تفاصيل الخبر

الفســــاد فـــي الإدارة يــــكلّف لـبــــنـان سـنـويــــاً 800 مـلـيـــــون دولار!

13/11/2015
الفســــاد فـــي الإدارة يــــكلّف لـبــــنـان سـنـويــــاً  800 مـلـيـــــون دولار!

الفســــاد فـــي الإدارة يــــكلّف لـبــــنـان سـنـويــــاً 800 مـلـيـــــون دولار!

بقلم طوني بشارة

غسان-حاصبانيأصبحت كلمة الفساد صفة يتناقلها اللبنانيون خلال كل حديث مرتبط بدولتهم، أو بالأحرى صفة للتعريف عن واقع الحال في لبنان، فالفساد لم يعد يقتصر على عمل إدارة الدولة اللبنانية بل هو فساد سياسي، اقتصادي، مالي، اجتماعي وإداري.

وليس غريباً أن يُصاب قطاع ما في أية دولة بالفساد، لكن الغريب أن ينتشر الفساد بشكل عشوائي كما يحدث في لبنان ولا يأبه له القيّمون على الدولة، وتكمن الخطورة أيضاً في أن المواطن ركب موجة الفساد فاسداً كان أو مفسداً، وعلى سبيل المثال ما اصطلح اللبنانيون على تسميته <الإكرامية> هو في الحقيقة رشوة لتسهيل معاملة ما، فالإكرامية التي تبدأ مع النادل في المطعم هي في الحقيقة رشوة لتحسين خدمة الطاولة مع العلم أن واجب النادل يقضي بتقديم خدمة رائعة، ويتسع الوصف وصولاً إلى كبرى الشركات في لبنان التي توزع شيكاتها على بعض الوزراء والنواب كإكراميات مسبقة على خدماتهم لتسهيل أعمال تلك الشركات، على اعتبار أن رواتب بعض الوزراء والنواب لا تكفي لحياة البذخ التي يعيشونها وعائلاتهم.

لقد اعتاد المواطن في لبنان على عبارة <تسوية أوضاع>، وبالتالي فإن القانون لم يعد صارماً، كما وأنه لدى أية مخالفة هنالك مفاتيح وقنوات لـ<تسوية الوضع>، وهذا يفتح أمام بعض الموظفين باباً لاستغلال مناصبهم من أجل الكسب غير المشروع، ونقول غير المشروع لأنه يخفف على المواطن من الأعباء المالية، وفي الوقت نفسه يمنع الدولة من تحصيل رسومها كما ينبغي، وبالتالي يستفيد الموظف من إكراميات تفوق أحياناً راتبه الثابت.

كما أن هنالك أمراً أساسياً يمنع الفساد لكنه مغيب في لبنان، ألا وهو هيبة الدولة. تلك الهيبة المفتقدة بسبب المحاصصة المعتمدة من قبل القوى السياسية الفاعلة، فالهيبة تأتي من خلال تطبيق القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، لكن ما يحصل أن كل طرف يقضم من هيبة الدولة ليمارس هيبته الخاصة، وعليه فإن القوانين أصبحت تحت نفوذ القوى السياسية إن لم نقل المذهبية، حتى أن السلطة القضائية هي تحت نفوذ المذهبيات، إذ أنه وبطبيعة الحال فالقضاة يطمحون إلى تحسين أوضاعهم عبر استلام مناصب عليا أو العمل في مناطق معينة أو أقسام محددة، وكل ذلك تحت نفوذ الطبقة السياسية لأنه من دون موافقتها لا تتم المناقلات القضائية.

أما في ما خص موظفي الإدارة من كافة الفئات، فالمدعوم لا يقترب منه التفتيش المركزي إطلاقاً، لأنه معين من قبل هذا الزعيم أو ذاك، أو تابع لهذا الطرف السياسي أو تلك الجهة المذهبية، وكل ذلك يضعف من قوة الدولة ووجودها ودورها، وبالتالي يستقوي المواطن عليها بعدم احترامه القوانين والأنظمة لأنه يدرك مسبقاً أن كل أموره تحل بالوساطة أو بالإكراميات.

للأسف، بات لبنان ضحية الفساد المستشري من قبل الفاسدين والمفسدين على حد سواء، والمواطن الذي يعاني من هذه المعضلة هو مساهم أساسي فيها، لأن الثقة المعطاة من قبله للطاقم السياسي المتمثل بالقوى السياسية هي في غير محلها، ولا بد من ثورة تبدأ من الذات أولاً وأخيراً.

