تفاصيل الخبر

البروفيسور جاسم عجاقة: اللبنانيون هم من يملكون الحل وندعو الى الرأفة بالشعب الذي يعيش على وتيرة المشاكل الإقتصادية والنقدية!

27/12/2019
البروفيسور جاسم عجاقة: اللبنانيون هم من يملكون الحل وندعو الى الرأفة بالشعب الذي يعيش على وتيرة المشاكل الإقتصادية والنقدية!

البروفيسور جاسم عجاقة: اللبنانيون هم من يملكون الحل وندعو الى الرأفة بالشعب الذي يعيش على وتيرة المشاكل الإقتصادية والنقدية!

 

بقلم طوني بشارة

 

يمر لبنان حالياً بأزمة اقتصادية خانقة في ظل غياب أي خطة استراتيجية من قبل المعنيين لإخراج هذا البلد الضعيف من محنته، كما وتلوح في الأفق فرضيتان، الأولى تعتبر أنه في حال لم تستطع القوى السياسية التوصل إلى حل في شأن الحكومة، فانه سيتم تحويل مساعدات ضئيلة إلى لبنان قد تمنع عنه الإفلاس لكن من دون إنتشاله من مشكلته، وهذا الأمر سيؤدي حكماً وبطبيعة الحال إلى إنفجار شعبي مع إستمرار تردي الوضعين الإقتصادي والإجتماعي. أما الفرضية الثانية فتشير الى أنه في حال تمكنت القوى السياسية من تشكيل حكومة (وقد يكون الأمر مستبعداً حاليا) فسيكون هناك توافق بين الحكومة المقبلة والدول الواهبة (مُمثلة بصندوق النقد الدولي أو الدولة الفرنسية) حول البرنامج الإصلاحي وهو ما يعني عملياً دخول لبنان تحت الوصاية المالية الدولية.

واللافت أنه وبلغة الأرقام وصل الدين العام إلى 86.9 مليار دولار أميركي مقارنة بناتج محلي إجمالي يُقارب الـ 56 مليار دولار أميركي بحسب تقرير <بنك أوف أميركا ــ ميريل لينش>. هذا الدين أصبح يوازي 153 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وهو أعلى بكثير مما تنص عليه المعايير الدولية التي تضع نسبة 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي كنسبة سليمة لا يجب تجاوزها.

كما وان إيرادات الدولة تراجعت وبشكل ملحوظ بدءاً من شهر آب (أغسطس) 2019، وأخذ التراجع بالإزدياد في الشهرين الأخيرين مما يعني أن نسبة العجز ستتخطى الستة مليارات دولار أميركي (منها 3.8 مليار بالعملة الصعبة) وهو ما يعني أن نسبة العجز تفوق الـ 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وبحسب تقرير <بنك أوف أميركا ــ ميريل لينش> فان حجم استحقاقات الدين العام بالعملة الصعبة على الدولة اللبنانية سيبلغ في العام 2020 ما يوازي الـ4 مليارات دولار أميركي.

مما يعني انه وبالإجمال، ستبلغ حاجة الدولة اللبنانية 8 مليارات دولار أميركي في العام 2020 يتوجب تمويلها تحت طائلة الإفلاس، فما أثر هذه الازمة على الواقع الاجتماعي؟ وما الحلول المطروحة للخروج من هذه المعمعة؟

عجاقة والوضع الاجتماعي!

<الأفكار> التقت البروفيسور جاسم عجاقة الذي افادنا قائلا:

- لا تزال الحسابات السياسية التي تقوم بها القوى السياسية تطغى على الواقع الإقتصادي، المالي والنقدي. فالتباين على شكل الحكومة واسم رئيسها يؤخر تشكيل الحكومة التي تُعتبر المدخل الأساسي لأي حل للأزمة القائمة حالياً.

ولا يخفى على أحد بأن الأزمة الإقتصادية والمالية والنقدية لها تداعيات سلبية كبيرة، خصوصاً أنها تنسحب على الشق الإجتماعي مع زيادة نسبة الفقر والتي قد تتحول إلى مصدر إضطرابات إجتماعية منها جرائم سرقة أو قتل!

إذاً نرى في ما تقدم أن حسابات المخاطر الناتجة عن عدم تشكيل الحكومة هي عملية مُعقدة نظراً إلى عدم وجود علاقة خطية بين مختلف العوامل (Non - Linear Relationship)، وهذا يعني أن القوى السياسية لا تتصرف من منطلق علمي يقوم على قياس المخاطر لتنفيذ اللعبة السياسية من دون أضرار إجتماعية.

وتابع عجاقة قائلا:

- ما نقوله هو أن القوى السياسية لا تملك أرقاماً عملية عن التداعيات السلبية الناتجة عن تأخير تشكيل الحكومة، وبالتالي قد تكون النتائج كارثية على الصعد الإجتماعية والإقتصادية والمالية والنقدية لدرجة تفوق توقعات السياسيين، اللهم إلا إذا كانت هناك إتفاقات دولية بعدم السماح للبنان بالسقوط إلى هذه المستويات!

