تفاصيل الخبر

الدكتور فادي جردلي: أغلب الأخطاء الطبية لا تقــع نتيجــة إهمال الـطـبـيــب بــل بـسبـب فـجــوات الـنظـــام الـصـحـــي!  

19/02/2016
الدكتور فادي جردلي: أغلب الأخطاء الطبية لا تقــع نتيجــة إهمال الـطـبـيــب بــل بـسبـب فـجــوات الـنظـــام الـصـحـــي!   

الدكتور فادي جردلي: أغلب الأخطاء الطبية لا تقــع نتيجــة إهمال الـطـبـيــب بــل بـسبـب فـجــوات الـنظـــام الـصـحـــي!  

بقلم وردية بطرس

الدكتور-فادي-جردلي1  

الخطأ الطبي عبارة عن فعل يُرتكب في العمل الطبي من دون قصد. لكن رغم ذلك فإنه يكون قاتلاً في بعض الأحيان فينتج عنه موت المريض. أما أسبابه فعديدة، منها التسرع خلال العمليات الجراحية وعدم الانتباه، فإن شروداً بسيطاً من الطبيب الجراح قد يؤدي الى خطأ طبي، ويجب ان يكون الطبيب الجراح في كامل انتباهه حتى لا يقع فيه، الا انه في كثير من الأحيان لا تساعد حالة المريض ووضعه الصحي المتدهور الطبيب على نجاح العملية فيُعّد حادثاً طبياً اذا ما باءت العملية بالفشل. في هذه الحالة لا يكون الذنب ذنب الطبيب، بل ذنب القضاء والقدر اللذين يحدّدان مصير المريض. فالطبيب في هذه الحالة يبذل ما في وسعه طبياً. اما العوامل التي تؤدي الى وقوع الأخطاء الطبية فهي كثيرة جداً ولا يمكن حصرها، لكن من أهم هذه العوامل هي عدم التزام المؤسسات بالمعايير العالمية للجودة، بالاضافة الى اللجوء لأطباء ليسوا من أصحاب الخبرة والكفاءة. وتجدر الاشارة الى انه لا احصاء دقيقاً لمجموع الأخطاء الطبية المرتكبة في لبنان التي تنتج عنها خسائر في الأرواح، لكن بحسب المتخصصين في ملف الاستشفاء ان ثمة مبالغة في الحديث عن حجم الأخطاء الطبية في لبنان. وفي هذا الاطار يُذكر انه صدر عن وزارة الصحة الأميركية ان نحو 98 ألف شخص يموتون سنوياً في الولايات المتحدة نتيجة الأخطاء الطبية التي تُعد ثامن سبب للوفيات. وتشير مجلة بريطانية متخصصة بالشؤون الطبية الى ان العدد قد يصل الى ثلاثين ألف شخص يموتون سنوياً في بريطانيا بسبب أخطاء طبية، واذا ما أُضيف اليه من يعانون عواقب وخيمة من جراء تلك الأخطاء دون ان تصل بهم الى حد الوفاة، فإن تلك النسبة تصل الى نحو مئة ألف شخص.

وفي حزيران (يونيو) الماضي انشغل الرأي العام اللبناني بقضية الطفلة ايلا طنوس التي تم بتر أطرافها بعد اهمال تعرضت له في احد المستشفيات حسب ما يؤكد والداها. فالطفلة ايلا أُصيبت بحالة اعاقة دائمة بعد تعرضها لاهمال طبي كما ذكر والداها في التقرير المصور الذي عُرض على شاشة التلفزة امام الناس حيث تحدث والداها ان طفلتهما أُصيبت بالتهابات حادة لم يتم تشخيصها بالشكل الصحيح من قبل الطبيب المعالج، مما أوصلها الى حالة اختناق وتسمم بعد فترة من الوقت تطلبت بتر أطرافها لانقاذها. وكان الوزير وائل ابو فاعور هو الذي أخذ على عاتقه احالة ملف الطفلة ايلا الى القضاء بعد مشاهدته التقرير المصور، فطالب بتحويل الطبيب المسؤول الى المجلس التأديبي، ومن ثم سطر مذكرة الى القضاء المختص لايقافه والتحقيق معه، لاسيما وانه كان قد اعترف شخصياً خلال التحقيق معه بإقدامه على خطأ في تشخيص حالة الطفلة. وهذا الأمر استفز نقابة الأطباء في لبنان مما دفعها الى شن هجوم على وسائل الاعلام عامة والمحطة التي عرضت التقرير بشكل خاص معتبرة اياها بأنها تتدخل بشؤون لا تعنيها. واثر تفاقم الوضع بين الطرفين الطبي والاعلامي انقسم الناس بين مؤيد ومناهض لما جرى. فبينما تعاطفت شريحة لا يستهان بها من اللبنانيين مع هذه القضية مطالبة بوضع حد لأخطاء بعض الأطباء التي تسببت في مقتل أكثر من شخص على مدار السنوات الأخيرة، رأت فئة أخرى ان الطبيب هو أيضاً معرّض لارتكاب أخطاء بشرية كغيره من الناس، ولذلك يجب ان يتم التحقيق في هذه الأمور قبل اطلاق الاتهامات.

