تفاصيل الخبر

الفنان جورج خباز في مسرحيته الجديدة ”يوميات مسرحجي“: المسرح هو الوحيد الذي لم يخذلني يوماً... والعمل الجديد مختلف في أكثر من ناحية!

20/12/2019
الفنان جورج خباز في مسرحيته الجديدة ”يوميات مسرحجي“: المسرح هو الوحيد الذي لم يخذلني يوماً... والعمل الجديد مختلف في أكثر من ناحية!

الفنان جورج خباز في مسرحيته الجديدة ”يوميات مسرحجي“: المسرح هو الوحيد الذي لم يخذلني يوماً... والعمل الجديد مختلف في أكثر من ناحية!

 

بقلم عبير انطون

له طريقته الخاصة في قراءة الامور، وطريقته الخاصة ايضا في التعبير عنها. جورج خباز <مدمن المسرح> كما يصف نفسه، يقدم في كل سنة عملا مسرحيا جديدا بات الجمهور على موعد معه. هذه السنة، وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، لم يشذ عن القاعدة ولأكثر من سبب اولها ضرورة بقاء شعلة الثقافة المسرحية مشتعلة وسط اشتعال الساحات والخطابات والملفات والدواليب. هل انطلقت المسرحية الجديدة لضرورات مادية؟ نعم يجيب جورج ففيها اكثر من 32 شخصا يعتاشون من الخشبة، وهذه مسؤولية تجاههم، لكن لقمة العيش ليست بالتأكيد السبب الوحيد. فما يعيشه جورج مؤخرا، وما يراه في بلده، جعله أكثر تمسكا بأن المسرح هو مكانه الصحيح، طريقته الأمثل في التعبير عن ثورة نزل الى ساحاتها ثم انكفأ عائدا الى أوراقه وشخصياته، مع تمنياته لها من القلب بأن تصل الى مكان أفضل لان المطالب محقة.. ولكن!

و<لكن ماذا؟>.. ما الذي يخشاه جورج؟ ماذا عن مسرحيته الجديدة؟ وهل يكون يوما وزيرا للثقافة مثلا مع طرح اسماء تحبها الناس وتثق بها؟

في لقاء <الأفكار> مع خبّاز المسرح العائلي المدروس كانت الأجوبة التي بدأناها من السؤال:

 ــ لم اخترت كلمة <مسرحجي> العامية القديمة لعملك الجديد <يوميات مسرحجي> وهل من دلالة معينة أردتها من خلالها؟

- <بالزمانات> كانوا يطلقون كلمة <مسرحجي> أو <مشخّصاتي> على الذي يعمل في مجال المسرح او التمثيل، بمعنى انه توصيف لمن يشتغل في المسرح، كما أنّ رنتها حلوة. كذلك فهي تدل على ما سيتضمنه العمل، اذ يدور حول احد الأشخاص الذين كانوا يعملون في المسرح وهو فعليا ليس ممثلا بل عامل فيه، مهمته اجلاس الناس في اماكنهم، الا ان حلمه الدفين بقي اعتلاء الخشبة للتمثيل، ولم يستطع ذلك في حياته. تجدونه يخبر ذكرياته، وهي يومياته في هذا المسرح الذي شُيد في الخمسينات والذي عرضت فيه مختلف الأنواع المسرحية وأشكالها. وانطلاقا من ذلك نمر على المسرح السياسي والغنائي والاختباري والتجريبي والعبثي، فضلا عن مسرح الاطفال، والميوزيكال على غرار <برودواي>، والغنائي الراقص الخ.. باختصار نستعرض مختلف أنواع المسرح من خلال ذكريات هذا الرجل.

ــ وهل ستذكر الاعمال باسمائها وأسماء من عملوا فيها؟

- ستذكر هذه الاسماء مع صور لها في نهاية المسرحية من خلال التحية لمسرحيين لبنانيين كبار أسهموا في تأسيس المحترف المسرحي اللبناني ولكل الذين مروا وعلّموا في ذاكرتنا وتركوا أثرا وبصمة في الثقافة المسرحية اللبنانية، بينهم مثلا منير ابو دبس وريمون جبارة ويعقوب الشدراوي وانطوان ولطيفة ملتقى وعصام محفوظ وبيرج فازيليان وشوشو ومحمد شامل ومنصور وعاصي الرحباني وصباح وسلوى القطريب... هو مرور على <الاعمال الناقصة> في البدايات التي في محاولاتها

وتجاربها شكلت تراكما لتنبثق بعدها الاعمال <الكاملة> لاحقا.