الفساد الذي تطالب كل الشعوب بمكافحته بات آفة عالمية خصوصاً في هذا العصر، لكن الفارق هو بين دول تحاسب وتحاكم الفاسد ودول لا تحاسبه ولا تحاكمه لا بل تكرّمه أحياناً... ولبنان هو بين هذه الدول، فمنذ أن وُضع <قانون من أين لك هذا؟> لم يحاسَب أحد، ولم يحاكم أحد، بل كانت عبارة <عفا الله عما مضى> هي التي تطوي صفحة وتفتح صفحة جديدة، وهذه العبارة هي التي شجعت على تفشي الفساد في كل مفاصل الدولة، رغم أن مكافحة الفساد وُضعت لها قوانين لا تُحصى لكنها ظلت من دون تنفيذ.

وفي كل الأحوال ومهما تفاقم الفساد وأصبح ظاهرة طبيعية فإن هنالك حدوداً لا يستطيع المجتمع أن يتعايش معها، كما لا تستطيع الدولة الاستمرار في أداء وظائفها في ظلها، ومن هنا تبرز أهمية مكافحة الفساد وضرورة انتاج آليات للحدّ منه، وهو ما تقوم به غالبية دول العالم.

فأين لبنان من انتاج آليات جديدة للحدّ من الفساد؟ وهل من الممكن القضاء عليه؟ اسئلة عديدة للإجابة عنها قابلت <الافكار> الدكتور غسان حاصباني أول من أطلق فكرة <الحكومة الالكترونية>، والذي أعلمنا أن الهاجس الاساسي للمواطن اللبناني في الوقت الحالي هو تأسيس دولة شفافة خالية من الفساد، دولة تقوم بأعمالها على أكمل وجه وتؤمن للمواطن الخدمات الاساسية التي يحتاجها في حياته اليومية، وللأسف فقد المواطن الثقة بالمسؤولين والقيمين على إدارة شؤونه الحياتية، وأحد الاسباب لذلك هو العجز عن تأمين الخدمات الاساسية للمواطن جراء عامل الفساد داخل الادارة على كافة المستويات بدءاً من المسؤولين رفيعي المستوى وصولاً الى قاعدة الموظفين.

من هنا ينبع الفساد

ــ ما هي مسببات الفساد في لبنان؟

- هناك مسبّبات عديدة للفساد، وفي قاعدة الهرم بتنا نلاحظ ان الاحتكاك المباشر بين المواطن وأي موظف في أية ادارة عامة بكل بساطة قابل للفساد، فالموظف عندما يملك سلطة من دون أخلاقيات عمل، وفي ظل غياب اي مستوى من الرقابة يصبح قابلاً للرشوة، علماً ان هذا النوع من الفساد يكلّف المواطن اللبناني ضريبة غير مباشرة توازي 800 مليون دولار سنوياً اي 200 دولار لكل مواطن لبناني.

ويتابع حاصباني:

- أما على مستوى الصفقات العامة، فالمناقصات في لبنان بكل أسف تتمّ بالتراضي بين الدولة والشركات، فالشركات تؤمن الخدمات عن طريق التعاقد مع الدولة، مما يعني ان الصفقات تحصل في ظل غياب مبدأ الشفافية، الأمر الذي يدفع المواطن للتساؤل عن مدى وجود الفساد في مثل هذه الصفقات، وهذا أمر بديهي في ظل تغييب المواطن عن الآلية المعتمدة لإتمام هذه الصفقات، وهنا لا بُدّ من التنويه بأن الشفافية تعطي المواطن حق الاطلاع على تفاصيل دفاتر شروط التعاقد وآليته، فإما يطمئن لما يحدث وإما يرفع اعتراضه بشكل علني.

ويستطرد حاصباني:

- وفي السياق ذاته لا بدّ من ذكر مشكلة إرهاق المواطن لدى اتمامه أية معاملة في الادارات العامة، وهذا يسبب بطبيعة الحال نفوراً بين المواطن والدولة بشكل عام، وقد تمّ تصنيف لبنان بين الدول الاخيرة في منتدى الاقتصاد العالمي من ناحية ثقة المواطن بالسياسيين، فالمواطن اللبناني يقضي سنوياً أقله سبعة أيام من وقته يتابع معاملاته الرسمية بشكل عام، وهذا يكلّف الناتج المحلي 1200 مليار و200 مليون دولار سنوياً.

