تفاصيل الخبر

البروفيسور فيليب سالم في حديث سياسي وإنساني وطبي: رئيس جمهوريــة لبــنان يـجـب أن يكــون مـسـيـحـيـــاً ولـكن لـيـس بالـضـــرورة أن يـكــون مـارونـيــــاً!

08/01/2016
البروفيسور فيليب سالم في حديث سياسي وإنساني وطبي: رئيس جمهوريــة لبــنان يـجـب أن يكــون مـسـيـحـيـــاً  ولـكن لـيـس بالـضـــرورة أن يـكــون مـارونـيــــاً!

البروفيسور فيليب سالم في حديث سياسي وإنساني وطبي: رئيس جمهوريــة لبــنان يـجـب أن يكــون مـسـيـحـيـــاً ولـكن لـيـس بالـضـــرورة أن يـكــون مـارونـيــــاً!

 

5-(2)شهدت الذكرى السابعة والستون لصدور شرعة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة احتفالاً في العاصمة الفرنسية باريس، حضره ممثل عن الأمين العام للأمم المتحدة <بان كي مون> ومفوض حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الأمير زيد بن رعد وسفير لبنان في الأمم المتحدة نواف سلام والعديد من الشخصيات العالمية بينهم البروفيسور اللبناني العالمي فيليب سالم الذي تقدم باقتراح الى هذا المؤتمر يقضي بتضمين شرعة حقوق الإنسان حق الإنسان في الحياة بدءاً من حقه في الطبابة والعلاج. فماذا يقول عن ذلك؟

<الأفكار> استضافت الدكتور فيليب سالم في مكاتبها وحاورته على هذا الخط، بالإضافة الى الأوضاع السائدة في لبنان والمنطقة لاسيما الاستحقاق الرئاسي وتجربته الشخصية كطبيب متخصص في محاربة مرض السرطان بدءاً من السؤال:

ــ بأي صفة حضرت المؤتمر وماذا قدمت من اقتراحات؟

- حضرت بصفتي المدافع الأول عن حق الإنسان في الحياة في السنوات الأخيرة. وكما قلت في الافتتاحية يجب أن يحيا الإنسان أولاً كي يتمكن من أن يمارس الحقوق الأخرى. وإذا نظرنا الى الخريطة العالمية نجد الملايين من الأطفال يموتون بسبب أمور بسيطة وعلاجها غير مكلف، وكل ذلك لأن هذه الدول في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية ليس لديها حق الإنسان للحياة كقضية مهمة، حتى انه في الولايات المتحدة لا تشكل الصحة أولوية أميركية، ولذلك فهدفي هو التأكيد على أنه لا يمكن الحديث عن الحق بالحياة إذا لم يملك الإنسان الحق في الصحة، وهذا يعني أن الإنسان يولد كطفل من دون أن يعرف حقوقه، لكن على الدولة أن تؤمن له كل العلاجات التي تمنع حدوث المرض، وعندما يكبر لا بد أن يكون لديه الحق بالطبابة ويستطيع الدخول الى أي مستشفى ولا يموت على أبوابها لأنه لا يملك المال، وهذا أكبر عار في رأيي.

وأضاف:

- وبالتالي الإيمان بحق الحياة يتطلّب الإيمان بالصحة، وأنا برزت هذا الجانب وكان هناك إجماع لدى المؤتمر لهذا المبدأ بحيث يجب أن يحيا الإنسان أولاً قبل ممارسة الحقوق الأخرى، من حرية الرأي والمعتقد وما الى ذلك، وهذا ما دفع المؤتمر لتبني هذه الفكرة ولأول مرة منذ العام 1948 منذ صدور شرعة حقوق الإنسان، اتفق على دراسة ما لتعديل شرعة حقوق الإنسان. وهذا الامر يشرفني خاصة وان نسيبي من جهة أمي وابن بلدتي بطرام الكورية هو الرجل الأساس في وضع شرعة حقوق الإنسان وأعني به الوزير شارل مالك.

 