ــ انطلقت في تأليف <يوميات مسرحجي> من <مونولوج> كتبته. ما كانت ظروف هذا <المونولوج>؟

- بعد ستة عشر موسما من اعمال مسرحية لي، وخمسة وعشرين عاما من العمل في المسرح، جلست في احدى المرات بيني وبين نفسي حتى أجدد علاقتي بالخشبة وأجيب عن سؤال الحّ علي وهو: لماذا أقوم بالمسرح؟ فكان جوابي لنفسي أنه المكان الذي اعطاني الكثير وانقذني في العديد من المواقف والظروف والاحوال النفسية والاجتماعية وغيرها، وكان له فضل كبير علي. وقد جاء هذا المونولوج بمثابة تجديد لعلاقة العشق بيني وبين المسرح، كمن يجدد علاقة عشق مع زوجته بعد مرور 25 عاما على ارتباطهما. أحببت المونولوج الذي كتبته جدا لانه أجاب عن سؤالي من أعظم سبب الى أتفه سبب. فرَدتُ كل شيء أمامي، وانطلقت منه لكتابة المسرحية ولأقوم أيضا بنوع من التكريم لهذا المكان وناسه.

ــ تقول بأن فيها نوعا آخر، اسلوبا آخر من الكتابة المسرحية. ما الجديد فيها؟

- المقاربة مختلفة بعض الشيء عما سبق. هنا انت تقومين بمسرحية كوميدية من دون حبكة. هي مجموعة مشاهد، ولكل مشهد هويته الخاصة التي تختلف ما بين العبثي والتجريبي والغنائي وغيرها ما يستتبع حكما نوعا مختلفا من حيث الكتابة والاداء والاضاءة والاخراج والازياء. هي عدة انواع في وحدة واحدة، ما يؤدي تلقائيا الى جعل المقاربة مختلفة ونوعية الكوميديا كذلك. وفي <يوميات مسرحجي>، لا يلعب الممثل منا شخصية واحدة تتصاعد وتتفاعل مع الاحداث، وانما يلعب كل ممثل أكثر من شخصية لاكثر من نوع، الرابط الوحيد في ما بينها ما يخبره ذاك <المسرحجي> من ذكريات.

 

ملأني تماما..

ــ هل خذلك المسرح يوما، في عمل معيّن؟

- أبدا، ابدا ولا مرة. للحقيقة، إن الامر الوحيد الذي لم يخذلني في حياتي، لا بل أعطاني وجعلني ممتلئا هو المسرح، وذلك من مختلف النواحي. في المونولوج أقول جملة احب أن أرددها دائما: <بعمل مسرح لاطلع كل يوم عالمسرح متل الراكض عالمراية ليتأكّد انو بعدو هون.. لاحبس حالي بالحرية.. لاهرب عحالي من حالي..> هنالك اسباب عدة تجعلني أدمن حالة المسرح.

ــ تطلق المسرحية والاوضاع <مش ولا بد>، حتى ان الانتفاضة في منطقة جل الديب على بعد امتار من مسرحك. ما سرّ هذا الإقدام؟

