبة إلى "الحزب". ولكن يبقى الأهم أن بعض الذين يسعون للنفاذ إلى سوريا بطرق ملتوية والمشاركة في إعادة إعمارها، عليهم أن يستيقظوا من أحلامهم وتحديداً أولئك الذين يكنّون العداء للدولة السوريّة.

ضبط عمليات التهريب.. هل يُكمل!

[caption id="attachment_79166" align="alignleft" width="458"] هدر المال اللبناني[/caption]

 منذ فترة وجيزة اتخذت السلطات اللبنانية قراراً باستحداث نقاط أمنية وعسكرية وجمركية على الحدود مع سوريا، وتشديد الإجراءات لتتبع سير شاحنات تنقل المحروقات والطحين، إثر الكشف عن استئناف عمليات التهريب خلال الآونة الأخيرة من لبنان إلى سوريا، التي تُفاقم استنزاف الخزينة اللبنانية، وذلك بعد مجموعة تقارير كانت كشفت عن تهريب المحروقات والطحين إلى سوريا عبر المعابر غير الشرعية، وهما مادتان يدعم مصرف لبنان استيرادهما بالعملة الصعبة، ما يستنزف احتياطه.

 وبموازاة الضغط الذي مارسه حزب "القوات اللبنانية" حول ملف التهريب، تُشير مصادر مطلعة على واقع التهريب أخيراً أن خطوط التهريب فتحت من المنطقة الشمالية التي تمتد من قرى الهرمل في شمال شرقي لبنان، إلى الشمال الغربي، وهي منطقة يصعب ضبطها بسبب التداخل الجغرافي مع الأراضي السورية، خلافاً للحدود الشرقية حيث توجد مراكز للجيش وأبراج مراقبة.

 ولفتت المصادر إلى أن خطوط التهريب الجديدة معروفة، كذلك الصهاريج التي تنتقل بطريقة سلسة ضمن الأراضي المتداخلة، ما يصعّب على السلطات اللبنانية ضبطها بالكامل من دون قرار سياسي. وتوضح المصادر أن تلك المنطقة تحتاج إلى عدد كبير من العسكريين والتجهيزات لضبطها، وأشارت إلى أن الثغرة الأخيرة حصلت بسبب عدم وجود عدد كافٍ من العسكريين ينتشر على المنطقة الحدودية كافة، فضلاً عن تركيز المهربين على استخدام الأراضي المتداخلة لتنفيذ خطة التهريب.

التهريب المعاكس.. بالأسماء

 وبعد عقود من تهريب المازوت من سوريا إلى لبنان قبل الحرب السورية، سار المهربون بالطريق المعاكس، حيث بدأ ملف تهريب المحروقات من لبنان إلى سوريا، في أواخر 2018، حين بدأت أزمة المحروقات تتفاقم في سوريا إثر العقوبات الدولية على النظام، ولاحقاً تراجعت وتيرة التهريب، قبل أن تزداد مرة أخرى في الصيف الماضي إثر انخفاض قيمة العملة السورية وارتفاع سعر المازوت في سوريا. وأحيط ملف التهريب باهتمام حزب "القوات"، وطالب رئيسه سمير جعجع بقرار واضح من الحكومة، تطلب فيه من الجيش وقوى الأمن الداخلي إغلاق كل المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا.

 وفي السياق كشف عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب زياد حواط في مؤتمر صحافي أن لديه لائحة بأسماء المهربين، وأشار إلى أنه إذا كانت الأجهزة الأمنية تمتلك الأسماء ولا تتحرك فهذه كارثة وهناك قرار سياسي بعدم تغطية الأجهزة الأمنية لاتخاذ الإجراءات المطلوبة. وطالب السلطة القضائية بالحزم واتخاذ قرارات جريئة بموضوع التهريب. ووصف بعض المعابر بأنها "أوتوسترادات"، كون هناك معابر مفتوحة من دون رقيب باستثناء سلطات الأمر الواقع الموجودة في تلك المناطق.

الدولار سيّد الموقف

 

[caption id="attachment_79164" align="alignleft" width="316"] شركات وصفقات على خط إعادة الإعمار في سوريا[/caption]

يعتبر التهريب بين لبنان وسوريا عبر معابر غير شرعية مشكلة مُزمنة تعود جذورها لسبعينات القرن الماضي، حيث يتم تهريب أنواع كثيرة من السلع فضلاً عن البشر، ما يؤدي إلى خسائر فادحة على الاقتصاد اللبناني وآثار سلبية على أمن البلد، من دون أن تنجح السلطات اللبنانية في وضع حد لهذه الظاهرة التي تنمو في مراحل معينة وتخفت في أخرى. وقد ازدادت عمليات التهريب مع اندلاع الحرب في سوريا بنسبة كبيرة نظراً إلى حاجة التجار السوريين إلى العملة الصعبة (الدولار) بسبب ارتفاع سعر صرف الليرة السورية، إضافة إلى أسواق لتصريف الإنتاج بعدما أغلقت أسواق عربية ودولية عدة أبوابها أمام البضائع السورية بسبب الحرب.

