تفاصيل الخبر

البيان ــ المخرج طوى صفحة استقالة الحريري بعد شهر من اعلانها لكن العبرة تبقى في التزام ”النأي بالنفس“ قولاً وفعلاً!

08/12/2017
البيان ــ المخرج طوى صفحة استقالة الحريري بعد شهر من اعلانها لكن العبرة تبقى في التزام ”النأي بالنفس“ قولاً وفعلاً!

البيان ــ المخرج طوى صفحة استقالة الحريري بعد شهر من اعلانها لكن العبرة تبقى في التزام ”النأي بالنفس“ قولاً وفعلاً!

الحريري-عونما حصل يوم الثلاثاء 5 كانون الأول/ ديسمبر الجاري في قصر بعبدا لم يكن مفاجئاً، ذلك أنه منذ عودة رئيس الحكومة سعد الحريري الى بيروت آتياً من الرياض عبر باريس ولارنكا، ومنذ أن <تريّث> في تقديم استقالته رسمياً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كان واضحاً أن العودة عن الاستقالة باتت حقيقة قائمة وأن المطلوب هو مخرج يبرّر هذه العودة، ما يؤكد ما لم يعد بحاجة الى تأكيد، وهو أن الاستقالة المتلفزة التي أعلنها الرئيس الحريري عندما كان في الرياض، لم تكن صادرة طوعاً عن رئيس الحكومة وإن أصرّ هو على القول للإعلاميين بأنه هو من كتب نص الاستقالة!

وكما أن خروج الرئيس الحريري من الرياض وعودته الى بيروت لم يكونا قراراً لبنانياً صافياً، بل كانا مزيجاً من إرادة لبنانية توفر لها الدعم الدولي، فإن <المخرج> الذي ولد في أعقاب جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي والتي استمرت ساعة و9 دقائق، لم يكن ايضاً <صناعة وطنية> فقط كما أوحى البعض، بل هو خلاصة رغبة لبنانية تأمّنت لها التغطية الدولية، لا بل التأثير الدولي المباشر الذي حال دون حصول أي خلل في المضي باعتماد <هذا المخرج> الذي أعطى حكومة الحريري <عمراً جديداً> قد يمتد على نصف سنة لأن الانتخابات النيابية التي ستحصل في شهر أيار/ مايو المقبل تنهي صلاحية الحكومة التي تعتبر مستقيلة بعد انتهاء هذه الانتخابات.

غير أن الاتفاق على مضمون البيان الذي أذاعه الرئيس الحريري لم يأتِ في جلسة الساعة ودقائقها التسع، بل وضعت عناوينه الأساسية يوم عيد الاستقلال في الخلوة الثلاثية التي جمعت رئيس الجمهورية بالرئيسين نبيه بري وسعد الحريري بعد العرض العسكري وقبل الانتقال لتقبّل التهاني. يومئذٍ، يقول العارفون، عرض الرئيس عون لرئيسي السلطتين التنفيذية والتشريعية حصيلة المشاورات التي كان قد أجراها مع رؤساء وممثلي الأحزاب والكتل النيابية المشاركين في الحكومة، إضافة الى رئيس الكتائب النائب سامي الجميل ليخلص الى ضرورة إصدار بيان يتم فيه تجديد الالتزام بالثوابت التي وردت في خطاب القسم المستند أساساً في بعض فقراته الى وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في <الطائف>، وكذلك ما ورد في البيان الوزاري الذي نالت الحكومة الحريرية الثقة على أساسه، إضافة الى بعض النقاط التي كان لا بد منها ليأتي البيان متكاملاً. وبذلك وفّرت <الخلطة السحرية> التي أعدها الثلاثي الوزير جبران باسيل والوزير علي حسن خليل والمهندس نادر الحريري، إمكانية واسعة للرئيس الحريري بالعودة عن استقالته إذ أورد البيان نقاطاً عدة كانت موضع مطالبة لإحياء <الحل المنشود> الذي أعاد الرئيس الحريري، طوعاً هذه المرة، الى السرايا الكبير متجاوباً مع <رغبة> الرئيس عون والوزراء بالعودة عن الاستقالة، بعد مطالعة قدمها في مجلس الوزراء أكد فيها ضرورة <تجنيب لبنان الدخول في صراعات المنطقة للمحافظة على استقرارنا>، داعياً الى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة <خصوصاً دول الخليج التي وجهت الينا رسائل واضحة حول التدخل في شؤونها>.

بين كلام الحريري...

