تفاصيل الخبر

الفنانة وحرفية الزجاج الملون مايا حسيني: شعرت كأنني خسرت عشرين سنة من حياتي يوم انفجار المرفأ الذي دمر الكثير من المشاريع التي عملت بها مثل متحف سرسق والكاتدرائية الكبوشية وغيرها خلال ثوان!

16/09/2020
الفنانة وحرفية الزجاج الملون مايا حسيني: شعرت كأنني خسرت عشرين سنة من حياتي يوم انفجار المرفأ الذي دمر الكثير من المشاريع التي عملت بها مثل متحف سرسق والكاتدرائية الكبوشية وغيرها خلال ثوان!

الفنانة وحرفية الزجاج الملون مايا حسيني: شعرت كأنني خسرت عشرين سنة من حياتي يوم انفجار المرفأ الذي دمر الكثير من المشاريع التي عملت بها مثل متحف سرسق والكاتدرائية الكبوشية وغيرها خلال ثوان!

بقلم وردية بطرس

  [caption id="attachment_81194" align="alignleft" width="333"] مايا وحرفية الزجاج الملون.[/caption]

لم تدرك الفنانة وحرفية الزجاج الملون مايا حسيني التي ظلت على مدى عشرين سنة ترمم النوافذ الزجاجية الملونة التي دمرتها الحرب اللبنانية، أنها ستتحطم وتُدمر من جديد خلال ثوان جراء انفجار مرفأ بيروت. لقد تسبب الانفجار في تدمير الكثير من المشاريع الثقافية والفنية التي عملت الفنانة مايا حسيني على ترميمها على مدى عقدين بعد انتهاء الحرب الأهلية، اذ عملت على ترميم معالم تاريخية منها العديد من كنائس بيروت. لقد أخذت الفنانة مايا من والدها مهندس الكنائس حبها للعمل في الكنائس والكاتدرائيات. ولكن الدمار لحق بعشرة مشاريع على الأقل من التي عملت عليها مايا منذ الحرب الأهلية (1975- 1990)، فقد تعلمت المهنة في فرنسا حيث أرسلها والدها الذي كان يعمل مهندساً في كنيسة، واعتاد على طلب الزجاج الملون من الخارج اذ لم يكن استخدام الزجاج الملون شائعاً في بيروت قبل الحرب. ومن بين المشاريع التي عملت بها مشروع في كنيسة القديس لويس في باب ادريس في وسط بيروت. ونوافذ الكنيسة التي دُمرت في الحرب جرى ترميمها بمشاركتها على مدى عامين في مشروع اكتمل قبل نحو أربع سنوات. ومن بين البنايات المتضررة متحف سرسق الذي رممت نوافذه الزجاجية الملونة المفعمة بالحيوية، فتلك النوافذ كانت تخطف الأبصار خصوصاً عندما تُضاء في الليل ولكن الانفجار دمرها. وفي العام 2005 كانت قد حازت الفنانة مايا حسيني جائزة الأونيسكو للحرف في العالم العربي.

الفنانة مايا حسيني والزجاج الملون

[caption id="attachment_81192" align="alignleft" width="252"] كاتدرائية الكبوشية قبل وبعد الانفجار.[/caption]

ولنعرف أكثر عن المشاريع التي قامت بها الفنانة مايا حسيني على مدى عشرين سنة والتي تدمرت خلال ثوان جراء انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب (أغسطس) 2020، كان لـ "الأفكار" حديث عن تلك السنوات التي عكفت فيها على ترميم النوافذ الزجاجية في كنائس بيروت ومتحف سرسق وغيرها من المشاريع فقالت بداية: - بدأت العمل في هذا المجال منذ ثلاثين سنة وهناك الكثير من المشاريع التي قمت بها بما يتعلق بالزجاج الملون ومنها متحف سرسق، والكاتدرائية الكبوشية وغيرها، اذ عملت ضمن عشرة مشاريع ولكنها تدمرت يوم انفجار مرفأ بيروت، وشعرت كأنني خسرت 20 عاماً من حياتي المهنية عندما تدمرت بيروت. لقد أعطيت لكل مشروع من المشاريع التي عملت بها الكثير من الجهد والوقت اذ كنت أهتم بكل شيء بدءاً من الرسم إلى التلوين على زجاج النفخ من ثم يوضع في الفرن، ولهذا شعرت كأنني فقدت شيئاً كبيراً عندما تدمرت بيروت يوم الانفجار.

