تفاصيل الخبر

الدكتور الاختصاصي في الجهاز الهضمي اياد عيسى: ضعف جهاز المناعة لدى اللبنانيين ناجم عن التلوث وأزمة النفايات والتوتر

08/04/2016
الدكتور الاختصاصي في الجهاز الهضمي اياد عيسى: ضعف جهاز المناعة لدى اللبنانيين ناجم عن التلوث وأزمة النفايات والتوتر

الدكتور الاختصاصي في الجهاز الهضمي اياد عيسى: ضعف جهاز المناعة لدى اللبنانيين ناجم عن التلوث وأزمة النفايات والتوتر

 

بقلم وردية بطرس

food--2  

تنتشر في بيئة الانسان والحيوان أنواع كثيرة من الميكروبات المفيدة والضارة، ومنها الفيروسات والبكتيريا والطفيليات والفطريات، وإن أغلب هذه الميكروبات مفيدة ومهمة لحياة الانسان بشكل مباشر وغير مباشر، وخصوصاً الأنواع التي تستقر وتتكاثر بصورة طبيعية وبأعداد كبيرة في الامعاء وتخرج مع البراز، وفي مقدمتها بكتيريا القولون. ولكن على الجانب الآخر، هناك أنواع قليلة من الميكروبات المعدية التي تؤدي الى الأمراض والوفيات اذا وصلت الى الجهاز الهضمي للانسان وحتى لبعض الحيوانات الأليفة التي يتغذى عليها الانسان. وتدل الدراسات وتقارير <منظمة الصحة العالمية> وغيرها بأن هناك ملايين الأشخاص يمرضون سنوياً نتيجة تلوث المياه وتسمم الطعام. ويُعتبر الماء والطعام الوسيلتين الأسهل لنقل الميكروبات، لذلك يجب منع تلوثهما بالميكروبات للمحافظة على الصحة العامة في اي تجمع بشري. وقد يحدث ان تصل الى أمعاء الانسان او الحيوان أنواع من الميكروبات وتتكاثر هناك بأعداد كافية مسببة الاسهال. وقد يصبح الانسان أو الحيوان بعد المرض حاملاً مؤقتاً او مزمناً لهذه الميكروبات المعدية ولفترات محدودة تستمر من أيام الى أشهر، وقد تبقى بعض الميكروبات كامنة داخل الجسم طوال حياة الشخص المصاب مثل <السالمونيلا> المسببة لحمى التيفوئيد. ولهذا يجب اعتبار فضلات الانسان أو الحيوان عاملاً محتملاً لنقل الميكروبات المعدية، وان اي تلوث يلحق بمياه الشرب او مصادرها عن طريق هذه الفضلات مباشرة او عبر مياه المجاري سيؤدي حتماً لحدوث حالات مرضية فردية او جماعيــــة بشكل أوبئة يزداد عدد المصابين بها مع مقدار التلوث الحاصل.

وفي الماضي كان العلاج مرتبطاً بما توفره الطبيعة، وقد كان هناك مختصون بالعلاج بالأعشاب، وكان الناس يلجؤون إليهم لعلاج أطفالهم أو لوصف الدواء لهم، وكانت العلاجات تختلف باختلاف الأمراض، ولكنهم كانوا يتمتعون بمناعة طبيعية تقيهم من التقاط الفيروسات والجراثيم. أما في يومنا هذا ومع ارتفاع نسبة التلوث، تأتي أزمة النفايات <لتزيد الطين بلة> وتهدد صحة الناس، فأصبحت الأجسام ضعيفة وأصبح جهاز المناعة لديهم ضعيفاً، مع العلم انه ونظراً لتعرض اللبنانيين للتلوث منذ سنوات فقد أصبحت لديهم مناعة حتى عندما يتناولون أطعمة ملوثة وفاسدة ويشربون مياه ملوثة...

