تفاصيل الخبر

إلـغـــاء الـمــــادة ”522“: لـــم يعــد الـمـغـتـصــب يكافــأ عــلـى جريمـتـــه، والـضـحـيـــة خـــارج سجــن الـــزواج!

16/12/2016
إلـغـــاء الـمــــادة ”522“: لـــم يعــد الـمـغـتـصــب يكافــأ  عــلـى جريمـتـــه، والـضـحـيـــة خـــارج سجــن الـــزواج!

إلـغـــاء الـمــــادة ”522“: لـــم يعــد الـمـغـتـصــب يكافــأ عــلـى جريمـتـــه، والـضـحـيـــة خـــارج سجــن الـــزواج!

 

بقلم عبير انطون

1

من ساحة رياض الصلح في قلب بيروت وقبلها من قبالة البرلمان اللبناني، وقفت صبايا بثوب الزفاف الابيض، وضمادات لفت اعضاء مختلفة من اجسادهن في مشهدية رمزية صامتة. طرحتهن البيضاء الشفافة كشفت عن وجوه ما عادت تخاف من البوح بما يتعرضن له، فقد آن اوان الكلام، بعد ان صمتت <شهرازادات> كثيرات عن كلام اصبح مباحا اليوم مع وعي المرأة اكثر فاكثر لحقوقها، وفي مقدمتها قول كلمة <لا>، بوجه معنف او مغتصب... فما هي بنود المادة <522> التي اثارت كل هذه الضجة؟ هل سيتم الغاؤها كليا؟ ومم تتخوف الجمعيات وجهات كثيرة بعد؟

نص المادة <522>

 

تنص المادة <522> على أنه <إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل (الاغتصاب ــ اغتصاب القاصر ــ فض بكارة مع الوعد بالزواج ــ الحض على الفجور ــ التحرش بطفلة ــ التعدي الجنسي على شخص ذي نقص جسدي أو نفسي...) وبين المُعتدَى عليها، أوقفت الملاحقة وإن كان قد صدر الحكم بالقضية، علق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه>.

 هذه المادة البالية، تشكلت في وجهها مجموعة ضغط من الرأي العام على اساس ان في <الاتحاد قوة> اثبتها تضافر جمعيات مدنية ونساء ورجال وفنانين واعلاميين وناشطين على مواقع التواصل لالغائها، وللتأكيد على أنه من حق النساء الناجيات من الاغتصاب رفض الزواج من المغتصب، وعدم وصم المجتمع لهن بالعار. والى الخطوة القانونية، تهدف جمعية <ابعاد>، منظمة الحملة الى التوعية الاجتماعية ككل.

 

 ضغط مدروس..

 

الضغط الاعلامي الهائل جعل المادة <522> <تطبل> البلاد طولا وعرضا حتى خرقت مسامع المعنيين لتأتي بالنتيجة المرجوة، خاصة وان الارقام تشير الى ان ثلاث نساء يبلغن كل أسبوع عن تعرضهن للعنف الجنسي الذي هو إما اغتصاب أو تحرش، حسب الأرقام الصادرة عن مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب في قوى الأمن الداخلي، أي أنه كل يومين هناك امرأة تتعرض للعنف الجنسي في لبنان، وهي أرقام عالية جدا، على اعتبار أن هناك نسبة تتجاوز أضعاف هذه الأرقام من نساء يتعرضن للعنف الجنسي ولا يتجرأن على التبليغ عن تعرضهن له لاعتبارات لها علاقة بالعادات والتقاليد وشرف الأسرة.

في الاعلام، عبر شاشة <المؤسسة اللبنانية للارسال>، تكلمت الممثلة نادين الراسي من كل قلبها في برنامج <هوا الحرية>، داعية رجال الوطن وليس ذكوره الى الغاء هذه المادة المشينة لانه <ما هو إلا قانون قمعي بيكرِس فعل الإغتصاب بحق النِساء بشكل يومي تحت عنوان السترة... كل همُن نظرة المجتمع لشرَف العيلة>. زميلتها النجمة نادين نجيم غردت عبر حسابها الخاص على موقع التواصل الإجتماعي <تويتر> باللغة العامية فكتبت: <انا مصدومة.. التمييز بين المرأة والرجل حتى بالقانون يلي مفروض يحميها ويدافع عن حقوقها.. نفس الجريمة ولكن العقاب يختلف>. وفي السياق عينه، ومن قلب الحملة علقت رئيسة جمعية <رودز فور لايف> السيدة زينة قاسم على المادة مطالبة ايضا بالغائها.. وقبلهم جميعا، لم يكل النائب ايلي كيروز من الدعوة الى الغاء هذه المادة كليا حين اطلق عنانها في اواخر شهر تموز (يوليو) من العام الحالي حيث تقدم عضو كتلة <القوات اللبنانية> من رئيس مجلس النواب نبيه بري باقتراح قانون يرمي الى إلغاء هذه المادة. اما المنظمات والمجالس النسائية في غالبيتها فقد دانت واستنكرت ودعمت الحملة التي ملأت الشاشات والتلفزيونات تحت عنوان <الأبيض ما بيغطي الإغتصاب # ما تلبسونا 522>.. وكانت في واجهتها جمعية <ابعاد> ــ مركز الموارد للمساواة بين الجنسين التي اكدت ان <81 بالمئة من اللبنانيين واللبنانيات يعتبرون ان المادة <522> من قانون العقوبات تظلم المغتصبة وتحرمها من حقها ــ واحداً بالمئة فقط من اللبنانيات واللبنانيين يعرف بوجود المادة <522> من قانون العقوبات ــ ثلاث نساء في لبنان يقمن اسبوعيا بالتبليغ عن تعرضهن لعنف جنسي>.