شارل مالك وشرعة حقوق الإنسان

ــ وهل كرّم المؤتمر شارل مالك في هذه الذكرى؟

- طبعاً، وأنا في خطابي تحدثت عن شارل مالك، وكذلك في الافتتاحية. وهنا أقول إنه قد نختلف مع شارل مالك في السياسة لكن لا بد أن نحترم شارل مالك لدفاعه المستميت عن حق الإنسان في الحرية والكرامة... فلا أحد دافع عن هذه المبادئ مثل شارل مالك. ولا أنسى أنه عام 1948 يوم صدرت الشرعة كان العالم خارجاً من حرب عالمية ثانية، وبالتالي كانت هذه القضية أساسية والخمسة الذين كتبوا شرعة حقوق الإنسان كان شارل مالك من بينهم، وكان الصيني والفرنسي والسوفياتي والأميركي، وقد أعطت القوة لشارل مالك  السيدة <ايلينور روزفلت> زوجة الرئيس الأميركي آنذاك <فرانكلين روزفلت> التي كانت تحب شارل مالك وتؤمن بما يطرحه، ودوره بدأ عام 1946 حيث كان النقاش حول الشرعة، وبالتالي لو لم يكن هناك شارل مالك ما كانت شرعة حقوق الإنسان أبصرت النور نظراً للخلافات العميقة. وكان شارل مالك يعمل على التخفيف من هذه الخلافات دون أن يمس جوهر الوثيقة التي تشدّد على حرية الفرد واحترامه.

ــ هل سبق واجتمعت مع شارل مالك في غرفة مقفلة؟

- طبعاً.. هو نسيبي وأعرفه كطفل وكأستاذي وكصديقي وكمريضي.. وصحيح أنه لم يصب بمرض السرطان لكنه عندما كان يدخل الى المستشفى لأي مرض لم يكن يقبل أن يتناول أي دواء إذا لم يسألني لأنه كان يخاف من أن يدسّ أحد ما السمّ له في الدواء. وأنا بعد تخرجي من الجامعة الأميركية درست الفلسفة معه ولم يكن هناك توافق في الرأي بيننا على أي شيء لأنني آتٍ من العلم وهو آتٍ من الفكر المطلق.

 

أنا و<أوناسيس> و<جاكي>

ــ كيف تعرّفت الى الملياردير اليوناني <آرسطو اوناسيس> وزوجته <جاكي> أرملة الرئيس الأميركي <جون كينيدي>؟

- تركت الجامعة الأميركية للتخصص في أميركا في حزيران/ يونيو من العالم 1968 وبعد أسبوعين من وصولي الى نيويورك وأثناء دراستي في مؤسسة <Me Morial Sloan-Kettering Cancer Center> وهي من أهم مؤسسات العالم لمعالجة السرطان، وكانت تدعمها ممدوحة السيد بنت طرابلس وكان عمري يومذاك 27 سنة، وذهبت للتخصص وكنت أول لبناني يتخصص في علم السرطان وأول عربي يتخصص في الأبحاث والعلوم السرطانية، وما أن وصلت حتى أتى بعد أسبوعين مريض من اليونان اسمه <باترو نيكولاس> وهو عمدة الخطوط الجوية الأولمبية، وهو أيضاً طبيب متخصص بالأمراض الرئوية، وذهبت إليه وكان في عمر والدي (65 سنة)، وعطفت عليه وفحصته واهتممت به، لكن في احدى الأمسيات، كنت أجول أنا ورئيسي الأميركي ويدعى <كابسون> وحصل أن <باترو نيكولاس> سأله عن مدى احتمال عيشه، فردّ عليه <كابسون> بأنه سيعيش لمدة أسبوعين، فصمت المريض ثم عاد <كابسون> وسأله إذا كان عنده أي أسئلة أخرى، فرد المريض بأن الأمر لا يحتاج الى أي سؤال طالما أنني سأموت بعد أسبوعين، ودمعت عيناه.

وتابع قائلاً:

- وأنا تلميذ دون نفوذ أنهيت دورتي على المرضى وتعشيت في الخارج وعدت الى غرفتي، لكنني لم أستطع أن أنام دون أن أعود الى هذا المريض الذي دمعت عيناه، فعدت إليه وجلست الى جانبه وقلت له بأن هناك أطباء يعتقدون أنهم هم الله، ويعرفون كل شيء، لكن الحقيقة أن الأطباء يعرفون القليل، ونحن اليوم نجرّب دواءً جديداً لم نعرف بعد مدى فاعليته، ولذلك من الصعب أن نعرف كم ستعيش، ومن الممكن أن تشفى أو تموت، لكن الأكيد أن هناك إمكانية للشفاء لاسيما وأننا نعطيك أفضل العلاج، ولا بد من الاتكال على الله ولا أحد يعرف متى سيموت.