ترميم متحف سرسق والكاتدرائية الكبوشية

[caption id="attachment_81196" align="alignleft" width="252"] والنوافذ المماثلة في متحف سرسق.[/caption]

* لا شك أن لكل مشروع خصوصيته فأي المشاريع التي لها ميزة خاصة بالنسبة اليك؟ - لكل مشروع خصوصيته. فمثلاً مشروع متحف سرسق الذي يتميز بتاريخه العريق فقد قمت بترميم نوافذه الزجاجية الملونة بعد سنوات الحرب في لبنان. وأذكر أيضاً الكاتدرائية الكبوشية للقديس لويس وهي من أهم الكنائس اللاتينية في وسط بيروت التي بُنيت في العام 1864 من قبل المبشرين الكبوشيين. وطبعاً قبل العمل كنت أقوم ببحث عن الكاتدرائية واتفق مع الخوارنة ماذا يودون ان نصمم لهم في الكنيسة، كالقصة التي أتناولها في الرسم على الزجاج الملون مثل قصة يسوع، اي أهتم بكل هذه التفاصيل. لقد درست الفن التشكيلي في جامعة ألبا من ثم درست اختصاص الزجاجيات في فرنسا، أي أنني رسامة قبل ان أكون متخصصة بالزجاجيات التي درستها في فرنسا. طبعاً كل مشروع له أهميته وجماله، مثلاً عندما أعمل على ترميم النوافذ الزجاجية في البيوت آخذ بعين الاعتبار ما إذا كان ديكور المنزل كلاسيكياً او عصرياً لأن الأمر يختلف بين الاثنين.

الزجاج الملون ينبض بالحياة

* بماذا يتميز الرسم على الزجاج الملون عن غيره ؟

[caption id="attachment_81195" align="alignleft" width="333"] نوافذ ملونة من صنع مايا حسيني.[/caption]

- الزجاج الملون ينبض بالحياة. فأنا أعمل كثيراً بالزجاج المنفوخ والذي أحضره من فرنسا. داخل مشغلي في الحازمية هناك 100 لون. وكما ذكرت الزجاج المنفوخ فيه حياة، وهو على أنواع، اذ قد يكون الزجاج فاتح اللون او غامقاً ولكل منه جماله، والضوء الذي يمنحه الزجاج المنفوخ لا تجدينه بغير أنواع. وعندنا في لبنان ضوء جميل فينعكس مع هذه الألوان بشكل جميل جداً، ويكون المنزل جميلاً عندما يحدث انعكاس الضوء على هذه الألوان. ولهذا ترين الناس يقصدون متحف سرسق في الليل لكي يستمتعوا بمشاهدة النوافذ المصنوعة من الزجاج الملون. كما يشعر الانسان بالخشوع عندما يصلي في كنيسة نوافذها مصنوعة من الزجاج الملون خصوصاً أن تلك النوافذ تحكي قصصاً من الإنجيل.

* هل التخصص بصنع الزجاج الملون قليل في لبنان؟ - بالفعل التخصص بهذا المجال قليل في لبنان وليس كما في أوروبا. بالنسبة إلي فكنت من أوائل الذين درسوا هذا الاختصاص. وبعدما انتهيت من دراستي في فرنسا بدأت أعمل في هذا المجال في لبنان. كما انني أحضر كل الزجاج من فرنسا، والرصاص من بلجيكا وأيضاً أحضر التلوين من فرنسا، فهذا التلوين استخدمه على الزجاج قبل أن أدخله الى الفرن ليبدو بالشكل الذي ترينه سواء في الكنيسة او متحف وغيرهما. وكل الأدوات التي أعمل بها أحضرتها من فرنسا.

