بقلم كوزيت كرم الأندري
لم تستطع الذهاب الى <باراك أوباما> فأتى هو إليها! الرئيسة التنفيذية لبرنامج <الأمان الأسري الوطني>، الطبيبة السعودية مها المنيف، حصلت هذا العام على جائزة الشجاعة التي تقدمها وزارة الخارجية الأميركية سنوياً، لتصبح بذلك العربية الوحيدة التي تنال هذا اللقب، مع تسع نساء تم اختيارهن من مختلف أنحاء العالم. المنيف عضوة في <الشبكة العربية لحماية الطفل من الإيذاء>، وهي صاحبة جهود جبارة في مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في المملكة العربية السعودية. نضالها، منذ عقدٍ من الزمن، ساهم في وضع أول تشريع حكومي ضد العنف الأسري في المملكة وجعله جريمة يعاقب عليها القانون.
وقد أجرت معها كوزيت كرم مقابلة خاصة على <الإنترنت>.
ــ دكتورة مها، أي نوع من الشجاعة كان عليك أن تتحلي بها لتكوني العربية الوحيدة التي انتزعت لقب أشجع امرأة في العالم؟
- خلال مسيرتي العملية، صادفت العديد من حالات الإساءة والإيذاء للنساء والأطفال، الامر الذي أجبرني على بذل قصارى جهدي لتقديم المساعدة والدعم لهم. شجاعتي تكمن بداية في التطرق الى موضوع العنف الأسري وطرحه في المجتمع كقضية رأي عام، وهو الأمر الذي كان يُعد من المحظورات <تابو>. استمددت الشجاعة من النساء والأطفال المعنفين الذين تجرعوا مرّ الحياة وقاسوا الكثير، لكنهم لم يدعوا حاجز الصمت يفقدهم حقهم بالعيش حياة رغيدة وآمنة. تعاملي مع هذه الحالات هو ما أوصلني الى المطالبة أخيراً بسن قانون ضد الإيذاء والعنف تجاه الطفل والمرأة.
ــ ماذا قال لك الرئيس الأميركي <باراك أوباما> في الكواليس يوم تسليمك الجائزة؟
- قابلت الرئيس <باراك> مع عائلتي، لذا فإن اللقاء كان ودياً أكثر منه رسمياً، تحدثنا خلاله عن وضع الأسرة السعودية بصفة عامة ودور المرأة في المجتمع.
ــ ما هي أبرز أشكال العنف الممارس ضد الزوجة والطفل في السعودية؟
- هناك أربعة أنواع من التعنيف يعتمد عليها المتخصصون في تحديدهم لنوع العنف، بناءً على تصنيف منظمة الصحة العالمية والمنظمات الدولية، وهي العنف الجسدي، العاطفي، الجنسي والاهمال. هناك ايضاً أنواع أخرى من العنف كالاتجار بالاطفال، تهريبهم، تشغيلهم واستغلالهم، بالإضافة الى دعارة القاصرين وغيرها الكثير. يبقى العنف النفسي والعاطفي الأكثر شيوعاً، وفي دراسة قام بها الدكتور علي المحيميد عام 2008 على النساء في المجتمع السعودي، تبيّن أن العنف النفسي يشكل نسبة 47,7 بالمئة من إجمالي أنواع العنف، يليه العنف الجسدي ثم العنف الجنسي فالإهمال. أما من ناحية التقارير الرسمية، فإن العنف الجسدي يمثل أكبر نسبة وهي 60 بالمئة، يليه العنف الجنسي 20 بالمئة، وأكثر المتضررين منه هم الأطفال، النساء والمسنون.
العنف له أسباب
ــ ما هي مسببات العنف بحسب خبرتكم الطويلة في هذا المجال؟
- أبرز مسبباته اعتماد المرأة على الرجل اقتصادياً، الغيرة والتسلط من قبل الرجل، قبول العنف كوسيلة لحل النزاعات، تدني الوعي الحقوقي لدى المرأة، المفاهيم المغلوطة لأدوار الجنسين، والقناعة بالتفوق الفطري للذكور، وبالتالي استسلام المرأة للعنف الذي قد تتعرض له.
ــ ما هو رأي الرجل نفسه في هذه الممارسات وبمَ يبرّر أفعاله؟
- ليس هناك مبررات للعنف! فنحن نرفض العنف بجميع أشكاله، والإسلام أمر الرجل بصون المرأة وحفظ كرامتها وعدم أذيتها. ولكي نكون منصفين، الرجال ليسوا سواسية، فالرجل السوي لا يمارس قوته ويترجم غضبه بأفعال مؤذية لمن هم أضعف منه بدنياً.
ــ هل تتفشى هذه الظاهرة في طبقة اجتماعية أكثر من سواها؟
- لا نستطيع ان نقول إن هناك طبقة اجتماعية تتفشى فيها ظاهرة العنف أكثر من سواها، لأن أسباب العنف التي ذكرناها قد توجد في جميع طبقات المجتمع. لكن من الممكن أن تختلف نوعية العنف بحسب اختلاف الطبقة الاجتماعية.
ــ أيمكن أن تعطينا رقماً تقريبياً عن عدد الضحايا الذين أنقذتموهم من الأذية خلال سنوات من العمل في هذا المضمار؟
- دعيني أوضح أولاً ان برنامج <الأمان الأسري الوطني>، في استراتيجيته الجديدة، لا يتعامل مع ضحايا العنف بشكل مباشر ولا يقدم لهم الخدمات
. هو يركز على الوقاية، التدريب، التوعية والمناصرة، حيث ان تقديم الخدمات لضحايا العنف، يتطلب مجهود فريق متعدد التخصصات من القطاعات الصحية، الاجتماعية، القانونية والامنية. أما في ما يخص الاحصاءات المتعلقة بحالات العنف الموجهة ضد الأطفال، فيرد الى السجل الوطني ما بين 200 و300 حالة سنوياً، تشكو من إصابات متعددة أبرزها العنف الجسدي، يليه الإهمال والعنف الجنسي. وقد بلغ، العام الفائت، إجمالي عدد الحالات الواردة من المناطق الثلاث عشرة في المملكة والمسجلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية، 2,407 حالة عنف وإيذاء.
