تفاصيل الخبر

الفنـــان البصــري أمـيــــن سماقيـــة: الـضـــوء والتكنولوجيـــا فـي خدمـــة العــروض الفـريـــدة والـتجهـيــــزات الخلاقــــة!

03/05/2019
الفنـــان البصــري أمـيــــن سماقيـــة: الـضـــوء والتكنولوجيـــا فـي خدمـــة العــروض الفـريـــدة والـتجهـيــــزات الخلاقــــة!

الفنـــان البصــري أمـيــــن سماقيـــة: الـضـــوء والتكنولوجيـــا فـي خدمـــة العــروض الفـريـــدة والـتجهـيــــزات الخلاقــــة!

 

بقلم عبير انطون

في الرابع من حزيران/ يونيو من العام 2015 احتفلت بيروت بافتتاح <اوبرا غاليري> واحدة من اجمل صالات العرض الفني عند شارع فوش وسط العاصمة، لتنضم بذلك الى اخواتها الاثنتي عشرة من حول العالم بعد ان تأسست في العام 1994 في باريس من قبل <جيل ديان>. تقدم الغاليري البيروتية الاعمال الفنية من ضمن مواصفات عرض تقنية وسينوغرافيا رفيعة المستوى تتغير بحسب الاختيارات التي تعرض لها، وبأساليب عالمية. الغاليري التي وضعت على برنامجها عروضا لكبار الفنانين من حول العالم بدءا من <بيكاسو> الى <شاغال>، <برنار بوفيه>، <هنري ماتيس>، <لوشيو فونتان> و<اندي وارهول>، تقدّم في صالتها اللبنانية اليوم معرضها الحالي تحت عنوان <على سبيل الوهم> <As a Matter Of Illusion> الاسماء جميعها من <تريسي ايمين>، الى <فريد ايرديكنس>، <نك جانتري>، <ايمانويل ريبوجار>، <غريغوري امفي>، وغيرهم تسترعي الانتباه بما تقدمه من لوحات وتجهيزات فريدة نوعا ما، بعيدة عن الفن الذي اعتدنا عليه. اليها، ينضم اللبناني أمين سماقية، الفنان البصري الرقمي، مطوّعا التكنولوجيا لرؤيته الخاصة ومستخدما تقنيات ضوئية ومؤثرات تجعل عمله مميزا، وكانت <ليلة المتاحف> في بيروت مؤخرا التي حملت توقيعه دليلا بارزا على ريادته.

 فما الجديد الذي حمله سماقية الى عالم باتت اوصاله رقمية كلها، ماذا يقول لنا من خلال تجهيزاته واعماله في المعرض الذي يستمر حتى 12 أيار/ مايو المقبل، ومن اين كانت بداياته؟

من التخصص في ادارة الاعمال الى عالم الفن بتفرعاته كانت مسيرة امين سماقية. وعن البدايات في لندن والخطوات الجريئة التي اتخذها تحدث لـ<الأفكار>:

 - بعد تخرجي من الجامعة في لندن، عملت في مجال الترويج للبرامج التلفزيونية واطلاق المحطات المختلفة، وكنت نشأت في هذا الجو من خلال عمل والدي في بيع وتوزيع البرامج لمحطات لبنانية وخليجية. شاركت في اطلاق اكثر من محطة وقناة الى ان قررت في صيف العام 2008 الاستقالة من <ام بي سي> بعد ان كنت فزت في الاعوام الثلاثة الاخيرة فيها بثلاث عشرة جائزة عالمية ومحلية. قررت ان اؤسس عملي الخاص من خلال <بلان أ> شركتي في لبنان.

ــ هل كانت مغامرة منك، نسأل امين؟

- ربما... يقول، الا انني غير نادم عليها. ففي <ام بي سي> ربما كان زاد راتبي من دون ان اتقدم عمليا. وفي العام 2008 عرفت دبي ما سمّي بالـ<فاينانشال كراش> او الانهيار المالي وكان مخططي العملي حينئذٍ مبنيا على التعاون مع الشركات الكبيرة فيها، فاضطررت الى ان اغير برنامجي وانتقلت الى لبنان حيث انا اليوم <سورفايفور> كما جميع اهله اليوم.

وأضاف:

- مع عودتي الى البلد انفتحتُ من خلال الشركة على نواح جديدة أبرزها عالم الـ<انيميشن> والخرائط والصور الثلاثية الابعاد ووظفت مواهب مهمة تتخرج من اهم الجامعات اللبنانية في المجال كمثل الالبا وجامعة سيدة اللويزة، علما اننا نفتقد في لبنان كما في كل انحاء العالم الى جامعة تدرّس المادة بشكل أكاديمي مفصّل، ويرد في خاطري نقل تجربتي في الفنون البصرية لاحقا الى الجيل الجديد عبر اكاديمية اؤسسها ربما، لانني أشعر بانها وجهة المستقبل.

