تفاصيل الخبر

الدول العربية تحتاج للجامعة لأنها لا تزال أضعف من الدخول منفردة الى عرين السياسة الدولية!

13/03/2015
الدول العربية تحتاج للجامعة لأنها لا تزال أضعف من الدخول منفردة الى عرين السياسة الدولية!

الدول العربية تحتاج للجامعة لأنها لا تزال أضعف من الدخول منفردة الى عرين السياسة الدولية!

بقلم صبحي منذر ياغي

جاء تأسيس جامعة الدول العربية في 22 آذار/ مارس 1945 محصلة لتفاعل عدة عوامل من بينها الآمال والطموحات القومية العربية التي ظهرت44 منذ بداية هذا القرن وتعمقت جذورها بينأبناءالشعب العربي والتطورات السياسية الإقليمية بعد الحرب العالمية الأولى، وبخاصة تزايد الهجرة اليهودية لفلسطين بعد صدور <وعد بلفور> عام 1917، وكذلك السياستين الفرنسية والبريطانية لاقتسام مناطق النفوذ والسيطرة على العالم العربي وكان تأسيس الجامعة نتيجة الآراء والمواقف التي أطلقها المفكرون العرب لبعث الأمة من رقادها. وتعتبر أوساط عربية انه بالرغم من كل العثرات والمطبات التي اصطدمت بها الجامعة العربية خلال مراحل نشوئها وعملها، تظل <بيت العرب> وتظل الآمال متجهة نحو الدور الذي ستلعبه هذه الجامعة في إطار ترسيخ التعاون العربي، وفي رسم معالم المستقبل المشرق للدول العربية.

عندما تأسست الجامعة العربية في الثاني والعشرين من آذار/ مارس 1945، كانت طموحات بعضهم أن تسجل هذه الجامعة خطوة أولى على طريق «الوحدة العربية الشاملة». فقد رزح العرب تحت النير العثماني لمدة أربعة قرون، ثم كانت مرحلة الاستعمار البريطاني والفرنسي، والتي خضعت لها الشعوب العربية رغم قتالها الى جانب الحلفاء ضد العثمانيين، وهذا ما عبّر عنه الشاعر اللبناني بشارة الخوري (الأخطل الصغير) عندما قال: <كنا من الحلفاء، فلما تحقق النصر صرنا بين الغنائم>. وكان اندلاع الثورات في أنحاء العالم العربي ضد المستعمرين نتيجة بلورة فكرة الوحدة العربية في العصر الحديث مع بلورة الأفكار القومية التي بدأ يطلقها عدد من المفكرين العرب، وفي طليعتهم عدد من المفكرين اللبنانيين. ومع تنامي التيار الداعي الى الوحدة العربية مع بداية الحرب العالمية الثانية، عملت بريطانيا على استغلال هذا التيار وجعله يصب في خدمة مصالحها، فانطلقت تدعو الى اتحاد بين الدول العربية.

