تفاصيل الخبر

الــجـنـــــــــــوب الــســــــــوري... بـــركان يغلــــي فـــي لبــــنان!

02/08/2018
الــجـنـــــــــــوب الــســــــــوري...  بـــركان يغلــــي فـــي لبــــنان!

الــجـنـــــــــــوب الــســــــــوري... بـــركان يغلــــي فـــي لبــــنان!

بقلم علي الحسيني

تبدلت خارطة الميدان السوري وتبدلت معها الأولويات والاتفاقات وحتّى التحالفات. يبدو أن جميع القوى المؤثرة والفاعلة في القرار هناك قد وصلت الى نتيجة واحدة هي انه لا يُمكن للعسكر وحده أن ينتصر ما لم ترافقه انتصارات سياسية، وهذا ما ينطبق على كل القوى المتناحرة في سوريا وعلى رأسها راعيا الحرب السورية الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ويُضاف اليهما ايران وتركيا ومجموعة من الدول العربية. وما تحقق حتى اليوم في الجنوب السوري، هو خير دليل على أهمية الإتفاقات السياسية والتي رافقها انتصار عسكري للنظام السوري بمباركة من الدول المذكورة سواء أكانت مرغمة، أو بإرادتها. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الوقت هو: ماذا ينتظر سوريا في ظل تحكّم الدول الكبيرة بمصيرها وقرارها؟ وما هي رسالة السويداء الدموية؟

ملامح الفترة المقبلة!

من الواضح أن الواقع السوري مُقبل على متغيّرات كثيرة سوف تبدأ ملامحها بالظهور  بشكل واضح خلال المرحلة المقبلة، وقد بدأت معالم هذه الفترة تتضح مع بداية معركة الجنوب السوري الذي دخله النظام وسط وسط تنبيه أميركي لقوات المعارضة بعدم قدرته على دعمها لا عسكرياً ولا حتى سياسياً، وأبعد من ذلك فقد اكتفى بالوقوف متفرجاً على سقوط المناطق واحدة تلو الأخرى في درعا بيد الجيش السوري وحلفائه وهذا يؤكد على مرحلة جديدة قادمة عنوانها الحل على قاعدة تقاسم النفوذ بين الدول الكبيرة مع خسارة بعض الدول الإقليمية لدورها قد تكون ايران وتركيا أبرزها على الرغم من الحضور المكثف للأولى في معظم المناطق سواء في العمق أو تلك المحاذية للحدود مع لبنان. لكن ثمة من يرى أن هذه الحرب السريعة في الجنوب قد لا تُصرف في الميدان ما لم يكن التوجه المقبل باتجاه الشمال أي إدلب ووجود توافق على حل يعجّل بإنهاء <المعارضة المسلحة> مع ضرورة صياغة ضمانات للإدلبيين بعدم جعلهم وقوداً لهذه الحرب كأخذهم رهائن بيد المسلحين كما كان حصل مع البلدتين الشيعيتين كفرية والفوعا.

كل هذه الأمور كرّست أمراً واقعاً اسمه <التقسيم>، وهو بدأ على قاعدة مذهبية وطائفية حتى وصل إلى الهيكلة الجغرافية والديموغرافية. فعلى سبيل المثال فإن نسبة السوريين العرب قبل العام 2011 كانت تمثل 65 في المئة من السكان مقابل 20 في المئة من الأقليات و15 في المئة من الأكراد، بينما يعيش حالياً في مناطق سيطرة النظام السوري 70 في المئة من السكان، ثلثهم من الأقليات، بعد نزوح 11 مليوناً داخل البلاد وخارجها. ومثلما قام النظام بطرد معارضين سياسيين كونهم قد يشكلون يوماً عاملاً لثورة جديدة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الفصائل المسلحة التي قامت بطرد علوييين ومسيحيين وبعض من السنة من مناطق سيطرتها، على اعتبار أنهم موالون للنظام. وكذلك الامر بالنسبة إلى تركيا التي قامت هي أيضاً بممارسة التهجير العرقي لتحديد منطقة تعيد إليها اللاجئين السوريين الموجودين على أرضها، بالإضافة إلى إبعاد الأكراد عن حدودها.