وبذلك أصبحت مسألة الأخطاء الطبية تشغل الرأي العام اللبناني في كل ما يتعلق بالخدمات الصحية، وخصوصاً منذ انطلاق التغطية الاعلامية المكثفة لقضية الطفلة ايلا طنوس. وفي حين تظهر مبادرات مختلفة من جهات معينة لحل هذه الأزمة، لا تزال الأدلة والبراهين العلمية تغيب عن معظم النقاشات والحوارات. فبين عامي 1996 و2013 تم تقديم أكثر من ألف شكوى متعلقة بممارسات طبية خاطئة او غير سليمة الى نقابة الأطباء. وقد ركزت التحقيقات التي أجرتها النقابة على الأطباء بشكل أساسي باعتبارهم الفاعلين الرئيسيين في الأخطاء الطبية، بالرغم من ان الأبحاث العلمية تشير الى ان غالبية الأخطاء تقع نتيجة إخفاقات على مستوى المؤسسات والنظم الصحية وليست دائماً نتيجة إهمال شخصي.

 

الدكتور جردلي والنظام الصحي

 

ولإبراز البراهين والأدلة العلمية حول الأسباب والمسؤوليات التي تنتج عنها الأخطاء الطبية، قدم مركز ترشيد السياسات الصحية في لبنان في كلية الصحة في الجامعة الأميركية، الموجز المعرفي للسياسات العامة الذي استعرض فيه الأدلة العلمية والموضوعية الدامغة حول مشكلة الأخطاء الطبية وأسبابها.

فكيف يمكن خفض عدد الأخطاء الطبية في لبنان؟ وكيف يمكن الاستفادة والتعلم منها لتفادي حدوثها؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها <الأفكار> على الدكتور فادي جردلي الحائز شهادة <الماجستير> في الصحة العامة من الجامعة الأميركية في بيروت، والذي أكمل دراساته العليا في كندا حيث درس السياسات العامة وتحديداً السياسة الصحية في كندا وحاز شهادة الدكتوراه في السياسات العامة، ثم عمل في وزارة الصحة الفيدرالية في كندا، ومستشاراً للسياسات الصحية في وزارة الصحة في كندا، وأيضاً عمل في وزارات الصحة العامة التابعة لولاية <أونتاريو>، ثم عمل في مؤسسة <Health Council of Canada> وعاد الى لبنان منذ بضعة أعوام وتحديداً الى الجامعة الأميركية وأنشأ مركز ترشيد السياسات الصحية. وسألناه بداية عن نسبة حدوث الأخطاء الطبية في لبنان فأجاب:

- ان مسألة الأخطاء الطبية تشغل الرأي العام اللبناني خصوصاً بعدما وقع بعضها. نحن لا نعرف ما هي نسبة حدوث الأخطاء الطبية في لبنان بسبب عدم التبليغ عن معظمها. وطبعاً لذلك تداعيات تؤثر سلباً على العاملين في المجال الصحي، وتؤثر على المريض والنظام الصحي بشكل عام. والأخطاء الطبية تقع في كل البلدان وليس في لبنان فقط، ولكن ليس لدينا الدراسات المنهجية التي تبين لماذا وقع الخطأ الطبي؟ وما هي المسببات التي أدت لذلك؟ وكيف يمكن التعلم من الخطأ وتفادي حدوثه؟ فاليوم عندما تتناول وسائل الاعلام موضوع الأخطاء الطبية تطلق عليها أحكاماً سريعة غير مبنية على ادلة، ولا تنتظر نتائج التحقيقات.

