تفاصيل الخبر

الــدكــتــــــــور مــنــــــــذر جــابــــــــر: السلطـتــان السياسيــة والاقتصاديــة تطمسان التــراث!

13/04/2017
الــدكــتــــــــور مــنــــــــذر جــابــــــــر:  السلطـتــان السياسيــة والاقتصاديــة تطمسان التــراث!

الــدكــتــــــــور مــنــــــــذر جــابــــــــر: السلطـتــان السياسيــة والاقتصاديــة تطمسان التــراث!

 

بقلم كوزيت كرم الأندري

3

شكّلت أسماء عدد من القرى اللبنانية حَرَجاً لأبنائها، فطالبوا بتغييرها. قرية <عَيْتا الجبل> مثلاً كانت <عَيْتا الزطّ>، و<الشهابيّة> كانت في الماضي <طير زِبّنا>، و<المنارة> كانت <الحمّارة>، أما <الذّنَيْبِــه> فتحولت إلى «مرج الزهور> و<الواطية> إلى <مْطِــلّ>. هذه القرى، وقرى كثيرة أخرى تنبذ اسماءها لأسباب سياسية أو اجتماعية أو جغرافية، أو بسبب إيحاءات جنسية ينطوي عليها الاسم فيجعلها محطّ سخرية. <الأفكار> قصدت الدكتور منذر جابر، وهو أستاذ متقاعد درّس مادة التاريخ في الجامعة اللبنانية لأكثر من أربعة عقود، فكان لنا معه هذا الحوار الشيّق.

ــ دكتور منذر، قلت لي، خلال اتصالي الهاتفي بك، إن مسألة تغيير أسماء بعض البلدات مسألة معقدة أكثر مما أظن. ماذا تقصد بذلك؟

- عنيت أن لهذه المسألة وجهين: الوجه الرسمي الذي له علاقة بالدولة ووجه آخر متعلق بفهم الناس للتراث. كذلك ترتبط المسألة باللعبة الاقتصادية والاجتماعية، إذ بات المال يسيطر اليوم على كل شيء، حتى على التراث. <بكون إسم البلدة تاريخي عمرو ميّات السنين>، يشيّدون فيها منتجعاً كبيراً أو مركزاً تجارياً فيسرق اسم البلدة ويختزله، كأن نقول، مثلاً، منطقة ميرنا الشالوحي، الـ <ا بي سي ABC> (نسبة للأشرفية) أو <سبينيس> نسبة للرملة البيضاء... أين <تل الزعتر> اليوم؟ اختفى اسمها! ثم أنه في لبنان، كما في الجوار العربي المحيط، باتت السلطة السياسية تتحكم بالتراث.

ــ ماذا تعني بـ<باتت السلطة السياسية تتحكم بالتراث>؟

- <قصر بعبدا> يريدونه <قصر الشعب> والشارع الفلاني <شارع الثورة>... وبعدما انتهينا من الشعب والثورة برزت أسماء الحكام. في العراق اليوم عشرات الميادين والساحات باسم صدام حسين، وفي سوريا باسم بشار الأسد وفي اليمن باسم علي عبد الله صالح وفي ليبيا باسم معمر القذافي وفي مصر باسم جمال عبد الناصر. وحدها الأردن تشكل استثناء لأن رئيسها السابق الراحل الملك حسين هو السياسي العربي الوحيد، في محور الشرق الأوسط، الذي لم يسمِّ شارعاً أو ساحة باسمه وليس له تمثال في الأردن.

ــ لِمَ تحتج على تغيير أو اختفاء بعض الأسماء؟ أليست المسألة جزءاً من دورة الحياة الطبيعية؟

- كلا، بل إنه طمس للتاريخ! قديما، كانت المؤسسات تلحق بالحي فنقول، مثلاً، <راهبات الناصرة>. حتى البطريركية المارونية أخذت اسم المكان الذي شُيّدت فيه وبات اسمها <بكركي>. <ما شلّحت المحلّ إسمو> كما يحصل اليوم، حيث باتت حتى الجغرافيا خاضعة للسياسة!

ــ هل يحدث أن تسقط التسمية الجديدة لبعض الأماكن؟

- طبعاً! <إنو جبران باسيل بدو يحوّل قصر بعبدا لقصر الشعب، ليش؟ صمدت التسمية ساعتين فقط>.عام 1975، أطلقت <الحركة الوطنية اللبنانية> على <حيّ السلم> تسمية <حي الكرامة>، إلا أنها لم تستطع أن تشكل حالة سياسية مستمرة فتلاشت الحركة وتلاشى الاسم معها.

ــ لكن ألا ترى أنه كان من الضروري أن تبدّل بعض البلدات من اسمها، مثل <اليهودية> في الجنوب مثلاً؟

- <اليهودية> بدلت اسمها إلى <السلطانية> في زمن الشهابية. لكن قبل الاعتراض على التغيير الذي لا أراه ضرورياً إطلاقاً، فلنبحث عن سبب التسمية الأساسية لنفهم لمَ سُميت هكذا! يجب أن نفهم المنشأ التاريخي للتسمية. ليس هناك تسمية عفوية. التسمية إفراز ينتج عن مجموعة عوامل. ثم أين الإحراج في اسم <اليهودية>؟ مدينة <بلد الوليد> في إسبانيا <مش مشكّلة إحراج>! (اشتُهرت باسم <بلد الوليد> أيام الحكم الإسلامي لإسبانيا نسبة للخليفة الوليد بن عبد الملك)، وكذلك الأمر بالنسبة لـ<القديسة فاطمة> في البرتغال! (سُميت على اسم أميرة عربية تدعى فاطمة ابان وجود العرب في البرتغال).

