تفاصيل الخبر

الـدبـكـــة اللـبـنـانـيــــة عــــادت الــى الـضـــــوء فـــي مـعـاصـــر الـشـــــوف عـــــلـى يـــــد جـمـعـيــــــة ”جـبـلـنــــــــا“!  

19/08/2016
الـدبـكـــة اللـبـنـانـيــــة عــــادت الــى الـضـــــوء فـــي مـعـاصـــر  الـشـــــوف عـــــلـى يـــــد جـمـعـيــــــة ”جـبـلـنــــــــا“!   

الـدبـكـــة اللـبـنـانـيــــة عــــادت الــى الـضـــــوء فـــي مـعـاصـــر الـشـــــوف عـــــلـى يـــــد جـمـعـيــــــة ”جـبـلـنــــــــا“!  

بقلم عبير انطون

1---16  

هي اللمة والعونة واتحاد الايادي والقلوب والعزة والفخر وشراكة الفرح، وهي الوجدان الشعبي والعمود الفقري للفولكلور اللبناني. الدبكة في لبنان، من جذور هذا الوطن وتراثه تعود اليوم من خلال مهرجان <بدك تدبك> الذي تنظمه جمعية <جبلنا> الشوفية على امتداد نهار كامل في الرابع من ايلول/ سبتمبر المقبل. فالدبكة التي زينت سهرات اجدادنا على اغاني كبارنا، وخبطت على انغامها اقدام اهالينا بالطربوش الاحمر والشروال اللبناني وفساتين الصبايا، لم يعد لها في حاضرنا اليوم الا بعض لوحات نراها في اعراسنا او حفلاتنا وكأنها الفاكهة <الاكزوتيك> البعيدة عن تراثنا وعاداتنا علما انها كانت من صلب احتفالاتنا وقد تجذرت عميقا لتدخل مفردات حربنا... لما كنا نقول <دبكت> بين المحاور المتقاتلة..

منذ مدة ظهر اعلان بسيط في مطار بيروت عند السوق الحرة حيث التم الشبان والشابات للدبكة ما اثار الاعجاب وسط ذهول الحاضرين والمسافرين. وفرقة <هياكل بعلبك> من شيوخ بعلبك لهي تجسيد رائع لما كان في تلك الحقبة من زمن جميل، من دون ان ننسى طبعاً المسارح اللبنانية العريقة من الرحابنة الى عبد الحليم كركلا التي لا تنفك تعيدنا الى الجذور. اليوم ايضاً ينضم مهرجان <معاصر الشوف> الى المطالبين بعودة إحيائها، ففي الدبكة ما يتخطى حدود الرقص الى ما هو ابعد بكثير.

الجذور..

الدبكة رقصة فولكلورية شعبية منتشرة في بلاد الشام وهي تمثل التراث الفلكلوري لهذه البلدان. وتتألف هذه الرقصة من مجموعة تزيد عادة عن عشرة أشخاص يدعون <دبيكة> ومن عازف الأرغول والطبل. والدبكة رقصة شرقية جماعية معروفة في فلسطين، لبنان، سوريا، الأردن، تركيا، والعراق وكذلك في شمال السعودية، تنشد خلالها الأغاني الشعبية المشهورة كأغنية <الدلعونا> و<الروزانا> و<ظريف الطول> وغيرها وتؤدى على ألحان آلات موسيقية تقليدية، مثل: الناي، والمجوز،والطبل، والرق، والكاتم، والمزهر، والمنجيرة، والدف، وغيرها.

اما في لبنان فالدبكة قديمة العهد الا ان مسيرة تطورها بدأت في العام 1957 عندما أقيم أول مهرجان لـ«الدبكة الشعبية» في مدينة بعلبك، ومن حينه بدأ هذا الفن ينتشر محلياً، وإقليمياً، ودولياً، عبر فرق لبنانية راقصة. وللدبكة انواع منها <الدلعونا> الشمالية و<الهوارة> و<الغزيل> و<البدوية> و<السويلي> و<الحدو> و<الكرادية العادية> وتختلف طرق تأديتها حسب الاغنية او اللحن. وقد اشتهرت صباح بأغنيات الدبكة ومعها فريق راقص مدرب أحسن تدريب.

