بقلم طوني بشارة
<معاناة كثيرة وخسائر بالجملة ولكننا سنستمر> هذا باختصار واقع أهل الاقتصاد اللبناني. فالقطاع الذي لطالما ارتكز على الخدمات بات للأسف يستحضر من يقدم له الخدمات، وذلك نتيجة للحالة المحرجة التي وصل إليها بسبب الازمتين السياسية والمحلية، والامنية الاقليمية اللتين أسدلتا ستائرهما على القطاعات الاقتصادية كافة، مما جعل الاقتصاد اللبناني يقف امام تحديات كبيرة عائدة لفقدان الثقة بلبنان كمقر اقتصادي اقليمي، وما نتج عنه من تراجع في الاستثمارات الاجنبية، ناهيك عن ازدياد نسبة البطالة خصوصاً بين الشباب وخريجي الجامعات، بعد الاستعانة مباشرة باليد العاملة الاجنبية مما ادى حكماً الى تفاقم المشكلة الاقتصادية، فالضرر حالياً يصيب بشكل مباشر القطاعات الانتاجية كافة.
نظراً لضخامة المشاكل التي عانى منها القطاع الاقتصادي في الآونة الاخيرة، وما نتج عنها من آثار اجتماعية سلبية، بادر تجمع رجال الاعمال ممثلاً برئيسه الدكتور فؤاد زمكحل الى اتخاذ اجراءات بناءة على الصعيدين الداخلي والخارجي تمهيداً لايجاد حل للأزمة الاقتصادية ، اجراءات عدة للاطلاع عليها قابلت <الأفكار> رئيس التجمع الذي أفادنا بأن لبنان يمر حالياً بأزمة تعتبر من أصعب الازمات الاقتصادية، الاجتماعية والامنية، التي شهدها لبنان حتى تاريخه، وذلك عائد لأسباب عدة اهمها:
أ ــ المشاكل الداخلية الناتجة عن السياسة الاقطاعية الموروثة منذ خمسين عاماً.
ب ــ الحروب الاقليمية (اليمن ــ العراق ــ سوريا) مما يجعلنا نعيش في منطقة اشبه بالبركان.
ج ــ بروز ظواهر ارهابية جديدة، كداعش والنصرة التي تهدّد السلم الأهلي في المنطقة ككل.
مما ادى الى اقفال كل النوافذ بوجه الاقتصاد اللبناني، وفي السياق ذاته، لا بد من ذكر تنافس القوى الاقليمية والعالمية في المنطقة وخاصة بلبنان مما جعله اشبه بصندوق بريد لرسائل مباشرة وغير مباشرة.
ــ لكن ألم يشهد لبنان وضعاً اقتصادياً شبيهاً خلال فترة الحرب الاهلية ، 1975 ــ 1990؟
- خلال فترة الحرب الاهلية، الدين العام لم يتجاوز الـ500 مليون دولار أميركي، بينما حالياً الدين تخطى قيمة الـ72 مليار، فالمرحلة الممتدة من 1975 حتى 1990 كانت صعبة أمنياً، ولكنها من الناحية الاقتصادية شهدت بروز شركات عديدة على الصعد الصناعية التجارية والمصرفية كافة، اما بالنسبة للمخاطر السيادية التي عانى منها لبنان منذ 20 سنة تقريباً فهي نفسها التي يعانيها اليوم، ولكن مع فارق اساسي، وهو ان المردود على الاستثمار خلال العشرين سنة الماضية كان يتراوح ما بين 15 و20 بالمئة. اما اليوم وبالرغم من ان لدينا المخاطر السيادية نفسها، فإن المردود على الاستثمار يتراوح ما بين صفر و5 بالمئة، والمعلوم ان المستثمر الاجنبي كما اللبناني يلجأ دائماً الى اراضٍ خصبة بالرغم من المخاطر لكنها ذات مردود اكبر على الإستثمار.
الاستثمارات ذهبت مع الريح
ــ ما الآثار الناجمة عن هذا التراجع؟
- لقد أدى ذلك الى آثار عديدة على الصعد الآتية:
أ ــ ثقة المستهلك والمستثمر، ففي سنة 2010 كانت الثقة توازي 90 نقطة، اما في اواخر عام 2014، فتراجعت الثقة الى 30 نقطة أي تراجع أكثر من 60 بالمئة تقريباً..
ب ــ حجم الاستثمارات الخارجية للبنان: ففي سنة 2010، بلغت قيمة الاستثمارات 4,85 مليار دولار أميركي، اما في اواخر عام 2014 فلم تتجاوز الـ2,6 مليار .
ج ــ حجم دين الشركات لدى المصارف اللبنانية، فللأسف بلغ الدين الخاص مع بداية عام 2015، 55 مليار دولار أي ما يوازي تقريباً 110 بالمئة من الناتج المحلي، مما جعل مديونية الشركات كبيرة، فالضمانات كما السيولة قد استعملوا من قبل القطاع الخاص، وبالتالي خفت السيولة مما جعل إمكانية حدوث التطور أمر صعب لا بل مستحيل، وارتد ذلك سلباً على الاستثمار وبالتالي على عملية التوظيف ، فالبطالة للأسف تعدت نسبة 22 بالمئة، علماً ان 36 بالمئة منها حاصلة لدى جيل الشباب المتخرّجين.
