تفاصيل الخبر

الدكتورة في الهندسة والرياضية جويس عزام: أنا ”سلحفاة الجبل“ و”الايفريست“ وجهتي المقبلة!

05/01/2018
الدكتورة في الهندسة والرياضية جويس عزام:  أنا ”سلحفاة الجبل“ و”الايفريست“ وجهتي المقبلة!

الدكتورة في الهندسة والرياضية جويس عزام: أنا ”سلحفاة الجبل“ و”الايفريست“ وجهتي المقبلة!

 بقلم عبير انطون

IMG_0344

ما بين قمم الجبال والمدن والابنية التراثية جمعت جويس عزام جسراًَ رياضياً طموحاً، حققت منه الكثير ولا يزال امامها الكثير لتحققه بعد. انجازاتها الرياضية تجلت في أكثر من ميدان منها نجاحها في تسلق 25 قمة بينها خمس قمم من أصل سبع اعلى قمم من حول العالم، وقد زرعت مؤخراً العلم اللبناني على قمة جبل <دينالي>، اعلى قمة في قارة اميركا الشمالية والبالغ ارتفاعها 6190 متراً. همّ جويس اليوم بلوغ قمة <الايفريست> الشهيرة التي في شهر ايار (مايو ) من العام 1953 كان الهندي <تنزينغ نورغاي> والانكليزي <اي. هيلاري> أول من نجح في تسلقها وهي الاعلى عالمياً. فهل ستتمكن جويس من ذلك؟ ما الذي تنشده بعد وما هي رسالتها من اعلى القمم للمرأة بشكل عام والمرأة اللبنانية تحديدا؟ اية اخطار محدقة واجهتها، وما هي فلسفتها تجاه الجبل وصعوباته؟

مع جويس كان <لقاء الافكار> وسألناها بداية:

ــ متى بدأت مشوارك الرياضي وصولاً الى القمم؟

- منذ عمر صغير في <مدرسة الكرمليين> في الفنار وانا امارس الرياضة. بدأت بتسلق الجبال اللبنانية وتثبيت قدراتي الرياضية بالتوازي مع دراستي للهندسة المعمارية في الجامعة اللبنانية.

ــ هل من قاسم مشترك بين رياضة تسلق الجبال والهندسة المعمارية؟

- القاسم المشترك حبي لكلا العالمين، ومن خلال اختياري للرياضة وانجازي فيها اثبت ان الشغف في مجال ما لا يمنع العمل في مجال آخر، اذ يمكن للطبيب أو المهندس أو اي عامل وحرفي أن يجمع بينهما، وما بين الرياضة والهندسة قواسم مشتركة كالاجتهاد في العمل وحسن التنظيم.

ــ هل كنت تفكرين بالاحتراف منذ الصغر؟

- ابداً. ما فكرت يوما بذلك. بدأ تعلقي بالرياضة من باب الطبيعة اللبنانية الحلوة فكنت امشي لساعات من دون كلل، والمناطق اللبنانية بمناظرها وجغرافيتها تسمح برياضة التسلق فلدينا القرنة السوداء وجبال ارز تنورين وارز بشري وغيرهما. بعد لبنان انتقلت الى جبال الالب ما بين سويسرا وفرنسا وشعرت بان علي الغوص اكثر في المجال لبلوغ الاحتراف، وها انا في عامي الحادي عشر بعالم الجبال الفريد.

ــ هل في بلوغ القمم العالية جانب نفسي ايضا لمن يختارها على قاعدة الشاعر ابو القاسم الشابي في قصيدة <ارادة الحياة> حيث يقول <ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر>؟

- فيها جانب نفسي بكل تأكيد إذ تكسب الجبال للمتسلق خبرة وقدرة على التحمل تساعده على المضي قدما في اي هدف يضعه نصب عينيه. فالجبل ليس تحضيراً جسدياً وحسب إنما هو استعداد ذهني قبل كل شيء وتحضير نفسي، تحل الارادة في المقام الاول منه. من يعرفني يسمعني اردد دائما: تسلق الجبال هو في 70 بالمئة منه ارادة، وتبقى للقوة الجسدية النسبة المتبقية. وما يثبت صحة كلامي ان ارفع الرياضيين مستوى من حول العالم قد لا يتمكنون من تسلق جبل، ذلك ان تحضيراته مختلفة جدا ويتطلب تراكما في الخبرة. الخبرة تساعد في تحدي عوامل الطبيعة وتحملها. فأنا اعرف اليوم كيف أحضَر جسدي وأمرن رجليّ وقلبي وتنفسي في الصعود والنزول والمثابرة من دون التفكير بالتوقف والعودة، وهذه العوامل اختبرتها جميعها هذه السنة. سافرت الى الـ<الاسكا> لتسلق قمة <جبل دينالي> ونصب عيني تجاوز كل الصعوبات والعوائق المناخية.