من جهة أخرى، المعروف تاريخياً أن عجز الموازنة سجل أرقاماً قياسية خلال فترات تصريف الأعمال كما حصل العام الماضي مع حكومة تصريف الأعمال التي امتدت على فترة 8 أشهر من العام 2018 وأدت إلى تسجيل عجز إضافي يُناهز الملياري دولار أميركي عما كان متوقعاً في موازنة العام 2018! من هذا المُنطلق، نرى أن العجز في الموازنة سيزداد حكماً في الفترة المُمتدة منذ استقالة حكومة تصريف الأعمال الحالية وحتى تشكيل حكومة جديدة.

أيضاً في ظل حكومات تصريف الأعمال، تخف الرقابة على الموظفين ويزداد الفساد. وليس أبعد مما عرضته بعض شاشات التلفزة وهو تقرير يُظهر فساداً في مرفأ بيروت من قبل مجموعة تقوم بالتهريب الجمركي حتى في ظل الاحتجاجات الشعبية التي قامت أصلاً ضد الفساد المُستشري في لبنان.

استمرار التأزم وضرورة تشكيل الحكومة!

 

ــ تعتقد أن الامر يتجه إلى مزيد من التأزم في حال عدم تشكيل حكومة إنقاذ، فعلى ماذا ارتكزت؟

- هناك عدة عوامل تدفع إلى القول أن الوضع في ظل غياب حكومة إنقاذ سيتجه إلى مزيد من التأزم:

أولاً على الصعيد النقدي: فان إستمرار غياب الحكومة يعني غياب الثقة وبالتالي إستمرار المصارف بفرض قيود على حركة الدولار الأميركي الذي سيزيد سعره حكماً لدى الصيارفة عملاً بمبدأ العرض والطلب. ولا تُساعد المضاربة التي تقوم بها بعض الجهات في تركيا مع عرض 5000 ليرة لبنانية لكل دولار أميركي مما سيزيد حكماً من عملية تهريب الدولارات إلى الخارج وستزيد معها حركة التقييد!

ثانياً على الصعيد المالي: تراجع النشاط الإقتصادي أدى بدون أدنى شك إلى تراجع إيرادات الدولة بشكل ملحوظ مما يعني زيادة العجز وبالتالي زيادة الدين العام. ومع تراجع التصنيف الإئتماني، هناك شبه استحالة لإصدار سندات خزينة مما يعني أنه ستستدين من مصرف ما يعني زيادة الضغط على احتياطات مصرف لبنان وبالتالي على الثبات النقدي!

ثالثاً على الصعيد الإجتماعي: زيادة كلفة الإستيراد في ظل غياب الإنتاج ستؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطن اللبناني وبالتالي إلى هبوط قسم كبير من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة. وهذه الزيادة في الفقر ستدفع بحسب الإحصاءات إلى زيادة الجريمة من سرقة وفلتان أمني واعتداء جسدي وغيرها من الجرائم التي ستؤدي إلى زعزعة الثقة بالمجتمع والدولة.

ــ وهل ستستقيم الأمور فورا مع تشكيل الحكومة؟

- في حال تشكلت حكومة في الأسابيع المقبلة، فانه ستكون هناك حاجة لوقت طويل قبل عودة الأمور إلى نصابها، فالحكومة بحاجة إلى القيام بجردة دقيقة لمالية الدولة واستحقاقاتها وايراداتها في السنتين المقبلتين قبل طرح خطة للخروج من الأزمة ضمن سلة متكاملة من الإجراءات التي يجب أن تطال بشكل أساسي الواقع المالي للدولة والواقع الإقتصادي، وهذا يعني أن أي عملية إنقاذ لن تبدأ قبل شهر بعد أخذ الحكومة الثقة من المجلس النيابي.

ــ وهل من مهلة او فترة زمنية معينة لاستقامة الأمور والوصول الى حالة ثبات للوضع المالي؟

- تنفيذ الخطة الإنقاذية سيحتاج إلى فترة تمتد ما بين السنتين إلى ثلاث سنوات قبل الوصول إلى حالة ثبات في الوضع المالي (بالدرجة الأولى) والبدء بقطف ثمار الخطة في الإقتصاد. على هذا الصعيد، يتوجب القول أن كل تأخير بالبدء بالخطة يجعل فترة التنفيذ أطول والإجراءات أصعب! من هذا المنطلق نُطلق الصرخة حول أهمية تشكيل الحكومة في أسرع وقت والتعالي عن الحسابات السياسية التي تمنع هذا التشكيل.

والبعض يرى أن ما تقدم هو تبسيط لمشكلة أكبر من لبنان الذي انغمس في الوحول الإقليمية والدولية، وبالتالي أي حكومة لا ترضى عنها القوى السياسية الداخلية لن تُبصر النور، كما أن حكومة لا يرضى عنها المجتمع الدولي ستُغرق لبنان في مشاكل مالية وإقتصادية أعظم. من هذا المُنطلق نرى أن هناك حلاً وسطياً بين هذين الحلين (الصعب تحقيقهما!) والذي قد يكون مخرجاً لائقاً وضرورياً للخروج من الأزمة إذ لا يُعقل بعد كل ما عرضناه أعلاه أن يستمر البلد من دون حكومة!