3 

 الغاء.. وقلق !

أسفرت الجهود جميعها عن نتيجة مرضية مع توجه المجلس النيابي الى الغاء هذه المادة من قانون العقوبات اللبناني التي تندرج في إطار الفصل الأول من الباب السابع من قانون العقوبات تحت عنوان «الاعتداء على العرض>، ما يَضمن للضحية إمكانية مقاضاة المعتدي، كما سيَعترف بها كإنسان تعرضَ لاعتداء ويحق له بالتعويض والمطالبة بحقوقه من الفاعل. فقد اكد رئيس لجنة الادارة والعدل النائب روبير غانم <أنه حصل اتفاق مبدئي بين أعضاء لجنة الإدارة والعدل على إلغاء المادة <522> من قانون العقوبات اللبناني، وجميعنا متوافقون على هذا..فقد ناقشت اللجنة وعدلت حتى أمس (الاربعاء 7 كانون الأول/ ديسمبر 2016) المواد 503 حتى 510، ما يعني انه بقي أمامها حتى المادة <522> لترفع تقريراً مفصلاً إلى الهيئة العامة لمجلس النواب بالتعديلات المقترحة>، متوقعاً أن <تمر التعديلات في الهيئة العامة لأننا ندرس الأمر بشكل موضوعي منذ أيلول (سبتمبر) الفائت ولا نخضع لأي ضغوطات، مؤكدا أن المواد المتبقية <لن تأخذ الكثير من الوقت لأن قسما منها لا علاقة له بالجرم وقسما آخر لا إشكال عليه بين الأعضاء، على ان تنجز اللجنة كافة التعديلات الأسبوع المقبل>، كذلك أعلن عضو اللجنة النائب نوار الساحلي ان <المبدأ العام هو معاقبة المغتصب وعدم إعطائه أي فرصة أو سبب تخفيفي، وبالنتيجة فإن التوجه العام هو لإلغاء المادة 522>. لكن القلق يبقى مخيما عند بعض الجهات، لماذا؟

عليـــا عــــــواضة من جمعيـــة <أبعــــاد>

تشـرح الوضــــع

 

 يتسرب حديث عن امكانية دمج المادة <522> من ضمن مواد اخرى، فترى بعض الجهات انه مع تشديد العقوبة في بعض المواد وإعطاء القاضي حق التقدير في مواد أخرى، اي ان اللجنة <ستقرر ما هي الجرائم التي لا يجب ان تستفيد من المادة <522> وما هي الجرائم التي يمكن ان تستفيد منها، مع العلم ان الجرائم التي ستستفيد من المادة <522> ستكون قليلة جداً> علما انها جميعها جرائم مشينة بحق المرأة. هذا الامر حذرت منه جمعية <كفى> التي تتخوف، وفق معلومات وردت اليها، من ان الاتفاق الذي أعلن عنه غانم <لم يشمل جميع الجرائم، فأبقى على هذا الإعفاء من خلال اقتراح تعديل مواد مختارة، كل واحدة على حدة، تتعلق بجرائم أخرى ينص عليها الفصل الذي كان يشمل المادة <522>، ومنها المواد المتعلقة بالعنف الجنسي على القاصرات، إذ سيُبقى على إمكانية عقد الزواج الصحيح والإعفاء من العقاب في هذه الحالة مثلاً، خاصة أن الزواج من قاصر لا يزال مسموحاً بحسب قوانين الأحوال الشخصية>.

التخوف هذا ليس مطروحا لدى جمعية <ابعاد>، وقد اكدت عليا عواضة مسؤولة الحملات في المنظمة لـ<الافكار> ان لا خوف لدى الجمعية، ذلك ان النائب غانم اكد ان التوافق تم بالاجماع على الغاء المادة <522> بكافة تفاصيلها، مضيفة أن توافق لجنة الإدارة والعدل سيَضمن التصويت لصالح إلغاء المادة <522> فعلياً ورسمياً في أول هيئة عامة لمجلس النواب، إذ إن اللجنة تضم ممثلاً أو اثنين عن كل كتلة نيابية مما يعني أن حصولَ التوافق داخلها يعكس رأيَ المجلس وموافقتَه. اما النقاش كما تؤكد، فانه يدور على محاور اخرى كالبند المتعلق بالاعتداء على قاصر او صاحبة اعاقة، وهنا تم رفع العقوبة وتشديدها من ثلاث الى سبع سنوات، مع مناقشة اللجنة لأسباب تخفيفية في المادة 516 التي تتحدث عن الخطف من دون خداع أو عنف أي <برضى الطرفين>، وهي تختلف طبعا عن المادة 514 التي تتحدث عن الخطف بالخداع أو العنف بقصد الزواج.