- نعم، <جسر جل الديب> ليس بعيدا عن مسرح الـ<شاتو تريانون> في الزلقا. بالنهاية كل واحد يثور ويعبّر على طريقته. طريقتي انا هي المسرح، هذا عدا عن ان ارادة الحياة عندنا تبقى فوق كل اعتبار، ولولا ذلك لما بقينا مستمرين. لا نستطيع ان نقعد ونتفرج على ما يجري. نريد ان نعبّر بطريقة او باخرى. معنا في العمل 32 شابا وصبية بين ممثلين وتقنيين وموظفي صالة ونحن كما جميع الناس كالاطباء والاساتذة والموظفين والعمال لدينا التزاماتنا المادية، وأشعر بمسؤولية تجاههم وتجاه نفسي ووطني وتجاه الحركة المسرحية. العديد من المسرحيين يتصلون بي ليقولوا <شادين الضهر فيك>. والضرورة المادية على أهميتها لا تفوق تلك المعنوية. النشوة التي يمدنا بها المسرح <ما حدا تاني بيقدر يعطينا اياها>، ونحن بأمس الحاجة اليوم الى هذه الحالة، ثم إن الفرح الذي نقدمه هو واحد من اركان مسرحنا وجميعا بأمس الحاجة اليه اليوم.

ويضيف جورج:

- الاستمرارية في المسرح لها دلالتها، ففي وقت <كل شي خربان> الثقافة باقية وتناضل. في كل سنة نقدم مسرحية وذلك منذ 16 عاما. العمل في المسرح أضحى نمط حياة.

ــ هل تعتقد أننا بحاجة الى ثورة مسرحية؟

- شئنا أم ابينا، ان احد المحرضين الاساسيين على الثورة والتمرد هو المسرح الذي يجب ان يبقى في بحث وتجدد دائمين. خذوا مثلا مسرحيتَيّ الأخيرتين <الا اذا> وبعدها <الا اذا تغير شي> كان فيهما نوع من التحريض وكذلك في مسرحية <ناطرينو> ومسرحية <مطلوب> التي حملت من جانبها أيضا تحريضا بالمعنى الايجابي للوقوف الى جانب الحق. كما سبق وقلت كل شخص يعبّر عن ثورته بطريقته، هذا بالقلم وذاك بالريشة أو بالاحتجاج او بالخدمة الاجتماعية.

ــ والى أية درجة انت على ثقة بأن الجمهور الوفي لك سيوافيك هذه المرة ايضا. هل تشعر بقلق تجاه نسبة الحضور أكثر من المواسم السابقة؟

- لا يمكن أن ننكر بأن الوضع الاقتصادي غير مريح، لكن في الوقت عينه لعدد لا بأس به من الناس هناك اولويات في الحياة ومنها المسرح. بعضهم يعاجلني بالقول <لو بدنا نتدين بدنا نحضر مسرحيتك أنا وعائلتي>. قد لا يكون هذا الموسم كما المواسم التي سبقت، لكن وعلى العكس أيضا، يمكن ان تكون هناك ردة فعل وحضور كثيف لان الناس بحاجة الى طاقة مختلفة، الى مكان ينقلها بعيدا عما يجري. لا ينصب تفكيري على نسبة الحضور بقدر ما اريد ان نطلع بعمل جديد ونقدم مسرحية جديدة، حتى ولو لاسبوع واحد او اثنين.. <مش فرقانة معي>.

 

<معربشون>..

 

ــ كيف تقرأ ما يجري منذ 17 تشرين حتى اليوم؟

- أتمنى من كل قلبي ان نصل الى <مكان منيح>. فأنا أكيد وعلى إيمان عميق بأن مطالب الناس محقة. لقد نزلت في الـ<ويك اند> من الاسبوع الاول الى الساحات لكنني وجدت انه يمكنني ان اكون فعالا اكثر من موقعي في المسرح، فأكملت الكتابة وقمنا بالبروفات واستعددنا للمسرحية.

ــ لماذا نزلت ليومين وانكفأت. ما الذي رأيته او خشيت منه؟

- وجدت بأن هناك من <يعربش> على عفوية الناس وصدقها، وبعض الأحزاب تستغل، وسياسيا دخل الـ<مد والجزر>.

أنا لا اوافق على إقفال الطرقات، فكما حرية التعبير حق مقدس كذلك حق المرور والتنقل حق مقدس. كلنا ضد الفساد ومع استعادة الاموال المنهوبة ومع الكرامة والعدالة. لكن برأيي، الانتفاضة في بدايتها من دون قيادة كانت خطوة مهمة، لكن حان الوقت الآن لان يكون هناك من يمثل هذا الحراك الكبير لكي نستطيع ان نصل الى نتيجة.

