تفاصيل الخبر

البروفيســـور جاســـــم عجاقــــــة : يمكـــن أن نطلـــــق علــى العــــام 2017 عـــام الركـــود والتآكــــل الاقتصــــادي!  

12/01/2018
البروفيســـور جاســـــم عجاقــــــة : يمكـــن أن نطلـــــق  علــى العــــام 2017 عـــام الركـــود والتآكــــل الاقتصــــادي!   

البروفيســـور جاســـــم عجاقــــــة : يمكـــن أن نطلـــــق علــى العــــام 2017 عـــام الركـــود والتآكــــل الاقتصــــادي!  

بقلم طوني بشارة

3-a

المتتبع للأوضاع الاقتصادية يرى ان عام 2017 شهد أزمات سياسية عديدة رافقتها ازمات مالية متعددة لاسيما في النصف الأخير منه... أزمات اثرت بشكل او بآخر على الأوضاع المالية للعديد من الشركات والمؤسسات ورجال الاعمال، ولكن رغم ذلك نرى ان العجز المالي انخفض نوعا ما عن السنوات السابقة، فما سبب ذلك وهل لهذا الامر أي اثر إيجابي على العام 2018؟

البروفيسور جاسم عجاقة أوضح لنا ان أرقام وزارة المال تظهر بان عجز الموازنة في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2017 سجّل انخفاضاً بقيمة 578 مليون دولار أميركي إضافة إلى انخفاض عجز الخزينة في الفترة نفسها بقيمة 568 مليون دولار أميركي، إلا أن التحليل يُظهر أن أسباب هذه الانخفاضات هي أسباب آنية ولا تنمّ عن تحسن الوضع المالي العام، فقد انخفض هذا العجز من 1.75 مليار دولار أميركي في فترة كانون الثاني/ آب 2016 إلى 1.2 مليار دولار أميركي في الفترة نفسها من العام 2017 أي ما يوازي 578 مليون دولار أميركي، كما أن عجز الخزينة انخفض بشكل ملحوظ من 796 مليون دولار أميركي في تلك الفترة من العام 2016 إلى 228 مليون دولار أميركي في الفترة نفسها من العام 2017 (أي ما يوازي 568 مليون دولار أميركي)، أي أن إجمالي انخفاض العجز (عجز الموازنة + عجز الخزينة) هو 1.15 مليار دولار أميركي... هذا الرقم هو في الحقيقة خبر جيد لكنه يطرح سؤالاً أساسياً عن سبب تقلص العجز بحكم أن مُشكلة المالية العامة هي بالعجز.

عجاقة والانفاق

ويقول عجاقة مستطرداً:

- بالنظر إلى الإنفاق في الموازنة بشقيه الإنفاق العام وخدمة الدين العام، نرى أن هذا الإنفاق كان يوازي 7.65 مليار دولار أميركي في العام 2015 ليرتفع إلى 8.19 مليار دولار أميركي في العام 2016 و8.5 مليار دولار أميركي في العام 2017، وبالتالي لا يُمكن أن يكون هناك خفض في عجز الموازنة نتيجة الإنفاق الذي ارتفع بقيمة 380 مليون دولار أميركي على الأشهر الثمانية الأولى بين العامين 2016 و 2017.

ــ وماذا عن الايرادات؟

- بالنظر إلى إيرادات الموازنة، نرى أن الإيرادات على الأشهر الثمانية الأولى من العام 2015 بلغت 6.32 مليار دولار أميركي لترتفع إلى 6.44 مليار دولار أميركي في العام 2016 و7.4 مليار دولار أميركي في العام 2017 (على الفترة نفسها من العام)، وإذا ما نظرنا إلى أسباب هذا الارتفاع المُلفت في العام 2017، نرى أن الضريبة على القيمة المُضافة كما والإيرادات الجمركية حافظت على المستويات نفسها من العام 2015 إلى العام 2017.

واكمل عجاقة قائلاً:

- أما الإيرادات الضريبية المُختلفة فقد ارتفعت بشكل ملحوظ في شهر أيار/ مايو من العام 2017، وهذا الارتفاع عائد باعتقادنا إلى الضرائب التي دفعتها المصارف على الأرباح الاستثنائية التي جنتها من الهندسة المالية التي قام بها مصرف لبنان في العام 2016، فقد ارتفعت قيمة الإيرادات الضريبية المُختلفة في أيار/ مايو 2017 إلى 1.375 مليار دولار أميركي مقارنة بـ 765 مليون دولار أميركي في أيار/ مايو 2016، أي بزيادة قيمتها 610 ملايين دولار أميركي، وهذا الرقم هو رقم قريب من قيمة الضريبة التي من المفروض على المصارف دفعها عن أرباحها الناتجة عن الهندسة المالية التي قام بها مصرف لبنان.