ونص البيان

وآثر الرئيس الحريري أن يقول في مداخلته في الجلسة ما لم يتضمنه البيان الختامي وقرار مجلس الوزراء حتى لا يثير ردود فعل اعتراضية، لاسيما لجهة اعتباره أن <التهجم> على دول الخليج في الإعلام والسياسة <أمر يهدد مصالح لبنان، وخصوصاً مصالح اللبنانيين الذين يعملون في الخليج، وصار علينا أن نضع يدنا على الموضوع وأن نتخذ قراراً نعلن فيه النأي بالنفس قولاً وفعلاً، أي يجب أن نقتنع أن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج له انعكاسات خطيرة على أوضاعنا وعلى مصالحنا>.

ويروي أحد الوزراء الذين شاركوا في الجلسة ان مداخلة الرئيس الحريري كانت مكتوبة باللغة العامية لأن عباراتها اختيرت بعناية لتجيب عن التساؤلات التي طُرحت ولتوفير <الضمانات>المطلوبة من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء، أي الحكومة مجتمعة. وبرز واضحاً أن الرئيس الحريري استعمل في مداخلته داخل مجلس الوزراء، ثلاث مرات عبارة <النأي بالنفس> وكأنه أراد أن يوصل لمن يهمه الأمر أن <النأي> سيكون سياسة الحكومة اللبنانية في المرحلة المقبلة ولا مجال بالتالي لإسقاط هذا الشعار الذي كانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قد أطلقته ولا يزال صالحاً لا بل مطلوبا.

ويروي أحد الذين رافقوا إعداد <البيان - المخرج> أن الصيغة التي استوحيت من خطاب القسم والبيان الوزاري مع بعض <الرتوش> لم يستغرق الاتفاق عليها داخل مجلس الوزراء سوى وقت قليل، لاسيما وان الوزراء الذين تحدثوا داخل الجلسة أجمعوا على الإشادة بـ<الإدارة الحكيمة> للرئيس عون خلال الازمة الاخيرة، وبـ<الدور البنّاء> الذي لعبه الرئيس بري لإيجاد <المخرج>، قبل أن تتوالى عبارات التأييد والالتزام بالنص الرسمي الذي أتى على شكل <قرار> لمجلس الوزراء وفيه <التزام الحكومة اللبنانية بكل مكوّناتها السياسية النأي بنفسها عن أي نزاعات أو صراعات أو حروب أو عن الشؤون الداخلية للدول العربية حفاظاً على علاقات لبنان السياسية والاقتصادية مع أشقائه العرب>، وسبق تلك الفقرة التذكير بالثوابت التي كانت قد وردت في خطاب القسم والبيان الوزاري.

 

سابقة دستورية ورسائل تطمين

 

وفيما أحيا الاتفاق على <البيان - المخرج> الأمل بأن تعود الحكومة الى ممارسة مسؤولياتها كاملة في الأشهر الباقية من عمرها كي لا تكون <حكومة تصريف اعمال> فعلياً، فقد سجل مراقبون ملاحظات عدة على صيغة البيان الذي تلاه رئيس الحكومة أبرزها الآتي:

أولاً: أورد البيان سابقة منصوص عنها في الدستور تتمثل بتوجيه رئيس الجمهورية الدعوة الى عقد مجلس الوزراء في جلسة استثنائية استناداً الى الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور، في حين تنص باقي مواد الدستور أن من يدعو الى جلسات مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة. وفي هذا السياق يقول مراقبون إن الرئيس عون استعمل حقه الدستوري بالدعوة الى جلسة مجلس الوزراء بالاتفاق مع رئيس الحكومة، وهو أمر لم يكن يمارس دائماً في حكومات ما بعد <الطائف>. وبدا أن الرئيس الحريري آثر أن تكون الدعوة من الرئيس عون على أساس أنه - ولو بالشكل - في وضعية الاستقالة.

ثانياً: تفادى البيان تسمية أي طرف لبناني بالاسم (ولا سيما حزب الله) كي تعكس الصيغة إجماعاً من كل مكونات الحكومة ولعدم الإفساح في المجال أمام نقاش يمكن أن يهدد <المخرج> المتفق عليه محلياً وخارجياً، واستعيض عن <تغييب> ذكر حزب الله أو غيره من الاحزاب والاطراف بالكلام الذي ورد في مداخلة الرئيس الحريري في بداية الجلسة.

ثالثاً: شكلت إعادة تمسك الحكومة بـ<اتفاق الطائف> ووثيقة الوفاق الوطني إشارة مطمئنة الى الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية التي لطالما أبدت مخاوفها من أن تُسقط الممارسات السياسية مفاعيل <اتفاق الطائف> الذي نتج عن رعاية سعودية مباشرة له، إضافة الى التذكير بالتزام ميثاق جامعة الدول العربية الذي كان قد ورد في خطاب القسم وفي كلمة رئيس الجمهورية أمام القمة العربية وفي خطابه في مقر الجامعة في القاهرة.