وأضاف:

- وبالفعل عاش الرجل 18 سنة ومات في حادث سير في أثينا، وهذا الرجل بعد الذي جرى بيننا، طلب مني أن أكون الطبيب المشرف على علاجه. وهذا ما حصل، وفي أحد الأيام جاءت ممرضة وهمست في أذني بأن <جاكي كينيدي> تطلبني، فلم أصدّق الى أن تأكدت من الخبر فذهبت إليها وكانت تزور المريض <نيكولاس> بالذات الذي أعالجه بسبب أنه متزوج من أخت زوجها <أوناسيس>، وفعلاً زرتها وسلمت عليها وحصلت علاقة جيدة خلال سنة من العلاج مع هذه العائلة، بمن في ذلك <أوناسيس> خاصة بعد أن شفي الرجل، حتى أن <أوناسيس> أرسل طائرة خاصة الى <هيوستن> لتقلني الى اليونان، وذلك في العام 1971، وتعشيت معه وقال لي إن <الجنيناتي> الذي يهتم بحديقته يتطلع بـه 24 ساعة في اليوم ويحسده، وهو يتطلع به ويحسده أيضاً، لاسيما وان هذا الرجل لديه عائلة جميلة، وفي المساء يغنون وهم فرحون ولا هموم لديهم بعكس <أوناسيس> تماماً، وقال لي بأن أتذكر أن المال ليس كل شيء.

وتابع يقول:

- اختمرت هذه الفكرة في رأسي وعالجت الكثير من أغنياء العالم وعرفت أن الشهرة والمال لا يصنعان السعادة.

 

<بوتين> نجم 2015

ــ نسألك من كان نجم عام 2015 في لبنان والعالم؟

- <ماغازين تايم> اختارت المستشارة الألمانية <أنجيلا ميركل> كشخصية للعام 2015، ولكن أقول إن أكثر رجل كان له الدور الأكبر عام 2015 هو الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> لأن هذا الرجل غيّر المعادلة الأساسية التي كانت سائدة وهي أن أميركا كانت تتصرف كقطب وحيد في العالم وأوروبا مجرد تابع لها، فجاء <فلاديمير بوتين> وفرض نفسه على الساحة الدولية وأعاد التوازن الدولي الى سابق عهده من الثنائية. وأكبر عمل قام به هو تدخله في سوريا لأنه قلب المعادلة في الشرق كله. وما حدث أن الدخول الروسي الى سوريا غيّر المعادلة الداخلية بعدما كانت إيران هي القوة الأساسية التي تنفذ الاستراتيجية الكبرى للحرب السورية، ولكن روسيا امتصت هذا الدور. ومن يقرر الحرب والسلام في سوريا اليوم هو <بوتين> وليس إيران، لا بل هناك صراع خفي بين ايران وروسيا حول دورهما في سوريا، حتى تراجع دور كل القوى التي تأتمر بإيران نتيجة الحضور العسكري الروسي المباشر.

وأضاف:

- من الاشياء التي جرت عام 2015 أيضاً هو تراجع الدور الأميركي الذي كان دوراً ريادياً، ومن خلال تردّد الرئيس <باراك أوباما> وعدم قدرته على اتخاذ القرارات المصيرية، تراجع الدور الأميركي، ولو لم يكن معه وزير الخارجية <جون كيري> لكانت المأساة، وبالتالي فالوزير <كيري> أنقذ <أوباما> عبر الاتفاق النووي مع إيران وبالعلاقة مع روسيا. فالرئيس <أوباما> رئيس ضعيف بالنسبة لعلاقات اميركا مع الخارج وبالنسبة لسياستها الخارجية، لكن <كيري> أنقذ <أوباما> من الكارثة.

 

لبنان الدور والرسالة

ــ وهل تراجع الدور الأميركي الذي كان له أثره على لبنان؟

- طبعاً.. فـ<أوباما> لم يكن لبنان على سلّم أولوياته وصار لبنان مجرد وعاء جغرافي لحزب الله، والدور اللبناني التقليدي لم يكن مهماً بالنسبة له ولـ<أوباما>، لأن الأدوار الأميركية بشكل عام وحتى يومنا هذا لم تفهم معنى لبنان في الشرق كونه المكان الوحيد في الشرق الذي يضم التعددية الحضارية عكس كل محيطه، إضافة الى ذلك ان اسرائيل التي كان يحكى عن ديموقراطيتها، أصبحت تنادي بدولة يهودية وانحدرت بالتالي من الديموقراطية الى العنصرية، وبالتالي لبنان وحده في هذا الشرق بقي في الميدان. وقيمة لبنان ليست في ثروته البترولية التي لا يملكها أصلاً حتى الآن، ولا بجغرافيته، بل لأنه نموذج للحضارة في الشرق وللتعددية الحضارية، وبالتالي فلبنان هو النموذج لكل العالم، وبدل الذهاب الى العراق لإرساء الحرية والديموقراطية، كان على الغرب استثمار حرية وديموقراطية لبنان واتخاذها نموذجاً لكل دول المنطقة، وبالتالي دعم لبنان ومساندته. ورغم أن التعددية الحضارية هي قوة لبنان، فإنها للأسف هي نقطة ضعفه أيضاً لأن اسرائيل لا تريد على حدودها نموذجاً كالنموذج اللبناني، لأنها تخاف يوماً أن يقول لها العالم بأن تتخذ لبنان نموذجاً من خلال التعايش الحضاري بين كل مكونات فلسطين من عرب ويهود، لا بل هي تسعى لإعلان يهودية الدولة وطرد فلسطينيي العام 1948 من أرضهم كي لا يصبح الفلسطينيون في المستقبل أكثرية، لكن هذا خطأ لأن التاريخ لا يمكن أن يعود الى الوراء ومهما حدث في الشرق فالتاريخ سائر نحو التعددية الحضارية التي يرمز إليها لبنان وحده فقط في كل دول الشرق.