 

أهمية الجنوب السوري!

يُعتبر وصول النظام السوري بجيشه إلى معبر نصيب الحدودي، بمنزلة نصر كبير يسجل له على مناوئيه، حيث أن لعودة الجنوب السوري إلى كنف الدولة دلالات مهمة، خاصة أن المعارضة انطلقت من الجنوب، ومن درعا تحديداً. وفي الوقت نفسه، يُعتبر تراجع المعارضة السورية عسكرياً هناك، بمنزلة نكسة كبيرة قد يتحدد من خلالها مستقبل وجودها ليس في الجنوب وحسب بل في سوريا كلها وقد يكون الشمال الوجهة المقبلة لهذه الحرب. ولا بد من الإشارة أيضاً الى الأسباب التي جعلت هذه المعارضة تخسر الكثير من رصيدها الشعبي منها الخطاب الجديد الذي انتهجته <جبهة النصرة> أي عودتها إلى لغة الإجرام مع الممارسة الميدانية، وأيضاً عودة تنظيم <داعش> للعمل بقوة على هذه البقعة والمنفذ الذي وجده الاسبوع الماضي للتوغل في السويداء وتنفيذ احدى أكبر جرائمه على الإطلاق. ويًضاف الى هذه المخاوف، تلك الزيارات التي قام بها بعض أقطاب المعارضة السورية إلى إسرائيل، ما أفقدها أيضاً جمهوراً كبيراً من السوريين، ووضع علامات استفهام حول حقيقة المطالب الإصلاحية، والتي تحولت بفعل الأيام إلى المطالبة بمناطق آمنة في الجنوب لخدمة إسرائيل، والدفع نحو انفصال الشمال، ما يجعل سوريا تدخل في مذبحة التقسيم والتفتيت.

ويُشير محللون في هذا المجال أيضاً، إلى أن سقوط العديد من القرى والمناطق في الجنوب السوري بيد النظام وحلفائه، مرده الى تعاون عدد كبير من قادة الفصائل السورية مع الأمن السوري، بجانب الرغبة الأردنية في عودة الجيش السوري الى الحدود، بعد سنوات من سلطة الأمر الواقع على هذه الحدود. كما وأن منطق التسويات، الذي اعتمدته الحكومة السورية والجانب الروسي مع فصائل المعارضة في الجنوب، لن يكون متبعاً مع تنظيم <داعش> الإرهابي الموجود عند حدود الجولان، بالتالي من المتوقع أن تدور معركة كبيرة في تلك المنطقة من أجل اجتثاث الإرهاب، حيث أن النظام اعتمد مبدأ التسويات مع مناوئيه ومعارضيه، ولكنه وبقرار روسي كان حازماً مع الفصائل المصنفة كـ<إرهابية>، مثل <داعش> و<جبهة النصرة>. ولا بد من التأكيد بأن عودة درعا إلى كنف الدولة السورية، تعني بداية انطلاق العمليات العسكرية في إدلب، حيث يتمركز أكثر من 50 ألف مقاتل يتبنون فكراً متشدداً، وهذا ما يجعل المعركة كبيرة وخطيرة في الوقت نفسه، أضف إلى ذلك أنه لا يوجد مكان من الممكن أن تنتقل له عناصر المعارضة، ولا توجد أي دولة من الممكن أن تقبل انتقال عناصر المعارضة إليها، وهذا ما يجعل المعركة هناك مسألة حياة أو موت للطرفين.