 

بنت تتسلق؟

ــ هل شجعك اهلك على هذه المغامرات ويمكن ان تكون خطيرة؟

- لم يشجعني اهلي في البداية، بل على العكس خافوا علي، كما ان عقلية ان الأنثى لا يمكنها القيام بمثل هذه الرياضة الصعبة كانت تتحكم بالامر، وقد شكل ذلك دافعا لاستمراري في القرار حتى اثبت العكس. وفي اساس اهدافي للمشروع ايصال رسالة لكل امرأة بأن تؤمن بقدراتها وتعمل عليها.

ــ هل سبق وتعرضت لخطر كبير؟

- كما في اي مجال هناك اخطار، لكنني اخشى من قيادة سيارتي على طرقات لبنان أكثر من تسلق قمة تعلو عن الستة آلاف متر. اخطر ما في تسلق الجبال تبقى امكانية انهيار ثلجي كبير <Avalanche> وهذا الحمد لله لم يحدث معي، وقد بات بالامكان ترقبه وتفاديه بواسطة التكنولوجيا والارصاد الحديثة. انا أغامر بترو وحذر واحتياط مع اتخاذ كل تدابير الامان، ولا اخاطر. يؤسفني ان شخصاً كان في تسلق <قمة دينالي> توفي، كما تعرض شخص لحروق بليغة لانه لم يتخذ الاحتياطات اللازمة.

ــ ما هي الخطوات التي تعتمدينها في التحضير الجسدي قبل تسلق اي قمة؟

- ما يساعدني جدا ان اخي جورج مختص في ادارة الرياضيين <Sport Management> وهو يواكبني بشكل دقيق، فأقوم بأربعة أنواع من التمارين بينها تسلق لقمم لبنانية معروفة مع وزن احمله على ظهري، وتمارين للقلب واللياقة في عيادة في <أوتيل ديو>، فضلا عن التمارين على استخدام <ماسك الاوكسيجين> اذ من اصعب الامور التي نتحداها انخفاض نسبة الاوكسيجين في الهواء خاصة على ارتفاع آلاف الامتار فأعوّد جسدي على كمية الاوكسيجين القليل.

ــ ما هي التجهيزات الاساسية للمتسلق، وهل فعلاً لا تسلق منفرداً للجبال بل في مجموعات يرتبط افرادها بعضهم ببعض بواسطة حبل؟

 - توجد معدات خاصة لتسلق الجبال منها الأحذية الخاصة بالتسلق تصنع نعالها من المطاط المفرز الى نتوءات بارزة تساعد في تثبيت الاقدام على الصخور والثلوج، كما نرتدي ملابس ونظارات خاصة للوقاية من البرد والثلج، وكذلك نتجهز بالحبال واسطوانات الاوكسيجين، مع بوصلة وبلطة لتكسير الجليد ومغارز، وغيرها من المعدات التي تستعمل لأغراض مختلفة، اما التسلق فيجري من ضمن مجموعات.

ــ ما هي اصعب القمم الخمس التي تسلقتها حتى اليوم؟

- <قمة دينالي> وهي اعلى قمة في قارة اميركا الشمالية الا انها زودتني بثقة اكبر بنفسي ومن بعدها بت حاضرة لتسلق <قمة ايفيريست>. كانت قمة صعبة فيها مسار جليدي ومنحدرات قاسية جدا تصل من 40 الى 45 درجة بخاصة بعد علو 4300 متر وهذه لا يمكن ان تتم من دون حبال ومعدات، مع حرارة بلغت الـ60 درجة مئوية تحت الصفر ووزن على الظهر. ساعدنا الطقس، اذ مع بداية تسلقنا كانت هناك عواصف شديدة ومن بعد ان اقتربنا من المخيمات العالية عادت وهدأت العاصفة وحظينا بنهارين ساعدانا جداً.

IMG_0073ــ كم شخصاً كنتم؟ وكم استمرت الرحلة؟

- كنا خمسة وانا الوحيدة من الشرق الاوسط مع متسلقين من اميركا وكندا رجالاً ونساءً. استمرت الرحلة عشرين يوماً للوصول الى <قمة دينالي> عبر مسلك <West Butters>..

ــ وهل تتساوون في الاداء؟

- يقولون انه في الجبل ما من رجل وامرأة، هناك متسلق. ولا تعامل السيدات على انهن اضعف من الرجال لأننا نصبو جميعنا الى الهدف عينه. في الجبل مساواة حقيقية.

ــ هل سبق وتراجعت في تسلق ما وآثرت العودة؟

- حدث ذلك مع تسلقي <قمة دينالي> في المرة الاولى عام 2012 وبناء على رغبة الدليل حينذاك اذ كنت متعبة بعد 16 يوماً في الجبل ووصولي الى الستة آلاف متر، علماً ان المسافة المتبقية كانت قصيرة، لكن في تسلق القمم هناك قاعدة ذهبية وهي التواضع. التواضع ضروري امام الجبل. وبعد سنوات، واكتساب مزيد من الخبرة عدت وتسلقت القمة ورفعت العلم اللبناني في شباط/ فبراير 2017.