 يقول الفنان علي حليحل ان «الدبكة» اللبنانية جذورها بدوية، وهي رقص جماعي قبلي، وتعد «الدبكة» من طباع الشعب اللبناني، حيث تملك كل بيئة، وكل منطقة، وكل عشيرة، رقصاتها وطقوسها، حسب جغرافيتها بدءا من عائلة آل صلح في بعلبك، وكان زكريا صلح (أبو يحيى)، ومحمد صلح (أبو ماجد) أهل الدبكة فيها، مروراً بأهل حوران في سوريا، وصولاً إلى الأكراد في القامشلي. ولا ننسى رقصات أبناء البترون في الشمال، وقد أحصيت أكثر من 10 أشكال منها، فيما لدى أبناء عكار 4 دبكات أهمها «دبكة عرب» ذات الجذور العكارية التي وصلت لاحقاً إلى مدينة تلكلخ في سوريا.

ووفق حليحل، فإن لكل نوع من أنواع «الدبكة» أصلا، فـ«البدوية» تعود للبدو الآتين من نجد في الحجاز، وأصحابها أتوا منذ نحو 400 سنة وسكنوا هنا، ثم اعتمدوا عندنا «نقلة» مستحدثة خاصة بهم، لأنه ليس ثمة دبكة في نجد. وتعد رقصتا «الدلعونة»، و«الهوارة» في محافظتي جبل لبنان والبقاع وبعض قرى الجنوب، الأكثر شيوعا بين أنواع «الدبكة»، نظراً للحماس وجمال تأديتهما..

 

<بدك تدبك؟>

مع رئيسة جمعية <جبلنا> مطلقة فكرة <بدك تدبك> كان لقاء لـ<الأفكار> وإطلالة على الهدف الذي تسعى اليه الجمعية عبر اقتراحه على وزارة الثقافة حتى يعود للدبكة عزها. فما هو الهدف المرسوم؟ ولماذا الدبكة وحلقاتها؟

يولا نجيم، المهندسة العائدة بجائزة دولية، ورئيسة جمعية <جبلنا> تتحدث عن الفكرة:

- كنا، عفوا على الكلمة، في <المزبلة> العام الماضي مع اكوام النفايات في كل المناطق. ارتأينا ان نحيد اللبنانيين عن هذا الجو فكانت فكرة الدبكة وهي عرفت اقبالاً ونجاحاً رائعين فقررنا ان نمضي بها لهذا العام أيضاً خاصة وانها مختلفة بشكل جذري عن انواع المهرجانات الصيفية المعروفة في بلدنا. تم اعداد <بدك تدبك> المنبثق عن جمعية <جبلنا> في خلال شهر واحد فدعونا ست فرق دبكة محترفة منها المعروف على نطاق واسع ومنها المحلي، الا اننا لم نتجه للاسماء الكبيرة والمعروفة كفرقة <كركلا> مثلا حتى لا يسرق الوهج من امام الفرق المشاركة، وكان يوم الدبكة الوطني بامتياز، وهو اقرب الى ورش عمل حول الدبكة شارك فيها حوالى 500 شخص طوال النهار، من الحادية عشرة صباحاً حتى الحادية عشرة ليلاً، بحيث يأتي الزوار الى ساحة المعاصر ويشاركون مع الفرق الراقصة، ثم يتوقفون لتناول الطعام ليحل غيرهم مكانهم وهكذا دواليك في عرس قروي بديع. اكتسبت هذه الدبكة من القلب معنى اكبر من كونها مجرد رقصة، فإذا بالزائرين من مختلف المناطق يمسكون بأيدي بعضهم البعض، الكتف على الكتف ويرتفعون عن الارض وكأنهم بهذا الجو الجميل يغيبون عن مشاكلهم المختلفة ثم يعودون ليخبطوا بأقدامهم بقوة وكأنها جذورهم يضربونها في الارض مؤكدين بأنهم لن يتركوها مهما حدث..المشهد كان رائعاً، وقد لفتت الانظار العام الماضي ايضاً فرقة شاركتنا من منطقة دير الاحمر في البقاع لم ندعها رسمياً الا انها شاركت بمبادرة حلوة منها، وكان افرادها مميزين اذ يشكلون فرقة عائلية مكونة من الاهل والابناء واولاد العم والخال.. هذه الخلطة من المشاركين أنتجت تفاعلاً ولا اجمل، كما كانت أنواع مختلفة من الدبكة من الاشد قدماً وصولاً الى الحديث منها، كدبكة  - التكنو التي قدّمتها <فرقة مقامات للرقص> وكنتم شاهدتموها في فيلم <البوسطة> لفيليب عرقتنجي سابقاً.

9-----2

فرقة دبكة وطنية..

