تفاصيل الخبر

الفنانة التشكيلية ليديا معوض: إذا لم أرسم أكون ميتة!

08/02/2019
الفنانة التشكيلية ليديا معوض: إذا لم أرسم أكون ميتة!

الفنانة التشكيلية ليديا معوض: إذا لم أرسم أكون ميتة!

بقلم وردية بطرس

 

وُلدت ليديا معوض لتكون رسامة، فالرسم يجري في عروقها منذ صغرها، اذ ترعرعت في كنف عائلة تحب الفن، فوالدتها هي الفنانة التشكيلية الكلاسيكية نها عكاوي ابنة خبير المجوهرات حليم عكاوي (كانت تربطه علاقات مع الملك بن عبد العزيز والرئيس الأميركي <روزفلت> ولا تزال أعماله موجودة في متحف <نيويورك>)... بعدما أنهت ليديا معوض دراسة الفنون في جامعة الروح القدس- الكسليك، أصبحت فنانة تشكيلية ومدرّسة فنون معروفة، اذ عملت لفترة ست سنوات في تصميم الفواصل الاعلانية في محطة <ال بي سي>، كما زاولت التعليم كأستاذة للفنون والرسم، ولقد خاضت تجربة مع منظمة <اليونيسيف> وذلك من خلال مساهمتها في كتاب عن حقوق الأطفال وآخر عن أهمية النظافة، كما استعان بها <المركز الوطني للبحوث والانماء> اذ نُشرت رسوماتها في كتب المناهج المدرسية الجديدة. وتقضي الفنانة ليديا وقتاً طويلاً في محترفها اذ تعتبر ان الابداع لا ينفصل عن التأمل وان مخاض اللوحة وولادتها يقتضيان الاتحاد بين الواقع والحلم، بين الجسد والروح، بين الوعي واللاوعي.

<هي سيدة المعارض> هكذا قال عنها الفنان وجيه نحلة عندما سُئل في برنامج اذاعي عن رأيه بالفنانة ليديا معوض، وكان قد تحدث عنها في مقابلات عديدة بأنها الأكثر حضوراً، كما ان الصحافي والمثقف الدكتور محمد دكروب قال لها <ان التاريخ سيتحدث عنك>، وعندما قالت له <هذا كثير علّي> أجابها: اردت ان اقولها لك لكي تتذكري بعد مماتي انني كنت محقاً بذلك.

لقد جابت أعمال ليديا معوض الفنية المعارض الفنية المحلية والعربية والدولية (طوكيو، فلورانس، النمسا، برلين، باريس، ميلانو، جدة، الكويت، قطر، عمان، هونغ كونغ، نيويورك وغيرها)... وبالرغم من اصابتها بالمرض استطاعت ان تنتصر عليه بكل قوة وعزيمة، اذ كل مرة كانت تفكر بأنها لن تقدر ان ترسم كانت تدخل الى محترفها وترسم أكثر، فهي رأت الجانب الايجابي من الموضوع اذ خلال مرحلة العلاج كان عليها ان تترك عملها كمدرّسة في المدرسة الفرنسية في نهر ابراهيم لتلقي العلاج وأخذ قسط من الراحة، فتفرغّت كلياً للرسم وبعدما شفيت تماماً شاركت في معارض عالمية.

<الأفكار> زارت محترف الفنانة ليديا معوض الموجود داخل منزلها في جبيل، واستمتعت بمشاهدة لوحاتها الجميلة والمميزة التي لا يُمّل من النظر اليها والتمعّن بطريقة رسمها والألوان التي تمزجها في لوحاتها. ونبدأ حوارنا بالعودة الى الماضي ونشأتها في كنف عائلة تحب الفن وتقول:

- لقد ولدت في بيت محب للفن، فالفن يجري في عروق والدتي اذ منذ صغري كنت أراها ترسم، وكل ما كانت تجنيه من المعارض كانت تقدّمه لجمعيات الأيتام. وكان والدي قد احتفظ بكل الرسومات التي رسمتها في مرحلة الطفولة، ومنذ صغري كنت أرسم اصدقاء اخوتي والجيران وكل شخص اراه. لقد اختار اخوتي اختصاصات مختلفة، اذ تخصص اخي في الهندسة في الجامعة الاميركية، واختي نالت الدكتوراة في علم النفس من جامعة <سوربون> واختي الأخرى درست الرياضيات... اما انا فأردت ان ادرس الرسم، ولكن والدي قال لي بأن هذه ليست مهنة بل هي هواية وعلي ان ابحث عن اختصاص آخر، اذ كان والدي استاذ رياضيات وقام بتركيبة معينة في مجال الرياضيات فنال بسببها استحقاقات وتلقى دعوة الى باريس ليقدموا له الجنسية الفرنسية. أما أنا فقد كنت أشاهد جدي لأمي كيف يحفر واتعلّم منه، فعائلة والدتي تحب الفن، وان أقارب والدتي من عائلة بدران قاموا برسم الايقونات في كنائس الروم الارثوذكس.