ــ غالباً ما يربطون البطالة بالعنف الأسري، لكن السعودية بلد لا مشاكل سياسية كبيرة لديه والمفروض أن ثرواته تضمن لمواطنيه حياة كريمة. لمَ الحديث عن البطالة في المملكة؟
على الرغم من أن المملكة العربية السعودية تعد دولة قوية اقتصادياً، إلا أنها كغيرها من الدول تعاني من مشاكل كالبطالة والعوز الاقتصادي لدى بعض الأسر. وإن كانت البطالة أحد مسببات العنف، إلا أنها ليست السبب المباشر والوحيد المؤدي له. فهناك أسباب متعددة منها فردية، كالأمراض النفسية التي قد يعاني منها المعنِّف، أسباب علائقية كتسلط الرجل وأسباب اجتماعية مثل ضعف القوانين.
كسر حاجز الصمت
ــ كيف عملت على كسر فكرة <العيب> في مجتمع محافظ كالسعودية لتشجيع الضحية على التبليغ عن حالتها؟
- أعتقد أن تطرقنا لموضوع العنف على أنه قضية صحة عامة تؤثر على صحة المرأة والطفل والاقتصاد العام، لا شأن عائلي خاص، ساهم في تغيير هذه الصورة النمطية عن العنف الأسري في المملكة. لا يوجد <عيب> أو خطأ في إيقاف المعنِّف ومنع إساءته، كما أن المشكلة لا تكمن فقط في فكرة <العيب> لدى المعنفات، بل يضاف الى ذلك عدم وعيهن ومعرفتهن بالإجراءات الواجب اتخاذها لإيقاف المعنِّف.
ــ هل هناك عقوبات في حال إثبات العنف؟
- إن صدور نظام الحماية من الإيذاء من مجلس الوزراء في آب/ أغسطس 2013 يعتبر نقلة نوعية حقيقية في ما يتعلق بمجال الحماية من العنف والإيذاء في المملكة، وقد جاء شاملاً وداعماً ومؤيداً لكافة الجهود المبذولة من الجهات ذات العلاقة في المملكة، حيث يقدم النظام المساعدة والمعالجة والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية اللازمة، وقبل ذلك بث التوعية بين أفراد المجتمع حول الإيذاء والآثار المترتبة عنه. رغم أن النظام ركز على إجراءات الحماية بعد وقوع العنف، فإنه لم يغفل عن إجراءات الوقاية من العنف قبل حدوثه من خلال التوعية ونشر ثقافة الأمان الأسري. أتوقع أن نرى تحسناً واضحاً للخدمات المقدمة للضحايا.
وزارة لشؤون المرأة، لم لا؟
ــ تطالبين دائماً بإنشاء وزارة لشؤون المرأة والأسرة. لماذا؟
- من المهم جداً إنشاء مجلس أعلى للمرأة والاسرة نظراً لأهمية دور المرأة في تربية الاطفال الذين هم عماد هذا الوطن. إن تهميش دور المرأة ا
لتنموي في أي بلد يعد من أهم معوقات التنمية. لذا بات دعم وتمكين الأم، والمرأة بشكل عام، والاهتمام بشؤونها الاجتماعية، الاقتصادية، الصحية والقانونية ضرورة لضمان التنمية الشاملة والمستدامة للوطن. فهي نصف المجتمع وهي كذلك من ينجب ويربي النصف الآخر!
ــ تعتقدين أن عبارة <الخصوصية السعودية> تحد من حراك المرأة وتطورها. لكن ألا ترين أن المرأة نفسها مسؤولة، في الكثير من الأحيان، عن سجن نفسها في هذه الصورة النمطية؟
- أعتقد ان المرأة السعودية وصلت في السنوات الأخيرة الى مستوى عالٍ من التعليم والمهنية، وهي قادرة على الإبداع وتغيير المجتمع للأفضل من أجل دفع عجلة التنمية في وطننا. هذا الاصرار، برأيي، هو ما سيغير الصورة النمطية للمرأة السعودية.
ــ تثيرين الشهية على العمل والإنجاز. كيف حلقت عالياً، علماً انك زوجة وربة منزل بالإضافة الى مهامك التي لا تحصى ولا تعد؟
- لطالما كان لديّ هاجس التغيير، ليس على المستوى الشخصي فقط، وإنما على نطاق واسع. أطمح دائماً لمساعدة المستضعفين وإحداث تغيير إيجابي في المجتمع. مررت بالعديد من التحديات خلال مسيرتي العلمية والعملية، إلا أن العزيمة والاصرار على تحقيق الحلم والنجاح ساعداني على تخطي العقبات. لا أنكر كذلك دور والدي ووالدتي في دعمي، رحمة الله عليهما، لإيمانهما بأهمية التعليم وتمكين المرأة، في وقت لم تكن الأنثى ممكّنة بشكل كبير. هذا الى جانب الدعم المستمر لي من قبل زوجي وأبنائي لكل ما أقدم عليه. أما على النطاق المهني، فإن دعم رئيسة برنامج <الأمان الأسري الوطني>، صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله، كان له الأثر الكبير في وصولي الى ما أنا عليه اليوم.