ويضيف جورج:

- شخصيا، ثورتي بدأتها منذ 15 عاما. ناس احبت وأخرى لا، هذه مسألة مقاربة وذوق. لكن ما يهتف به في الساحات اليوم عبّرت عنه على امتداد عملي أكان في المسرحيات او القصائد أو اللقاءات والمقابلات. أعرف ان مطالب الناس محقة لكن للأسف هناك من <يعربشون> على جناح هذه المطالب لاغراض سياسية واهداف استراتيجية معينة.

ــ هذه <العربشة> هي ما أرجعك الى خلف الخطوط المسرحية الثقافية؟

- الى <العربشة>، هناك امر آخر، وهو انني شعرت بأنها قد تتحول شارعا ضد شارع يوما ما، والأمر الثالث يقيني بان موقعي الفعال بشكل أكبر هو المسرح، والا <كنت اشتغلت سياسة من زمان>. وأكبر دليل على اصراري في المضي بطريقي هو <يوميات مسرحجي> التي تعتبر من ابرز الاحداث الفنية لبنانيا بعد 17 تشرين خاصة وأنني أقدمها في مثل هذه الظروف بالذات.

ــ الم تسقط على المسرحية اي امر مما نعيشه ولو بشكل غير مباشر؟

- لا ابدا. هي مكتوبة من قبل، ولم ارد ان أُهبِط عليها أحداثا آنية بالـ<باراشوت> في اسقاطات في غير مكانها.

 

 <مش شغلتي>...

 

ــ لو فرضا طرح اسمك لوزارة الثقافة مع المطالبة بحكومة تكنوقراط. هل تجد نفسك مستعدا لذلك؟

 (يسألني جورج بدوره)

- لو طلبت منك كصحافية ان تبني لي بيتا من الحجر الرملي هل تقومين بذلك؟ الامر سيان. <مش شغلتي. شغلتي هي مطرح ما انا>.

ــ لكن، الثقافة ليست بعيدة عن مجالك...

- الثقافة مجال واسع جدا، ويضم أكثر من جانب بينه، على سبيل المثال الابنية التراثية القديمة والمتاحف والمعارض وغيرها الكثير. يجب التحضير لمنصب مماثل لسنتين على الاقل. ثم إن عندنا <السياسة فايتة ببعضها، والحقائب فايتة بالسياسة>، وهذا ليس مطرحي.

ــ بالنهاية نسألك عن الوجوه الجديدة التي تحرص على وجودها في كل عمل جديد تقدمه ما يشكِل فرصة لهم. لماذا اخترت هذه المرة عامر فياض وايف شلالا دونا عن غيرهما، ما الذي يتميّزان به؟

- في المسرحية بيانو وعزف مباشر على المسرح، وايف شلالا عازف بيانو <قبضاي> ويدرس الاخراج في جامعة اللبنانية الاميركية <ال اي يو> وهو شاب موهوب جدا. كذلك فان عامر فياض ممثل رائع تخرّج حديثا من الجامعة اللبنانية ويملك موهبة فظيعة، واول ما رأيته ايقنت بانه يتمتع بقدرات عالية واسندت له دورا اساسيا، فيكون هو <المسرحجي> الذي يخبر يومياته وما تعاقب على هذه الخشبة من أعمال، واعتقد ان عامر اذا بقي في هذا الشغف فان له مستقبلاً واعداً.

ــ وتتضمن المسرحية مقطوعات موسيقية واغنيات من كتابتك وتلحينك؟

- نعم، تضم اربع اغنيات كتبتها ولحنتها ووزعها شارل شلالا، فضلا عن الموسيقى والرقص أيضا.

ــ بالنهاية، ماذا عن اسعار البطاقات، هل جرى عليها اي تخفيض مراعاة للوضع ام بقيت على حالها؟

- لا زالت كما هي لانني منذ بداية عملي المسرحي اخذت بعين الاعتبار الاوضاع والظروف، والأسعار تتراوح ما بين 20 و50 الف ليرة وهي لكل الناس بكافة المستويات الاجتماعية والمادية، فأنا حريص ان يكون الجميع في مسرحي الشعبي مع افتخاري بكلمة <شعبي>.