تفاصيل الخبر

البطريرك الماروني مع إقرار التشريعات المالية وقانوني استعادة الجنسية والانتخابات في جدول أعمال واحد!

13/11/2015
البطريرك الماروني مع إقرار التشريعات المالية وقانوني  استعادة الجنسية والانتخابات في جدول أعمال واحد!

البطريرك الماروني مع إقرار التشريعات المالية وقانوني استعادة الجنسية والانتخابات في جدول أعمال واحد!

 

بقلم جورج بشير

الراعي-عون-جعجع يذكر اللبنانيون جميعاً كيف أن المرحومين الرئيس صائب سلام والرئيس رشيد كرامي كانا ناقمين على حكومة الرئيس أمين الحافظ التي شكّلها منتصف السبعينات وقرّر المثول معها أمام مجلس النواب لنيل الثقة، خلافاً لرأي وموقف الرئيسين سلام وكرامي، وتحدّياً لهما وللزعماء المسلمين الذين كانوا قد التقوا مع موقف الرئيسين سلام وكرامي يومئذٍ في اجتماع دار الفتوى.

اللبنانيون هؤلاء الذين يذكرون هذه الواقعة التاريخية جيداً، يتذكّرون بإعجاب كيف أن الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل والعميد ريمون إده اجتمعوا في منزل الشيخ بطرس الخوري رئيس الهيئات الاقتصادية صباح اليوم المقرر لاجتماع مجلس النواب في جلسة الثقة وعرضوا الموقف السياسي المطلوب في ضوء الموقف الإسلامي من رئيس الوزراء الدكتور أمين الحافظ وحكومته، واعتبار الرئيسين سلام وكرامي أن الحكومة لا تمثل الإرادة الإسلامية والسنية على وجه التحديد، وان اجتماع مجلس النواب لمنح الثقة يُعتبر تحدّياً لهذا الموقف، بادر الرئيس شمعون للاتصال بالرئيس صائب سلام وبرئيس المجلس النيابي لإبلاغهما بأن أكبر الأحزاب المسيحية تحترم هذا الموقف حرصاً منها على الوحدة الوطنية اللبنانية، وتقرّر إبلاغ نوابها عدم المشاركة في جلسة مجلس النواب التي كانت مقررة ظهر ذلك اليوم للاستماع الى البيان الوزاري ومناقشته ونيل الثقة.

هذا الموقف الذي التزمت به الأحزاب المسيحية يومئذٍ لم يكن ضد الاستعانة بعنصر الشباب اللبناني المثقف الذي كان يمثله شخص الدكتور أمين الحافظ أو أعضاء حكومته، بل احتراماً منها للخصوصية اللبنانية وللموقف الذي اتّخذه الرئيسان صائب سلام ورشيد كرامي، وذلك حرصاً على وحدة الصف الوطني في لبنان، واحتراماً للخصوصية اللبنانية التي يتفرّد بها لبنان بين دول الشرق العربي.

ما اشبه اليوم بالبارحة؟!

في الأسبوع الماضي تذكّر اللبنانيون تلك المرحلة التي مرّ بها لبنان في ظل رجالات سياسة وحكم وحكومة من طراز كميل شمعون وسليمان فرنجية وصائب سلام ورشيد كرامي وبيار الجميل وريمون إده الذين كانوا يدركون سلفاً بأن حكومة أمين الحافظ ستنال ثقة عارمة في مجلس النواب لو تسنّى لها المثول أمامه في ذلك اليوم التاريخي الذي لم يكن في لبنان هذا الكمّ من الزبالة ومخاطر نشرها وانتشارها، ناهيك عن سائر <زبالة> الأزمات والمخاطر الأخرى التي تهدّد لبنان واللبنانيين هذه الأيام، وترحّموا كثيراً على هؤلاء القادة والزعماء الذين كانوا زينة الواجهة السياسية وممارسة السياسة والحكم في هذا الشرق تلك الأيام، برغم الأخطاء التي ارتكبها كل منهم والتي لا توازي في مجموعها جزءاً يسيراً من الخطايا المميتة التي درج على ارتكابها سياسيو وحكّام هذه الأيام حيث سياسة النكاية والتشفّي والصراع على المصالح والنفوذ هي السائدة والمُعتمدة من معظم سياسيي وحكّام هذه الأيام السوداء التي يعيشها لبنان واللبنانيون.

أجل، ما اشبه اليوم بالبارحة، لكن الفارق بين المرحلتين هو عدم توافر أصحاب المبادرات القادرين على الدخول طرفاً ثالثاً في هذا الصراع السياسي العنيف الذي بات يشدّ الخناق على البلد ويكاد يخنقه ويقطع عليه أنفاسه وقد باتت روائح النفايات و<فيروساتها> تسدّ الأنوف وتسهم في قطع الأنفاس.

في الماضي كانت في لبنان قوى ثالثة وسطية تتدخّل عند اللزوم لإيجاد الحلول الوسطية التي تصون مصالح البلد العامة وتُحافظ على الوحدة الوطنية، لكن مثل هذه القوى لا صوت لها الآن، والشعب لا حول له ولا طول، والمثل واضح في الحراك الشعبي الذي بدأ تحرّكه ناشطاً قبل شهرين ونيّف وكان صوته صارخاً في وجه الطاقم السياسي وطاقم الحكم، أرعب أطرافاً سياسية وازنة وأصابها تحرّكه في الصميم، لكن سرعان ما قفز السياسة والسياسيون والأحزاب وعملاء المخابرات الإقليمية وحتى الدولية الى ساحات الحراك وتمكّنوا من تفريق صفوفه، لا بل بعثرتها وتضييع فرص النجاح أمامها، فيما الحراك عينه ضاع في أهدافه بين إعلام وسياسة ومحاولات يائسة ومشبوهة لاحتلال مقرّات حكومية عامة ومحاولة تخريبها مع كونها ملك الشعب، وإصلاح أي دمار أو تخريب في بنيتها يدفع ثمنه الشعب من خزينته الخلوية..

لماذا استعادة الجنسية وقانون الانتخابات؟!

من المفيد العودة الى الماضي وتذكّر مراحله ورجالاته، والترحّم على هؤلاء الرجال واستفقادهم. لكن لا بُدّ من الدخول الى صلب المشكلة.. فنواب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحتى الكتائب الذين أصرّوا بموقف واحد على ضرورة تضمين جدول أعمال الجلسة النيابية <لتشريع الضرورات> مشروع قانون الانتخابات النيابية، ومشروع قانون استعادة الجنسية، وقوبل طلبهم بالرفض، لا بل بمحاولة تفخيخ المشروعين، جمعهم مبدأ توافقوا عليه بالنسبة لاستعادة الجنسية أولاً، لأن هذا القانون يطالبون به منذ أكثر من عشرين عاماً، كونه يحفظ حقوقاً مكتسبة للبنانيين ومن هم من أصل لبناني اضطرتهم ظروف الظلم والاستعمار العثماني وغيره للانتشار في بلدان العالم، وأصبحوا يشكّلون قوة للبنان، وطنهم الأصلي، اقتصادية ومالية تضخّ بشهادة حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة للبنان سبعة مليارات دولار في السنة. وهؤلاء المتحدرون من لبنان ينكر عليهم البعض أصولهم وحقوقهم في وطن الآباء والأجداد، تارة بالمماطلة وطوراً بالتقصير أو بكسب الوقت والتأجيل، ولا يقرّ مجلس النواب اللبناني القانون القاضي باستعادة هؤلاء لجنسيتهم، الى درجة أن أحد نواب الشمال البارزين عمد الى <تفخيخ> مشروع قانون استعادة الجنسية المطروح على بساط البحث بإضافة بند يعطي الحق لأبناء الأمهات المتزوجات من أجانب بالحصول على الجنسية اللبنانية، وهذا معناه في نظر المطالبين بإقرار القانون تجنيس ما لا يقل عن ثلاثمئة ألف شخص معظمهم فلسطينيون وسوريون، وهذا في نظر هؤلاء جزء من مشروع التوطين.

وأما مشروع قانون الانتخابات وضرورة إدراجه في جدول الأعمال، فأسبابه الموجبة فضلاً عن ضرورات تطوير القوانين الانتخابية، أنه يضع حداً لمسلسل تمديد ولاية مجلس النواب التي تكرّرت مرتين خلافاً نبيه-بري-1للدستور وبعيداً عن إرادة الشعب اللبناني، صاحب السلطة الأول والأخير في منح الثقة للنواب لتمثيله لا أن يمنحوها هم لأنفسهم.

طاقم السياسة والحكم والحكومة والبرلمان ترك في معظمه الاستحقاقات المالية الإقليمية والدولية للبنان تتفاقم ويتأخر البتّ بها لسنوات ولم يقدم على معالجتها، ثم جاء اليوم يتذرّع بها لجمع مجلس النواب قسراً في جلسة تشريعية أُطلق عليها تسمية <تشريع الضرورة> لمنع إصابة البلد بمخاطر مالية محتملة من جراء عدم إقرار قوانين منظّمة لهذه الاستحقاقات الإقليمية والدولية المالية.

في هذا المجال، رفع نواب التيار الوطني الحر، والقوات اللبنانية، وحزب الكتائب الصوت عالياً وموحداً هذه المرّة وبشكل غير مسبوق بمقاطعة جلسة <تشريع الضرورة> في حال عدم تضمين جدول أعمالها بندين أساسيين ألا وهما قانون استعادة الجنسية وقانون الانتخابات النيابية، كون هؤلاء النواب يأخذون في الاعتبار أن غيابهم عن اجتماع مجلس النواب و<تشريع الضرورة> خروج عن الميثاق، وان الجلسة من دونهم أي من دون أكثرية المكوّن المسيحي خروج على الوحدة الوطنية والقرار الوطني، فاصطدموا بمقولة أطلقها في المقابل الوزير وليد جنبلاط والرئيس فؤاد السنيورة وتمسّك بها الرئيس نبيه بري بأن <للضرورة أحكاماً، وأن الضرورات تبرّر المحظورات>، ويمكن انعقاد البرلمان واتخاذ القرارات بمن حضر، أي بالأكثرية حتى في مجلس الوزراء، لأن نواباً مسيحيين غير منضوين الى كتل التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب يحضرون، وهؤلاء مسيحيون بإمكانهم أن يكسروا الموانع الميثاقية.

هنا بيت القصيد والمشكلة، لأن الذين اعترضوا على عقد الجلسة من دون مشاركتهم يعتبرون أن هؤلاء النواب هم من بين الـ32 نائباً الذين يُنتخبون من غير المسيحيين أي بأكثريات أخرى، والمطالبة بقانون انتخاب جديد يحقق صحة التمثيل والعدالة، تعني هؤلاء بالدرجة الأولى، وهذا لبّ المشكلة، فهل يجد المعنيون باباً يخرجون من نفقها المظلم؟!

الصوت الصارخ وصل الى بكركي، وعُقد لقاء مهم برئاسة البطريرك بشارة بطرس الراعي بعد اتصال الرئيس سعد الحريري مع البطريرك الماروني حيث أُطلقت شائعة بـ<أن البطريرك يغطّي الجلسة التشريعية>، لكن الذين أطلقوا الشائعة يعرفون سلفاً بأن البطريرك <لا يشتغل سياسة>، وليست له كتلة نيابية ولا حزب، إنما هو مرجعية وطنية التزمت مع الآخرين بتحقيق المطلبين موضوع الخلاف ألا وهما تصحيح التمثيل النيابي بإقرار قانون الانتخاب، وقرار قانون استعادة الجنسية، والبطريرك الراعي قاد ولا يزال حملة قوية في هذا المجال... وهذا لا يعني في أية حال عدم إقرار مجلس النواب للقوانين المالية في وقت واحد.