تزيد نجيم بحماسة:

- شجعنا الجميع على اعادة الكرة لهذا العام، وهدفنا اليوم من خلال جمعية <جبلنا> ان نقترح على وزير الثقافة روني عريجي تأسيس فرقة دبكة وطنية تمثل لبنان في المحافل والمهرجانات العالمية وتكون تشكيلتها على غرار الاوركسترا السيمفونية مثلاً او المنتخب الوطني في احدى الرياضات، فيتم اختيار الافضل من كل نادٍ او فرقة، وتكون للدبكة اكاديميتها الوطنية، فيعمل على ترويجها وتعليمها لتلامذة المدارس، خاصة وان <دبيكتنا> في الفرق اللبنانية اليوم ليسوا من اللبنانيين بل من الاجانب. ونلاحظ ايضاً ان الجيل الجديد خاصة الذي ربي في العاصمة وانقطع عن الضيع وعاداتها لا يعرف الا النزر اليسير عن هذا التراث اللبناني الاصيل. ان العودة الى هذا التراث واحياءه أمر في غاية الأهمية لأنه جزء من هوية البلد. راقبوا الاسبان مثلاً، فهم بعد رقصهم <المودرن> في الاندية وعلب الليل لا يختمون سهرتهم من دون رقصة <الفلامنكو> من تراث بلدهم.

وبالنسبة لهذا العام ومشاركة الفرق تزيد نجيم:

- ما زلنا في طور التحضيرات، ولهذا العام تختلف الاسماء عن الفرق التي دعوناها في العام الماضي حتى نتيح المشاركة للجميع، وسوف ينضم الينا العديد من الاندية بينها من الجامعة الاميركية في بيروت وفرقة <امجاد> وفرقة من بعلبك وفرقة <مالك عنداري> ومن الممكن ان نستضيف ايضاً فرقة ارمنية واخرى من مخيمات الفلسطينيين في لبنان، فالفلسطينيون كما تعرفون يحافظون على هذا التراث ويتمسكون به، وسوف يكون هناك لجنة تحكيمية لاختيار الفرقة الافضل لتفوز بجائزة مالية وبأرزة تزرع في محمية ارز الشوف باسم الرابح.

 

دبكة.. فمصالحة !

مهرجان <بدك تدبك> إذاً منبثق عن جمعية <جبلنا> ولهذه قصة ترويها لنا رئيستها خاصة وان الفترة تتزامن مع ترسيخ المصالحة بين الدروز والمسيحيين في الجبل العام 2000، وكان تأكيد جديد عليها مع زيارة غبطة البطريرك الراعي الى الجبل في الرابع والعشرين من تموز/ يوليو الماضي. تقول نجيم:

- تعرفون ان بلدة معاصر الشوف شهدت اكبر مجزرة في القرى الشوفية، وبعد المصالحة التي تمت في عهد رئيس الجمهورية الياس الهراوي، كان القرار بالتوافق مع وليد بك جنبلاط والفاعليات وزوجي المحامي شارل نجيم كرئيس لبلدية معاصر الشوف ورئيس لمحمية أرز الشوف القيام بما هو ملموس على صعيد المصالحة، فلا تبقى هذه مطوية في الشعارات والخطابات. لم يكن الامر سهلاً على الاطلاق، اذ كانت الاحقاد متغلغلة في النفوس ومتجذرة بشكل عميق حتى انها كانت تنقل للجيل الجديد من الأولاد. كنا كعائلة بين باريس وبيروت نعرف جمعية فرنسية تقوم بمفهوم  <الحدائق الاجتماعية jardins sociaux> يتمّ من خلالها تعزيز المصالحة في المناطق التي تعاني من مشاكل اجتماعية فطلبنا منهم الحضور الى لبنان، الا ان الاهالي لم يتجاوبوا ولم يرسلوا اولادهم في البداية، فحيث يشارك المسيحيون لا يشارك الدروز والعكس صحيح، اذ كانت الاحقاد والقهر والحزن وعدم الثقة متبادلة مع غسيل كبير للادمغة، الا اننا بذلنا جهودا جبارة لكسر هذه الحواجز، وشارك في الحدائق والبساتين التي عمل فيها الفرنسيون 400 ولد، وأقمنا حفلة بعد ذلك دعا فيها الاولاد المشاركون اهاليهم فحضر نحو الفي شخص وهبّ الجميع يدبكون ويرقصون شابكين الايادي. من هنا كانت الانطلاقة في التعاطي بالشأن العام واكملنا مشوارنا فكانت ورشات عمل مختلفة حول التصوير والطبيعة، وذلك بقصد بناء بيئة مشتركة بين الاولاد تشكل ذاكرة مشتركة لهم بعد سنوات من الحرب، وقد ولّدت هذه الورش علاقات متينة وكانت اساسا في تشجيع العيش المشترك.