مراحل ما قبل التأسيس

11يشرح الدكتور محمد المجذوب المرحلة التي سبقت ولادة الجامعة بقوله: «في 29 آيار/ مايو 1941 وقف «انطوني ايدن»، وزير خارجية بريطانيا، في مجلس العموم وأدلى بتصريح قال فيه: «لبريطانيا تقاليد طويلة من الصداقة مع العرب، وهي صداقة قد أثبتتها الأعمال وليست الأقوال وحدها، ولنا بين العرب عدد لا يحصى ممن يرجون لنا الخير، كما لهم هنا الكثير من الأصدقاء.. ان العالم العربي خطا خطوات واسعة بعد الحرب العالمية الأولى في طريق الاستقرار السياسي والتقارب القومي، وكثيرون من مفكري العرب يريدون السير خطوات أخرى في سبيل الاتحاد، والعرب يتطلعون الى نيل تأييدنا في مساعيهم نحو الهدف ولا ينبغي أن ندع هذا النداء من دون جواب. ويبدو لي أن توثيق العلاقات الاقتصادية والثقافية وكذلك السياسية في ما بينهم هو مطلب طبيعي لهم فيه كل الحق، وحكومة صاحب الجلالة من ناحيتها ستدعم كل مشروع او خطة يتفقون عليها للوصول الى هذا الهدف>. وبعد عام تقريباً من خطاب «ايدن»، دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس كلاً من رئيس الوزراء السوري جميل مردم بك ورئيس الكتلة الدستورية اللبنانية بشارة الخوري للتباحث معهما في القاهرة حول فكرة «إقامة جامعة عربية لتوثيق العرى بين البلدان العربية المنضمّة لها». وشهدت الفترة الواقعة بين عامي 1942 و1944 لقاءات واجتماعات ومؤتمرات عدة دعت الى قيام اتحاد عربي، والتنسيق بين الدول العربية. وفي أيلول/ سبتمبر 1943، بدأت المشاورات الثنائية بين مصر وكل من الأردن والعراق وسوريا، وصدرت تصريحات ووجهات نظر كثيرة من كل من نوري 66السعيد من العراق وتوفيق أبو الهدى من الأردن وسعد الله الجابري من سوريا ويوسف ياسين من السعودية ورياض الصلح من لبنان، ووفد اليمن. ثم كان الاجتماع التحضيري الذي انعقد في الاسكندرية في 25 أيلول (سبتمبر) 1944، وشهد تقديم اقتراحات من بينها إقامة الوحدة العربية، والاتحاد الفيديرالي، وإنشاء جامعة تضم الدول العربية المستقلة. وبعد نقاشات مطولة جرى الاتفاق على إنشاء الجامعة العربية، ووضع الأسس التي يجب أن تقوم عليها، وعرف هذا الاتفاق باسم <بروتوكول الاسكندرية>.

بروتوكول الاسكندرية

كان من الممكن أن يكون اسم الجامعة العربية «التحالف العربي» كما اقترحت سوريا، أو «الجامعة العربية» كما كان يريد العراق والوفد المصري، إلا أن اسم «جامعة الدول العربية» اقتبس من المشروع اللبناني. ويقول أحمد الشقيري: «ان الوفد اللبناني حرصاً منه على توكيد الصفة الدولية للجامعة اختار تلك التسمية (جامعة الدول العربية)، وانطلاقاً من ذلك راح الميثاق يردد لفظة «الدول العربية»... ولم يرد في أي مادة من مواد الميثاق تعبير «الأمة العربية». ونص «بروتوكول الاسكندرية» على المبادئ الآتية: ـ قيام جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة التي تقبل الانضمام إليها، ويكون لها مجلس تمثل فيه الدول المشتركة في الجامعة على قدم المساواة. ــ مهمة مجلس الجامعة: مراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الأعضاء في ما بينها من اتفاقات وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها والتنسيق بين خططها السياسية تحقيقاً للتعاون في ما بينها وصون استقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل السياسية الممكنة، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية. ــ قرارات المجلس ملزمة لمن يقبلها، فيما عدا الأحوال التي يقع فيها خلاف بين دولتين من أعضاء الجامعة ويلجأ الطرفان إلى المجلس لفض النزاع بينهما. ففي هذه 77الأحوال، تكون قرارات المجلس ملزمة ونافذة. ــ لا يجوز اللجوء إلى القوة لفض النزاعات بين دولتين من دول الجامعة، كما لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أي دولة من دولها. ــ يجوز لكل دولة من الدول الأعضاء في الجامعة أن تعقد مع دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها اتفاقات خاصة، لا تتعارض مع نصوص هذه الأحكام وروحها. ــ وأخيراً الاعتراف بسيادة واستقلال الدول المنضمة إلى الجامعة بحدودها القائمة فعلاً. كما اشتمل البروتوكول على قرار خاص بضرورة احترام استقلال لبنان وسيادته، وعلى قرار آخر باعتبار فلسطين ركناً مهماً من أركان البلاد العربية وحقوق العرب فيها لا يمكن المساس بها من غير إضرار بالسلم والاستقلال في العالم العربي، ويجب على الدول العربية تأييد قضية عرب فلسطين بالعمل على تحقيق أمانيهم المشروعة وصون حقوقهم العادلة. كان «بروتوكول الإسكندرية» الوثيقة الرئيسية التي وضع على أساسها ميثاق جامعة الدول العربية. وبعد اكتمال مشروع الميثاق كنتاج لستة عشر اجتماعاً انعقدت في مقر وزارة الخارجية المصرية بين 17 شباط/ فبراير و3 آذار/ مارس 1945، أقر الميثاق بقصر «الزعفران» في القاهرة في 19 آذار/ مارس 1945، بعد إدخال بعض التنقيحات عليه.

