هل تسلل الفساد فعلاً الى نقابة الأطباء من باب التجاوزات القانونية والمالية التي يُحكى عنها مؤخراً في وسائل الاعلام؟ فلقد طالب بعض الاطباء باحالة هذه التجاوزات الى النائب العام المالي لاجراء تحقيق شامل في كل ما يجري. فالمعلومات التي اوردها امين السر العام لمجلس النقابة الدكتور سامي ريشوني في كتاب وزعه على اعضاء مجلس النقابة تبين ان ما يحصل في النقابة خطير، مما استدعى جلسة خصصت لمناقشة هذه الامور التي اثارت استياء الكثير من الاطباء. وما اثار حفيظة الاعضاء هو عدم وجود محاضر قوانين بالقرارات التي اتخذت وطرح علامات استفهام حول هذه القرارات وخصوصاً المتعلقة بالامور المالية. فما هي الملفات التي تقدّم بها الدكتور سامي ريشوني الى نقابة الاطباء؟ ولماذا قرر التحدث عن الفساد والهدر في النقابة في وسائل الاعلام؟
«الافكار» التقت الدكتور سامي ريشوني الاختصاصي في الامراض الداخلية وامراض القلب وسألناه بداية لماذا قرر اثارة هذه الملفات، فقال:
- أعلن كمواطن وكطبيب ان الفساد في البلد عارم، فعندما قررت اثارة عدد من الملفات لم يكن همي اتهام او مهاجمة اي شخص، ولم يكن همي دعم اي تيار او اي خط سياسي... انني احترم كل التيارات والاحزاب، وانا في نقابة الاطباء اخدم الاطباء ولا اميز بين طبيب ينتمي الى 8 آذار وآخر ينتمي الى 14 آذار او طبيب مستقل، فأنا امين السر العام للجميع. فتاريخي النقابي (منذ العام 1990) منذ ان كنت عضواً في المجلس التأديبي الى عضوية مجلس النقابة، ونائب النقيب وامين السر العام على دورتين يشهد بأنني نقابي واعمل بكل شفافية وليس بكيدية، وانفذ كل ما يتوجب علي من اجل الدفاع عن حقوق الاطباء، فسياستي هي العمل النقابي.
ــ وما هي صلاحيات أمين السر العام لنقابة الاطباء؟
- وفقاً للمادة 48، فإن امين السر العام لنقابة الاطباء يوقع مع نقيب الاطباء ويدعو بأمر من النقيب اعضاء النقابة لحضور جلسات المجلس، ويحفظ سجلات النقابة واوراقها ومقتنياتها، ويكون مسؤولاً عنها وليس له ان يوقع كتاباً بمفرده الا بعد اخذ رأي النقيب مسبقاً.
5 ملفات سوداء
ــ وماذا يحتوي الكتاب الذي تقدمت به الى نقابة الاطباء؟
- يحتوي الكتاب الذي تقدمت به الى نقابة الاطباء على خمسة ملفات، ولقد تقدمت به الى الزملاء في مجلس النقابة وهذا يعتبر ظاهرة لم يتجرأ احد على القيام بها سابقاً.
ــ وهل تتهم احداً في هذه الملفات اي نقيب الاطباء او احد اعضاء مجلس النقابة؟
- لم اوجه اتهاماً لأحد بل اريد جواباً عن اسئلتي حول قانونية او عدم قانونية هذه الملفات. ولا ادري لماذا نقيب الاطباء الدكتور انطوان بستاني وضع نفسه في قفص الاتهام؟ لست ادري ان كان يشعر بالذنب، وهنا اقول: العودة عن الخطأ فضيلة وهذا لا يعني الفشل لا بل يعني الاصلاح. وهدفي من هذا الكتاب وضع بعض الملفات برسم جميع الاطباء ابراء لذمة امانة السر وليتحمل كل طبيب المسؤولية، فليس الهدف من الكتاب التهديم وليس مسألة شخصية كما يدعون. فطموحي ليس سلطوياً بل هو اصلاحي وقضية الاطباء هي في ضميري وقلبي. وسأمنع اي هدر مالي يحصل في النقابة لأن هذه الأموال هي لزملائي الاطباء، ولكن اتقدم بالاعتذار آسفاً من الاطباء على الاسلوب الذي لجأ اليه نقيب الاطباء حيث لم يترك وسيلة اعلامية الا وراح ينشر اخبار النقابة عبرها، وهذا الأمر ازعجني كثيراً لانني طلبت منه ان يُبقي علاج هذه الملفات داخل مبنى النقابة اذ كنت اطالب بحوار سلمي وايجابي وموضوعي ولكن للاسف ظهر النقيب على وسائل الاعلام متحدثاً عن الملفات وهذا يؤسفني كثيراً.
