تفاصيل الخبر

الحد من تداعيات ”صفقة القرن“ لبنانياً يفرض تعزيز الوحدة الداخلية في رفض التوطين!

06/02/2020
الحد من تداعيات ”صفقة القرن“ لبنانياً يفرض تعزيز الوحدة الداخلية في رفض التوطين!

الحد من تداعيات ”صفقة القرن“ لبنانياً يفرض تعزيز الوحدة الداخلية في رفض التوطين!

من حق اللبنانيين أن يخافوا من تداعيات <صفقة القرن> التي أعلنها الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> في حضور رئيس وزراء اسرائيل <بنيامين نتانياهو> لأن التجارب علمتهم طوال الأعوام الماضية على أن يكونوا حذرين، فكل صفقة أعدت، منذ اتفاقات <كامب دايفيد> كانت لها انعكاسات على الساحة اللبنانية لأسباب عدة أبرزها الوجود الفلسطيني الموزع على طول الأراضي اللبنانية، شمالاً وجنوباً وبقاعاً، وعدم توافق اللبنانيين على موقف واحد حيال المستجدات الاقليمية التي لها انعكاسات سلبية على لبنان. إلا ان ثمة من يعتقد بأن الموقف يختلف هذه المرة حيال <صفقة القرن> عن المرات السابقة ما يجعل منسوب القلق أقل مما كان عليه في السابق، وعليه فإن ردود الفعل المتخوفة من سلبيات <الصفقة> كانت أقل حدة مما حصل في السابق لاعتبارات عدة أبرزها وحدة موقف اللبنانيين من الصفقة والتي تجلت في الرفض الشامل لها وإن تفاوتت درجات هذا الرفض. صحيح ان الاتفاقات الثنائية التي حصلت سابقاً بين دول عربية واسرائيل تركت بصمات سود على الساحة اللبنانية، لكن هذه المرة برز التضامن الوطني حيال ما أعلنه الرئيس الأميركي <ترامب>، خصوصاً ان مقومات هذا الموقف أكثر رسوخاً مما كانت عليه في الماضي.

وتعتبر مصادر متابعة ان ما يجعل درجة القلق أخف مما كانت عليه في الأعوام الماضية مسارعة مختلف القيادات اللبنانية الى رفض الصفقة والتمسك بحق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، إضافة الى التمسك بالمبادرة العربية التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز في قمة بيروت العام 2002، وكان يومها ولياً للعهد، والإضافة الأبرز عليها وهي ادراج فقرة رفض التوطين على متن المبادرة ما جعل درجة الاطمئنان اللبنانية أعلى مما كانت في السابق. إضافة الى ذلك فإن الدستور من خلال مقدمته الميثاقية التي اعتبرت جزءاً لا يتجزأ من متن الدستور، تنص على رفض التوطين في إشارة واضحة الى اللاجئين الفلسطينيين لأنه يوم أضيفت هذه الفقرة لم تكن الحرب السورية قد اندلعت ولم يكن النزوح السوري على ما هو عليه اليوم والذي جعل أعداد النازحين السوريين تفوق عن مليون و500 ألف نازح.

حق العودة في قمة بيروت 2002!

ويستذكر المتابعون كيف أضيفت فقرة رفض التوطين وضمان حق العودة للفلسطينيين على النص الأساسي للمبادرة، بناء على إلحاح الرئيس اللبناني الأسبق العماد اميل لحود الذي رأس يومها القمة العربية. وفي هذا السياق يروي الرئيس لحود ملابسات اقتراحه فيقول ان النص الأساسي لمبادرة الملك عبد الله (وكان يومها أميراً) لم يشر الى حق العودة، فلفت نظر الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى الى ضرورة إضافة هذه الفقرة في متن المبادرة، وحصلت مشاورات سريعة كاد خلالها أن يسقط الاقتراح اللبناني لأن الجانب السعودي أصرّ على عدم ادخال أي تعديل على نص المبادرة لأنها حظيت بموافقة دول عربية عدة، إضافة الى الفلسطينيين أنفسهم حيث عبر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهو كان محاصراً اسرائيلياً في رام الله وتعذر عليه الحضور الى لبنان للمشاركة في القمة. إلا ان الرئيس لحود أصر على الإضافة وقال انه لن يفتتح الجلسة الختامية إذا لم يدرج حق العودة في متن المبادرة. وبالفعل تأجلت الجلسة الختامية أكثر من ساعتين الى أن وافق الجانب السعودي، بعد مشاورات مع البيت الأبيض، على إيراد نص يضمن حق العودة للفلسطينيين، لاسيما وان لبنان الذي يستضيف على أرضه نحو 500 ألف فلسطيني ملتزم حسب نص الميثاق الوطني المدرج في مقدمة الدستور برفض التوطين.