رابعاً: تضمن البيان <طمأنة> ايضاً الى الدول الصديقة من خلال تأكيده على الشراكة مع الاتحاد الاوروبي واحترام المواثيق والقرارات الدولية كافة، ولاسيما القرار 1701 واستمرار دعم القوات الدولية العاملة في الجنوب. وفي رأي العارفين ان الحريريهذه الفقرة بالذات وجّهت الى الدول الأعضاء في مجلس الامن ودول مجموعة الدعم الدولية عشية انعقاد اجتماع المجموعة في باريس يوم الجمعة الماضي.

خامساً: بدا <طريفاً> تذكير البيان بعضوية حركة عدم الانحياز التي لم تعد فاعلة، وهي لم تكن يوماً كذلك، ما دفع بعض الاوساط السياسية الى استذكار الزعماء الراحلين: جمال عبد الناصر وجوزف تيتو وجواهر لال نهرو الذين كانوا وراء تأسيس هذه الحركة!

غابت اسرائيل وفلسطين... وخلافات الداخل

سادساً: غاب عن البيان أي ذكر مباشر لإسرائيل أو الصراع العربي - الاسرائيلي أو القضية الفلسطينية، كما غاب كلياً موضوع النازحين السوريين ومسألة محاربة الإرهاب، وهي نقاط وردت في الاسئلة التي طرحها الرئيس عون على القيادات السياسية التي تشاور معها قبل أسبوعين تمهيداً لـ<المخرج> الذي اعتمد يوم الثلاثاء الماضي.

سابعاً: لم ترد أسماء الدول التي تواجه حروباً أو صراعات مثل سوريا والعراق واليمن وغيرها ولو في معرض الاشارة الى التطورات العسكرية في هذه الدول التي يُفترض أن ينأى لبنان بنفسه عنها، وذلك تفادياً لأي نقاش يمكن أن يتشعب لاسيما وان ثمة أفرقاء في الحكومة يعتبرون أن بعض هذه الدول - وخصوصاً العراق وسوريا - واجه تنظيمات إرهابية ولم يكن القتال فيه نتيجة صراعات داخلية، في حين يرى البعض الآخر أن <الحروب> في تلك الدول كانت بين الانظمة الحاكمة والمعارضة!

ثامناً: تفادى البيان ذكر التباين السياسي حيال بعض المواضيع الداخلية، وركز فقط على المسائل التي أريد أن تشكّل تضامناً بين مختلف مكوّنات الحكومة، وغابت أي إشارة الى اسباب استقالة الرئيس الحريري ولا ظروفها ولا الملابسات التي رافقت وجوده في الرياض، باستثناء العبارة الاخيرة التي أضيفت بناء على طلب الوزير جبران باسيل وفيها <يشكر مجلس الوزراء رئيسه على موقفه (من دون ذكر عن أي موقف يتحدث الوزراء) وعلى عودته عن الاستقالة>، الأمر الذي جنّب الرئيس الحريري الإعلان صراحة عن عودته عن الاستقالة، ما جعل هذه العودة ترد بشكل غير مباشر في ختام البيان.

في أي حال، طوت الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء صفحة أزمة بدأت في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وانتهت بعد شهر كامل حفل بالمفاجآت والاستحقاقات، ليبقى السؤال الكبير قائماً: هل سيلتزم الاطراف المعنيون التزاماً حقيقياً مضمون قرار مجلس الوزراء أم أن ما كُتب في البيان من عناوين عريضة سيتعرض للخرق عند مقاربة التفاصيل؟ المطلعون على مسار <المخرج - الحل> يتحدثون عن <ضمانات> أعطيت من أطراف في الداخل وقوى من الخارج تجعل إمكانية <التنكّر> لقرار مجلس الوزراء غير واردة في المدى المنظور على الأقل، لاسيما وأن بعض التطورات الميدانية في كل من سوريا والعراق واليمن سوف يخفف من حصول إحراجات أو يكون سبباً لعدم التزام نص لم يحمل جديداً وقد يكون وثيقة من حبر وورق تنضم الى سلسلة وثائق مماثلة كُتبت كي تكون <مخارج حلول> تنتهي مفاعيلها عند أول انتكاسة، أو ربما تستمر لأن من ساهم في تسهيل كتابتها من خارج لبنان والاتفاق عليها... أراد ذلك!