ــ وعلام تحتوي هذه الملفات التي تقدمت بها الى النقابة؟
- الملف الاول: موضوع شركة الحرس: كلنا مع امن الموظفين والاطباء في النقابة. لقد جرى استدراج عروض لعدد من شركات الحرس الخاصة تعتبر جميعها فئة اولى بطريقة رسمية موثقة في النقابة منذ حوالى اكثر من عام. تمت مناقشة هذه العروض بجلسة لمكتب المجلس بتاريخ 10 /9/2014 موقعة من قبل النقيب واعضاء مجلس المكتب وجرى اختيار شركة <X> على ان تبدأ العمل في اوائل شهر تشرين الاول (اكتوبر ). ولكن المفاجأة الاكبر والاخطر (وهذا هدر لاموال الاطباء) توقيع النقيب مع شركة اخرى <Y> غير المتفق عليها... واسعار هذه الشركة الثانية تزيد عن الاولى بحوالى مئتي دولار عن كل عنصر شهرياً، اي لدينا اربعة عناصر اضافية، يعني حوالى 800 دولار زيادة شهرياً ! اليس ذلك هدراً؟ وكان النقيب قد تحدث في احدى المقابلات التلفزيونية عن انه تم اختيار الشركة الثانية بموجب اجتماع لمكتب المجلس ولكن للاسف اود ان اقول هنا: اين محضر نقض القرار الذي اتخذ بحسب المادة 40؟ واين تم استدراج العروض الجديدة كما يقول النقيب؟ اليس هذا الأمر تفرداً بالقرار وهدراً لاموال الاطباء؟!
الملف الثاني: قرارات مكتب المجلس: تؤخذ قرارات في المكتب والنقيب ينفذ قرارات اخرى... هذا تفرد في القرارات وانتهاك صارخ لمسؤولية مكتب المجلس.
الملف الثالث: نقل الاموال، انا وكل طبيب يهمنا مصلحة النقابة ويهمنا ان نحصل على اعلى نسبة من الفوائد على اموال النقابة، فالحصول على 7 بالمئة كفائدة ليس انجازاً، فجميع المصارف تعطي 7 بالمئة او اكثر بقليل.
أين محضر التحقيق؟
ويتابع الدكتور ريشوني:
- الملف الرابع: موضوع الاختلاس في مكتب ضمان الاطباء في النقابة: ان الاختلاسات مرض العصر، اما الفساد وما ادراك ما الفساد، فهو مرض سرطاني وان لم يضبط ينتشر في جسم المجتمع بسرعة لا توصف. لقد صرح النقيب في احدى مقابلاته الصحافية بأن هذه الاختلاسات ليست جديدة.... وسؤالي هنا: لماذا لم يكن هذا الملف من اولويات النقيب منذ اعتلائه منصب نقيب الاطباء؟ اذ كان يستوجب فتح هذه الملفات ومعالجتها قبل الكماليات التي كان يهتم بها النقيب مثلاً الحرس الخاص الشخصي وهذا هدر كبير لاموال الاطباء... هناك اسئلة حول موضوع الاختلاس: فلماذا اجري التحقيق بخطى ناقصة؟ ولماذا لم يسلم محضر التحقيق الى امين السر العام لحينه؟ لماذا لم يعرض هذا المحضر على اعضاء مجلس النقابة في جلسة خاصة نظراً لاهميته وخطورته؟ هل جرى ذلك تجنباً للادلاء بأسماء اخرى لها علاقة في موضوع الاختلاس لربما يملكها اعضاء المجلس؟ نعم اذا كان هناك من يخالف القانون فلينل عقابه! لماذا اكتفى النقيب باتخاذ الاجراءات بحق موظفة واحدة؟ هل هناك اسماء اخرى ومن وراء هذه الاسماء؟ لماذا يتحفظ النقيب عن الدعوى ولم يطلب التوسع بالتحقيق؟ ففي احدى المقابلات التلفزيونية، قام النقيب بالتشهير بهذه الموظفة في الاعلام، وعرض اسمها بالكامل، فهذا لا يجوز لان هذه الموظفة انسانة وهي زوجة وام فالذي يقتل او يخون وطنه يُشار الى اسمه بالحرف الأول ولا يشهر به. والمفاجأة ومنذ حوالى ثلاثة اسابيع أدلت الموظفة بتصريحات خطيرة ولم يحرك النقيب ساكناً...؟!
والملف الخامس: المكننة: غير صحيح عدم وجود مكننة في نقابة الاطباء كما يدعي النقيب في احدى مقابلاته الاعلامية، لا بل ان المكننة متوافرة في النقابة منذ سنوات، اذ لا يمكن القول ان سبب الاختلاس في مكتب الضمان هو عدم توافر المكننة، يا له من عذر! واقول هنا انه اذا وقع الاختلاس فليس بسبب عدم توافر المكننة لأن وراء الاختلاس بشراً وليس المكننة، فالوضع المادي المتواضع جداً لاغلب الاطباء لا يسمح ان نهدر مئات الآلاف من الدولارات لتطوير المكننة.