وعلى خط التسويات نفسه، فإن بداية سقوط الجنوب السوري بهذه السرعة، والتخلي الأميركي والدولي عن المعارضة السورية، دفع الأكراد إلى إعادة الحسابات الإقليمية والسورية، والتعاطي مع الحكومة السورية بمنطق جديد، حيث بادرت قوات الحماية الكردية إلى فتح خطوط اتصال مع دمشق، وأبدت الاستعداد لتسليم آبار النفط بمنطقة الحسكة والوصول أيضاً الى اتفاق بين النظام والأكراد يتخلى بموجبه الاكراد عن حلم الدولة الكردية على الاراضي السورية ولو مؤقتاً، وهذا مؤشر على أن سوريا بدأت تخرج من عنق الزجاجة، وتستعيد ما فقدته خلال الحرب لكن من دون ان تتوضح معالم الحكم في فترة ما بعد الاستقرار.

حزب الله في قلب المعركة!

المؤكد ان معركة الجنوب السوري تحظى بغطاء أميركي، مبني على توافق بين واشنطن وموسكو وتل أبيب. وكان قد ظهر ذلك من خلال  الرسائل التي تلقاها مقاتلو فصائل المعارضة من الاميركيين بوجوب عدم الذهاب إلى الرد على استفزازات الروس والنظام العسكرية أولاً، وثانياً رسائل أخرى تحثّهم على عدم الدخول في المواجهة، وكان يُراد وباتفاق الجميع، أن تكون درعا نهاية حقبة الثورة السورية بعدما كانت أم البدايات. ومن خلال الاتفاق الأميركي -  الروسي، يظهر أن ثمة تقسيماً وارداً في الجنوب السوري يندرج ضمن ثلاثة أقسام على غرار ما حصل في الغوطة لكن مع تشديد اميركي واسرائيلي بضرورة إبعاد الإيرانيين من المناطق الجنوبية وتحديداً من محيط الجولان وإلا لما سمحت الولايات المتحدة لنفسها بلعب دور المتفرج وتوجيه رسالة صريحة وصادمة للمعارضة تقول: <لا تعولوا علينا في هذه الحرب>.

أما بالنسبة الى حزب الله، فكانت أجواؤه تتحدث قبل فترة عن المشاركة في معركة درعا، لكن ما لم يكن محسوماً أو واضحاً بعد، هو كيف سيتعاطى الإسرائيليون والأميركيون مع هذه المشاركة؟ في هذا الشق تشير المصادر إلى أن ثمة ضوابط كبيرة رُسمت لمشاركة الحزب في الجنوب السوري وحركته، منها عدم وجوده في الخطوط الأمامية، والاكتفاء إما بالبقاء في المؤخرة أو على أبعد تقدير قيادة المعركة وإدارتها بالطريقة التي يُمارسها عادة. وفيما تتحدث المعلومات عن وجوده حزب الله والإيرانيين في الجنوب السوري، بلباس الجيش السوري، ثمة من لا يعلّق أهمية على هذا الأمر، على اعتبار أن الوجود الإيراني الخاص والمستقل، لم يختلف كلياً عن وجوده ضمن الجيش السوري. وهذا بالنسبة الى اسرائيل من شأنه أن يقوّض عمل الحزب وحرية حركته، لأن المسألة تتعلق بالإقرار والاعتراف بالدور الإيراني بمعزل عن الجيش السوري. وهنا تكمن الإشكالية ربما، بالنسبة إلى تحديد مدى حركة الإيرانيين وتحديداً <الحرس الثوري الإيراني> في سوريا، طالما أن وجوده أصبح مندرجاً في إطار وجود الجيش السوري وكل ما يمكن أن يقدم عليه سيكون مندرجاً في حسابات النظام الذي سيتحمّل مسؤولية أي خطوة إيرانية.

 

رسالة السويداء جنبلاط يسأل

وارسلان يرد!

قد يُعتبر ما جرى في محافظة السويداء، إشارة واضحة لما يُمكن ان تحمله المرحلة المقبلة سواء من وجهة نظر النظام السوري أو المعارضة، ففي هذه المحافظة أو المدينة ذات الغالبية الدرزية في الجنوب السوري وقعت عمليات انتحارية تبناها تنظيم <داعش> أدت الى مقتل 250 شخصاً وجرح أكثر من 150، انقسم الاهالي فيها بين من اعتبر أن النظام هو من قام بتسهيل دخول الإرهابيين اليها والقيام بفعلتهم هذه، وبين من رأى بعودة <داعش> دليل على ضرورة سيطرة الجيش السوري على المدينة ومنع الأذى عنها وبأنها قد تتحول إلى نقطة استهداف دائم من قبل هذه الجماعات إمّا لأسباب مذهبية، أو لأسباب تتعلق بموقف معظم أهاليها الرافض للانجرار الى أي حرب ضد أي طرف.