ــ ما هي الاجراءات التي اتخذتموها كتجمع رجال اعمال لحل او منع تفاقم الازمة؟
- في ظل هذا الوضع، يبقى من واجبنا كتجمع مواكبة المشاكل الإقتصادية والإجتماعية، فعلى الصعيد الداخلي اتخذنا اجراءات عديدة لتسهيل السيولة للشركات وهي:
أ ــ قدمنا مشروع قانون يسمح الاسهم التفضيلية للشركات الخاصة.
ب ــ مشروع قانون على الضمانات العينية غير المنقولة (اصول غير ثابتة).
ج ــ كما قدمنا مطالبة لمصرف لبنان ووزارة المالية تقضي بإعطاء قروض مدعومة للأموال التشغيلية للشركات الخاصة.
ــ هذا على الصعيد الداخلي، فما هي الاجراءات التي اتخذت على الصعيد الخارجي؟
- من المؤكد انه من واجبنا تنمية ودعم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتبادل التجاري مع الدول العربية على اعتبار ان ذلك ركن اساسي للاقتصاد اللبناني، ولكن للأسف لاحظنا ان المقاطعة السياسية ــ الامنية من الاخوان العرب كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد اللبناني مما دفعنا الى الانفتاح على قارتين وهما أميركا اللاتينية وافريقيا.
ويتابع زمكحل:
- للأسف يمر لبنان والمنطقة اليوم بركود اقتصادي لا مثيل له، لذا فنحن مجبرون على الانفتاح على اسواق جديدة تمثل بالنسبة إلينا «عوامات خلاص>، فنحن متأثرون بالحروب الدائرة في المنطقة، والتي تنعكس تراجعاً في الاقتصاد ككل وفي التبادل التجاري، وتراجعاً في نسبة الاستثمارات والتوظيف. انطلاقاً من هذا الواقع بات اللبناني في حاجة للتنفّس من مكان معين. لذا كان اتجاهنا للتفكير بأسواق جديدة، واخترنا اسواق اميركا الجنوبية لأنها قارة نامية ونموها يتراوح بين 7 و10 بالمئة، كما انها غنية بالموارد الطبيعية، وفيها طلب متزايد بسبب كثافة السكان. كل هذه المقومات دفعتنا الى التفكير بأن اسواق اميركا اللاتينية هي اسواق مثالية للبنان، خصوصاً وانها ايضاً تلبي قسماً كبيراً من اسواق الولايات المتحدة، فالهدف اليوم هو تمكّن الاقتصاد اللبناني من انتاج قسم كبير من منتجاته أكانت زراعية أو صناعية او تجارية وإدخالها الى هذه البلدان، لذا عقدنا اجتماعاً مع كل سفراء اميركا اللاتينية وعملنا يداً بيد ونجحنا بإدخال لبنان الى سوق <الميركوسور>، رسمياً وقّع الاتفاق مع دول <الميركوسور>، و الهدف من توقيع الاتفاق هو زيادة التصدير الى هذه البلدان بأضعاف، و علينا دور كقطاع خاص لمواكبة الشركات ومساعدتها كي تتمكن من الالتزام بالمعايير الدولية المطلوبة للدخول في هذه البلدان.
ويستطرد زمكحل:
- ان دخولنا الى السوق الحرة ادى الى الغاء الضرائب على السلع اللبنانية وسهل تبادل الاشخاص والسلع. فعلى سبيل المثال في السابق وبسبب الضرائب المتراكمة كانت السلع اللبنانية المسعرة محلياً بـ10 دولار تدخل الى اميركا اللاتينية بسعر 90 دولار، اما حالياً، فانخفض سعرها الى النصف تقريباً.
وعمّا اذا كانت هناك صعوبات تواجه التصدير البحري الى دول اميركا اللاتينية، على غرار ما يحصل بالنسبة للدول العربية، يقول زمكحل:
- ان قسماً كبيراً من التصدير الى أميركا اللاتينية يتم عبر البحر والقسم الآخر عبر الجو، وهناك حالياً خطوط بحرية مباشرة فاعلة في هذا الاتجاه.