ــ هل هناك حسب القانون او النظام الداخلي للنقابة شروط لنقل الاموال؟
- طبعاً لنقل الاموال اسس: استدراج عروض بطريقة مؤسساتية وليست شخصية، اسوة بما يحصل مع شركات التأمين... وهذا لم يحصل. وحسب المادة 46 من القانون 313 والذي يتطلب موافقة ثلثي اعضاء مجلس النقابة اي 11 عضواً من مجموع 16 عضواً الذين يشكلون مجموع اعضاء المجلس، وهذا ايضاً لم يحصل.
ــ وما رأيك باستثمار الاموال بالمفهوم القانوني؟
- بحسب آراء رجالات القانون من قضاة واساتذة في القانون ومحامين فإن الاستثمار هو تشغيل الاموال بغية تحقيق الارباح. ان الاستثمار هو عمل يتعلق برأس المال. ان ايداع الاموال النقدية في المصارف بغية الحصول على الفوائد هو طريقة من طرق استثمار الاموال.
ــ ولكن تحدث النقيب في احدى مقابلاته الاعلامية عن علم ومعرفة مجلس ادارة النقابة اي مجلس النقابة بنقل الاموال وانه يعمل بشفافية؟
- مجلس الادارة اي مجلس النقابة لا يعلم ولا يعرف نهائياً بنقل الاموال وكانت مفاجأة له... فأين الشفافية عندما يتفرد بقراره ولا يطبق القانون بنقل هذه الاموال وهي ملايين الدولارات وعشرات مليارات الليرات اللبنانية، علماً انني حذرته مراراً شفوياً وخطياً وكله موثق في النقابة بأن لا يخطو خطوة مماثلة، فهذا انتهاك للقوانين وهدر لاموال ليست امواله بل اموال جميع الاطباء. وانا في النقابة من واجبي ان ادافع عن حقوق واموال الاطباء... الاستفراد في الرأي لا يؤدي الى انماء: لا انماء، لا انتماء... ولهذا السبب اغلب الاطباء لا يتأملون خيراً في النقابة.
ــ وهل صحيح ان المصرف الذي نقل اليه النقيب اموال النقابة اعطى تسهيلات للاطباء؟
- اولاً الفائدة 7 بالمئة ليست انجازاً، فجميع المصارف تعطي 7 بالمئة لا بل اكثر بكثير نظراً لضخامة المبالغ لدى النقابة. فالمصرف الذي نقلت اليه الاموال، اعطى 7 بالمئة والمبلغ مجمّد سنوياً وليس هناك من فائدة ويجب ان يكون المبلغ المجمّد اكثر من 10 مليارات ليرة، بينما المصرف الآخر الذي كنا نتعامل معه كان يعطي فائدة 7 بالمئة من العام 2008 او 2007 والمبلغ مجمّد ستة اشهر وليس مشكلة اذا كان اقل من 10 مليارات ليرة وهناك فائدة على الفائدة، فأيهما افضل؟ وأيهما يعتبر لصالح اموال الاطباء؟
حكاية بطاقة الاعتماد
ــ ما هو موضوع بطاقة الاعتماد <Credit Card>؟
- لدى النقابة <Credit Card> منذ سنوات يتميز كثيراً وله حسنات وتسهيلات مهمة للاطباء عن الـ<Credit Card> الخاص بالأطباء من قبل المصرف الذي نقل النقيب الاموال اليه. فالـ<Credit card> من قبل المصرف التي نقلت إليه الاموال يفرض على النقابة الترويج للبطاقة على نفقة النقابة وعلى كل طبيب يرغب بالبطاقة فتح حساب ويلزم النقابة السماح لهذا المصرف باقامة اعلانات ومنصات وعرض منتجاته في النقابة من دون اي مقابل مالي يعود لها. وايضاً تلتزم النقابة بتزويد المصرف كل المعلومات عن الاطباء. بينما الـ<Credit Card> الذي بحوزة النقابة لا يفرض عليها الترويج للبطاقة، والطبيب ليس ملزماً بفتح حساب للحصول على البطاقة. اما الاعلانات والمنتجات فيتم دفع بدل مادي عنها للنقابة مقابل الاجازة لذلك، وايضاً يتم دفع بدل مادي للنقابة مقابل الحصول على اي معلومات.