ــ هل الامر ينطبق على حسابات الخزينة؟

- حسابات الخزينة تُظهر أن عائدات الخزينة في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2017 سجّلت 493 مليون دولار أميركي مقابل سحب بقيمة 721 مليون دولار أميركي أي أن العجز الصافي في حساب الخزينة هو 228 مليون دولار أميركي، أما أرقام الأشهر الثمانية الأولى من العام 2016 فتُشير إلى أن مداخيل الخزينة سجّلت 462 مليون دولار أميركي مقابل سحوبات بقيمة 1.26 مليون دولار أميركي ليكون العجز 796 مليون دولار على الأشهر الثمانية الأولى من العام 2016.

1-aــ إذاً كيف يُمكن تبرير هذا الانخفاض في عجز الخزينة؟

- تُشير أرقام وزارة المال أن وزارة المال حوّلت 695 مليون دولار أميركي في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2016 لحساب البلديات في حين أنها لم تُحوّل إلا 140 مليون دولار أميركي في العام 2017، وهذا يعني أن هناك وفراً على الدفاتر بقيمة 555 مليون دولار أميركي.

خلاصة ما ورد أعلاه هو أن الضرائب على الأرباح الاستثنائية للمصارف إضافة إلى عدم تحويل أموال إلى البلديات بالقيمة نفسها للتحاويل في العام السابق، أديا إلى تسجيل انخفاض عجز الموازنة والخزينة بقيمة 1.15 مليار دولار أميركي.

ــ المُشكلة اذاً هي مشكلة إنفاق؟

- التدقيق في أرقام وزارة المال يُشير إلى أن الإنفاق العام ارتفع بقيمة 185 مليون دولار أميركي على الأشهر الثمانية الأولى من العام 2017 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2016، مع تسجيل ارتفاع في التحويل إلى مؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 322 مليون دولار أميركي (على الفترة نفسها). هذا الارتفاع لا يأخذ بعين الاعتبار ارتفاع كلفة الأجور في القطاع العام الناتجة عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب والتي من المفروض أن توازي الـ 100 مليون دولار أميركي شهرياً.

وأضاف:

- أيضاً هناك ارتفاع في كلفة خدمة الدين العام بقيمة 197 مليون دولار أميركي على الفترة نفسها في العام 2017 مقارنة بالعام 2016، وهذا يعني أن هناك ارتفاعاً مُستمراً ومُزمناً في الإنفاق العام، وهذا الارتفاع يبقى أعلى من قيمة ارتفاع الإيرادات مما يُثبّت عجز الموازنة وبالتالي يطرح مُشكلة زيادة الدين العام.

وتابع عجاقة:

- وإذا كان من المُتوقّع أن تؤمّن السلّة الضريبية أكثر من قيمة سلسلة الرتب والرواتب، إلا أن تراجع الوضع الاقتصادي يضع علامة استفهام ويثير شكوكاً حول قيمة العائدات الفعلية التي ستُحصلّها الدولة اللبنانية من هذه السلّة الضريبية بحكم أن مُعظمها هي ضرائب على النشاط الاقتصادي.

واستطرد قائلاً:

- من هنا نرى أن على الحكومة العمل على تخفيض الإنفاق الجاري بشتّى الوسائل وإعتماد موازنة تقشّفية في العام 2018 لتفادي الدخول في حلقة مُفرغة لا يُمكن الخروج منها إلا بأثمانٍ باهظة.

ــ بعيدا عن الانفاق والموازنة، ما هي أبرز الملفات الاقتصادية التي توّجت العام 2017 في لبنان، وماذا بقي منها للعام 2018؟

- هناك أحداث عدة طبعت العام 2017، مع وجود ملفات سياسية أثرت على الاقتصاد في لبنان أيضاً، وكذلك ملفات أمنية، وقانونية أيضاً، فمثلاً تحرير جرود لبنان من <الإرهاب> كان له تأثيره الإيجابي على اقتصاد لبنان في العام 2017، وكذلك القانون الانتخابي، وأيضاً من بين الأمور الاقتصادية والسياسية استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري والعودة عنها، ومن الملفات الاقتصادية يظهر موضوع الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، ومشروع موازنة العام 2017، وإقرار مرسومي النفط في بداية العام وآخره، وكلها ملفات أثّرت اقتصادياً على المشهد اللبناني في العام 2017.