الشغف بالرسم!

وعن شغفها بالرسم ودراستها تقول:

- كنت أشعر بالسعادة ما ان التقط الريشة وأبدأ بالرسم، وأردت ان ادرس الرسم في الجامعة اللبنانية، ولكن  والدي أراد ان ادرس اختصاصاً آخر لأن الفن برأيه ليس مهنة، ففكرت أن أدرس الطب لأنني كنت متفوقة بالمواد العلمية، وهكذا التحقت بالجامعة لأدرس الطب، وفي السنة الأولى الجامعية وجدت ان فيها الكثير من الدرس، مع العلم انني نجحت في أول امتحان، ولكن قبل الامتحان الثاني تعرضت لحادث فأصيبت ركبتي وبقيت ستة أشهر في البيت، وعندما أعلمتني الجامعة بأن علي ان اعيد السنة لأنني لم اخضع للامتحان الثاني والثالث، وكنت متضايقة لأنني اريد ان ارسم وأرسم... عندئذٍ قررت ان أدرس الهندسة الداخلية لأنها مهنة وفي الوقت نفسه سأرسم، وبالفعل التحقت بجامعة الروح القدس - الكسليك، وانقسمت دراستي الى قسمين: هندســـــــة داخليـــــــــة و< Art Graphic and Publicity> وبعدما تخرجت، عملت في محطة الـ<ال بي سي> لمدة ست سنوات في تصميم الفواصــــل الاعلانيـــــة في المحطــــــة، فلقــــــــد اختارتني الـ<ال بي سي> لكي ارسم ضمن برنامج <كيف وليش> لمدة سنتين، اذ رسمت لأكثر من 200 حلقة.

 وعن تشجيع ودعم شقيقتها لها باقتناء لوحاتها تقول:

- اول شخص شجعني واشترى مني اللوحات هي شقيقتي نيللي مراد، اذ انها تحب الرسم كثيراً. ففي الفترة الأولى كنت اقدم لوحاتي كتقدمة، وعندما قررت ان ابيع، قالت شقيقتي أنها ستشتري اللوحات مني. وبدأت بالحفر والزخرفات وبإدخال الأحرف القديمة، وشيئاً فشيئاً لمست بأن الناس ترغب باقتناء لوحاتي، الى ان عُرض علي ان اعرض لوحاتي في معرض وبالفعل قمت بذلك.

ــ نُشرت رسوماتك في كتب المناهج المدرسية وذلك بطلب من <المركز الوطني للبحوث والانماء>، فماذا عن هذه التجربة المميزة؟

- عندما كنت اعمل في محطة الـ<ال بي سي>، أعجب <المركز التربوي للبحوث والانماء> بالرسومات التي كنت ارسمها، اذ كان يتم التحضير للمناهج الجديدة فطلب مني المركز بأن أرسم شخصية صبي يُدعى <كريم> بعمر الست سنوات، وهو ذكي وحذق ومجتهد في الصف، وفي الوقت نفسه شقي ويتكلم كثيراً في الصف، كما طلبوا مني ان ارسم شخصيتين: والد <كريم> وهو يعمل في مصرف، ووالدة <كريم>. كما طلب المركز ان ارسم صفحتين واحدة تظهر هجوم اسرائيل على لبنان، والثانية اعمار لبنان، وخلال اسبوع رسمت <كريم> ووالديه، ورسمت الأم أنيقة ورشيقة والوالد يعمل في مكتبه، ورسمت اعمار لبنان واطفالاً يعملون. وبعدها توجهت الى المركز ودخلت الى قاعة المؤتمرات اذ كان هناك 12 دكتوراً فقدمّت الرسومات، واحدهم قال لي علي ان اغيّر الأم وان ارسمها في المطبخ وهي ترتدي الوزرة، فأجبته بأن مكان المرأة ليس فقط في المطبخ بل هي امرأة عاملة ومربية، وقلت له انني ام واهتم بأولادي وأعمل في الوقت نفسه، عندئذٍ قالوا فلنصوّت لنرى من يريد ان تظهر الأم بالشكل الحسن والانيق ومن يريدها ان تظهر وهي مرتدية الوزرة في المطبخ، واذ بالجميع يصوّت لصالح صورة الأم الانيقة، وهكذا وقعّت عقد العمل مع <المركز التربوي> اذ رسمت لأربعة او خمسة كتب أصدرها المركز آنذاك ولا ازال احتفظ بتلك الكتب، ثم طلبت مني <اليونيسيف> ان ارسم لكتابين واحد عن حقوق الطفل، وآخر عن أهمية النظافة.

 

اولى اللوحات عن المرأة

 

ــ حدثيّنا عن أول معرض شاركت به واية مواضيع اخترتها لترسميها وتعبّري عنها في لوحاتك ولماذا؟

- أذكر ان الفنان التشكيلي <أندريه كالفيان> زارني، وعندما سألني اين أعرض لوحاتي، أجبته بأنني لم اعرض لوحاتي بعد، عندئذٍ قال: عليك ان تعرضيها، وأعلمني آنذاك أنه سيُقام معرض يشارك فيه الفنان شكر الله فتوح والفنانة كارين كوماتي، وطلب مني ان اشارك فيه، وبالفعل شاركت في المعرض في العام 2003 وذلك للمرة الأولى في لبنان لأن أول معرض شاركت فيه كان في باريس بدعوة من <غاليري شاهين>، وهكذا أصبحت اشارك سنوياً في معرض <Art Fair> في <البيال>.

وتتابع:

- أول المواضيع التي اخترتها لأرسمها كانت عن المرأة، اذ كنت دائماً أرسم المرأة بشكل ان رأسها غير ملتصق بجسمها، لقد أظهرت المرأة أنها كائن موجود بحد ذاتها، وهي ليست مجرد جسد، وفي كل مرة لم اكن أظهر تفاصيل جسد المرأة، اذ كنت ارسمها وهي تدير ظهرها، وكأنني كنت اعرف انني سأصاب بسرطان الثدي، اذ اردت من خلال لوحاتي ان اظهر المرأة انها تسير الى الأمام ولا تلتفت الى الوراء، لأنها كائن قوي وستصل الى هدفها لبناء المجتمع. بالنسبة الي فأعتبر المرأة ناجحة لأنها تربي أولادها وتعمل وتتولى المناصب الى ما هنالك في الوقت نفسه.

ــ رأينا في لوحاتك مزيجاً من حضارات قديمة عدة...

- هذا صحيح، فاذا اردنا ان نقول من نحن، علينا ان نعرف ماذا كنا في الماضي، ولنعرف ذلك يجب أن نعود الى الحضارات القديمة التي تعود الى آلاف السنين، وهكذا بدأت ادرس عن الحضارات القديمة، وعدت الى الأحرف الفينيقية، والهيروغليفية، والمايا، وقررت أن أجمع تلك الحضارات لأدمجها مع بعضها البعض لتشكّل حضارة واحدة لأنه بالنهاية نحن حضارة كونية، ورحت ادخل الأحرف مع بعضها البعض الى ان وصلت الى مرحلة اخترعت فيها أحرفاً خاصة بليديا.

 

التغلب على المرض!

ــ وما كان الخط الفاصل في حياتك؟

- الخط الفاصل كان بعد اصابتي بالمرض، اذ ان المرض جعلني ارى الأمور من ناحية أخرى، اذ أُصبت بسرطان الثدي في العام 2012، وخضعت لمدة سنة لعلاجات وعمليات، وكان اول معرض لي بعد الشفاء في العام 2013 في دبي، وخلال مرضي كنت أكتب حيث كتبت خواطر وأشعاراً، ثم قال لي الأطباء انني لن اقدر ان استعمل يدي اليمنى بعد العملية، وخلال المرض لم اقدر ان ارسم لأنني كنت أتألم كثيراً، وكان جسدي هزيلاً اذ مررت بتجربة صعبة، وكنت اشعر انني أموت كل يوم، ولكن قررت ان اتغلّب على الموت من أجل اولادي، وكنت اشعر بتعب شديد بعد تلقي العلاج في الاسبوع الأول، وفي الأسبوع الثاني كنت استعيد القليل من نشاطي، وفي الاسبوع الثالث من تلقي العلاج كنت أدخل الى محترفي داخل منزلي وارسم كثيراً، لأنني قلت انني قد أموت واود ان اترك لأولادي ارثاً، وربما غداً لن اقدر ان ارسم لأنني لن اقدر ان استخدم يدي اليمنى، فقلت علي ان استفيد من يدي اليمنى الى أقصى الحدود، فكنت ارسم بدون توقف، وكنت ارى لوحاتي بشعة مع العلم انها كانت جميلة، وتغيّر نمط رسمي حيث استخدمت الفن التجريدي أكثر، وذات مرة رسمت وجهي بدون ان أدرك ذلك، ورسمت كريات حمراء وكريات بيضاء للدلالة على المرض، وكنت استخدم الأحمر القاني والأسود، وكنت ارسم دوائر كثيراً، وأذكر عندما اعلمني الطبيب بعد العملية انني لن اقدر ان استعمل يدي اليمنى، قلت: اذا لم ارسم يعني انني ميتة ولا اريد ان اموت، فكان الحل من قبل الطبيب ان <يقحط> الى ان يصل الى مكان يعطي نتيجة سلبية فعندئذٍ يتوقف ويرسل العينة الى سويسرا ليتم تشريحها، فاذا وجدوا خلية واحدة ليست سلبية فإننا نجري عملية أخرى لازالة كل شيء، وعندئذٍ فكرت أنه من الأفضل ان نزيل كل شيء ووافقت على العملية ووقعّت عليها، وقال الطبيب انني مريضة ناجحة وسأتغلب على المرض، وبالفعل خضعت للعملية وبعد اسبوعين اتصل بي الطبيب شخصياً وأعلمني انني شُفيت والحمد لله تحسّنت.

وتتوقف عند نقطة ألا وهي:

- أعود بالذاكرة الى نحو 15 سنة، اذ اثناء مشاركتي في معرض في <البيال>، تقدّم نحوي شخص وأبدى اعجابه بلوحاتي في المعرض، وعرّف عن نفسه قائلاً: اسمي <صالح بركات> ولدي غاليري اسمه <أجيال>، وطلب مني بعد انتهاء المعرض ان أحضر أعمالي الفنية الى الغاليري في منطقة الحمراء، ولكن تخيلي انني نسيت الأمر تماماً، اذ كانت لوحتان او ثلاث لوحات قد بقيت لدي من أصل 30 لوحة معروضة في ذلك المعرض. ومنذ حوالى خمس سنوات قالت لي ناقدة فنية ان الفنان صالح بركات يجب ان يرى اعمالك الفنية، وعندئذٍ تذكرته وقلت لها: هل تعلمين انني نسيت الأمر كلياً اذ منذ سنوات طويلة طلب مني ان احضر لوحاتي الى الغاليري الخاص به وللأسف نسيت ذلك.

ــ وماذا عن المعارض الدولية التي شاركت فيها؟

- عندما دُعيت للمشاركة في معرض في فلورنسا في ايطاليا، أُعجب النقاد الايطاليون بلوحاتي وتحدثوا عن روحية اللوحات وعن الألم غير المباشر الموجود فيها، وبالفعل تلك اللوحات كنت قد رسمتها في مرحلة ما بعد المرض والتي كانت مرحلة انتقالية، اذ تحدثوا كثيراً عن الطبقات الموجودة في اللوحات، واختاروا ان تظل لوحاتي مع لوحات لـ 17 فناناً معروضة لسنة كاملة في فلورنسا، كما قاموا بعرضها في غاليريهات عدة ورُشحت أيضاً للجوائز. ووقتذاك تلقيت دعوة للمشاركة في <Tokyo Art Fair> اي انطلاقاً من معرض فلورنسا أصبحت أشارك ضمن المعارض الفنية العالمية. وفي طوكيو أعجبوا بلوحاتي وطلبوا مني ان اترك المجموعة كلها في الغاليري. واليوم يتم التحضير لاقامة معرض كبير لي في اليابان، وكذلك أتحضر للذهاب الى <هونغ كونغ>، إذ بعد <Tokyo Art Fair & Europe Art Fair> جالت لوحاتي في العديد من المدن والعواصم ومنها امستردام وميلانو وفلورنسا واليابان وهونغ كونغ وبرلين ونيويورك، وقد تلقيت دعوة للمشاركة في < Affordable Art Fair> الذي سيُقام في <ملبورن> في ايلول (سبتمبر) المقبل.

وأضافت:

- وفي لبنان كل سنة اشارك في معرض <البيال> و<زيتونة باي> و<فاريا انتركونتيننتال>، ولغاية اليوم ليس لدي غاليري، اذ يتعرف الناس على لوحاتي في المعارض إذ ان الزبائن يأتون الي من خلال المعارض التي اشارك فيها. وهناك غاليري مهم بدأ يتواصل معي يهمه الا يكون عندي اعمال في غاليري آخر، اذ انه غاليري جديد سيكون مركزه في لبنان. وفي الخارج لدي لوحات معروضة في غاليريهات مثلاً في السعودية واليابان، وفي <هونغ كونغ> سأشارك للمرة الخامسة في معرض هناك.

وختمت قائلة:

- على كل انسان ان يبحث عن شغفه، وقد يجده في الموسيقى او الشعر او التأمل او اي أمر آخر، فأي انسان عليه ان يبحث عما يبعث له السعادة وما يناسبه وليس ما يناسب الآخرين، وبمجرد ان يقوم بما يسعده فإنه سيبدع وهنا سيجد السعادة، لأنه سيجد ما يحبه ويتقنه ويمنحه وقته وسيكون سعيداً وهو يقوم بذلك.