ــ هل يواكبكم فريق طبي متخصص اثناء التسلق؟

- في كل تسلق هناك فريق طبي وذلك بحسب صعوبة الجبل. وفي بعض الاحيان وبحسب تشخيص الاطباء قد يطلب من المتسلق العودة، وهذا ما طلب من أحدهم امامي، ذلك ان الارتفاع قد تكون له آثار مؤذية على الرئتين والدماغ وغيرهما من الاعضاء...

 

القمم...

 

ــ تتلقين دعماً كبيراً من السيدة كلودين عون والعميد المغوار شامل روكز. ما اسباب الدعم وهل أتى بناء على معرفة شخصية؟

- الدعم منهما جميل ومحفّز، فالسيدة كلودين رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة والعميد روكز معروف بحبه للرياضة ودعمه لها، وقد حظيت بدعم السيدة كلودين في انشطتي المستمرة الهادفة الى دعم تمكين المرأة اللبنانية كما حصلت على دعم <سباق القمم> مع الجنرال روكز. وانا من المشاركات الدائمات في السباقات مع مغاوير الجيش وقد احتللت المركز الاول في سباق القمم بطول اربعين كيلومتراً من أرز تنورين الى أرز بشري.

ــ تشاركين بتحديات رياضية بعيداً عن الجبال ايضا؟

- نعم لقد شاركت مثلا في سباق <Tour De Suisse> المتعب وهو سباق دراجات، كما اكملت ماراتون بيروت بطول 42 متراً لثلاث مرات. هذه الانجازات تنبئ بما يمكن ان نصل اليه مستقبلا وترفع الحواجز، وهذا ما فتح لي آفاقا جديدة.

ــ كان الراعي لتسلقك القمم المختلفة احد البنوك المعروفة وكنت سفيرتهم. هل سيرافقك المصرف عينه الى قممك المقبلة؟

- لقـــــد كانــــوا داعمــــين لي إلا ان العقـــــد معهم انتهى بتسلقـــي لـ<قمـــــة دينـــــالي> وانا بصدد البحث عن راع جديد الآن.

ــ ماذا عن الدعم الرسمي، وزارة الشباب والرياضة مثلاً؟

- يشرفني الدعم من وزارة الرياضة او شؤون المرأة الا ان هذا الدعم غير موجود حتى اليوم على امل ان يحصل.

ــ ما الذي تحرصين ان تحمليه معك في تسلق اية قمة؟

- هناك تذكارات من الاهل والاصدقاء احملها معي وهي رموز من مختلف الاديان احرص ان تكون في جعبتي، وهذا يشعرني بفخر مضاعف بأنني رياضية تحمل اسم لبنان كله. كذلك فإن <سلحفاة الجبل> هي شعاري، واحملها معي لأنني اعتبرها جالبة للحظ، وانا ألقب بها، فهي رمز للعمل المتأني الدؤوب والبعيد عن المخاطرة غير المحسوبة. تذكرني <سلحفاة الجبل> بـ<الحكمة> في كل خطوة بعيدا عن الاستعجال.

ــ هل تعرفت بمتسلق الجبال اللبناني العالمي مكسيم شعيا ايضا؟

 - لم يحصل ان تلاقينا حتى الآن وآمل ذلك.

ــ ما الذي تعملين عليه كإنجاز رياضي بعد؟

- المضي في تحقيق حلمي بأن اكون اول امرأة لبنانية في طريقي لإكمال تحدي <Explorer Grand Slam> وهو كناية عن تسلق اعلى سبع قمم في العالم والوصول الى القطب الشمالي والجنوبي بواسطة الزلاجات. استعد الآن لتسلق اعلى قمة في <قارة انترتيكا> و<جبل فينسون> و<جبل ايفريست> لأكون بذلك اول امرأة ترفع العلم اللبناني على اعلى سبع قمم في العالم فأحقق انجازاً وطنياً لبلدي.

ــ هل تخشين من <غدرة> العمر والتقدم به، وعدم التسلق مجدداً؟

- أبداً. هناك متسلقون رائعون في السبعينات من عمرهم، وهذه الرياضة لا تتطلب دقات قلب سريعة، والسنوات لا تؤثر فيها مع التمرينات الدائمة والمستمرة.

ــ بعيداً عن الجبال، ماذا عن الارض والمدن اللبنانية التي انت مختصة بالحفاظ على تراثها فأنت الى الرياضة باحثة اكاديمية ايضا. هل تعملين في هذا المجال؟

- بالتأكيد وفي لبنان مجال واسع لترميم الابنية والحفاظ على التراثي منها. لقد نلت شهادة الدكتوراه في <الهندسة الحفاظية على البيئة والتراث الثقافي> من <جامعة لا سابينزا> في روما واحمل شهادة ماجيستير في علوم المحافظة على المدن والمباني التاريخية، وقد تركزت ابحاثي على ابتكار مناهج تهدف الى حماية التراث الثقافي والمحافظة عليه، وبكل تأكيد سأعمل في هذا المجال الجميل والملح في بلدنا.