 

الحل <بالحكومة الالكترونية>

ــ ألا توجد حلول عملية لمعالجة هذه المشكلة؟

- بالتأكيد يمكننا إيجاد حل عملي للمشكلة عن طريق طرح فكرة <الحكومة الالكترونية> التي تتيح للمواطن إمكانية التعامل مع الادارات العامة عبر الشبكات الالكترونية و<الانترنت>، فـ<الحكومة الالكترونية> تلغي الاحتكاك المباشر بين المواطن والادارة العامة وبالتالي تلتغي الرشوة.

ويتابع الدكتور حاصباني قائلاً:

- ومما لا شك فيه ان <الحكومة الالكترونية> تخلق نوعاً من الشفافية مما يتيح امام المواطن فرصة الإطلاع على دفاتر شروط المناقصات عبر <الانترنت>، وهذا الامر يخفف من حصول الصفقات المشبوهة.

ويضيف حاصباني:

- كما ان <الحكومة الالكترونية> تؤدي الى عدم إضاعة وقت المواطن، فعبرها يتمكن المواطن من إجراء معاملاته عن طريق <الانترنت> دون حاجة للتنقل، مما يقلل من ازمات عديدة ومنها زحمة السير، وفي السياق ذاته لا بد من الاشارة الى وجود عامل اضافي يساعد ايجابياً عن طريق <الحكومة الالكترونية>، وهو تبادل المعلومات بين الادارات مما يؤمن للدولة القدرة على اتمام معاملات أكثر، الامر الذي يسمح بزيادة عائدات الدولة من خلال الرسوم المفروضة على هذه المعاملات، كما ان ذلك يساهم في تخفيف التكلفة والهدر.

ــ هل ان الإطار القانوني في لبنان يسمح بتطبيق <الحكومة الالكترونية>؟

- لإنجاز <الحكومة الالكترونية> يجب توافر إطار قانوني ينظم قانونية السند الإلكتروني، والتوقيع والتعريف والهوية والأختام والطوابع، وهذا الاطار القانوني يبدأ بالخطوة الأولى وهو قانون إطاري أي قانون يترك المجال لإصدار مراسيم لاحقاً تكون مفصلة تقنياً بحسب التطبيقات المطلوبة في كل وزارة وحسب التطور التكنولوجي، علماً ان قوانين مماثلة من الصعب اقرارها في المجلس النيابي في حال كانت مليئة بالتفاصيل التكنولوجية والتقنية، فالتكنولوجيا تتطور بسرعة وقد لا تناسب العصر في حال تأخر اقرار القانون.

ــ علمنا انك من أطلق فكرة <الحكومة الالكترونية>، فكيف تم ذلك؟

- لقد قمت بتحضير مقترح قانون واطلقت فكرته في مؤتمر بداية الصيف بمشاركة خبراء واخصائيين من القطاع العام والخاص وبرعاية الدكتور سمير جعجع، وبمشاركة فعالة من الوزارات المعنية مثل مكتب وزير شؤون التنمية الادارية، ووزارة الاتصالات والمكتب المسؤول عن استراتيجية المعلومات في رئاسة مجلس الوزراء، وتلت ذلك ورش عمل متعددة، منها ورشة عمل قانونية شارك فيها فريق عمل تقنية المعلومات التابع لنقابة المحامين برئاسة الدكتور شربل قارح، وبمشاركة محامين اكفاء مثل الدكتور بول مرقس والدكتور انطوان صفير.

 

<البلدية الالكترونية>

ويتابع قائلاً:

- أصبح اليوم مقترح القانون جاهزاً وهو قيد التداول لدى الكتل النيابية لتجهيزه بشكل كامل قبل دخوله الى اللجان النيابية المختصة، على أمل اقراره في أقرب فرصة تشريعية ممكنة، ولكن بالمقابل هناك مبادرات كثيرة وافكار يمكن تطبيقها قبل اقرار القانون ومنها <البلدية الالكترونية> على مستوى تعامل الناس مع البلدية، وموضوع المناقصات او الصفقات العامة عبر <الانترنت> والاعلان عن دفاتر الشروط ونتائجها على الاقل كمرحلة أولى.

ويختم الدكتور حاصباني حديثه قائلاً:

- يبقى موضوع <الحكومة الالكترونية> امراً اساسياً حتى ولو كان موضوعاً مستقبلياً لا يمتّ الى الواقع الحالي بصلة، وفي السياق ذاته لا يمكننا ان ننسى او نتناسى ان الحلول الالكترونية عبر التكنولوجيا كان لها وقع ايجابي كبير على المجتمع لاسيما في الدول الافريقية.