يبدو أن الحكومة العراقية مصممة على المضي في الإصلاح الذي طالب به الشعب لمكافحة الفساد، في وقت يسيطر فيه تنظيم "داعش" الإرهابي على مساحات واسعة من أرض الرافدين الغنية بموارد الطاقة.
قرارات رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي الإصلاحية توالت على مدى الأيام القليلة الماضية، وجاءت بعد احتجاجات في شوارع بغداد ومدن جنوبية للمطالبة بتحسين الخدمات الحكومية ومكافحة الفساد، فبعد قراره ألغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، إلى جانب تقليص شامل وفوري في طواقم الحراسة لكل المسؤولين في الدولة، تبعها بخفض عدد الوزراء من 33 إلى 22، إما بإلغاء مناصب أو بدمج بعض الوزارات، أعلن الثلاثاء 18 أغسطس/آب عن إلغاء مناصب المستشارين في الوزارات وقلص عدد مستشاريه ومستشاري الرئيس ورئيس البرلمان إلى خمسة لكل منهم.خطوات العبادي، البغدادي المولد، الحائز على شهادة الدكتوراه من جامعة "مانشستر" البريطانية في تخصص الهندسة الكهربائية، والذي ترأس الحكومة في عام 2014، لاقت صداها في الشارع العراقي بكافة مكوناته التواقة للإصلاح ومكافحة الفساد والعيش بكرامة بعد سنوات من الحرب الضروس والعقوبات الاقتصادية، التي انهكت شعبا تحتل بلاده المرتبة الخامسة عالميا في حجم احتياطات النفط، والمرتبة الثانية كأكبر منتج للنفط في منظمة "أوبك"، حيث تشير أحدث البيانات إلى أن حجم إيرادات العراق من صادرات النفط خلال يونيو/حزيران الماضي بلغت 5.289 مليار دولار.
إصلاحات الحكومة العراقية المستندة إلى رغبة الشعب لاقت دعما من المرجعيات الدينية، إذ دعا المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني إلى "الضرب بيد من حديد" على الفساد، ما أكسبها مصداقية وقوة لمواجهة منظومة فساد عانى منها العراقيون على مدى سنوات، الذين يلقون باللوم على هذه المنظومة في ترهل الخدمات الأساسية، وتقويضها لقدرة القوات الحكومية في معركتها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي سيطر على مناطق واسعة في شمال العراق وغربه على مدى العام المنصرم.
وفي أبرز خطوة تتخذها بغداد حتى الآن لمحاسبة المسؤولين عن خسارة نحو ثلث أراضي البلاد أمام تنظيم "داعش" وافق البرلمان العراقي على تقرير لجنة التحقيق الذي خلص إلى أن مسؤولين أمنيين وسياسيين كبارا مسؤولون عن سقوط مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق في أيدي تنظيم "داعش" في يونيو/حزيران 2014.
وأحال البرلمان العراقي إلى المدعي العام الاثنين تقريراً يدعو لمحاكمة نوري المالكي رئيس الحكومة السابق لمدة ثماني سنوات (2006 - 2014)، وعشرات من كبار المسؤولين الآخرين، ودعت لجنة التحقيق البرلمانية المالكي ومسؤولين كبار آخرين إلى المثول للمحاكمة بتهمة الإهمال.
المالكي المتواجد في إيران منذ يوم الجمعة الماضي والذي طاله قرار إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية، وصف النتائج التي خرجت بها لجنة التحقيق حول سقوط الموصل بأنها "لا قيمة لها"، ملقياً باللوم على تركيا وإقليم كردستان العراق، ملخصا ذلك بجملة فى صفحته على فيسبوك: "ما حصل في الموصل كان مؤامرة تم التخطيط لها في أنقرة ثم انتقلت المؤامرة إلى أربيل".
ويزعم تقرير اللجنة أن المالكي لم تكن لديه صورة دقيقة للخطر المحدق بالمدينة الشمالية لأنه اختار قادة منغمسين في الفساد ولم يحاسبهم. ومن غير الواضح متى أو هل سيعود المالكي إلى بغداد، ورفض مكتبه التعقيب.
ويلقى التقرير باللوم في سقوط الموصل أيضاً على أثيل النجيفي محافظ نينوى التي تتبعها مدينة الموصل، وعلى القائم السابق بأعمال وزير الدفاع سعدون الدليمي، ورئيس أركان الجيش السابق الفريق أول بابكر زيباري، والفريق مهدي الغرواي قائد العمليات السابق في نينوى.
وفي ظل هذه التطورات على الساحة العراقية فإن المحاكمة المحتملة للمتهمين في سقوط الموصل، جنباً إلى جنب مع حملة العبادي لتقليص نظام المحاباة والمحسوبية ومكافحة الفساد، قد تساعد على إعادة الثقة في الحكومة ولاسيما بين أطياف الشعب العراقي، وإعادة بناء المؤسسة الأمنية التي يعصف بها الفساد وعدم الكفاءة.