وتزيد نجيم قائلة:

- قبل جمعية <جبلنا> ومهرجانها، لم يكن في قرى الشوف وضيعه سوى <مهرجان بيت الدين الدولي> المعروف على نطاق واسع، فكانت الفكرة بتأسيس جمعية في معاصر الشوف ينبثق عنها مهرجان ندعو اليه مختلف القرى والبلدات المجاورة ما يحيي المنطقة كلها وصولاً الى البقاع الغربي وجزين وعاليه والمتن في مشاركات مجانية، تساعد صغار المنتجين والمصنعين على تصريف انتاجهم المحلي وتسويقه، فتكون المأكولات والمؤونة اللبنانية من صنع منزلي محلي، كما انها تساهم في خلق فرص عمل.

واستكملت نجيم:

- اثناء الاحداث كان نصف لبنان لا يعرف ما خلف دير القمر، وكانت في المنطقة مدرسة وحيدة تديرها <راهبات سيدة المخلص> تستقبل سبعمئة تلميذ قبل الحرب، وبعدما توقفت عن العمل حولناها الى <اوبرج سان ميشال> نساهم من خلالها بمساعدة جمعية <arc en ciel قوس قزح> التي تهدف بدورها الى المساعدة، وافتتحنا بيت الضيافة الثاني <درب الجبل>، وكانت بيوتنا من اول بيوت الضيافة التي يحكى عنها الكثير اليــــــوم في المناطق اللبنانية من دوما الى صور وغيرها، كما Mrs-Yola-Noujaim---Ramy-Aayach-----22افتتحنا <بيت الهنا> وبذلك نؤمن لمرتادي مهرجان <معاصر الشوف> المنامة والمأكل الطيب والصحي.

وتزيد نجيم قائلة:

- كذلك نختار في كل عام موضوعاً نعمل عليه بشكل مكثف للتعريف به بشكل بسيط حتى يستفيد المهتمون به. اخترنا موضوع العسل مرة، ونحن نستقي المعلومات من مصادر ومنظمات رسمية موثوقة الا اننا نبسطها للقارئ حتى يستوعبها ويعمل على اسسها فلا تنام في الادراج. وللعام 2014 اخترنا موضوع <الطيور> تحت عنوان <هابي بيرد داي> وسوف نقوم اوائل الخريف المقبل مع افتتاح العام الدراسي بتوزيع كتيب عن الطيور حتى يتعرف تلامذة لبنان على انواع الطيور في بلدهم.

وتكمل نجيم قائلة:

 - لهذا العام نعمل مع الاولاد على موضوع بيئي مع مسرح <جيزال زرد>، كما ان مهرجان هذا العام سيواكب من قبل <الشيف> مارون شديد لإقامة ورش عمل بهدف تحسين المنتوجات وموادها، وستكون هناك مباراة بمكونات مشتركة يتبارى فيها المشتركون لصنع الطبق الاطيب، كذلك اتقفنا مع السيدة باربرا مسعد لاختيار منتج مميز يتم ترويجه بأحدث الطرق عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها بهدف تنمية مستدامة للمنطقة والمحافظة على تراثها وخلق فرص عمل في الوقت عينه.

وعن المهرجان وصعوبات تنظيمه عاماً بعد عام تختم نجيم بالقول:

 - هذا المهرجان العزيز علينا والذي يضم سوق المأكولات والحرفيات والمونة والاعشاب الطبيعية ليس سهلاً من حيث تنظيمه وتأمين كلفته التي نعتمد فيها على الرعاة. لهذا العام سيكون معنا كل من الفنانين عاصي الحلاني وعلي حليحل وطوني كيوان عن الشوف يتكلمون عن الدبكة وفنونها، كما سيكون بيننا كل من بابو لحود وناي مرعب للحديث عن الدبكة وازيائها مع مجموعة من الضيوف المميزين. اما النقليات فإنها مؤمنة من بيروت واليها بباصات مجهزة بافضل الطرق فيكون يوماً عائلياً بامتياز يدبك فيه الافراد ويأكلون ويتعرفون على معالم القرى الجميلة ويعودون الى بيوتهم بمنتوجات منطقة ولا أشهى !