تفاصيل الخبر

الــجــمــيــلــــــــــــة تــقــــــــــــــــرأ!

02/03/2018
الــجــمــيــلــــــــــــة تــقــــــــــــــــرأ!

الــجــمــيــلــــــــــــة تــقــــــــــــــــرأ!

 

الدكتور محمود فاعور

2-----FAOUR

كانت الساعـة الرابعة بعد الظهــــر وهو موعــد صـديقـــــي عـصــــام مــــع إختصاصيــــة الـتأهيــل الفيزيــائي لمعالجتــه مــن آلام مزمنة في الظهر... لم يكن يرغب في الذهاب وتردد كثيراً قبل أن يتخذ قراره لخوفه من أن يكون العلاج مرهقاً له وهو الذي فيه ما يكفيه.

وصــل قبل الموعـــد المحــدد بعشر دقائــق ودخـــل غرفــة الإنتظار الصغيرة والتي تتسع لثلاثة أشخاص فقط وفيها سكرتيرة جالسة على طاولتها تقرأ كتاباً، وبعد السلام سألته عــــن إسمـــــه وتــــأكدت مــــن موعده بعد الإطلاع على دفتر المواعيــــد أمامهـــا... <تفضــــل> قالت له واستــــأنفت القراءة ولم يكن في الغرفـــة الضيقـــــة إلا هي بينما الإختصاصيــــة في الداخل تعالج أحد المرضى علـــى الأرجـــح... السكـــــون يسيطر على الغرفة الضيقة وهو الذي عاش حياته في ضجيج ولا يطيق السكون أو الهدوء، سألها: يا آنسة أراك تقرأين بإهتمام كتابك هذا، هل أستطيع أن أسألك عن إسم الكتاب؟ فأنا قارىء نهم أفتش عن كتاب يشدني إليه في قراءته بحيث لا أشعر ولا أنتبه إلى ما يجري حولي. قالت: الكتاب لروائي ياباني يتحدث فيه عن قصص متفرقة كتبها بأسلوب يختلف عن أسلوب الأدباء الآخرين.

كانت هذه آخر جملة نطقت بها وعادت إلى القراءة وعاد هو إلى صمته في ظل السكون الذي يسود غرفة الإنتظار... بعد دقائق حضرت المعالجة التي رحبت به وأدخلته غرفة العــــلاج والــــذي كان جلســـة مـــن التعذيب <Torture> لمـــا صاحبها من ألم وضعف في القدرات الجسدية التي تكشّفت له وللمعالجة مما زاد ضيقه والإحراج وقرر عدم العودة لمتابعة العلاج المقرر أن يشمل عشر جلسات إلا أن عائلته تمنت عليه المتابعة لما سيكون للعلاج من تأثير في تخفيف آلامه... عاد إلى العيادة الفيزيائية بعد ثلاثة أيام فوجد السكرتيرة في الوضعية نفسها جالسة تقرأ في الغرفة الضيقة التي ليس فيها أحد غيرها، بعد التحية سألها بأي اللغات تقرأ، قالت: الإنكليزية فهي لغة الأم فقد عشت في لندن مع عائلتي فترة طويلة، وأنت بأي لغة تقرأ؟ أجابها الصديق باللغات الثلاث الإنكليزية والفرنسية والعربية وفي كل لغة من تلك اللغات كتب قيمّة ثم أردف: أنا أقرأ الروايات وبعض الكتب العلمية.

مرة آخرى سألها: أهكذا تقضين نهارك في هذه الغرفة الضيقة تقرأين فقط؟.. قالت: أنا سعيدة بالقراءة التي هي أجمل ما في الحياة والعمل خفيف وليس عندي ما أشكو منه... فوعدها بجلب بعض الكتب التي قرأها مؤخراً وفيها ما يمتع ويفيد.

في المــرة الثالثـــة جــلب الصديق لها بعض الكتب كهدية وتابع جلساته وفي كل مرة كانت في الوضعية نفسها... أنهت كتابين وحاولت إعادتهما له، فقال: أرجو إعطاء الكتب إلى من يحب القراءة لتعم الفائدة فلا قيمة للكتاب في أدراج الخزانة إنما قيمته في القراءة ونشر المعرفة، وذكر لها داراً للنشر وزعت مئتي كتاب في صالونات الحلاقة والمطاعم وبعض الأماكن العامة مصحوبة ببطاقة تطلب فيها من كل مَن يجدها أن يقرأهـــا ويعطيهـــا لمـــن يحب القــــراءة مجانـــــاً، فالقـــــراءة والإطــــلاع عـلـــى حــضـــارات الآخرين وأفكارهم يرفعان الإنسان من مستنقع الجهل والتخـــلف ويفتحـــان أمامــــه مجــــالات واسعـــــة للمقارنـــــة والعلم والمعرفة.