2  وتزيد عواضة:

- حتى ان النائب عماد الحوت عضو لجنة الادارة والعدل، والذي يمكن اعتباره من اكثر المحافظين في اللجنة فانه اعلن موافقته على الغاء كافة مفاعيل المادة <522> مؤكدا <ان مفاعيل المادة <522> انتهت، إذ إن اللجنة تميل إلى إلغائها كلها وإدخال بعض التعديلات على عدد من المواد البسيطة بما يتلاءم مع طبيعة الجرم. وفي ما يتعلق بالاغتصاب أو بالاعتداء على قاصر، فقد تم إلغاء مفاعيل المادة <522> بشكل كامل، بينما يتم درس بقية المواد في الباب السابع من قانون العقوبات كل على حدة لمعرفة انعكاساتها، وإذا ما كانت هناك حاجة لإعادة صياغتها أم لا، وذلك ابتداءً من المادة 505>.

وبانتظار البت بمختلف المواد من المادة <503> وصولا الى المادة <522> لرفع القرار الى الهيئة العامة لمجلس النواب لتصوت بشأنه، نسأل عواضة عن داعمي الحملة من حيث تمويلها خاصة وان الميزانية ليست بسيطة، فتؤكد ان جل ما قامت به منظمة <ابعاد> هو دعم ما سبق وتقدم به النائب ايلي كيروز في تموز (يوليو) الماضي لا اكثر ولا اقل، وراح ممثلون عن المنظمة يجتمعون منذ أكثر من 3 أسابيع بأعضاء من لجنة الإدارة والعدل، وقد لمسوا تجاوبهم مع إلغاء المادة <522> بينما أعرب بعض النواب عن تحفظاتهم إذ اعتبَروا أن هذه المادة تُجنب حدوث جرائم القتل وتَحقن الدماء خصوصاً في الأوساط العشائرية. <هذا جل ما في الأمر> تؤكد عواضة، <ولم يكن التوسع بالحملة بتحريض من اية جهة، خارجية او داخلية، ولا لتخريب المجتمع ولا لحض النساء على التمرد ولا اي شيء من هذا القبيل.. لدينا بالطبع شركاء في الحملة بينهم المجلس النسائي اللبناني والمعهد العربي لحقوق الانسان، ونشكر ممولي حملة الـ<16 يوما> في كل مداخلة لنا، كذلك هناك مجموعة من الانشطة قد تساعدنا، فاغنية <كرمالي> للفنان مايك ماسي ممولة بدعم من <هيئة الأمم المتحدة للمرأة> <UN women>.

 

<كرمالي>..

 

الفنان مايك ماسي اذاً لم يغب عن معاناة هؤلاء النساء، فاطلق اغنية <كرمالي> لحماية المرأة من العنف، بعد تواصل تم معه من قبل منظمة <ابعاد> منذ حوالى 5 أشهر حيث شاركها القيام بورشات عمل لسيدات معنفات على طول الجغرافيا اللبنانية وعرضها، في احدى عشرة ورشة استفادت منها 110 سيدات تعرضن للعنف المعنوي او اللفظي او الجسدي. علاج الجلسات هذه، انعكس بشكل ايجابي جدا على سلوكهن تدريجيا منذ الجلسة الأولى بحسب ما يقول. كذلك، فقد شكلت شهادات النساء المختلفة خلفية اغنية <كرمالي> من حيث الالفاظ والعبارات التي استخدمنها في جلسات طلب خلالها من كل سيدة ان تعبر عما تتمناه لنفسها اي <كرمالها>، وقد اشركت هؤلاء السيدات في الاغنية عبر تسجيل رسائل صوتية تعبرن فيها عن مشاعرهن.

في الخلاصة، هل يمكن اعتبار الغاء المادة <522> كوة تفتح في جدار الذهنيات المثقلة بالافكار الموروثة والتي كرستها النصوص القانونية في مواد بائدة اكل عليها الزمن وشرب؟

قد لا يكفي الالغاء القانوني للمادة على الرغم من بالغ اهميته، انما المطلوب ثقافة اجتماعية توعوية تعيد النظر بالموروثات، تحدد الحقوق والواجبات، في بلد ليس سهلا فيه، زعزعة اسس بنيت على الكثير من الاعراف والتقاليد والـ<عيب>، فبحسب مديرة جمعية <ابعاد> غيدا عناني: <العملية تحتاج لمسار طويل، كون وجود هكذا قوانين تحفز على التوجه لتزويج المغتصب من ضحيته كخيار لستر الجريمة هي ممارسة اجتماعية أكثر منها قانونية>، وترى عناني في التنوع الاجتماعي والثقافي والطائفي في لبنان والذي بقدر ما هو دليل غنى وتنوع وصحة بقدر ما يجعل من التغيير أمراً صعباً انطلاقا من الاختلاف في الرؤى>.