تؤكد مصادر أمنيّة لـ"الافكار" أن التهريب يتم من جهات عدّة من قبل عصابات تستخدم الطرق غير الشرعية (بمعظمها وعرة)، خصوصاً في المناطق الحدودية في بعلبك والهرمل في البقاع، ويحتل تهريب السيارات المسروقة المرتبة الأولى في عمليات التهريب يليها تهريب المحروقات إضافةً إلى البضائع والمنتوجات الزراعية. وأضافت: كما تنشط عمليات التهريب على طول الحدود من شبعا جنوباً وصولاً إلى كل السلسلة الشرقية، إلا أنها شهدت تراجعاً بنسب عالية في كل من عرسال ورأس بعلبك وجرود القاع في منطقة البقاع نتيجة سيطرة الجيش اللبناني وإقامته أبراج مراقبة عالية عززت من ضبطها.

سوريا منفذ لبنان الوحيد

 منذ مئة عام ترسّخت معادلة: فقراء لبنان​ يتسوّقون من ​سوريا وأغنياء سوريا يتسوّقون من لبنان، ولم تستطع لا العقود الزمنية، ولا المراحل السياسية على اختلافها في البلدين، ولا كل الضغوط الدولية من نسف تلك المعادلة. لا بل زادت الحروب والحصار والأزمات التي شهدتها الدولتان من الحاجة إلى تلك المعادلة. واللافت أنه عندما كانت الدولة السورية تحتج على أيّ تصرف سياسي لبناني، كان يكفي ان تلوّح دمشق بورقة إقفال الحدود أو منع التصدير اللبناني عبر وإلى أراضيها، فيسارع لبنان الى معالجة المشكلة بشكل غير قابل للتأجيل. تكررت تلك المحطّات منذ الأربعينات، وصارت عُرفاً في التعامل بين "شقيقين".

 في هذا السياق يوضح مصدر سياسي رفيع في قوى الثامن من أذار أنه اذا كانت قوى لبنانية تتحدث حالياً عن تهريب مادة المازوت أو القمح من لبنان الى سوريا، بسبب الحصار الغربي على دمشق، فإن تهريب تلك المواد كان ناشطاً من سوريا الى لبنان طوال العقود الماضية. يوم كان اللبنانيون يتقاتلون بين بعضهم، وزمن ما كانت تحاصر شواطئهم السفن العسكرية الأجنبية في الثمانينات، كانت سوريا هي المنفذ الجغرافي الوحيد، وسوق الفقراء اللبنانيين الذين اعتادوا على الذهاب من البقاع الى دمشق وحمص في مشاوير يومية بسيطة، هي أسهل لهم وأكثر توفيراً من أسواق لبنان، أو من الشمال اللبناني الى حمص وطرطوس واللاذقية. بالمقابل، كانت وما زالت أسواق لبنان في زحلة وشتورا وبيروت خصوصاً، هي مقصد الاغنياء والميسورين السوريين، وترسّخت تلك العادات وبقيت يتوارثها جيل عن جيل في البلدين.

إبحثوا في حدود العالم

 

[caption id="attachment_79163" align="alignleft" width="375"] أبراج مراقبة لضبط التهريب[/caption]

ويُضيف المصدر: أمّا عمليات التهريب فهي ليست أمراً جديداً ولا كارثياً على حدود اي بلدين في كل دول العالم: لم تستطع مثلاً الولايات المتحدة الأميركية منع التهريب بينها وبين المكسيك، ولا العراق​، او تركيا  مع جاراتهما. هنا كان لبنان دوماً هو المستفيد من تهريب المواد الغذائية والصناعية السورية الى أراضيه، بسبب الوفر المالي الذي يحقّقه المواطن. ولا يجب أن ننسى أن شبكات التهريب بين البلدين كانت وما زالت تنشط بحسب السوق، إلى ان وصلت لتهريب المازوت الى سوريا الآن، مقابل إدخال عملة الدولار الى لبنان ثمن هذه المادة.

 وختم: لا يعني كل ذلك ترك الحدود البرّية مشرّعة للمهربين، لكن عدم ترك متنفس للمواطنين في الاتجاهين سيزيد من حجم القلق الشعبي المعيشي، خصوصاً في لبنان الذي يئن من ضغوط إقتصادية هائلة، ويتحضّر لإجراءات ​صندوق النقد الدولي المؤلمة، لاسيما اذا كان هدف الذين يقفون خلف الصندوق سياسياً، لخنق مشروع ​المقاومة عبر التضييق على البيئة الحاضنة لـحزب الله. ولذلك تتوجّب سرعة الخطوات الحكومية اللبنانية في ترسيخ تعاون لبناني- سوري، سياسياً وأمنياً وإقتصادياً ومعيشياً. عندها فقط تستطيع الحكومة اللبنانية الحد من عمليات التهريب، وضبط الخسائر المالية والشعبية.

 في مُجمل الأحوال يتوجّب على الدولة اللبنانية أو توقف عمليات الهدر والفساد الناجمة عن التهريب بالإضافة إلى وضع حد لمهزلة العبور السياسي لعدد من الشخصيّات التي تبرع في تقديم الخدمات وعقد الصفقات والسمسرات مع أصحاب النفوذ في الداخل السوري، وعلى الحكومة اللبنانية على وجه التحديد أن تضع ضوابط محددة للوزراء ورجال الأعمال الذين يمضون معظم أوقاتهم وهم يُكيّلون الطريق بين سوريا ولبنان، ذهاباً وإيّاباً.