تفاصيل الخبر

الجيش حافظ على الحياد الايجابي مع بدء ”الحراك“ لكنه تدخل ميدانياً عندما اهتزت ”الخطوط الحمر“!

15/11/2019
الجيش حافظ على الحياد الايجابي مع بدء ”الحراك“  لكنه تدخل ميدانياً عندما اهتزت ”الخطوط الحمر“!

الجيش حافظ على الحياد الايجابي مع بدء ”الحراك“ لكنه تدخل ميدانياً عندما اهتزت ”الخطوط الحمر“!

منذ بداية <الحراك الشعبي> في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي والتجمع في الساحات الرئيسية، برز سؤال كبير عن دور الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى في منع قطع الطرقات، لاسيما في جل الديب وذوق مصبح وتقاطع الشفروليه وغيرها من الطرق الرئيسية التي قطعها المتظاهرون وعطلوا السير فيها. كان من البديهي ألا يمنع الجيش وقوى الأمن الداخلي التجمعات في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، إلا في حال حاول المتظاهرون تجاوز الحاجز والانطلاق في اتجاه السرايا الكبير لأن القرار كان واضحاً بمنع اقتراب المتظاهرين من مقر رئاسة مجلس الوزراء وغيرها من المقرات الرسمية مثل مجلس النواب والقصر الجمهوري. لكن الغريب ألا تبادر القوى الأمنية ولاسيما الجيش الى فتح الطرق الرئيسية التي ادى اقفالها الى قطع الشرايين المؤدية الى العاصمة، ما عطل حركة السير بين جبل لبنان وبيروت. أكثر من يوم بقي الوضع على حاله: لا رفع للحواجز من الطرق ولا تدخل للقوى المسلحة ولاسيما الجيش، الأمر الذي أثار سلسلة علامات استفهام لدى كبار المسؤولين والسياسيين الذين قرأوا في موقف الجيش تفسيرات عدة تدرجت من الوقوف على الحياد وعدم التدخل لعدم إراقة الدماء... وصولاً الى الحديث عن موقــــــــــف وصف انه مرتبط بضغوط مورست على قيادة الجيش من جهات خارجية!

موقف قائد الجيش!

المتابعون لتطور موقف الجيش يؤكدون ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فاتح قائد الجيش العماد جوزف عون في الأسباب التي تحول دون تدخل الجيش لفتح الطرق الرئيسية لاسيما في جل الديب وذوق مصبح وجبيل والبترون وشكا وغيرها من الأماكن الأساسية التي قطعت المناطق عن بعضها البعض، من دون أن يحصل الرئيس عون على جواب حاسم، في وقت قيل فيه ان قائد الجيش طالب بقرار من مجلس الوزراء لتوفير التغطية السياسية لأي تدبير يتخذه ميدانياً. وقد أثارت ردود فعل العماد عون <انزعاجاً> من عدد من المسؤولين الذين كانوا يراهنون على دور مباشر للجيش في فتح الطرق من دون التدخل في الساحات العامة إلا إذا تم تجاوز الحاجز أو تعرضت المتاجر في بيروت والأسواق لأعمال الشغب والتحطيم كما حصل في اليوم الثاني للتحرك الشعبي، وهو أمر اعتبره المعتصمون في ساحتي رياض الصلح والشهداء انه أتى من خارج <الحراك الشعبي> من عناصر <مدسوسة>، أو ما يصطلح على تسميته <الطابور الخامس>.

إلا انه، وبعد استقالة الحكومة <ظهر> الجيش في الطرقات الرئيسية وعمل على فتح المعابر على الأوتوسترادات وإزالة الحواجز وفتح الطرق، ثم تكرر قطع الطرق في اليوم التالي، فكان أن اتخذ القرار بإزالة الحواجز من جديد... وهكذا كان وذلك للمرة الأولى منذ بداية <الثورة> في 7 تشرين  الأول (أكتوبر) الماضي. وإذا كانت التساؤلات التي طرحت عن سبب بقاء الجيش 15 يوماً بعيداً عن اتخاذ الاجراءات اللازمة لفتح الطرقات، فإن الاجتهادات كثرت في تفسير طريقة مقاربة الجيش لمراحل الحراك، إلا ان مصادر عسكرية أكدت ان القرار الذي اتخذته قيادة الجيش بفتح الطرق المقطوعة، نفذته بحزم على قاعدة تحصين الأمن وحماية حق المواطنين في التنقل، انما مع الاستمرار في احترام حق التظاهر سواء في الساحة أو على جوانب الطرق. واعتبرت المصادر نفسها ان الجيش لم يقمع المتظاهرين كما روج البعض لكنه أبدى حرصاً على إبقاء الطرق العامة مفتوحة، وعلى المتظاهرين أن يتفهموا هذه القاعدة.

ممارسات الحواجز عجلت في إزالتها!

وتقول المصادر نفسها ان حوادث عدة حصلت على الحواجز بين المتظاهرين والمارة لأسباب مختلفة كادت تتطور الى مواجهات دموية، وهذا ما لا تريده قيادة الجيش التي اعتبرت ان الاستمرار في قطع الطرق يسيء الى الناس من جهة والى المتظاهرين من جهة اخرى، لاسيما وان معلومات توافرت عن اقدام بعض المتظاهرين على القيام بتصرفات نافرة مثل طلب هويات المارة، او فرض خوات، إضافة الى تعطيل أعمال المواطنين ومنعهم من الوصول الى مؤسساتهم أو مراكز عملهم. هذه الوقائع قيمتها القيادة العسكرية بأنها تهديداً للأمن الوطني وللسلم الأهلي ما دفعها الى اتخاذ خطوات مغايرة لما حصل في الأيام الـ15 للتحرك، فكان القرار بإزالة الحواجز وفتح الطرق <بعد طول بال> مارس خلاله العسكريون أقصى درجات ضبط النفس على <استفزازات> بعض المتظاهرين على الحواجز. وفي هذا السياق تنفي المصادر العسكرية ان تكون المرونة التي أبداها الجيش خلال المرحلة الأولى للتحرك مرتبطة بحسابات سياسية لدى قائد الجيش لرغبة منه بعدم اقحام الجيش في مواجهات مع أهله، مؤكدة ان خطوة فتح الطرق اتخذت في الوقت المناسب من دون أي حسابات أخرى أو اعتبارات غير متصلة بالواقع الميداني الذي كان بارزاً على الأرض، وبالتالي فلا صحة للروايات والاستنتاجات التي أطلقت في معرض الحديث عن موقف الجيش وامتناعه عن <قمع> قاطعي الطرق في الأيام الـ15 للتحرك، سواء كانت هذه الروايات تشير الى العلاقة بين رئيس الجمهورية والعماد عون ومدير المخابرات العميد انطوان منصور، أو تتحدث عن <خلاف ضمني> بين قائد الجيش ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل.

العماد عون: الحل سياسي!

 

وتقيم مصادر معنية مقارنة بين أن ينسحب الجيش من الأرض ويترك الأمور تأخذ مداها في الفوضى والاقتتال بين المتظاهرين وغيرهم من رافضيهم، وبين أن ينزل الجيش ويواجه المعترضين بعنف في الأيام الأولى للحراك، وتضيف ان هذه المقارنة تظهر الحكمة التي تعاطى فيها العماد عون مع الأحداث التي حصلت منذ بداية <الحراك الشعبي>، والتصرف الذي قام به ووصف بـ<رباطة الجأش>، مكن القيادة من تطبيق الاجراءات الأمنية وفتح الطرق وإزالة الحواجز من دون أي ردة فعل شعبية مناهضة بحيث تمت العملية بهدوء واستمرت الطرق مفتوحة. وتضيف المصادر ان العماد عون اعتبر من الأساس بأن المعالجة الجذرية للأوضاع التي نشأت ليست معالجة ميدانية، بل هي سياسية تحتاج الى مقاربة خاصة بعيداً عن استعمال القوة، إلا إذا تجاوز المتظاهرون الخطوط الحمر التي وضعت لاسيما لجهة عدم التعرض للأملاك العامة والمؤسسات التجارية والرسمية. وتقول المصادر انه بعد أكثر من 24 يوماً من الحراك اتضح أكثر فأكثر ان الحل هو سياسي وليس أمنياً بدليل ان المعترضين رفعوا مطالب سياسية وحيدوا الجيش لا بل قدموا زهوراً الى عناصره عند الحواجز وفي الأماكن التي تمركز فيها المتظاهرون تحت الخيم ووسط الطريق والتي أزالها الجيش لاحقاً من دون ردود فعل قوية، على رغم ان الجيش أوقف خلال فتحه الطرق وإزالة الحواجز عدداً من الأشخاص حقق معهم ثم أطلقهم في وقت لاحق.

وتشدد المصادر العسكرية ان الجيش لن يكون في أيام العماد جوزف عون في مواجهة الناس، وهو تصرف عندما رأى ان الأمور تجاوزت السقف الموضوع للتحرك وصارت الممارسات في الطرق تهدد سلامة الناس والأمن العام في البلاد لأن ما حصل من عراقيل رفعت في وجه المواطنين غير مقبول من الجيش الذي تُلقى على عاتقه مهمة حفظ أمن الناس، كل الناس من دون تمييز، سواء كانوا من المعتصمين في الساحات أو من المارة الذين لا يؤيدون الحراك لأسباب مختلفة. ونفت المصادر ممارسات عشوائية قيل ان الجيش لجأ إليها بدليل ان تنفيذ الاجراءات كان يتم وسط متابعة مباشرة من وسائل الإعلام التي نقلت مباشرة على الهواء كل الوقائع، وبالتالي فإن الجيش لم يحقق انتصاراً على المعترضين، ولا هو ساير الرافضين للتحرك الشعبي، فكان على مسافة واحدة من الجميع ونجح في عدم إراقة الدم. وتضيف المصادر ان تحريك الجيش يكون من اليرزة فقط وليس من أي موقع آخر مهما كان شأنه، وبالتالي فإن القيادة تتحمل مسؤولية الاقدام والانكفاء على حد سواء، وأداء العسكريين كان نموذجياً وهو الذي أدى الى تحقيق هذا الانجاز الأمني بصفر اخطاء كان يمكن لو وقع بعضها أن يأخذ البلاد الى أماكن أخرى، ولن يتوقف الجيش ــ وفق المصادر نفسها ــ عند الانتقادات التي وجهت إليه في الأيام الأولى للحراك لأن المهم أن يبقى الجيش موحداً وقادراً على المحافظة على السلم الأهلي وبعيداً عن التجاذبات السياسية وما يمكن أن يترتب عنها من مضاعفات!