وتضيف المصادر المتابعة ان الجميع أدرك اليوم، بعد إثارة <صفقة القرن> كم كان ضرورياً إضافة فقرة حق العودة على المبادرة العربية، لأنها كانت البوصلة التي قادت مواقف لبنان من كل المبادرات التي طرحت منذ العام 2002 على القضية الفلسطينية، واستطاع اللبنانيون من خلال هذا النص الذي ولد في مدينة الطائف السعودية أن يحافظ على وحدة موقفهم من مسألة اللاجئين الفلسطينيين وضرورة عودتهم الى أرضهم. من هنا ــ تضيف المصادر ــ كان الموقف اللبناني برفض <صفقة القرن> بديهياً واجماعياً في الوقت نفسه ما جنب لبنان تداعيات مباشرة لو كان الموقف اللبناني منقسماً حيال مسألة عودة الفلسطينيين الى أرضهم وقيام دولتهم. صحيح ان ما ورد في مقدمة الدستور حول رفض التوطين عكس اجماعاً لبنانياً، لكن الصحيح أيضاً ان ما جاء في تلك المقدمة <أزعج> بعض الدول لاسيما الولايات المتحدة الأميركية التي سعت دائماً عبر مختلف الرؤساء الذين تناوبوا على البيت الأبيض، الى إرضاء اسرائيل غير آبهة بردود فعل الدول العربية، على أي مستوى كانت. وقد سعى كثيرون خلال السنوات الماضية الى <اقناع> اللبنانيين بضرورة <التساهل> في حيال مسألة حق العودة، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل لأن الموقف اللبناني حيال عودة الفلسطينيين بات موحداً خلافاً لما كان عليه في العام 1975 حين كان الملف الفلسطيني محور خلاف بين المكونات الداخلية إذ يومها كانت غالبية أبناء الطائفة السنية ومعهم الدروز وغالبية الشيعة والأحزاب المسماة يسارية ووطنية مع الوجود الفلسطيني المسلح بعدما بات المرحوم ياسر عرفات في تلك الفترة <حاكماً> فعلياً للبنان من خلال انتشار السلاح الفلسطيني، الى أن كانت أحداث 1975 وما تلاها ثم الاحتلال الاسرائيلي الذي أدى الى خروج القيادة الفلسطينية من لبنان وانتقالها يومها الى تونس. أما اليوم فرفض توطين الفلسطينيين هو لسان حال المسيحيين كما الشيعة الذين يعارضون بشدة بقاء الفلسطينيين في لبنان، والدروز مع حق العودة، وأبناء الطائفة السنية المتمسكين باتفاق الطائف لا يمكنهم أن يكونوا إلا مع كافة مندرجاته وفي مقدمها رفض التوطين وبالتالي التمسك بحق عودة الفلسطينيين الى أرضهم.

 

لا خوف من تداعيات <الصفقة>!

 

من هنا، ترى مصادر رسمية ان لا خوف من تداعيات <صفقة القرن> على لبنان إذا استمر موقف اللبنانيين موحداً، وهو ما ظهر على الأقل من خلال ما أعلنته القيادات اللبنانية على اختلاف مشاربها بعيد إذاعة بنود الصفقة و<ايجابياتها> المتوقعة على الصعيدين العربي والاقليمي. علماً ان الموقف من التوطين متخذ قبل <صفقة القرن> وسوف يستمر بعدها، على رغم ان هذا الموقف اللبناني الجامع لم يحقق عودة الفلسطينيين الى أرضهم بعد، وقد لا يحقق هذه العودة العملية، إلا ان التشبث في الموقف يحفظ حق لبنان واللبنانيين ويسقط أي محاولة للتأثير سلباً من خلال <صفقة القرن> على خيارهم حيال عودة الفلسطينيين. إلا ان المصادر تقر ان وضع لبنان حالياً يختلف عن وضعه في السنوات الماضية، فهو يمر في أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، وبالتالي فإن أي ضغط اضافي عليه قد يضعفه أكثر فأكثر ما قد يضطره الى القبول ببعض التنازلات، وهو أمر لا تريد المصادر الرسمية توقع حصوله من خلال الرهان على الموقف الأوروبي الذي يدعم التوجه اللبناني في رفض التوطين والتمسك بحق عودة الفلسطينيين الى أرضهم لأن أي تطور يجعل توطين الفلسطينيين أمراً واقعاً في لبنان سيؤدي الى تغيير طبيعة لبنان الديموغرافية ويسقط التوازن بين اللبنانيين بنسبة كبيرة ما يؤثر سلباً على الصيغة اللبنانية الفريدة حيث العيش المشترك المسيحي ــ الاسلامي جعل من لبنان نموذجاً يحتذى، ومصدر ارتياح للدول التي لا تزال تؤمن بقدرة لبنان على الخروج من الأزمات التي توالت عليه خلال الأعوام الماضية. وإذا كانت أوروبا ــ ولاسيما فرنسا ــ تدعم هذه الصورة الفريدة للبنان، فإن ثمة من يتكل عليه لبنان أيضاً وهو الفاتيكان الذي يعتبر لبنان ارض تعايش بين المسلمين والمسيحيين بامتياز ويضغط في كل اتجاه للمحافظة على الصيغة اللبنانية الفريدة، وإن كانت الدوائر الفاتيكانية تشعر ان الولايات المتحدة لم تعد <متحمسة> في إبراز دور لبنان في محيطه والعالم كما كانت في السابق.