خلال ثوان تدمرت أهم المعالم في بيروت

[caption id="attachment_81190" align="alignleft" width="333"] دمار في سانتا الجميزة.[/caption]

* طوال سنوات الحرب لم يحصل دمار كبير كما حصل يوم الرابع من آب فكيف شعرت عندما رأيت تلك المباني التراثية والكنائس وغيرها مدمرة؟ - صحيح طوال سنوات الحرب لم نرَ دماراً كالذي رأيناه في الرابع من آب، فمشغلي الذي يقع في منطقة الحازمية تضرر أيضاً جراء انفجار مرفأ بيروت، إذ إنني لم أقصد مشغلي لمدة أسبوع لأنني تأثرت جداً بما حصل ولم اتمكن من القيام بالعمل، وبدأت أتلقى الاتصالات لكي أبدأ بالعمل ضمن تخصصي في المباني التي تضررت بسبب الانفجار. وعندما قصدت بيروت وبدأت أشاهد المشاريع التي عملت عليها مدمرة آلمني ذلك كثيراً ولكن عندما وصلت الى كاتدرائية الكابوشية لم أتمالك نفسي ورحت أبكي وكأنني فقدت جزءاً مني كوني عملت على مدى ثلاثين سنة في هذه المهنة وخلال ثوان تدمر كل شيء، وعندما رأيت قصر سرسق تأثرت كثيراً لأنه تدمر وقلت في نفسي عملت 30 عاماً على مشاريع وفجأة تدمرت خلال ثوان فهل هناك أصعب من ذلك.

البدء بعملية ترميم النوافذ الزجاجية الملونة

* وهل بدأت الآن بالعمل على ترميم الزجاج الملون؟

[caption id="attachment_81191" align="alignleft" width="252"] فيلا الريس في سرسق.[/caption]

- بدأت العمل الآن في منزل تضرر جراء انفجار مرفأ بيروت. كما بدأت العمل بترميم كنيسة الوردية لأن بعض القطع الصغيرة تحطمت وتحتاج للترميم. أما بقية الكنائس والمباني فتتطلب وقتاً خصوصاً في ظل الأزمة النقدية في البلد. على سبيل المثال فرنسا تحتاج لشهر ونصف الشهر لتصنع الزجاج المنفوخ من أجل استخدامه في متحف سرسق الذي سيتم ترميمه. بالتالي كل هذه الأمور تحتاج للوقت. بالنسبة الي فأتولى حالياً القيام ببعض الأمور التي يمكن اتمامها لأن لدي البضاعة التي أستخدمها خلال العمل. مع العلم ان لدي مشروعاً كبيراً جداً ولا أقدر ان أؤجله الآن وهو مشروع في الأردن وتحديداً في المكان الذي تعمّد فيه المسيح بازيليك لاتين، وكنت قد باشرت العمل به منذ سبعة أشهر ولا أستطيع التوقف عن العمل الآن، فعليّ انجازه خلال سنة ونصف السنة. الرسم على الزجاج يتطلب الكثير من الوقت. وكنت قد قررت انه بعد انجاز هذا المشروع سأتوقف عن العمل ولكن الآن لن أسمح لنفسي أن أتوقف أبداً، والآن أقوم بتعليم وتدريب أشخاص لكي يكملوا العمل بعدما أتوقف عن العمل في هذا المجال.

* أشرت أن ترميم الزجاج الملون في الكنائس التي تدمرت في بيروت يتطلب تقريباً أربع سنوات لانجازه؟ فما هو عدد الكنائس التي ستقومين بترميم الزجاج الملون في داخلها؟ - هذا صحيح يتطلب الأمر أقله أربع سنوات من العمل، وبالنسبة الي أحتاج لسنتين لأفكر كيف سأعمل في المشاريع التي سبق ان عملت بها وتدمرت. من ضمن المشاريع التي سأتولى العمل بها هناك ثلاث كنائس لم يحدث فيها ضرر كبير ولن يتطلب العمل الكثير من الوقت. وهناك أربع كنائس يجب أن أبدأ العمل بها من الصفر لأن الضرر كبير. وهناك كنيستان لم أبت أمر ترميمهما حتى الآن ...

