تفاصيل الخبر

الــــدولار يـحـكـــــــم الـعـالــــــــم مـالـيــــــــــاً و... سـيـاسـيــــــــــــــاً!  

15/01/2016
الــــدولار يـحـكـــــــم الـعـالــــــــم  مـالـيــــــــــاً و... سـيـاسـيــــــــــــــاً!   

الــــدولار يـحـكـــــــم الـعـالــــــــم مـالـيــــــــــاً و... سـيـاسـيــــــــــــــاً!  

بقلم خالد عوض

janette-yellen  

كل العالم توقع منذ سنوات قليلة أن تشكل مجموعة دول <البريكس>، أي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، عملاقاً اقتصادياً عالمياً قادراً على <خلع> الولايات المتحدة عن عرش الزعامة الأحادية. ماذا حصل لهذا الرهان اليوم؟ يبدو أنه تلاشى تماماً، بل أصبح الكلام في الوقت الراهن: أي دولة بين البرازيل وجنوب أفريقيا وروسيا ستلجأ أولاً إلى صندوق النقد الدولي لإنقاذها من تهاوي ماليتها العامة؟..

اقتصاد البرازيل انهار كلياً وانكمش أكثر من ٤ بالمئة في ٢٠١٥ وخسر الريال البرازيلي أكثر من ٤٠ بالمئة من قيمته أمام الدولار خلال أقل من سنة. الحرب ضد الفساد الداخلي تصاعدت وأصبح من المؤكد أن يستمر الانكماش هذه السنة أيضاً مع كل ما يعني ذلك من خطر البلبلة الداخلية.

دولة جنوب أفريقيا تصارع لتحقيق نموّ يفوق واحد بالمئة، وهو أقل بكثير من المستوى المطلوب لتخفيف أزمتها الاجتماعية المستفحلة. كما أن عملتها <الراند> خسرت أكثر من ٢٥ بالمئة من قيمتها أمام الدولار خلال أقل من سنة.

الكلام عن مشاكل الاقتصاد الروسي يبدأ ولا ينتهي. النمو سلبي في ٢٠١٥ ومتوقع أن يستمر سلبياً في ٢٠١٦ في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية وانهيار أسعار النفط. العجز المتوقع في موازنة سنة ٢٠١٦ يزيد عن ٢١ مليار دولار، هذا على أساس سعر ٤٠ دولاراً لبرميل النفط. <الروبل> الروسي فقد أكثر من ٤٠ بالمئة من قيمته خلال أقل من سنة وهو في طريقه إلى مزيد من التدهور في ٢٠١٦.

حتى الصين تعاني اليوم من نهاية زخم نموّها الذي يشكّك كثيرون في أنه ما زال فوق مستوى ٦ بالمئة، خاصة بعدما خسرت خلال سنة ونصف السنة أكثر من ٦٥٠ مليار دولار من الفائض المالي الذي كان لديها لدعم الطلب الداخلي. وعملتها <اليوان> في اتجاه تنازلي وقد خسرت أكثر من ٣ بالمئة من قيمتها خلال الستة شهور الأخيرة بفعل التخفيض الحكومي.

وحدها الهند استطاعت المحافظة على نموّها واستقطاب الرساميل إليها لتصبح أهم وجهة استثمارية في العالم أمام الصين والولايات المتحدة. ولكن رغم كل ذلك، فقد خسرت العملة الهندية حوالى ١٠ بالمئة من قيمتها أمام الدولار في أول ستة شهور من ٢٠١٥ قبل أن تستقرّ مؤخراً. <البريكس> إذاً في خبر كان، والاعتقاد أن سلطة <الإمبراطورية المالية الأميركية> ستضعف لم يعد في محله.

في خطابه الأخير أمام الكونغرس منذ أيام، عدد الرئيس الأميركي <باراك اوباما> انجازاته، وأهمها النهوض الاقتصادي، وتأمين الرعاية الطبية لـ18 مليون أميركي إضافي، ووقف البرنامج النووي الإيراني. ولكن الإنجاز الحقيقي الذي لم يذكره هو القضاء على المنافسة العالمية والخطر الإستراتيجي الجيو - اقتصادي الذي كانت دول <البريكس> تشكله.

صحيح أن الولايات المتحدة تنوء تحت دين يناهز ١٩ ألف مليار دولار، أي حوالى ١٠٤ بالمئة من الناتج المحلي، وعجز سنوي يزيد عن ٤٠٠ مليار دولار، ولكنها لا تزال القوة الاقتصادية العظمى في العالم. ويبدو riad-salamehانها ستستمر كذلك لسنوات طويلة رغم الصعود الاقتصادي للتنين الصيني ورغم احتمال وقوع أزمة عالمية جديدة تهددها وتهدد العالم كله في السنتين المقبلتين.

ماذا يعني كل ذلك؟ الكلمة اليوم هي للدولار، العملة الأولى في العالم. واستطرادا فإن قرارات البنك المركزي الأميركي في ما يختص الفوائد على الدولار لا تحدد اتجاه الأسواق المالية الأميركية فحسب، بل ترسم الاتجاه الاقتصــــــادي لكل دول العالم. فمعظمهــــــا إما ربط عملتـــــه بالدولار أو راكم ديونه العامــــة أو فوائضـــــه الماليـــــــة بالعملــــــة الخضراء.

ومع كل رفع للفائدة على الدولار ستضطر دول عديدة، ومنها الدول العربية من الخليج إلى المحيط، إلى تكييف سياستها المالية لتتعايش مع هذا المتغير الجديد. السيولة ستتجه أكثر وأكثر إلى الولايات المتحدة، والدولار يمكن أن يزداد قوة بفعل ذلك وبسبب ضعف الفرص الاستثمارية الأخرى في الدول الناشئة. كل هذا يمكن أن يفيد لبنان إذا استطاع قطاعه المصرفي الصمود أمام الهجمة المالية على حزب الله. فهذا القطاع لا زال موضع ثقة للرساميل العربية التي يمكن أن تتجه إليه بدل التوجه إلى الولايات المتحدة أو سويسرا. كما أن ربط الليرة بالدولار يعني تخفيضا في فاتورة الاستيراد وبالتالي لجما للتضخم، وهذا مُفترض أن يساعد في تحفيز الاقتصاد، ناهيك عن هبوط فاتورة استيراد النفط إلى أقل من ثلث مستواها قبل سنتين.

كل المؤشرات، العالمية والإقليمية، تؤكد أن لبنان سيكون وجهة استثمارية جذابة متى تأمن الاستقرار السياسي. المشكلة أننا من جهة ربطنا ليرتنا بالدولار وهذه فرصة مالية اليوم، ومن جهة أخرى ربطنا اقتصادنا بسياسة المحاور الإقليمية، وهذه مصيبة كبيرة سياسياً واقتصادياً وتكلف البلد مليارات الدولارات سنوياً.