إلا ان لبنان لا يمكنه أن <ينام على حرير> ويتكل فقط على وحدة موقف اللبنانيين من حق العودة ورفض التوطين ودعم أوروبا والفاتيكان له، لذلك ترى المصادر المتابعة ان على لبنان أن يطلق تحركاً واسعاً، عربياً واقليمياً ودولياً، لشرح وجهة نظره حيال مخاطر التوطين ويطلب مساعدة الأشقاء والأصدقاء لدعم موقفه وتجنبيه أي مضاعفات لـ<صفقة القرن> لاسيما إبقاء الفلسطينيين على أرضه وتعويضه بحفنة من الدولارات ولو كانت في حدود 6 مليارات ونصف مليار كما جاء في تفاصيل <صفقة القرن> والتي اعتبرها اللبنانيون <رشوة> مرفوضة من الولايات المتحدة لأن المسألة لا يمكن معالجتها بالمال طالما انها مسألة وجود للبنان ولشعبه. ويرفع لبنان، الى جانب رفضه التوطين والمطالبة بحق العودة، سلاح التمسك بالمبادرة العربية للسلام التي أقرت في قمة بيروت. ودعت المصادر الرسمية القيادات اللبنانية الى عدم التلهي بالقشور والمزايدات لأن المرحلة حالياً تستدعي مواقف ثابتة وواضحة لأن الذين أعدوا <صفقة القرن> لن يقبلوا بإسقاطها لبنانياً وإن كات غالبية الدول العربية اعتبرت ان هذه الصفقة ولدت ميتة، ولا بد استطراداً من وضع خطة مواجهة حقيقية للتوطين تخرج من الإطار الكلامي الى حيز التنفيذ لأن الموقف في سنة 2020 يختلف عما كان عليه في الأعوام الماضية خصوصاً ان إدارة الرئيس الأميركي <ترامب> ستدافع عن الصفقة وتعمل على تحقيقها بكل ما أوتيت من قوة تأثير على الدول والأنظمة العربية.

أمن المخيمات!

ولعل أكثر المناطق حساسية وتتطلب التنسيق والتشاور هي المخيمات الفلسطينية التي يخشى أن تكون <في بوز المدفع> في اي محاولة لإشعال الاضطرابات فيها وتمددها الى خارجها، خصوصاً ان في بعض هذه المخيمات، ولاسيما في مخيم عين الحلوة، الكثير من <الألغام> التي يمكن تعطيلها من خلال تفعيل التنسيق الأمني اللبناني ــ الفلسطيني تفادياً لأي انزلاق أو خلل يمكن أن يستفيد منه العدو وسائر من يدعم <صفقة القرن> خصوصاً إذا ما حصل أي اضطراب أمني في مخيم أو أكثر، ولاسيما مخيم عين الحلوة وذلك كي لا يستغل البعض ما يمكن أن يحصل من أجل ادخال لبنان في وجه آخر من وجوه المؤامرة عليه في محاولة لتعطيل قدرته على مواجهة توطين الفلسطينيين على أرضه، خصوصاً ان ظروف لبنان الحالية منذ أحداث 17 تشرين الأول (أكتوبر) جعلت قدراته على المواجهة والصمود تتراجع وهذا ما يجعل من السهل محاولة الاستفادة من الواقع الراهن لتحقيق ما كان من المتعذر تحقيقه طوال السنوات الماضية.

ونقل زوار العاصمة الأميركية الذين عادوا منها قبل أيام قليلة موقفاً متشدداً حيال ضرورة تنفيذ الصفقة مع <نصائح> بأن يواجه لبنان هذا الاستحقاق بالابتعاد عن <لعبة المحاور الكبرى> التي لا دخل له فيها لئلا يصبح من ضحاياها خصوصاً انه يمر في ظروف مالية واقتصادية شديدة التعقيد. من هنا تبرز أهمية الحراك الديبلوماسي الذي يفترض أن يقوم به لبنان في الخارج بالتزامن مع تحصين ساحته الداخلية كي تكون تداعيات <صفقة القرن> عليه... محدودة!