ميثاق الجامعة

تألف ميثاق الجامعة من ديباجة وعشرين مادة، وثلاثة ملاحق خاصة: الملحق الأول خاص بفلسطين، والملحق الثاني خاص بالتعاون مع الدول العربية غير المستقلة. أما الملحق الثالث والأخير فهو خاص بتعيين عبد الرحمن عزام الوزير المفوض في وزارة الخارجية المصرية كأول أمين عام للجامعة لمدة عامين. وفي 22 آذار/ مارس 1945، تم التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية، وتكونت الجامعة العربية من أجهزة أساسية ثلاثة هي: مجلس الجامعة، اللجان الخاصة، والأمانة العامة.

55أم كلثوم: زهر الربيع

وبعد الإعلان عن تأسيس الجامعة غنت كوكب الشرق الراحلة أم كلثوم أول قصيدة عربية في هذه المناسبة كتبها الشاعر محمد الأسمر ولحنها زكريا أحمد ومطلعها: <زهر الربيع يرى أم سادة نجبُ وروضة أينعت أم حفلة عجبُ>. وختم محمد الأسمر قصيدته ببيت من شعر حافظ إبراهيم: <هذه يدي عن بني مصر تصافحكم فصافحوها تصافح نفسها العرب>. وكانت لهذه القصيدة ضجة حينها كونها كانت أول قصيدة عربية تغنيها أم كلثوم. ومنذ تأسيس جامعة الدول العربية، بدأت تعاني صراعات داخلية بين أعضائها، لا بل أن نكبة فلسطين واخفاق الجيوش العربية أبرزا صورة ضعف الجامعة وعدم فاعليتها. ويرى الدكتور محمد المجذوب أن ميثاق الجامعة عكس ظروف دول الجامعة لعام 1945، فجاء صورة لما كان يدور من صراعات أو تنافس بين الحاكمين فيها... لهذا فإن الميثاق لم يتمكن من إنشاء أجهزة قوية ذات صلاحيات واسعة تعمل على تحقيق أهداف الجامعة، وخصوصاً في حقلي الدفاع والاقتصاد. وتنبهت دول الجامعة الى هذا الضعف، ولاسيما بعد نكبة فلسطين، فوقّعت عام 1952 معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، ووقّعت مصر وسوريا والسعودية واليمن عام 1955 ــ 1956 اتفاقية الدفاع المشترك. ويؤكد الباحث قاسم عثمان في دردشة مع <الافكار>: <ان الجامعة تعرضت لانتقادات شديدة تتعلق بميثاقها ونشاطها وأسلوب عملها وشلت حركتها في أحيانٍ كثيرة بسبب الخلافات السياسية بين الحكومات العربية، ومع ذلك لم تنسحب أي دولة من عضويتها ولم تطالب أي دولة بإلغائها وبقيت الجامعة البيت الذي تجتمع فيه الدول العربية مرتين في السنة، ولولا وجود الجامعة لتعذر اللقاء وطال الجفاء>. وان قرارات الجامعة كانت أسيرة بعض القوى الإقليمية العربية التي تهيمن على توجهات الجامعة، ويبدو ذلك جلياً عبر القرارات الصادرة عن القمم العربية، وأن دور جامعة الدول العربية على المحك هذه الأيام في ظل الأحداث المتسارعة في الوطن العربي من تونس الى مصر وليبيا واليمن والبحرين وحتى لبنان...