ويتابع الدكتور جردلي قائلاً:

- فلنطرح الموضوع من زاوية الـ<System Error> أو الخطأ بالنظام، بمعنى لا يمكن القول انه عندما يقع خطأ طبي يكون الطبيب قد قرر ان يقوم بذلك الخطأ، بل إن ذلك يحدث نتيجة تراكمات، مثلاً عدم وجود الأدوات او المعدات الطبية اللازمة، أو يكون الأمر له علاقة بالضمان الصحي او الخدمات الصحية التي تقدمها الدولة، وبالتالي اذا نظرنا الى هذه الدراسة نرى ان الأخطاء الطبية لا تحدث نتيجة اهمال فردي بل بسبب فجوات موجودة في النظام الصحي والمؤسسات ككل، وفجوات في تعليم الأطباء والممرضين، وفجوات على مستوى كفاءة الأشخاص، لذا من الضروري اظهار الأدلة والبراهين عند وقوع الأخطاء الطبية.

 

كيف نمنع حدوث خطأ طبي؟

 

ــ وكيف يمكن تقليل عدد الأخطاء الطبية في لبنان؟

- بهدف الوصول الى تفاهم شامل على أسس علمية، والقيام بمبادرات تؤدي الى تحسن ملموس في خفض عدد الأخطاء الطبية ونتائجها السلبية على المرضى، نظم مركز ترشيد السياسات الصحية <K2P> وبالتعاون مع وزارة الصحة العامة في لبنان حوار السياسات العامة تحت عنوان <معالجة موضوع الأخطاء الطبية في المؤسسات الصحية في لبنان>. وركزنا في الحوار على أهمية ان نبدأ من الآن وصاعداً بعدم طرح السؤال: من قام بالخطأ الطبي؟ بل أن نسأل ما الذي أدى الى وقوع الخطأ؟ وكيف يمكن منع حدوثه في المرة المقبلة؟ يجب ان يؤدي الأمر الى تحسين سلامة المريض. ان مسألة الأخطاء الطبية أصبحت تشغل الرأي العام اللبناني في كل ما يتعلق بالخدمات الصحية وخصوصاً منذ انطلاق التغطية الاعلامية المكثفة لقضية الطفلة ايلاّ طنوس، فنحن منذ ان بدأت قضية الطفلة ايلاّ انطلقنا من هذا الموضوع، اذ ان للمركز مسؤولية واذا لم نلقِ الضوء على هذه المسألة ستمر كأي حادثة، ويجب ان نعمل لتحسين سلامة المريض. وقد حاولنا ان نغير من المفهوم الخاطىء الذي يحمل الطبيب مسؤولية الخطأ الطبي، بينما الأمر متعلق بأمور عديدة ذكرناها في سياق الحديث. وبما يتعلق بقضية الطفلة ايلاّ طنوس، فالحادثة لم تكن نتيجة خطأ الطبيب بل نتيجة فجوات متعددة على صعيد نظام الطوارىء والى ما هنالك، لهذا يجب النظر الى النظام الصحي ككل وليس فقط على مستوى فردي.

دراسة وحوار لحل مشكلة

الأخطاء الطبية

ويتابع قائلاً:

- لقد قمنا بالدراسة وتناولنا في الحوار أربعة عناصر يتم اعتمادها في المقاربات لحل الأزمة:

- العنصر الأول: يختص بتحسين الادارة السريرية من خلال دمج المبادىء التوجيهية السريرية المبنية على البراهين العلمية، وتدريب وتقييم أداء العاملين في المجال الصحي. ففي كل دول العالم هناك ما يُعرف بالمبادئ التوجيهية السريرية المبنية على البراهين العلمية، بينما ذلك غير متوافر في لبنان اذ ليس لدينا نظام لتقييم أداء الطبيب بشكل مهني، مع العلم ان هناك مشروعاً في المجلس النيابي لتحسين تقييم أداء العاملين في المجال الصحي وخصوصاً اداء الأطباء. كما انه في المناهج التعليمية لا يتم تعليم الطلاب الذين يدرسون الطب ما يتعلق بالجودة وسلامة المرضى، ولهذا يجب ان يتم إدخال هذه المادة الى المناهج التعليمية. وهناك أمر له علاقة بالتدريب إذ يجب ان يُدرب العاملون في المجال الصحي على أهمية كشف الأخطاء.