وتجدر الاشارة الى ان جهاز المناعة هو منظومة من العمليات التي تقوم بها أعضاء وخلايا وجسيمات داخل جسم الانسان بغرض حمايته من الأمراض والسموم والخلايا السرطانية والجسيمات الغريبة. فهذه المنظومة الحيوية تقوم بالتعرف على مسببات المرض مثل الميكروبات او الفيروسات وتحييدها او ابادتها. ويميز جهاز المناعة السليم ما بين خلايا الجسم السليمة وأنسجته الحيوية وبين كائنات غريبة عنه تسبب المرض. فالجهاز المناعي للجسم يستطيع التعرف على أعداد لا تُحصى من <الانتي ــ جينات> والأجسام الغريبة ضمنها الفيروسات والطفيليات والميكروبات. وجميع الكائنات الحية لها منظومة للوقاية من المرض، فحتى البكتيريا لها آلية لحمايتها، وهو ما يُعرف بـ<المناعة الطبيعية>. تلك المناعة الطبيعية متوارثة، يأخذها النسل عن الأباء، ثم تطورت آليات حماية الجسم من المرض في الفقريات ونشأ فيها ما يُعرف بمناعة مكتسبة، تحمي بطريقة أفضل من <الأنتي ــ جينات> الضارة. ولقد تطور جهاز المناعة مع مرور الزمن وتعقد ليشمل ما يُعرف بالمناعة المكتسبة والذاكرة المناعية والتي بفضلها أصبح الجهاز المناعي لدى الانسان يستطيع التعرف على عدد غير محصور من الجسيمات ويستطيع غالباً التعامل بكفاءة مع مختلف الكائنات المتسببة للمرض.

ويحمي نظام مناعة الانسان من الاصابة بأمراض بعدد من خطوط الدفاع المتتالية والمختلفة التخصصات. فمثلاً الجلد كنظام مناعة طبيعي يمنع دخول مسببات المرض من بكتيريا او فيروسات الى جسم الكائن الحي. فاذا حدث ان اخترق أحد مسببات المرض حاجز الجلد، فان جهاز المناعة يقوم بمقاومة المرض. وتوجد أنظمة للمناعة الطبيعية لدى جميع النباتات والحيوانات.

ويتألف جهاز المناعة من أجزاء عديدة تعمل معاً للدفاع عن الجسم ضد الأمراض التي تنتج عن غزو السموم للجسم البشري. والسموم هي الكائنات المسببة للمرض مثل البكتيريا والفيروسات. ويستجيب جهاز المناعة ضد المواد الغريبة عبر سلسلة من الخطوات تُسمى <الاستجابة المناعية>. وتدخل أنواع عديدة من الخلايا في الاستجابة المناعية ضد المضادات، ومنها اللمفاويات والخلايا المهيئة للمضادات.

تلوث نظامنا الغذائي

 

والتسمم الغذائي هو عبارة عن مجموعة عوارض تنتج عن تناول أطعمة ملوثة بالبكتيريا او السموم التي تنتجها هذه الكائنات، كما ينتج التسمم الغذائي عن تناول الأطعمة الملوثة بأنواع مختلفة من الفيروسات والجراثيم والطفيليات والمواد الكيمائية السامة مثل التسمم الناتج عن تناول الفطر، ويقال ان التسمم الغذائي قد يتفشى اذا حدث ان عوارض المرض قد ظهرت لدى أكثر من شخصين، وقد أظهرت الدراسات المخبرية ان الغذاء المتناول هو السبب المباشر عن طريق زرع البكتيريا المسببة للتسمم، ويشكّل التسمم الغذائي الناتج عن البكتيريا السبب الرئيسي في أكثر من 80 بالمئة من حالات التسمم الغذائي. ويُعتبر التسمم الغذائي الناتج عن <السالمونيلا> أشهر هذه الأنواع، وفي بعض الدراسات يشكّل 50 بالمئة من حالات التسمم الغذائي البكتيري، وتشكّل <السالمونيلا> مجموعة كبيرة من البكتيريا تُقدّر بـ20000 صنف، ومن الممكن رؤية هذه البكتيريا وغيرها في مياه الصرف الصحي، ومياه الأنهار، ومياه البحار. وتنتقل هذه الأنواع من البكتيريا في الطبيعة عن طريق الحشرات والأغذية والبراز، وعلى الرغم من وجود هذه البكتيريا بكثرة في الطبيعة الا ان حالات التسمم الغذائي محدودة، وغالباً ما يكون الأطفال دون السنة والكبار بعد سن الستين الأكثر عرضة لهذا التسمم. وإن 50 بالمئة من الحالات ينتقل فيها التسمم البكتيري عن طريق الدواجن، والبيض، واللحوم، والحليب ومشتقاته. وتتوطن <السالمونيلا> في الحيوانات المنزلية مثل الدجاج والبط والأبقار وبقية الحيوانات المنزلية. اما بالنسبة للحوم المصنعة، فقد توجد <السالمونيلا> في كثير منها والتي لم يتم حفظها بطريقة سليمة، أو التي تم تحضيرها بطريقة غير صحيحة أو التي او تم استهلاكها بعد فترات طويلة.