بيروت تحتضن...!

وعما اذا لاقت الشركة قبولا سريعا في السوق اللبناني قال امين:

- بدأت العمل في لبنان مع محطات مثل <روتانا>، <ام بي سي>، <اي ار تي> و<رؤية تي في> في الاردن... ومع انفتاحي على خبرات ومشاريع جديدة كان التعاون في العام 2012 مع الناديين الليليين <سكاي بار> ومن بعده <ذي وان> حيث استلمنا كل ما يتعلق بالـ<انيميشن> وقد حققا نجاحا لافتا، كما اشتغلنا مع سينمات <اسواق بيروت> وشاشاتها أيضا... تركيزنا اليوم هو على مضمون الانتاج <كونتانت بروداكشن> لأي مشروع او حدث نطلقه فنوظف له كل ما يتطلبه هذا العالم المبهر من <شاشات ليد> الى <الخرائط الثلاثية الابعاد> <Three D Maping> الى الـ<هولوغرام> (الصور الثلاثية الابعاد) وكل ما يتعلّق بالواقع المعزّز او الافتراضي <Augmented Or Virtual Reality> لنعطي أي حدث الاطلاق الافضل له، ونحن نتطور جيدا في هذا المجال. ولا يمكن ان انسى في العام 2017 عملنا على <وي دريم ليبانون> العرض السمعي البصري الذي شكل اول عمل فني لنا واول تجربة مع الوسائط المتعددة <Multiple Media> من اضاءة وليزر وخرائط وصور ثلاثية الابعاد وغيرها من المعدات المستخدمة برفقة اداء حي للفنانين ما شكل تجربة رائعة من قلب بيروت. هذا العمل فتح لنا الباب لاحتفالات اكبر وصولا الى <ليلة المتاحف> لهذا العام من خلال الحدث السنوي الذي تنظمه وزارة الثقافة. كان العرض الضوئي مبهرا على واجهة المتحف الوطني مع الخرائط الثلاثية الابعاد والمؤثرات الخاصة ما شكل متعة ليس للعين والاذن فقط انما لي شخصيا اذ شعرت بحيوية كبيرة في مراحل انجازه، فقد جعلناه

مختلفا عن كل السنوات السابقة، وقد شكّل ادخال <الهولوغرام> الى وسط المتحف مفاجأة كبيرة وكأنه اتى من اللامكان. كذلك كان لإدخال عنصر القصة والمستوحاة من الفيلم الشهير <ليلة في المتحف> <Night At The Museum> وقع جيد، اذ جعلناها قصة انسان لبناني يعود الى الماضي وينتقل للمستقبل ويحط في الحاضر أيضا. العمل الذي استغرق اعداده اقل من ثلاثة أسابيع شكل منعطفا مهماً للشركة التي تختبر سنة بعد سنة قدراتها، والتي تتجه اليوم بشكل خاص الى عالم الاعراس حيث ينتظرها عرس كبير في احدى الدول الأوروبية مع اختيار العروسين احد القصور التاريخية فيها ليكون العرض الضوئي فيه، فضلا عن زفاف في قطر بعد مشروع من نوع آخر في السعودية...

عين على <المونديال>...!

لا ينكر أمين انعكاس الوضع الاقتصادي المتردي الحالي على العمل، من هنا ليس الاتكال فقط على السوق اللبناني، وان كان رفع الراية اللبنانية عالميا هو هدف اساسي له:

- ننجز مشاريع للسعودية وقطر والاردن والمغرب وقد اشتغلنا أكثر من مشروع في تركيا ونحاول ان نتوسع نحو أوروبا ايضا، وفي ذهننا ابراز قدرة الشركات والمواهب اللبنانية على الابداع، اذ هناك فكرة مسبقة في العالم العربي خاصة، بأن الاجانب اكثر حرفية او ابداعا وهذا ليس صحيحا. كذلك فنحن منفتحون على طلبات الزبائن والتغييرات التي ينشدونها ولو في آخر لحظة اذ اننا نفهم بيئتنا ونحن معتادون عليها.

المنافسة موجودة طبعا يقول سماقية لكن الشركات في هذا المجال تتجه كل واحدة منها لمجال معين، فمنها تتجه للمهرجانات والاحتفالات الفنية، واخرى للاحتفالات الكبرى عامة او خاصة، واخرى تتوجه للاعراس او اطلاق الماركات. ولا يخفي سماقية نيته بالسعي الى احداث كبرى كـ<مونديال> الكرة العالمي المرتقب في قطر مثلا...