وسط هذه الاجواء، توضح مصادر دبلوماسية أن الدروز اختاروا الوقوف على الحياد في الحرب التي انطلقت في سوريا منذ سنوات، ولم يأخذوا موقفاً حاسماً لا الى جانب النظام ولا مع الفصائل المعارضة حتى إنهم اقتربوا في موقفهم هذا من الموقف الكردي، علماً ان الفريقين من المكونات الاقلية في سوريا. غير ان دمشق لم ترتح لخيار هؤلاء، وقد روجت طوال الفترة الماضية أنهم حاضنون للارهاب وتحديداً لـ<جبهة النصرة> في سوريا. وعليه، من غير المستبعد، بحسب المصادر نفسها، أن يكون النظام قرر اليوم ضرب عصفورين بحجر واحد. فحاول عشية اجتماعات استانة المرتقبة خلال اسابيع، القيام بـ<قبة باط> لداعش، فيوجّه ضربة انتقامية الى الدروز بعد موقفهم الحيادي من جهة، ويرسل رسالة الى المجتمع الدولي من جهة ثانية، يقول فيها انه لا يزال يملك أوراق قوة كثيرة في سوريا يمكن ان يستخدمها، وأنه أيضاً شريك في

عملية مكافحة الارهاب في البلاد، بدليل انه يواجه <داعش> ويخوض معارك ضده في هذه المنطقة.

بدوره سأل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط: <كيف وصلت وبهذه السرعة تلك المجموعات الداعشية الى السويداء ومحيطها وقامت بجرائمها قبل ان ينتفض أهل الكرامة للدفاع عن الارض والعرض؟ اليس النظام الباسل الذي ادعى بعد معركة الغوطة انه لم يعد هناك من خطر داعشي الا اذا كان المطلوب الانتقام من مشايخ الكرامة>، مضيفاً <ما هي جريمة مشايخ الكرامة سوى رفض التطوع بالجيش لمقاتلة اهلهم أبناء الشعب السوري والغريب هو حماس الشيخ طريف في فلسطين للدفاع عن دروز سوريا وتجاهله المطلق قانون التهويد الذي اصدره الكنيست الاسرائيلي بالامس القريب، وعلى أية حال لا فرق بين البعث الأسدي وصهيونية رئيس الوزراء الاسرائيلي <بنيامين نتانياهو>.

اللافت في الموقف الدرزي في لبنان تجاه مجزرة السويداء على الرغم من شجب واستنكار الجميع لها، الانقسام الواضح إن لجهة تحميل المسؤوليات أو لجهة عملية تقبل التعازي بالأرواح التي سقطت والجميع يعرف في هذا السياق، الخصوصية التي تتمتع بها الطائفة الدرزية. فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي أقامت مشيخة العقل عزاء تخلله تحميل شيخ العقل المسؤولية للنظام السوري، برز مأتم آخر أقامه رئيس الحزب <الديموقراطي اللبناني> وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال طلال أرسلان  داخل دارته في خلدة قال فيه: <الأحرار يقدمون ضريبة الدم ولا يتراجعون والمجزرة استهدفت من خلال السويداء  الدولة السورية بأكملها وهي من فصيلة المجازر الصهيونية، معتبراً ان دول التحالف المسؤولة عن كل نقطة دم بسوريا لا تتوقف عن فضح بعضها البعض في التورط بالتنظيمات الارهابية>. وتوجه ارسلان الى جنبلاط من دون أن يُسميه بالقول: <نعجب ممن يتساءل كيف وصلت فلول الاٍرهاب الى السويداء وكأن لا احد يفقه او يعرف بأن ظهر الاٍرهاب محمي من اسرائيل والتي وَيَا للأسف لم يعد لها وجود في عقول البعض>.