الدكتور أياد عيسى يتناول

الفيروسات التي تدخل الى الجهاز الهضمي

 

فالى أي مدى أصبح غذاؤنا ملوثاً ويهدد صحة اللبنانيين؟ وما هي المشاكل التي تصيب الجهاز الهضمي بسبب الغذاء الملوث؟ وما هو دور جهاز المناعة لحماية الأجسام من الفيروسات والجراثيم؟ وهل صحيح ان اللبنانيين أصبح لديهم مناعة تجاه الغذاء الملوث والمياه الملوثة نظراً لتعرضهم للتلوث منذ سنوات طويلة ولا يزالون؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها <الأفكار> على الدكتور اياد عيسى الاختصاصي في الجهاز الهضمي، وسألناه:

ــ ما هي المشاكل التي تصيب الجهاز الهضمي بسبب الغذاء الملوث والمياه الملوثة؟

- نلاحظ في الفترات الأخيرة بأن هناك التهابات في الرئة والجهاز الهضمي بسبب ارتفاع نسبة التلوث سواء عن طريق الغذاء الملوث او الهواء الملوث. وعندما نتحدث عن المشاكل التي تصيب الجهاز الهضمي، فنرى حالات وعوارض اما عن طريق التقيؤ أو الاسهال، وبالتالي عندما يدخل الفيروس الى الجهاز الهضمي تظهر العوارض اما من خلال التقيؤ، واما يصل الى المصران فيسبب الاسهال. ان بعض الفيروسات التي تدخل الى الجهاز الهضمي تزول من دون علاج، والبعض الآخر يحتاج للأدوية والعلاجات والمصل، ولكن لحسن الحظ معظم الحالات لا تتطلب العلاج بل يُشفى المريض تلقائياً.

ويتابع الدكتور عيسى:

- تقريباً من 15 الى 20 بالمئة من الفيروسات التي تصل الى المصران تكوّن بكتيريا التيفوئيد (ان حمى التيفوئيد هو مرض معدٍ ينتج من أكل او شرب المواد الملوثة بأنواع معينة من <السالمونيلا>، وهو مرض وبائي تسببه جرثومة <السالمونيلا> ويصيب مختلف الأعمار، وينتقل بشكل رئيسي عن طريق الماء والطعام الملوثين بالفضلات). و<السالمونيلا> تزيد وتتكاثر عندما تنعدم النظافة. وطبعاً هذه الفيروسات التي تدخل الى الجهاز الهضمي تؤثر كثيراً على الأشخاص المصابين بأمراض القلب والسكري وغيرها من الأمراض المزمنة. وطبعاً فإن المسنين لا يتحملون كما الشباب عند التقاطهم مثل هذه الفيروسات، ولهذا ننصح دائماً بشرب السوائل لتقوية جهاز المناعة.

دور جهاز المناعة لحماية الجسم من الفيروسات

ــ ما أهمية جهاز المناعة ودوره في منع التقاط الفيروسات وما شابه؟

- طبعاً يلعب جهاز المناعة دوراً مهماً في حياة الانسان، وجهاز المناعة يضعف ليس بسبب اصابته بالمرض الجسدي بل أيضاً على الصعيد النفسي، فعندما يتعرض الانسان لضغط نفسي وتوتر تضعف المناعة لديه، وللأسف يعيش اللبنانيون اليوم في أجواء من التوتر والضغط النفسي، ناهيك عن التلوث وأزمة النفايات وغيرها من المشاكل التي تثقل كاهلهم، فتؤدي الى ضعف جهاز المناعة لديهم على الصعيد الجسدي والنفسي.

ويتابع:

- عندما تدخل الجرثومة الى جسم الانسان تظهر عوارض مثل الاسهال وارتفاع درجة الحرارة، لكن مناعة الجسم تقاوم هذه الجرثومة، فعندما تظهر هذه العوارض يكون الجسم قد قاوم الجرثومة ويتغلب عليها حالما تظهر لديه هذه العوارض. اذاً عندما يحدث اسهال او ارتفاع في درجة الحرارة، معنى ذلك ان الجسم قد قام بردة فعل عندما دخلت الجرثومة الى جسمه، ولكن المهم ان يتغلب الشخص على العوارض، ففي بعض الحالات تزول الجرثومة من تلقاء نفسها. فاذا استمرت العوارض ليومين ثم تحسّن المريض يعني انه قد تم القضاء على البكتيريا او الجرثومة، بينما هناك عوارض تكون لها مضاعفات وتسبب الارهاق والدوخة للشخص، وهي تتطلب العلاج.

