تفاصيل الخبر

الـفــــــراغ الـمـسـتـحـيــــــــــل

10/02/2017
الـفــــــراغ الـمـسـتـحـيــــــــــل

الـفــــــراغ الـمـسـتـحـيــــــــــل

 

بقلم سعيد غريب

SAM_5208 

مما لا شك فيه أن الفارق بين الحكومة اللبنانية الحالية والحكومات السابقة أن نجاحها سيكون بداية لانطلاقة جديدة في تاريخ لبنان السياسي، كما أن فشلها سيكون صدمة إن لم يكن نهاية لتجربة التغيير في تاريخ لبنان السياسي.

وطبعاً سيكون إقرار مشروع جديد للانتخابات أو عدم إقراره السبب الوحيد لنجاحها أو فشلها. لقد أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال استقباله نقابة المحررين العزم على إجراء استفتاء شعبي والاحتكام الى قرار الشعب، وقال ما حرفيته:

<كل واحد يريد أن يسحق الأقلية في داخل طائفته ولا يريد لها أن تتمثل، كما يريد مد يده الى جيب الآخر و<تشليحه> عدداً من المقاعد... ولا شيء يمنع من طرح الاستفتاء، ولا حتى في الدستور والقوانين ما يحول دون إجرائه، نحن في حالة أزمة نطرح الاستفتاء ونسأل الناس ماذا تريد، هل تريد التمديد للنواب مدى الحياة؟ فليكن، أنا أقبل، المهم إرادتكم>.

هل يمكن طرح الاستفتاء من خارج النص الدستوري؟ وهل نحن أمام حل أم مأزق؟ يجيب وزير العدل السابق البروفيسور إبراهيم نجار <بأن هذه المواضيع تُقرأ من منظارين: المنظار السياسي والمنظار القانوني الضيق، فمن الوجهة السياسية، لا شك بأن المرحلة التي نجتازها اليوم هي مرحلة دقيقة، فالعهد يريد أن ينطلق بترجمة وعوده التي قطعها للناس من ضمن التغيير والإصلاح، هناك كثيرون يدعون الى إقرار قانون انتخابات جديد يعتمد على النسبية المفضية الى نوع من العدالة، وبعدما فشل المعنيون في إقرار قانون جديد على مدى ثماني سنوات كان لا بد من موقف يحض على التغيير ويحث الأفرقاء على تحمّل مسؤولياتهم، وهذا ما فعله رئيس الجمهورية.

هذا في القراءة السياسية، وليس لدي أي تحفّظ حيالها. أما في القراءة القانونية فلها - لسوء الحظ - طريقتان: هناك سياسيون يريدون أن يطوّعوا القانون والدستور، ويأخذوه الى حيث يطمحون، وهناك ما يجب قراءته موضوعياً في الدستور، انطلاقاً من مبدأين قانونيين لا يمكن تجاهلهما:

الأول يقول بأن الفراغ في القانون الإداري وفي المؤسسات التي تقوم عليها الدولة اللبنانية أمر مستحيل. من هنا ثمة مبادئ عامة في القانون الإداري والقانون العام تقول <باستمرارية المرفق العام C’est la continuité des pouvoirs publics>، ولا يمكن لجمهورية يصل فيها مجلس نيابي الى نهاية عهده من دون أن يمدد لنفسه - وأنا في المطلق ضد التمديد والتجديد - ولكن ليس ممكناً في المبدأ تجاهل القانون الحالي وكأنه غير موجود.

وعندما نقول إن هناك فراغاً كأننا نقول ان ليس هناك من قانون ساري المفعول، وهذا أمر غير ممكن لأن وزير الداخلية ملزم بدعوة الناخبين الى الانتخابات، أما عن قول رئيس الجمهورية أنه لن يوقّع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة - وهذا الأمر من صلب صلاحياته ونحن نريد تعزيز هذه الصلاحيات - فيمكن برأيي الطعن بعدم التوقيع.

من هنا يجب التمييز كلياً بين الأمور القانونية والسياسية، أما الفراغ في حد ذاته فأمر غير ممكن لأنه كما يقال في القانون <La nature a peur du vide> أي <الطبيعة تخشى الفراغ>، ولا يمكن أن يكون الفراغ واقعاً في جمهورية لديها دستور وقانون مرعي الإجراء وساري المفعول.

وفي اقتراح الاستفتاء، لا شيء يمنع من إجرائه، ولكن كيــــف سيطبّق القانـــون الذي يرعى الاستفتاء في غيــــاب الآلية؟ وكيف ستنفق الأموال من دون قانون يسمح للوزارة المكلفة تطبيقه صرف هذه الأموال؟

وعلى الصعيد السياسي، فلنفكّر ملياً، هل لدينا مصلحة في إجراء استفتاء في لبنان؟ وفي إعادة النظر في الأحجام؟ أم مصلحتنا في تطبيق <اتفاق الطائف> والمناصفة؟!>.

أياً تكن المواقف المعلنة وغير المعلنة من موضوع الاستفتاء، فإن الفكرة تستحق النظر فيها وحتى تطبيقها من دون أن تكون ملزمة، لأن الدستور الحالي لا يسمح بإجرائها، ولأن مجلس النواب لا يحق له إقرار قانون يسمح بإجراء تنظيم استفتاء في لبنان.

إذاً، الموضوع على أهميته، يحتاج الى تعديل في الدستور. ولا لزوم للتذكير ان بلداً مكوّناً من ثماني عشرة طائفة وحَسَمَ مسألة المناصفة، يمكن أن يشرّع الأبواب أمام مشاكل لا تحصى ولا تعد، هو وشعوبه بغنى عنها ولاسيما في هذه المرحلة المصيرية التي تمر بها المنطقة.

يبقى الأهم، وهو ألا يتبين للحكم وللحكومة أن الأحلام شيء والواقع شيء آخر، وان القرار شيء والتنفيذ شيء آخر، وأن إرادة التغيير شيء وما يمكن تغييره شيء آخر.

والناس تتمنى ألا يتكرر ذلك لا مع العهد الجديد ولا مع حكومته الأولى.

غير أن الفرق الوحيد هذه المرة، ومع هذا العهد وهذه الحكومة، هو أن الحكم مصمم على أن يكون <ثورة من فوق>.. وفي بلد من أصعب البلاد وأكثرها تعقيداً.