تأثرت بوالدي كثيراً

* الى أي مدى تأثرت بوالدك الذي كان يعمل على مشاريع هندسية للكنائس والكاتدرائيات في لبنان؟ - بالفعل تأثرت بوالدي الذي عمل على مشاريع هندسية للكنائس والكاتدرائيات. ومن المشاريع الهندسية أذكر على سبيل المثال مستشفى الجعيتاوي، ومدارس الأنطونية، وكنيسة السيدة... قبل الحرب كانوا يأتون بالفيتراي من أوروبا وكان هناك بضع كنائس التي تستخدم الفيتراي، فالكنائس ذات الزجاجيات الملونة كانت قائمة على أيام الانتداب الفرنسي اذ كان الفرنسيون يأتون بالفيتراي ويستخدمونها في الكنائس اللاتينية، اما الكنائس المارونية فبدأت تستخدم الزجاجيات الملونة بعد الحرب. والكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية استخدمت أيضاً الزجاجيات الملونة. لقد دخل الفيتراي الى لبنان بشكل خاص بعد الحرب، والدي (رحمه الله) شجعني على أن أدخل الى الفنون التشكيلية شرط ان أقوم بالتخصص في هذا المجال لأنه علم انه سيكون هناك طلب لادخال الزجاج الملون أكثر وبالفعل هذا ما حصل. اذ فتح والدي مشغلي الذي أعمل به منذ سنوات طويلة وعملت ضمن مشاريع كثيرة.

لن نفقد الأمل ببناء ما تدمر

[caption id="attachment_81189" align="alignleft" width="252"] النوافذ الزجاجية الملونة في كاتدرائية الكبوشية.[/caption]

* برأيك هل ستعود بيروت وبيوتها التراثية جميلة كما كانت بعد الدمار الكبير الذي لحق بها؟ - سأتحدث على الصعيد الشخصي ومن ضمن المشاريع التي سأعمل بها، فأنا أدرك أن متحف سرسق سيعود كما كان، كما أدرك ان الكاتدرائية الكابوشية ما إن يتوافر لديهم المال سيقومون باعمارها لتعود كما كانت قبل الانفجار. بالنسبة الي سأستعمل الرسومات نفسها التي سبق ان رسمتها وكأنه لم يحصل شيء. فمن جهتي أقول لك إن كل المشاريع التي قمت بها سأعمل على اعادة احيائها كما كانت قبل الانفجار، لدي أمل بأن ما تدمر سيُبنى من جديد. ولو تطلب اعادة اعمارها وتصميمها سنوات عديدة ستعود كما كانت، هذا من ناحية العمل الذي أقوم به. فأنت تعلمين أن إرادة اللبناني أقوى من الدمار والموت، اذ في اليوم الثاني من الانفجار راح الناس ينظفون ويكنسون الشوارع والأحياء وينفضون الغبار ويزيلون الركام، لا شك ان الكارثة كبيرة لأن هناك مباني ومشاريع تدمرت ولا يمكن استعادتها ولكن بالرغم من كل ذلك ستظل هناك بيوت تراثية ومنازل سنعمل على ترميمها واعادة الحياة إليها. وأذكر هنا على سبيل المثال هناك جهود حثيثة لاعادة بناء متحف سرسق كما كان قبل الانفجار. وتتابع: - يجب ان يكون لدينا امل وأعتقد أنه لو لم يكن لدينا أمل لما استطعنا ان ننهض ونبدأ بعملية الترميم والتصليح الى ما هنالك. بعد وقوع الانفجار تم تسليط الضوء على أمور لم يكن الناس على علم بها، بالنسبة الي فلقد بدأ الناس يتحدثون عن عملي والمشاريع التي نفذتها اذ أصبح الناس يعرفون ان الزجاج الملون في متحف سرسق هو من تصميمي وعملي، وأيضاً بالنسبة للكاتدرائية الكبوشية وغيرها من الكنائس والمباني. وأود ان أقول هنا إنه لا ينقصنا شيء في لبنان لنعمل وننجز مشاريع بما يتعلق بالبناء والتصميم والرسم والديكور وغيرها... ما حصل في الرابع من آب (أغسطس) مرعب وصعب ومحزن ولكننا لن نفقد الأمل ببلدنا، واذا لم نعمل سوياً لن نقدر ان ننهض. لبنان يستحق منا التضحيات وعلينا ان نتمسك بالأمل لنبني وطننا، فإذا قام كل واحد منا بمبادرة وبذل جهداً سنتغلب على الصعاب. وبالنسبة الي بدأت بالعمل بعد اسبوع من وقوع الانفجار لأن لدي أملاً بهذا البلد مهما كانت الظروف قاسية وصعبة، وسأواصل عملي.