22 الجامعة أسيرة الأزمات

تعاني الجامعة اليوم من موضوع تصديها للأزمات العربية وخصوصاً الأزمات التي تمر بها الدول العربية في ظل الثورات والاوضاع المتفجرة في سوريا واليمن وليبيا والعراق... وقد تشعبت هذه الأزمات، رغم محاولات الجامعة في ان تكون صاحبة الحل في هذا الإطار، ويرى الزميل عبد الوهاب بدرخان ان الجامعة تمر باختبار صعب في تعاملها مع الأزمة السورية، فهي ملومة بسبب العجز عـــــن فـــــرض <حل عــــــربي>، ولأنهـــــا لم تعرف كيف تـــــدفع بـ<حل ســــوري>، ويؤخــــذ عليهـــــا أنهــــا لم تفعـــــل ما يلـــــزم لإنضاج <حل دولي>، غير أن الجامعة - ومن دون الدفاع عنها - بذلت أكثر مما هو متاح لها، محاولة التكيف مع واقع الانتفاضات الشعبية والقيم التي دافعت عنها، بل ذهبت أبعد ما يسمح به ميثاقها وآليات عملها وتراث تجاربها والانقسامات الموضوعية وغير الموضوعية بين أعضائها. ويعتبر بدرخان انه عندما وفرت الجامعة التغطية الشرعية لتدويل الأزمة الليبية، كانت الجامعة تتخطى، للمرة الأولى عملياً، واقع أنها هيئة تمثل الأنظمة والحكومات، إذ كان مفهوماً أن موقفها من ليبيا آنذاك هو تأييدها لإسقاط النظام السابق، وإذا كانت قد عارضت في ما بعد كيف طبق <الناتو> القرار الدولي إلا أنها لم تتخلَ عن الهدف، وإن لم يكن معلناً بوضوح في خطابها، ولعلها كانت لتؤيد حلاً سياسياً بين النظام والمعارضة لو تبين لها أن ثمة خطوطاً لمثل هذا الخيار. ويعتبر السفير بشار ياغي في مكتب الجامعة العربية في البرازيل في اتصال مع<الافكار> انه من عدم الانصاف تجاهل دور الجامعة العربية في الكثير من الأزمات التي مر بها الوطن العربي من سياسية الى اقتصادية وما لعبته من دور فاعل خلال الحروب العراقية الايرانية واحتلال العراق للكويت، وصولاًَ الى دورها في اطلاق مبادرات السلام على هامش القمم العربية، وما زالت الجامعة تشكل صلة الوصل الوحيدة بين الدول العربية والمكان الوحيد الذي يعتبر فعلاً (بيت العرب)، دون ان ننسى انه رغم كل الصعوبات المادية ورغم التجاذب الاقليمي والدولي والواقع 33العربي المتفجر اثبتت الجامعة صلابتها وبقاءها رغم الاعاصير الدولية.

الإعلام المرفوض

من جانب آخر، دعا الدكتور مجدي حماد مدير الجامعة اللبنانية الدولية الى ايجاد إعلام خاص بالأمانة العامة للجامعة في الأقطار العربية. «إذ ان كل ما يتم في الجامعة على علاته لا يوجد له إعلام في الأقطار العربية، وهذا في حد ذاته دليل آخر على عدم اكتراث الأقطار العربية بالجامعة. فهي تدافع عن استقبال مراكز إعلامية للأمم المتحدة، بينما ترفض فكرة فتح مكاتب للجامعة، رغم إصرار الأمانة العامة على هذه الفكرة مراراً. فقد رفضت الأقطار العربية كلها هذه الفكرة لأنها كانت تخشى أن يشيع هذا المكتب فكرة القومية العربية>. ورأى حماد ان الأمل يظل قائماً في أن تحاول الدول العربية الحفاظ على جامعة الدول العربية، ويستند هذا الأمل الى خبرة الجامعة في نصف قرن. فالدول العربية تحتاج الى الجامعة، حتى ولو كانت غير فاعلة وغير موثوق بها لأن معظم هذه الدول لا تزال في حقيقة الأمر اضعف من أن تجازف وتقرر دخول عرين السياسة الدولية منفردة ولأن معظم هذه الدول وربما كلها مهددة الآن في هويتها وتماسكها الاجتماعي، كما أن ثمة دولاً مهددة في كيانها.