وان البعد السياسي للمشكلة الحالية يطغى على المشكلة الإقتصادية والإجتماعية عند القوى السياسية، فيما الشق الإقتصادي والنقدي هو الذي يطغى عند المواطن. من هنا نرى أن التباعد بين وجهتي النظر هذه سيدفع إلى مزيد من الاحتجاجات الشعبية والتي قد تزيد وتيرتها مع الوقت وقد تنفجر في آذار (مارس) المقبل مع تحسن الطقس.

 

سلة الاصلاحات والحلول!

ــ ومن يملك الحل، الجهات المحلية ام الدولية والإقليمية؟

- بإعتقادنا ان اللبنانيين هم من يملكون الحل وكل ما يجب القيام به هو الرأفة بالشعب الذي يعيش على وتيرة المشاكل الإقتصادية والنقدية. وبإعتقادنا، ان إستمرار الوضع على ما هو عليه من دون حكومة يعني أن لبنان يمتلك فترة عدة أشهر من الصمود قبل أن تفلت الأمور عن السيطرة ويُصبح البلد عرضة لكل الإحتمالات.

ــ اشرت الى سلة إصلاحات ملزمة، فما مضمون هذه السلة؟

- الآن وبعد أن أخذت الأمور منحى دراماتيكياً في غياب سلطة تنفيذية وإجراءات إصلاحية لتدارك الأوضاع الإقتصادية والمالية، أصبحت الإهتمامات تنصب أكثر على الحلول التي تمنع السقوط في المحظور كما وإعادة التوازن المالي إلى الدولة اللبنانية.

لذا من الواضح أن أي حل سيُعتمد يجب أن يكون عبارة عن سلة كاملة متكاملة تطاول الشق السياسي، الإقتصادي، المالي، النقدي، والإجتماعي. هذه السلة تبدأ بحكومة تلبي مطالب المحتجين (وبالتالي المجتمع الدولي)، وتحاكي مخاوف القوى السياسية (خصوصاً من وجود <مؤامرة>)، على ان تضع هذه الحكومة تصوراً واضحاً للخروج من الأزمة مع خطوات عملية يتم عرضها على لجنة متابعة <مؤتمر سيدر> كما وصندوق النقد الدولي، وعلى أساس هذه الخطة يتم طلب المساعدة المالية في حال تبين الحاجة لها.

وفي التفاصيل أن الدولة اللبنانية بحاجة إلى 8 مليارات دولار أميركي من العملة الصعبة في العام 2020، والتي يمكن تمويلها من السوق شرط أن تكون هناك حكومة ذات صدقية تعمل على تطبيق إصلاحات فعلية على الأرض تطال الاتي:

أولاً: إقرار إجراءات مالية تطال الموازنة، الإنفاق العام، إيرادات الدولة، وفرض سيادة الدولة المالية...

ثانياً: إقرار خطة اقتصادية تطاول القطاعات المنتجة وتقديم التحفيزات الضرورية لإنشاء صناعات وزراعات وطنية مع فرض رسوم جمركية كبيرة على استيراد السلع والبضائع التي لها مثيل في لبنان.

ثالثاً: إقرار خطة تطال القطاع العام وتنص على إحصاء، تنظيم وإعادة توزيع الموظفين على الوزارات والمؤسسات بعد إلغاء المؤسسات والوزارات غير المجدية.

رابعاً: إقرار خطة واضحة لمحاربة الفساد في كل القطاع العام وفتح التحقيق في الملفات المالية.

خامساً: إقرار قانون استقلالية القضاء (في مجلس النواب) لكي يتمكن هذا القضاء من القيام بمهامه.

سادساً: وضع جدول واضح باستحقاقات الدولة المالية داخلياً وخارجياً كما وجدول الإيرادات وتقييم حاجة الخزينة لإيرادات إضافية والعمل على تأمينها إن من خلال إجراءات داخلية أو من خلال مساعدة دولية.

سابعاً: إقرار خطة إجتماعية تهدف إلى حماية الأكثر فقراً في لبنان عملاً بمبدأ التعاضد الوطني وشرعة حقوق الإنسان.

ختاما، من البديهي القول أنه من دون هذه الخطة لا يمكن للبنان الذهاب وطلب المساعدة من الخارج. من هذا المنطلق، يتوجب الاتفاق سريعاً على تكليف رئيس حكومة وتشكيلها في أسرع وقت حتى يتسنى لها وضع الخطة والبدء بالعمل نظراً إلى التداعيات السلبية لعامل الوقت على الأصعدة الإجتماعية، الإقتصادية، المالية والنقدية. علماً إن عدم تشكيل حكومة سريعاً ستكون له تداعيات سلبية كبيرة ستطال الشق الإجتماعي الذي يعتبر الضحية الأولى مع إزدياد الفقر، كما أن الشق النقدي سيتأثر حكماً مع الاستمرار في استنزاف احتياطات مصرف لبنان من العملات الصعبة من دون أن يكون هناك حل في الأفق... كل هذا سيوصل لبنان إلى واقع مرير سيندم عليه أصحاب القرار لاحقاً!