ــ ما مدى صحة الكلام بأن اللبنانيين أصبحوا يتمتعون بمناعة قوية لانهم اعتادوا على تناول الأطعمة الملوثة وشرب المياه الملوثة منذ سنوات عديدة، وخصوصاً الآن مع تفاقم أزمة النفايات؟

- صحيح انه أصبح لدى اللبنانيين مناعة قوية تجاه الأطعمة الملوثة والمياه الملوثة، اذ نلاحظ ان الشعوب في البلدان التي تُصنف أقل نظافة من البلدان التي تُعد نظيفة لا تتأثر بالتلوث كما الشعوب في البلدان النظيفة، فمثلاً عندما يأتي الزوار من دول اسكندنافية التي تُعد من أنظف البلدان الى لبنان يمرضون عندما يتناولون طعاماً ملوثاً، بينما نحن اذا سافرنا الى أوروبا فلا نمرض اذا تناولنا من مأكولاتها او شربنا من مياهها الى ما هنالك. وبالتالي كلما تعرض الانسان للجراثيم تصبح مناعته قوية. ولكن طبعاً اذا ظل الجسم يتعرض للجراثيم فسيضعف الجسم، وعندما يحدث ذلك يُصاب الشخص بالمرض.

المياه الملوثة

الدكتور-أياد-عيسى--1

ــ وماذا عن المياه الملوثة؟

- بما يخص الطعام فعندما تُطهى اللحوم او الخضار الى ما هنالك يتم القضاء على الجراثيم، بينما شرب المياه الملوثة يشكّل خطورة على صحة الانسان، ونسمي هذه الحالة <Food Poisoning> او التسمم الغذائي الناتج عن المياه الملوثة والطعام الملوث أيضاً، وعندما يُصاب الشخص بالتسمم الغذائي تظهر عوارض مثل الاسهال الحاد والتعب، واذا كانت المناعة ضعيفة فلن يتمكن من مواجهة التلوث.

ــ وكيف نحمي أنفسنا من المياه الملوثة؟

- في الحقيقة لا نقدر ان نحمي أنفسنا من المياه الملوثة لأنه اذا كانت المياه ملوثة وشربنا منها فلا نقدر ان نحمي أنفسنا منها. ربما يمكن للناس ان يقوموا بغلي المياه اذا كانت ملوثة او وضعها تحت أشعة الشمس لمدة عشر دقائق، بمعنى آخر نحاول قدر الامكان حماية أجسامنا من المياه الملوثة.

 

 

غسل الخضار

والفاكهة بالمطهرات

 

ــ واذا قمنا بغسل الخضار والفاكهة بمياه ملوثة، فماذا ستسبب من مشاكل في الجهاز الهضمي؟

- طبعاً على كل شخص ان يتأكد من غسل الخضار والفاكهة بمياه نظيفة، ولكن للأسف يعاني اللبنانيون من المياه الملوثة، ولهذا ننصح الجميع بغسل الخضار والفاكهة بالصابون والمطهرات لأنها فعالة خصوصاً المطهرات لأنها تقتل الجراثيم، واليوم المطهرات متوافرة في كل الصيدليات ومن الضروري استخدامها لحماية أنفسنا من الجراثيم الناتجة عن المياه الملوثة التي نقوم بغسل الخضار والفاكهة بها. لا شك ان هناك مشكلة كبيرة بسبب الجراثيم والتي ستزداد مع ارتفاع درجات الحرارة اي مع قدوم فصل الصيف، وبالتالي يجب التنبه لهذه الأمور خصوصاً اذا لم نكن نطهي الخضار او الطعام، اذ ان الطعام النيء اكثر خطورة اذا كان ملوثاً، ويجب ان يعرف الشخص مصدر المياه اذا كان خارج المنزل اي ان يتأكد بأن المياه صالحة للشرب، وطبعاً المطلوب تأمين مياه نظيفة للأطفال لأن مناعتهم ضعيفة ولن تقدر أجسامهم أن تتغلب على الجراثيم كما الكبار. وبالتالي يجب التأكد من مصدر المياه قبل تقديمها لأطفالنا.

ــ وهل الأشخاص الذين لديهم جهاز مناعي قوي أقل عرضة للاصابة بالأمراض اذا التقطوا الفيروس؟

- طبعاً الفيروس يؤثر على الانسان، ولكن الأشخاص الذين يتمتعون بجهاز مناعي قوي يتغلبون على الفيروسات أكثر.

ــ في الماضي كان الناس في القرى يلجؤون الى الأعشاب وما شابه لمعالجة أمراضهم اذ كانت لديهم مناعة طبيعية بينما في يومنا هذا أصبحت الأجسام ضعيفة، ما رأيك؟

- هذا صحيح في الماضي كان الناس يتمتعون بمناعة قوية وكانوا يلجؤون الى الأعشاب للعلاج الى ما هنالك، فكل الأدوية مصدرها او أساسها أعشاب، ولهذا فهناك أعشاب مهمة ومفيدة لجسم الانسان مثل اليانسون والزهورات لأنها تساعد على الهضم وتريح الأجسام.