ــ يعني لا ترى مشاريع تقسيم في المستقبل؟

- لا نعرف ماذا يحدث لكن لا بدّ أن يكون النموذج اللبناني هو البديل لكل الطروحات، على أن نصل الى التعددية الحضارية من خلال الفصل التدريجي بين الدولة والدين. ومشكلة الشرق هي الجهل وعدم الثقافة لأن التربية ضعيفة، وحتى في لبنان لا يزال التعليم ضعيفاً وآلاف الخريجين من الجامعات لم يفعلوا شيئاً في المجتمعات العربية إلا ما ندر، ولم يكن لهم هذا الأثر الكبير، وهدفنا الأساسي يجب أن يكون بإظهار لبنان كنموذج والعمل لتحقيق فصل الدين عن الدولة بطريقة تدريجية وواقعية تحفظ لجميع الأقليات والأديان والشعوب حقوقهم.

ــ كيف يتحقق ذلك واللبنانيون لا يستطيعون التوافق على رئيس للجمهورية؟

- صحيح، قوة لبنان كما قلت هي ضعفه أيضاً لأن من يمارسون الديموقراطية يرتبطون بالخارج وأصبحوا تابعين للخارج الذي مدّهم بالمساعدات والأموال، وأصبح الخارج هو الذي يقرر عن الداخل للأسف، ولذلك لا يمكن للسياسيين اللبنانيين أن يمارسوا الديموقراطية طالما أنهم ليسوا أحراراً في اتخاذ القرارات.

ــ ومن هو نجم لبنان؟

- لم أشاهده بعد.

 

الرئيس... يجمع ولا يفرّق

 

ــ والتسوية الرئاسية بترشيح سليمان فرنجية رئيساً كيف تراها؟

- لا أنظر الى الاشخاص بل الى الفكر السياسي والى مصلحة لبنان، ومصلحة لبنان اليوم ان يأتي رئيس يستطيع أن يجمع اللبنانيين ولا يفرّقهم وأن يصهرهم في رؤية موحدة شعارها: <أي لبنان نريد؟>! وهذا أمر ليس صعباً، وصحيح أن حزب الله قوة عسكرية هائلة، وأن هناك قوى أخرى جالسة في متراسها بطريقة من الطرق، لكن الرئيس الحكيم القائد يستطيع أن يجمع ولا يفرّق. ونحن لا نريد رئيساً قوياً بقدر ما نريد الرئيس القائد على غرار الرئيس الراحل <نلسون مانديلا> يستطيع جمع كل الأفرقاء وبلورة رؤية جديدة للبنان يكون لبنان من خلالها في حياد كامل لا في النأي بالنفس. فالحياد الفاعل ليس كالحياد الإيجابي وليس مثل النأي بالنفس، بل هو الحياد الذي يستند الى استراتيجية محددة تؤمن حياد لبنان وتدعم علاقاته وصدقاته مع دول العالم.

وأردف قائلاً:

- فنحن نحتاج رئيساً يشبه <مانديلا> لاسيما وأن هناك رمزية معينة للبنان الذي يرمز الى الحضور المسيحي في الشرق كله، ولذلك لا بد من الإصرار على أن يكون الرئيس مسيحياً وهذا ما أؤمن به رغم علمانيتي، لكنني لا أؤمن أن يكون مارونياً بالذات، وليس بالضرورة أن يكون مارونياً.. وهنا أخاف إذا بقي الرئيس مارونياً فقط، أن يخسر المسيحيون لبنان، وهذا دعم للحضور المسيحي في الشرق، خاصة وان الأرثوذكس والأقليات المسيحية الأخرى لديها حضور في العالم العربي أكبر من الحضور الماروني، ولا بد من الخروج من منطق السياسيين التقليديين. وأقول للشعب إن المدرسة السياسية التقليدية التي تؤمن بمصلحة السياسي قبل مصلحة الوطن، هي التي أوصلت لبنان الى هذا الانحدار، ولم تستطع بناء وطن يصمد في وجه العواصف، وهذه المدرسة غير مؤهلة وغير قادرة على أن تجعل من لبنان وطناً ودولة.