- العنصر الثاني: يتعلق باصدار وتطبيق سياسات تعزز عملية التبليغ عن الأخطاء الطبية بشكل سري، وتعزيز ونشر ثقافة الرد غير العقابي من جهة أخرى. فالتبليغ عن الأخطاء الطبية يجب يجب ان يحدث في كل المؤسسات الصحية. ويجب الا نكتفي بمعرفة الخطأ الطبي بل يجب التعلم من ذلك الخطأ لتفادي حدوثه مرة ثانية.

- العنصر الثالث: مراجعة وتحديث معايير أنظمة الاعتماد الحالية للمؤسسات الصحية لضمان احتوائها على أهداف سلامة المرضى ومؤشرات الأداء. وبما يتعلق بتحديد أنظمة الاعتماد، فلقد بدأ ذلك في وزارة الصحة 1111لتكوّن معايير لها علاقة بصحة المريض، ويجب ان تكون هناك مؤشرات وادلة على سلامة المريض.

- العنصر الرابع: تمكين المرضى ومساندتهم وتوعيتهم على الدور الذي يمكن أن يلعبوه في ما يختص بسلامتهم، واشراكهم في عملية اتخاذ القرارات التي تتعلق بصحتهم. اذاً يجب تمكين المريض من معرفة بعض الأمور لتفادي حدوث الخطأ الطبي. فمثلاً على المريض واهله ان تكون لديهم معلومات عن الدواء الذي يصفه الطبيب، لكي يعرفوا ما اذا كان يناسبه وطريقة تناوله وما الى هنالك... هذه العناصر المهمة يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار.

وأضاف:

- لقد جمع هذا الحوار الذي عُقد على شكل جلسة مغلقة لمدة أربع ساعات، ممثلين عن كل من: وزارة الصحة العامة في لبنان، نقابة الأطباء، نقابة المستشفيات، نقابة الممرضات والممرضين، نقابة صيادلة لبنان، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، منظمة الصحة العالمية، والصليب الأحمر اللبناني، بالإضافة الى مدراء عامّين لمستشفيات ومراكز العناية الصحية الأولية، وجمعيات غير حكومية (تُعنى بالشأن القانوني) وأكاديميين وأطباء. وقبيل الحوار اطلع الجميع على الموجز المعرفي للسياسات العامة الذي مكّنهم من المشاركة في الحوار بطريقة منهجية وعلمية. ولقد أعرب مدير عام وزارة الصحة الدكتور وليد عمار عن أهمية حوار السياسات، والدور الذي يلعبه مركز ترشيد السياسات الصحية عبر ارساء جميع عناصر مقاربة موضوع الأخطاء الطبية على اسس علمية وقال: <ما قام به المركز اليوم هو خطوة علمية أولى وفريدة من نوعها لمحاولة تحديد أسباب المشكلة وايجاد الحلول>.

ــ وبرأيك كيف يمكن لوسائل الاعلام ان تلعب دوراً في هذا الخصوص؟

- على وسائل الإعلام الا تتسرع بإطلاق الأحكام سريعة، ويجب ألا تظهر للرأي العام بأن اي خطأ طبي يقع هو خطأ فردي، بل يجب ان تسأل عن الأسباب التي أدت الى ذلك وكيف يمكن تفادي حدوثها؟

ــ وهل تحدث أخطاء طبية ولا يتم التبليغ عنها؟

- هناك حالات تقع ولا أحد يعرف بها لأنه لا يتم التبليغ عنها لأسباب مختلفة، وهذا ما نخشاه، كما انه يجب التنبه لأمر الا وهو أنه لا يمكن اطلاق أحكام سريعة في وسائل الاعلام قبل التأكد مما حصل. والأهم ان يُصار الى التعلم من أي خطأ طبي يقع لتفادي حدوثه مرة أخرى.