ــ فأين هي مصلحة الاطباء؟ واين التسهيلات لهم؟
- فتح هذا الملف لم يتم لسبب شخصي فكل الاطباء يعرفون مدى حبي واخلاصي ووفائي لهم، فعملي نقابي وموضوعي بامتياز. هذه شهادات وجهت لي من الكثير من الزملاء الاطباء الذين أثنوا على جرأتي ونضالي النقابي. فقضية الاصلاح المادي تثير احياناً الضحك واحياناً الحسرة واحياناً الغضب. ملفات تفتح ثم تقفل، ضجة تعلو ثم تنوص... أين الرأي العام الطبي ليعرف الحقيقة؟ ليعرف ماذا يحصل في نقابتهم، فاقول لهم: النقابة نقابتكم، الاموال اموالكم والقرار قراركم.
ــ بصفتك نائب نقيب سابق وحالياً امين السر العام للنقابة، برأيك كيف تفسر وضع الاطباء حالياً؟
- من يستلم مهام وزمام الامور في النقابة يجب ان يعيش واقع معظم الاطباء وان لا يبقى بعيداً عنهم وعن همومهم، وان ينزل الى الارض ويفكر ببقية الاطباء وليس هناك من <طبيب غالي> و<طبيب رخيص>. هناك حوالى 4/3 الاطباء لا يتعدى مدخولهم الشهري الالف دولار او اكثر بقليل، «معليش لازم كل مسؤول ينزل شوي ويجلس على الارض ويفكر بالوضع السيء الذي يعاني منه اغلب الاطباء، فالجلوس على الارض يبقى ثابتاً بأفكاره»، فالمثل التشيكي يقول: «من جلس على الارض، لا يخشى السقوط». فأنا لا اتكلم من منطلق سياسي مع احترامي لـ8 و 14 آذار، بل اتكلم من منطلق اجتماعي طبي نقابي ووطني... انا طبيب اقسمت يمين الولاء لمهنتي والولاء لخدمة كل الناس واقسمت ان اخدم الاطباء مهما كلف الثمن.
ــ كل طبيب له هوية، فما هي هويتك؟
- نحن اغلب الاطباء جسم طبي واحد، والنقابي الناجح ليس عنده هوية سياسية، بل له هوية انسانية نقابية يعمل من خلالها بحب واخلاص ووفاء لجميع الاطباء. هويتي مع العمل الجماعي في النقابة وضد التفرد بالقرار لانني اؤمن بأنه لا يوجد طاولة بكرسي واحد، فالحياة لا تُطاق من دون مشاركة... هويتي بأنني اؤمن بالحوار السليم الايجابي الذي يوصل للتطوير والانتاج، فهذا ما كنت اطالب به النقيب وبصورة دائمة الحوار... وليس الجدال بل الرجوع الى مجلس النقابة بأخذ القرارات.
ــ هل ترى ان هناك انجازات معنوية ومادية للاطباء؟
- هل اكرر ما قلته ان المدخول الشهري للطبيب الواحد لا يتجاوز الالف دولار او اكثر بقليل وهؤلاء يشكلون تقريباً حوالى 3/2 من اطباء لبنان اي حوالى 8000 طبيب، فماذا فعلت او تفعل النقابة لهم؟ ومن اجل تحسين الوضع المعنوي والمادي للاطباء لا بد من القيام بهذه الخطوات:
الضغط على بعض المؤسسات الضامنة لتحصيل ودفع (مباشرة) اموال الاطباء اسوة بوزارة الصحة العامة، وتنظيم المستوصفات، وتحسين المعاش التقاعدي بطريقة علمية لكي لا نصل الى الافلاس، الاستغناء عن جزء كبير من بيت الطبيب (تأجير، استثمار...) فان النقابة ليست بحاجة لهذا المبنى الضخم اذ يمكن اللجوء الى تأجير القسم الاكبر منه وهذا سيزيد من الايرادات المالية للنقابة والعمل على تأمين الحصانة للطبيب.
ــ وهل ستتابع الملفات التي تقدمت بها؟ وهل ترى ان هناك ما قد يمنعك من مواصلة العمل في هذا الخصوص؟
- بصراحة انني اؤمن بالعمل النقابي واؤمن بالدفاع عن حق الاطباء وانه علي ان احافظ على اموال الاطباء، لذا سأستمر في المضي بهذه الملفات لتبيان الحقيقة، لانه يهمني ان لا يُقضى على جميع الاطباء بهدر اموالهم، فإذا حافظنا على اموالهم نحافظ على مستقبل الاطباء في لبنان... وبالرغم من التهديد الذي تعرضت له لترك هذه الملفات الا انني اؤكد ثانية بأنني سأستمر في الدفاع عن حقوق الاطباء وان اقوم بواجباتي تجاههم.
ــ بماذا تحب ان تختم هذا اللقاء؟
«قتل امرئ في غابة جريمة لا تُغتفر/ وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر».