تفاصيل الخبر

البطلة الرياضية الدكتورة جويس عزام: من مسؤوليتي أن أكون ملهمة لشباب لبنان في هذه "العتمة" التي نعيشها

18/06/2020
البطلة الرياضية الدكتورة جويس عزام: من مسؤوليتي أن أكون ملهمة لشباب لبنان في هذه "العتمة" التي نعيشها

البطلة الرياضية الدكتورة جويس عزام: من مسؤوليتي أن أكون ملهمة لشباب لبنان في هذه "العتمة" التي نعيشها

بقلم عبير أنطون

  [caption id="attachment_78942" align="alignleft" width="375"] جويس عزام ترفع العلم اللبناني على ارتفاع 8848 متراً[/caption]

جمالها اللبناني وقدّها المياس أهّلاها في بداياتها الى أن تكون عارضة أزياء، المجال الذي بدأت به ولم تستمر فيه طويلاً. لا مسيرتها الرياضية ولا العلمية كانتا مفروشتين بالورود، بل بإرادة من حديد وتصميم على بلوغ القمم مهما ارتفعت، فتسلقت 27 جبلاً ووصلت الى أعلى سبع قمم في العالم بينها "إفريست" التي تقع على ارتفاع 848 8 متراً.

  المهندسة المعمارية المتخصّصة في الحفاظ على المباني والمواقع التاريخيّة والمصممة في مجال المناطق الحضريّة، حاصلة على شهادة دكتوراه في هندسة المناظر الطبيعية والبيئة، وهي عاشت وعملت في كبريات عواصم العالم، وعادت الى لبنان. فما الذي أعادها؟ ما الذي يدخلها اليوم في مغامرة جديدة في القطب الجنوبي وما الهدف من كل ذلك ؟

 في لقاء "الأفكار" كان حديث عن القمم والجبال وعن الجليد القطبي وما ينتظرها فيه، وسألناها أولاً :

- إكتسبت خبرة كبيرة في تسلق القمم، إلا أنك أمام تحد جديد من نوعه في القطب الجنوبي. ما أبرز الصعوبات التي قد تواجهك؟

[caption id="attachment_78940" align="alignleft" width="204"] تكثيف التمارين[/caption]

ــ يدخل القطب الجنوبي من ضمن انجاز جديد احضر له تحت عنوان "التحدي الاكبر للمستكشفين"، وهو تحد عالمي كلبنانيين سبق وحققه ماكسيم شعيا، وكان ثامن شخص في العالم على صعيد الرجال ولم تحققه النساء إلا بحلول العام 2010 مع سيدة نروجية ومن ثم بريطانية، واليوم، أنا كلبنانية أسعى الى ذلك. أذكر هنا أن التحدي يقضي بأن يتم إنجاز تسلق القمم السبع الأعلى من حول العالم ومن ثم قطع مسافة 1300 كلم تتطلّب حوالي الشهر لاجتياز قارة انتاركتيكا، من الشاطئ الى نقطة جغرافية معينة  في القطب الجنوبي، والأمرعينه بعدها بالنسبة الى القطب الشمالي. وإذا حققت هذين التحديين أكون ثالث إمراة في العالم وأول عربية ولبنانية تقوم بذلك، وآخذ بلدي الى مكان جديد، وهذا انجاز نادر.

وتضيف جويس:

 ــ بالعودة الى الصعوبات التي سألتني عنها، أنا في القطب الجنوبي لا اتسلق جبلاً، وهنا تقنية جديدة مطلوبة، بحيث أقوم بالتزلج لفترة قد تمتد الى 47 يوماً أو 55  إذ يتعلق ذلك بالطقس وعوامله، والمشاركون في هذه المغامرة يقومون بكل شيء بأنفسهم، فأطبخ طعامي وأنام في الخيمة في قارة مجهولة لا أعرف ما ينتظرني فيها وسط حرارة تصل  الى 40 او 50 درجة تحت الصفر، وقد تصل الى التسعين ما دون الصفر إذا ساءت الأحوال الجويّة، وهذا يتطلب قدرة تحمل هائلة، كما سأجرّ خلفي مزلاجاً بحوالي الـ 120 كيلو، أي ما يوازي تقريباً ضعف وزني، ما يجعلني أمرن عضلات الظهر وعضلات أخرى بشكل مكثف حتى أستطيع جر هذا الوزن، وهو يشتمل كل ما يتعلق بالمعدات والطعام وغيرها مما يلزم لقضاء شهرين في الطبيعة والظروف الصعبة. إنه نوع جديد من التحدي!

- كم شخص تكونون ؟

[caption id="attachment_78944" align="alignleft" width="444"] وعلى قمة لوبوش[/caption]

 ــ في نوع مماثل من التحديات لا يشارك كثيرون، يمكن أن أكون مع شخص أو إثنين. وفكرة أن نكوّن فريقاً من النساء لم تتبلور بعد ، لكن من المؤكد أنني العربية الوحيدة.

- ما هو مسار الرحلة انطلاقاً من لبنان، ومتى تبدأونها ؟

ــ التاريخ لم يحدد نهائياً بعد، إلا أن الاستعدادات على قدم وساق. لقد سبق وزرت قارة انتاركتيكا منذ سنتين في تحدي القمم السبع ورفعت علم لبنان فيها. تأخذني الرحلة من لبنان الى اوروبا، ثم سنتياغو في تشيلي، ومنها نقوم بسفرة داخلية الى منطقة "بونتا أريناس" في القارة الاميركية الجنوبية ثم أطير ست ساعات الى "انتاركتيكا"، وهناك يشكل وصولنا الى الشاطئ نقطة الانطلاق للتحدي. وننطلق بالزلاجات لمدة شهرين .

- أحاول أن أتخيل خطورة هذه الرحلة الشاقة. بغير حس المغامرة الذي يسكنك، ما الذي يجعلك تقومين بها؟

بجدية كبيرة تقول جويس:

ــ أرجو أن يؤخذ ما سأقوله بمعناه العميق، ولا يتصورنّ أحد أنه شعارات، كالتي نسمعها تتردد. نحن اليوم في ظروف كالحة، شديدة الصعوبة، في عتمة وظلام اذا صح القول. ما حققته شكّل خبرة ناجحة جداً، وفي بلدنا الشباب هم بحاجة ليسمعوا بأبطال لبنانيين يرفعون اسمه عالياً في الخارج وفي مختلف المجالات. لم يكن عندنا إمرأة لبنانية متسلقة جبال عالمية ، اليوم بات الاسم موجوداً، وما ألاحظه في عيون الاولاد في المدارس والطلاب في الجامعات أو الكشافة والجمعيات وغيرها، أننا بحاجة للثقة، للشعور بالفخر بأن في لبنان ابطالاً ولو في عز الحجر أو الصعوبات، وأنا قررت ولو مع "الكورونا" والازمة المالية أن أكمل طريقي. شخصياً أيضاً أمر بظروف صعبة جراء ما يحدث في البلد، وأحاول أن اكمل بالرغم من  الوضع الخانق، فلا استسلم او أتوقف عن الحلم.

وبإيجابية كبيرة تكمل جويس:

ــ كوني بطلة من لبنان فإن ذلك يحملني مسؤولية بكل ما للكلمة من معنى. لا اخفي عليكم بأنني اطرح السؤال احياناً على نفسي ؟ شو عم أعمل؟ أحياناً أتعثر، وأبكي، وأفقد الأمل. إلا أنني أعود للنهوض من جديد. شعلة الحلم لدي لا تنطفئ، وهذا ما يجب ان نبقيه في قلب الجيل الجديد المدمر حالياً على غير صعيد. أنا ايضاً فقدت الكثير من مشاريع العمل في لبنان وخارجه، وخسرت كما الكثير من اللبنانيين قيمة الرصيد الذي جنيناه بعرق الجبين، وحفرنا بالصخر حتى نؤمن عيشنا فإذا به اليوم لا يساوي شيئاً. الاوضاع لا تحتمل. لكن هل نستسلم؟ أريد إن علم أحدهم بإصراري وإنجازي، أن يستلهم منه. أنا بنت الملجأ، ترعرت فيه أيام الحرب، في عائلة متواضعة في الدكوانة مؤلفة من خمسة أولاد أنا فيها الرقم اربعة ليس عندي مال ولا امتيازات وأعيش مع الناس، وأنا منهم. لم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب، كما اعتدنا عليه في لبنان بالنسبة الى من يحملون البطولات الرياضية وغالبيتهم من عائلات ميسورة. والدي ليس صاحب شركة او منصب سياسي وله معارف. هو معلم طلاء للبيوت والورش، إلا أنه بقوته ومثابرته علمني الكثير. وأنا من جانبي طموحة، شققت طريقي بنفسي، وعملت بجهد حتى حزت منحاً الى الخارج، ودرست في اوروبا وانهيت الدكتوراه في اختصاصي بسهر وكفاح. اعتقد اننا اليوم تحديداً نحن  بحاجة أن نخبر عن أبطال من بلدنا ونضيئ عليهم في مختلف المجالات. هذه رؤيتي. لذلك انا طاحشة. علينا أن نضيئ على الوجه الآخر في لبنان، ونحن نملكه. فلماذا نخفيه، خاصة اليوم ؟

  أنت البطل ..

[caption id="attachment_78943" align="alignleft" width="375"] جويس عزام في الافريست[/caption]

- العام الماضي اخترت شعار "طريقنا بيوصّل" في رحلتك الى "إفريست". ما هو شعارك لتحدي القطب الجنوبي ؟

ــ لقد كنت سفيرة "وزارة الدولة لشؤون التمكين الاقتصادي للنساء والشباب" في العام 2019، وهدف الشعار أنه حين نقف وندعم ونؤمن ببعضنا ببعض فلا يكسّر أحدنا بالآخر فإننا نصل من دون شك. للمغامرة الجديدة لم أحدد الشعار بعد وفي بالي العديد، بينها أنه "يمكنك ان تكون ملهماً للتغيير"، أو أيضاً "آمن بنفسك وبقدراتك، ولا تنتظر أن يجعل أحد منك بطلاً". قم انت نفسك بذلك ! مهما كانت العوائق أمامك. قصتي ملهمة في هذا المجال إذ لطالما سمعت "ما بقى تحلمي، ولن تصلي ..وانت مجنونة. لكن بفضل مثابرتي واصراري وصلت. أحياناً كنت أصاب بـ"بانيك اتاك" فلا أقوى على التنفس. وفي "افريست" فصلت بيني وبين الموت عشرون دقيقة مع انتهاء مخزون الأوكسيجين الخاص بي على ارتفاع 8 آلاف و400 متر وعدت ووقفت من جديد. تعلمت من الجبل، ومن التحديات ان بلوغ القمة ليس سهلاً، إلا أنه غير مستحيل. أعرف هذا الاحساس. وهكذا لبنان وشبابه وأهله ، يواجهون الصعوبات والأهوال لكنهم سيقومون من جديد. ليكن ما نمر به ولادة للبنان الجديد.

- بأي وتيرة تسير تمريناتك ؟ كيف تستعدين؟

ــ أتمرن حالياً في الأرز في أعلى منطقة في لبنان على ارتفاع ثلاثة آلاف متر. سموني ناسكة الأرز. أحياناً أمشي لثماني أو تسع ساعات أو أقله لثلاث ساعات من التمارين، يواكبني فيها ولو عن بعد أخي جورج الذي هاجر الى كندا للأسف وهو متخصص في التربية البدنية. من دون مدرب، لا يمكن النجاح. هناك من يسألني كيف يواكبني أخي مع كل هذه المسافات التي تفصل بيننا. الاساس هو في نوع التمارين التي يطلبها مني وينظمها كل يوم بيومه، حتى لا ادخل في اصابات، وحتى تتطور القوة الجسدية والقدرة البدنية بطريقة ثابتة رويداً رويداً .. لولا نصائحه لما أمكنني الدخول بهذا الاداء في تسلق القمم، معطوفاً بشكل أول، على حبي للجبل اللبناني الذي الهمني الكثير. قضيت الكثير من وقتي فيه. كم هو جميل ويستحق أن أتعب لأجله وأسهر على حمايته والحفاظ عليه. لقد عشت في الخارج لتسع سنوات، اشتغلت في لوس انجلوس وروما وباريس وهولندا وسويسرا وأسمع في كل يوم من يقول لي: أنت مجنونة كيف عدت الى لبنان. وأجيبهم بأن الجبال اللبنانية هي التي أعادتني. ارى فيها القمر والحياة والجبال. كم اعطتنا! وعلى مثالها يجب ان نكون في العطاء.

وتزيد جويس:

 ــ ما عشته مع  القمم السبع برهن لي، أننا كلبنانيين على مثال أرضنا وجبلنا نحن "قبضايات" ونلمع في العالم كله، وعلينا أن نصب كل الطاقة التي نملكها في قلب لبنان. كل منا على طريقته. أنا اليوم أحاول أن أحمي الجبل اللبناني من خلال دراساتي، وميدانياً من خلال محافظتي على بيئته. ترونني احمل كيس قمامة وألمّ كل شي في على طريقي، "أنا وطالعة وأنا نازلة"، بعيداً عن فكرة رمي المسؤولية على الآخرين. لا اقول من رماها ؟ أقول أنا ألمّها. وحبذا لو نسير كلنا وفق هذا المبدأ.

[caption id="attachment_78941" align="alignleft" width="191"] جويس عزام الانجاز يحملنا مسؤولية[/caption]

-هل تخشين ان يخذلك جسدك يوماً في تحد ما؟

ــ نعم اخاف جداً.عندي ثقة كبيرة بقدراتي الذهنية واخشى من خذلان جسدي خاصة وأن الرياضة اكتسبتها في العشرين من العمر وهذا ما يجعلني اكثف تماريني . لكسر حاجز الخوف لا بد من التمارين وهي التحدي الأكبر اليوم. القدرة الذهنية ربيت عليها، إذ كما أشرت، أنا ولدت في الحرب وكان أهلي امام عيني خير مثال على المضي قدماً على الرغم من الظروف الصعبة، وهذا ينطبع في الشخصية ولا يمحى. الخوف نحمله معنا، ويعود ويطفو في الكثير من المحطات، فتتبخر الثقة، ويحل القلق الا ان هذا الحاجز النفسي لم يكسره لي إلا الجبل اللبناني. الجبل حررني من الخوف!

- تسلقت القمم السبع. بعيدا عن الرياضة أين شعرت بأنك على قمة السعادة؟

ــ في عيون الشباب والصبايا لما أكلّمهم عن مسيرتي والطريق الصعبة التي سلكتها. الانجاز الشخصي تحتفلين به، وينتهي الأمر. الانجاز الحقيقي هو أن تكوني ملهمة لغيرك بما انجزته فيبقى في قلبهم وتفكيرهم ! أدرك السعادة الحقيقية لما تصلني رسائل عبر التواصل الاجتماعي من شباب وصبايا يتمثلون بالطريق التي سلكتها ويرفعون التحديات. لقد وصلت الى الشبيبة في تونس، الكويت وغيرهما. بألامس وصلتني رسالة من صبية في الكويت تقول لي انها تتحدى صعاباً كأنثى في مجال اختارته وستكمل ..اعطيت الشهادات في الاسكا، فانكوفر، مونتريال، تورنتو، حيث بقيت أجول لشهرين في كندا أخبر عن لبنان وايصال صورته الحلوة. ربما لا اكون هنا معروفة على نطاق واسع في الاعلام إلا أن لدي ارشيفاً من الميديا كبير، ووصلت فيه الصورة الحلوة عن لبنان من خلال قصتي الى الارجنتين وتركيا وايطاليا حيث أجريت مقابلة على قناة "راي أونو"، وأخرى في فرنسا من خلال "فرانس 24" لمدة 45 دقيقة اتحدث فيها عن قصتي ومسيرتي، وبالامس عبر "سي أن أن" عربية، ولن أتوقف لأن لبنان لا يستحق إلا الأحلى، ونحن بحاجة الى جميع الاشخاص كي ينضموا الى رفع هذا الصوت!

- أخيراً هل اطمأننت على شجرة الأرز التي غرستيها في "كتماندو"- النيبالية ، طمّنينا عنها؟

 ــ هي بألف خير. وهل أجمل من نشر لبنان في العالم من خلال أرزه وقدرات أهله؟