ــ لا شك في أن تسمية <اليهودية> نُبذت من قبل أهل البلدة نظراً للصراع العربي- الإسرائيلي. ألا تجد في ذلك تبريراً مقنعاً؟

- ومن قال إن اليهودية دين مكروه من المسلمين؟ موسى وداوود ويوسف وإسحق ويعقوب هي أسماء أنبياء يهود، وهي تشكل 20 بالمئة من المجتمع الشيعي! لا بد من التفريق ما بين اليهودية كدين سماوي مقدس والصهيونية كحركة سياسية، ففي عدم التفريق هذا نزق ثقافي أو اجتماعي أو سياسي تم على أساسه نسف الاسم، وبالتالي نسف تاريخ بأكمله!

أسماء بلدات ذات إيحاءات جنسية

4 

ــ ماذا عن أسماء البلدات التي تحمل إيحاءات جنسية تحرج أبناءها أو سكّانها. أليسوا على حق في تبديلها؟

- كلا! المشكلة ليست في الاسم بل في قراءتنا السطحية له. خذي، مثلاً، <عَيطا الزطّ>، بات اسمها <عيطا الجبل>، لكن كلمة <الزطّ> في التاريخ الإسلامي تعني شعباً! هو شعب من مكوّنات الدولة العباسية. بدل أن يبحثوا عن سبب هذه التسمية وجذرها الاجتماعي والديموغرافي والتاريخي، ألغوا الاسم! المادة نفسها لا تدعو للسخرية. المسألة هي في داخلي، أنا المتخلف وليس الاسم، والدليل بسيط: هناك كلمات لا ألفظها في اللغة العربية لدلالتها الجنسية لكن ألفظها، هي نفسها، في اللغة الأجنبية من دون أي شعور بالإحراج...

ــ ألهذه الدرجة سهلة آلية تغيير اسم أي بلدة؟

- <هينة جداً، بمرسوم من مجلس الوزرا بينطمس تاريخ بكاملو>، ويحدث ذلك من دون معرفة أهل البلدة أحياناً.

ــ هناك بلدات ينتفض أهلها على اسمها لقربه من اسم حيوان كـ«الحمّارة> في البقاع الغربي مثلاً.

- لكن تعبير <الحمارة> يعود إلى كون أرضها حمراء وهي تنتج أطيب عدس في بلاد الشام. ربطوها بـ<الحمار> أو <الحمارة> فحوّلوا الاسم إلى <المنارة>، علماً أن لا علاقة منطقية للاسم الجديد بموقع البلدة الجغرافي. المنارة هي، من حيث المبدأ، منطقة مرتفعة مشرفة تضيء على كل ما حولها، أما <الحمّارة> فهي في الواقع بلدة منخفضة، ناهيك عن أن هناك <منارة> في الجنوب أيضاً، وبالتالي ازدواجية الأسماء مسألة بحاجة إلى دراسة أيضاً.

ــ لكن يا دكتور جابر، ليس عيبا أن يتطور الإنسان. أترضى أنت، اليوم، أن تسمي ابنك <ليث> أو <أسد>؟

- كلا لا أفعلها في أيامنا هذه، <بس إذا جدي إسمو فهد ما بنكرو وبفتخر فيه>! لا أغيّر الاسم ولو كان قديماً، فهو من جيناتي التاريخية.

ــ وماذا لو كان الاسم <شارون> (وقد حدث أن انتفضت هذه البلدة وبدلت من اسمها وكتبت شخصياً عن الموضوع عام 2001 أو 2002)؟!

- أين المشكلة في هذا الاسم؟ إنها سطحية تاريخية في قراءة الأمور. السطحية هذه جعلت، مثلاً، من النجمة السداسية شعاراً إسرائيلياً، فيما النجمة السداسية هي الشكل التزييني الأول في كل الجوامع على امتداد العالم الإسلامي. <شارون>، بدوره، إسم عبري تماماً كموسى مثلاً. هناك ألف شخص كان اسمهم محمد في الدولتين العباسية والأموية وفي عهد المماليك وقد ارتكبوا مجازر، هل ألغي اسم محمد بسببهم؟ هل ألغي الاسم لأن سلطاناً ما في منطقة ما في مرحلة تاريخية ما ارتكب مجزرة؟!

ــ هناك أيضا بلدة <الفساقين> التي انتفضت على اسمها منذ حوالى العقدين فتحوّلت إلى <البساتين>، علماً أن ثمة من يقول إن «الفساقين> كلمة آرامية تعني «اللؤلؤة البيضاء>!

- تماماً! إنها القراءة السطحية التي أتحدث عنها. ما اسم الحجارة الكريمة التي تُركّب في وسط الخاتم؟ اسمها الفَصّ! لمَ لدينا أزمة مع اللغة؟ لمَ لا يعاني الأجنبي من هكذا أزمة؟