 

تنسيق سوري اسرائيلي؟

مع إعلان الجيش الإسرائيلي رسمياً عن تعزيزات ضخمة لقواته في الجولان السورية المحتلة، في ضوء التطورات العسكرية في الجنوب السوري، راحت بعض المصادر العسكرية والسياسية لتؤكد عن إبلاغ اسرائيل كل من موسكو وواشنطن بأنها ستسمح لقوات النظام بالانتشار في الجزء الشرقي من الجولان. ولكنها لن تسمح بأن تدخل معها أي من الميليشيات التابعة لإيران، بما في ذلك حزب الله. وأكدت المصادر أن المحادثات التي أجراها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، <جادي آيزنكوت> في واشنطن مع رئيس أركان القوات المشتركة <جوزيف دنفورد> وغيره من قادة البنتاغون، يوم الجمعة الماضي، تناولت هذا الموضوع بشكل أساسي مع تأكيد اسرائيلي بعدم السماح بدخول الميليشيات الإيرانية بأي شكل، ومهما كلف ذلك من ثمن. وقالت إن ما سمعه من الأميركيين يبين دعماً تاماً للمواقف الإسرائيلية بهذا الشأن.

وعلى الخط عينه، كشف موقع إسرائيلي أن لقاءً جمع ضباطاً إسرائيليين وآخرين من النظام السوري في هضبة الجولان برعاية الأمم المتحدة ومساعدة روسيا، للتباحث بقضايا تخص الحدود وانه قد تم عقد ثلاثة لقاءات بين الطرفين في هضبة الجولان، لتداول أمور تخص الجانبين، لا سيما مع اقتراب نهاية المعارك القريبة من المناطق الحدودية المحاذية لغربي هضبة الجولان. وأوضح التقرير أن تل أبيب أكدت على ضرورة أن تكون الوحدات العسكرية التي تتقدم نحو القنيطرة ومناطق أخرى في شمالي الجولان، لا تضم في صفوفها ميليشيات <شيعية> موالية لإيران، أبرزها حزب الله والحرس الثوري وسط تشديد بعدم السماح للنظام بالخروج <قيد أنملة> عن حدود اتفاق فض الاشتباك من 1974، وكذلك عن تعهد الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> لرئيس الوزراء الإسرائيلي <بنيامين نتنياهو> وللأميركي <دونالد ترامب> بألا تتوغل قوات إيرانية أو ميليشيات موالية لها في هضبة الجولان.

 حطيط: المعركة سارت بوتيرة غير متوقعة!

المحلل الاستراتيجي العميد المتقاعد أمين حطيط، أكد في حديث لـ<الأفكار> أن احداً لم يكن يتوقع ان تسير معركة الجنوب السوري بالوتيرة والسياق اللذين سارت فيهما، نظراً للواقع الذي كان تشكل في المنطقة تلك مع ما فيه من عناصر، ومع ما تقاطعت فيه من مصالح دفعت أصحابها للتحذير من أي عمل عسكري يغيّر واقعها. ولا نغفل هنا التحذير الأميركي العالي اللهجة قبل أسبوع واحد من بدء تنفيذ القرار السوري الاستراتيجي الكبير الذي أعلنه شخصياً الرئيس بشار الأسد ومضمونه أن <كل أرض سورية ستحرر من الشمال الى الجنوب، وسيخرج منها المحتل أياً كان هذا المحتل أو هذا الإرهاب>.

أضاف: في الجنوب كانت أميركا ومعها إسرائيل في حالة من الطمأنينة بأن أحداً لن يجرؤ على تحريك الوضع فيه أو يغيّر ما تشكل في نطاقه بعد أن كانت قد انتزعت من روسيا موافقة على إنشاء منطقة خفض تصعيد خاصة في المنطقة تشمل المساحة التي تركن اليها إسرائيل في تصوّرها للمنطقة الأمنية والتي تدعم منظومة القواعد العسكرية الأميركية والمخيمات التي أنشئت في التنف ومحيطها للتحكم بالوضع في البادية وبالجزء الجنوبي للحدود مع العراق، والتي تبقي الحدود مع الأردن مقفلة بوجه حركة البضائع ومفتوحة بوجه السلاح والإرهاب. منطقة يتمّ صياغة نظام خاص لها لتكون البذرة والقاعدة الصلبة التي يُبنى عليها نظام التقسيم بلبوس الفيدرالية في سورية، الفيدرالية التي تشتت سوريا وتشطبها من الخريطة الاستراتيجية للمنطقة وتعوّض قوى العدوان بذلك كلّ ما فاتها خلال السنوات الماضية.

واعتبر أن الدولة السورية نجحت في إدارة معركة تحرير الجنوب بكفاءة واقتدار عالي المستوى، ما أدى الى حسم المعركة استراتيجياً في الأيام الأولى لانطلاقها وأدى إلى خفض حجم الخسائر على صعيد الطرفين المتواجهين وإلى اختصار الوقت بشكل مذهل، حيث إن معركة قيل إنها تتطلب ما يلامس الأشهر الستة وإنها غير مضمونة النتائج، تنجز بأسابيع قليلة وتحسم نتائجها في الأسبوعين الأوّلين، وتدفع قوى العدوان الى التسليم السريع بالخسارة وتجبر على كشف أوراق طالما عملت على إخفائها أو التستر عليها، مشدداً على أن معركة تحرير الجنوب السوري أكدت وبشكل قاطع، أن القرار السوري بالتحرير الكامل هو قرار للتنفيذ الحرفي وليس للمساومة او للاستهلاك العارض، كما أكدت أنّ على المعنيين أن ينظروا الى المنطقة الأكثر تعقيداً في كامل الجغرافيا السورية ويتعظوا مما دار فيها ويتخذوا القرار المناسب لهم على أساسها.

عبد القادر: الحل ما زال بعيداً

 

بدوره لفت المحلل العسكري العميد المتقاعد نزار عبد القادر في حديث لـ<الأفكار> الى ان الانتشار السوري من درعا وصولاً الى الجولان يأتي نتيجة سيناريو بالاساس عرضه الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> على رئيس الوزراء الاسرائيلي <بنيامين نتنياهو> الذي قبله وأعلم الاميركيين به، لذلك يأتي وكأنه مطلب اسرائيلي مقابل أن يتعهد الروسي بإبعاد الايرانيين وحزب الله وكل الميليشيات التي تعتبر جزءاً من النفوذ الايراني في سوريا مسافة 40 او 50 ميلاً وليس كلم، الى ما وراء دمشق. لذلك سيعود الجيش السوري الى الاماكن نفسها ويجري إحياء اتفاقية الفصل بين سوريا واسرائيل الموقعة عام 1974 ويقوم الجيش السوري بحماية الامن الاسرائيلي على خط الجولان.

أضاف: لو لم تلق هذه العملية الرضاء الاسرائيلي الكامل لما وافق الاميركيون على ما جرى في الجنوب الغربي السوري من محافظة درعا الى محافظة القنيطرة.

وبرأي عبد القادر أنه بالرغم من كل التنسيق الاميركي - الروسي ولقاء هلسنكي اعتقد اننا ما زلنا بعيدين عن الدخول فعلياً في اجواء الحل لأنه يتطلب توافقاً دولياً واقليمياً على طبيعة هذا الحل، والهندسة العامة له، وبالطبع ضمن هذه الهندسة يجري عقد مؤتمر دولي لفرضه، على ان يتناقش الافرقاء السوريون حول توزيع السلطة على غرار ما جرى في <مؤتمر دايتون> في البوسنة. وعلى روسيا تقديم طرح يؤدي الى وضع دستور سوري قبل الاتفاق على الحل السياسي وتوزيع النفوذ ودور سوريا في المنطقة وهذا ما زلنا بعيدين عنه.