وهم...؟!

 يفضل أمين الفصل ما بين الشق التجاري في عمله والشق الفني في حياته مع معرفته المسبقة بان نجاح الأول يؤثر على الثاني ويتكاملان.

في معرض <على سبيل الوهم> <As a Matter Of Illusion> الذي قصدناه لاجله، يقدم عرضا عن الضوء والتكنولوجيا من خلال اعمال فنية تجريبية ابداعية. يدعونا أمين للتجربة الحية في الغرفة المظلمة في الطبقة السفلى من المعرض:

<انها <سرعة الحياة> هنا، هو تجهيز تفاعلي عن سرعة الحياة والضغط الذي تولده.

على الجدار امامنا نقرأ سيلا من الكلمات التي تنطق بها حياتنا المعاصرة على منوال: ضغط... سرعة... تعب... ركض... الخ في <بروجكشين> على الحائط، وسط ألوان لها رمزيتها. واذا وقفنا عند نقطة الوسط ما بين الجدار والآلة التي تبث الكلمات واتخذت لنا صورة من الخلف، فإننا نجد الكلمات وكأنها تخرج منا او كأننا نعيش في وسطها. اما عن اليمين فتبرز بالضوء عند الجدار كلمة <ستوب ذات> او <اوقف ذلك>... وينهي أمين:

- نحن نحاول ان نلحق بالحياة وبسرعتها خاصة في لبنان وعلينا ان نأخذ نفَسنا أحيانا.

 هذا التجهيز التفاعلي يدعو امين الزائرين الى تصوير أنفسهم وسطه ومشاركته مع الاصدقاء عبر وسائط التواصل الاجتماعي لتنتشر الفكرة. وقد نجح فعلا في جعل فنه تفاعليا حتى خارج المكان والزمان للمعرض.

<جيلـــــي غـــيرل>

... ومـــرايــــــا!

 تخرج من الغرفة، فتتوقف لترى نفسك عند مرآة قبالتك مستعدا لطلوع الدرج فيستوقفك ما هو غريب. وهنا يشرح امين:

 - هي في الاساس صورة لسيدة. انها الـ<جيلي غيرل> سيدة جميلة نصف وجهها كالهلال فيما باقي الجسم اسود. خلفها <جيلي فيش> تسبح من دون ان تلامسها. ومن فترة لاخرى تختفي الصورة تماما لتعود المرآة لوجهتها الحقيقية في الاستخدام. عدة وظائف اذاً. هي مرآة مرة، لوحة لسيدة مرة اخرى، ولوحة رقمية ذكية في الوقت عينه اذ انها تضيء في النهار لتنطفئ لوحدها في الليل في نظام اوتوماتيكي مستقل تماما.

 ونصعد مع أمين الى الطابق الاعلى في الغاليري المؤلفة من طبقات ثلاث تطل بمشهد رائع على كنوز أثرية من مدينة بيروت وكأنها جزء من المكان. تجهيزه هنا هو عبارة عن مرآة خلف مرآة خلف مرآة. هي مرايا صغيرة بأشكال محددة واضاءة مميزة في انعكاسات لامتناهية. بعد ان نتوقف امامها يقول امين:

- هذه الفكرة استوحيتها إثر وفاة الفنان <ديفيد بويي> وانا معجب كبير به. له صورة مطبوعة مشهورة جدا رسم فيها على وجهه الشكل نفسه الذي ترونه هنا للمرايا. استعدتها، واردت لها تأثيرا لامتناهيا. تجدون في المعرض هنــــا اكــــثر مــــن نمـــــوذج عن التأثير اللامتناهي لكننــي لم ارده بالشكـــل المعروف اجمالا، مربعا او دائريا...

 اللاعادي يبحث عنه امين ليتميز. الفن بأدواته التقليدية لا يعنيه جدا مع تقديره التام له: <افكر بكل ما هو متحرك، لا استطيع ان اهتم لما هو جامد>. اما مستقبل <الديجيتال> فهو واسع جدا كما يراه علما ان الفنانين خاصة في الشرق الاوسط ولبنان لم يدخلوه على نطاق واسع بعد. هدفه ان يعرض في خارج لبنان خاصة مع ردود الفعل الايجابية التي تلقاها اعماله في <اوبرا غاليري> البيروتية.

 ويؤكد سماقية ختاما:

- لقد قمت بأبحاث عديدة من قبل ان أبدأ خطوتي لاقف عند ما يحدث عالميا في هذا المجال، فلا اقلد ولا استوحي انما ابدع لتكون اعمالي مميزة في هذا النطاق.