 

سلبيات وإيجابيات

2-a

ــ كيف أثرت كل تلك الملفات سلباً وإيجاباً على الاقتصاد اللبناني؟

- أن الاقتصاد اللبناني مبني على الثقة، وهذه الأخيرة تتعلق بعوامل 6، أي الثبات السياسي، والأمني، وتداول السلطة، وخطة اقتصادية، ومحاربة الفساد، وقوانين عصرية تواكب التطور، ومع الأحداث التي ذكرناها كان هناك تضارب سياسي اثّر سلباً على اقتصاد لبنان.

الأحداث بالمطلق، ومنها تحرير الجرود، كان لها وقع اقتصادي كبير مع زيادة الثقة بلبنان وإعادة هيبة الدولة اللبنانية، وكذلك الاتفاق على قانون الانتخاب في لبنان مع تشكيل الهيئة الناخبة ومراقبة الانتخابات، هذه الملفات أعطت دفعاً إلى الاقتصاد اللبناني مع زيادة الثقة به، إضافة إلى إقرار مرسومي النفط مع أمل جديد بهذا الموضوع، كما تم التوصل إلى بدء دراسة الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، وعيّنوا حاكم مصرف لبنان وهذا الأمر كان له تأثيره الإيجابي على الوضع الاقتصادي والمالي، وصولاً إلى إقرار قانون الانتخابات، وقانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، فزادت الثقة بالاقتصاد اللبناني، ولكن يبقى أن استقالة الرئيس الحريري كان لها أثرها السلبي في آخر السنة لأنها لعبت دوراً سيئاً في لبنان وأثبتت هشاشة النظام السياسي الذي بنيت عليه الحكومة اللبنانية.

 

الاقتصاد بين الركود والنهوض

 

يضيف عجاقة قائلاً:

- رغم هذه اللائحة الطويلة من ملفات العام 2017، فان الاقتصاد اللبناني لم يستفد فعلياً من كل تلك الأحداث إيجابياً، ويمكن أن نطلق على العام 2017 عام الركود والتآكل الاقتصادي.

ويلفت عجاقة إلى أن العام 2015 كان عام النمو الحقيقي مع نسبة نمو بلغت 0.8 بالمئة، وفي العام 2016 بحسب المنظمات الدولية توصلنا تقريباً إلى نمو اقتصادي بنسبة 1.5 بالمئة.

وأضاف:

- كنا نتوقع أن ينمو الاستهلاك بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب، لكن هذا لم يحصل مع القدرة الشرائية، بل بالعكس خلال فترة الأعياد تراجع الاستهلاك في لبنان مقارنة بالأعوام السابقة.

أما التصدير فقد تراجع أيضاً، ولم نلمس نمواً سوى من خلال التحويلات من المغتربين التي بلغت هذا العام نسبة الـ 400 مليون دولار.

ورداً عن سؤال اذا ما كان من أمل أن ينهض لبنان اقتصادياً في العام 2018، يؤكد عجاقة أن لا تغيير مرتقبا كبيرا قبل الانتخابات النيابية.

وتابع قائلاً:

- نـــــلاحظ أن أي حــــدث يقســــم السلطــــــــة السياسيـــــة مـــــع مـــا يـــــترتب عــــن ذلك مـــــــن تعطيــــــل للقــــــرار الاقتصـــــادي، مـــــن هنـــــا لــــن يكــــــون هنـــــــاك أي تطـــــــور قبـــــل الانتخابــــــات النيابيـــــــة، ومـــا سيتخذ من قرارات حتى موعد الإنتخابات سيكون مشابهاً للعام 2017 أي من دون أن تنفذ، كقانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعــــــام مثـــــلاً. أمـــــا إذا أظهـــــرت الانتخابات النيابية أمــــــوراً واضحة فمن الممكن من ضمن رؤية اقتصادية كاملــــة متكاملــــة أن يكون لبــــنان علــى طريق النهوض الاقتصادي.