ــ وماذا عن الانفتاح على السوق الافريقي؟
- لا يخفى عن احد ان الجالية اللبنانية في افريقيا تشكل حوالى 30 بالمئة من الناتج المحلي لاقتصاد افريقيا، فخلال زيارتي لافريقيا فوجئت لا بل دهشت بنجاحات اللبناني في افريقيا وبقوته الاقتصادية والصناعية والتجارية. ان لبنان اليوم <مختبر اقتصادي وتجاري وصناعي ومختبر خدمات>، حيث يتم ابتكار الافكار والمفاهيم والمنتجات والعلامات التجارية ويتم انشاء طرق للإدارة، وتجري كل أنواع الاختبارات لمواجهة أسواق أكبر، فلبنان أرض خصبة للإنشاء والإختبار والتحسين وتدريب الموارد البشرية لدينا، لنصدّر في نهاية المطاف معرفتنا ومهاراتنا وأفكارنا ومنتجاتنا وشركاتنا الى جميع أنحاء المنطقة والعالم، خصوصاً نحو الأسواق الكبيرة المحتملة والقارات ذات النمو المهمّ مثل الشرق الاوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
ويستطرد زمكحل:
- لذا لا بد من السعي لبناء اقتصاد إبداعي واقتصاد المعرفة وتصدير أفكارنا وإبداعاتنا ومعرفتنا الى ما وراء حدودنا بعدما كان الاساس هو الاقتصاد التقليدي، مثل السياحة والتصدير والتبادل التجاري مع الدول المجاورة، وكذلك الاستثمارات الاجنبية والمحلية والنمو. و لكن مع الأسف، تلقت ركائز اقتصادنا المذكورة ضربات موجعة على مستويات عدة، ودفعنا ثمن الصراع في سوريا، فقد لبنان الكثير من السياح، وانخفضت نسبة صادراتنا، في حين تؤثر التوترات الإقليمية سلباً على التبادل التجاري مع البلدان المجاورة.
ويتابع زمكحل:
- ولتسهيل الانتقال من الاقتصاد التقليدي الى اقتصاد المعرفة، اجتمعنا مع سفير بريطانيا وسفير المانيا علماً ان هاتين الدولتين تتمتعان باقتصاد معرفة متقدم جداً، وأخذنا منهم نقاط القوة وسبل الانتقال من الاقتصاد التقليدي الى اقتصاد الابتكار والافكار واستعملنا خبرتهم وتجاربهم لاسيما وان هاتين الدولتين قد مرتا بحروب كبرى.
ــ هل اجتماعك مع السفير الروسي <زاسبكين> له أبعاد اقتصادية ام ثقافية؟
- ان اجتماعنا مع السفير الروسي هو بمنزلة اجتماع ثقافة ومحادثات، وذلك بغية ملاحقة التبادل التجاري بيننا وبين روسيا. فمن المعلوم ان السوق الروسي سوق كبير، وهناك طلب لا بأس به على السلع اللبنانية ولكننا نواجه مشكلة المعايير الدولية لبعض السلع، ومهما يكن من امر فمن الضروري الانفتاح على روسيا ، وتمت دعوتنا الى مؤتمر لرجال اعمال روسيين سيقام في الأشهر المقبلة وسيسهل ويساعد رجال الاعمال اللبنانيين على الدخول الى السوق الروسي.
ويستطرد زمكحل:
- خلال لقائي مع السفير ابلغته ان لبنان دفع ولا يزال يدفع ثمن الحرب السورية لاسيما على القطاع الاقتصادي ، ونوهت ايضاً بأن رجوع اللاجئين الى مناطقهم حتى ولو انتهت الحرب أمر صعب للغاية، فالاقتصاد اللبناني غير قادر على التحمل اكثر من طاقته كما لا بد من الاشارة الى ان لا الطرقات ولا المدارس ولا البنى التحتية قادرة على استيعاب 1,5 مليون نازح سوري.
لبنان وسوق إيران
ــ هل هناك أمل للتعاون او الاستفادة اقتصادياً من ايران، لاسيما وانك قد تلقيت دعوة لزيارة ايران؟
- ان رفع العقوبات عن ايران بعد 35 سنة هو بمنزلة فرصة كبيرة لايران ولكل البلدان المجاورة، ومن المؤكد ان هذا الاتفاق سيخفف من حدة التشنج الداخلي في المنطقة وبين الدول، وبالتالي سيساعد ذلك على جذب السيولة الى ايران التي تعتبر مصدراً مهماً للموارد الطبيعية . وبالنسبة لامكانية الاستفادة، لا بد من الاشارة الى اننا في الدرجة الثالثة او الرابعة في التنفيذ، ففي الشق السياسي سيتم اولاً حل مشكلة اليمن وسوريا وحل مشكلة البحرين ومن ثم سيتم حل مشكلة لبنان. اما على الصعيد الاقتصادي، فمن الملاحظ ان الفرص في ايران كبيرة امام رجال الاعمال اللبنانيين، فالمعامل في ايران وبسبب الحصار غير متطورة. الفرصة كبيرة امام اللبنانيين للدخول عن طريق اقتصاد المعرفة بغية ادخال التكنولوجيا وتطويرها.
ويتابع زمكحل:
- أما بالنسبة لموضوع التصدير الى ايران، فالسوق الايراني كبير ولكنه متميز لذا علينا كرجال اعمال الدخول الى السوق الايراني بجذور متطلبات السوق، وبالتأكيد فإن فرص الاقتصاد اللبناني هائلة في السوق الايراني.