لم يعد سراً أن مصرف لبنان يعيد النظر في مسألة استمرار دعم المحروقات والادوية والطحين من الاحتياطي المتبقي لديه من الدولارات الاميركية والذي سوف يواجه - حسب المعطيات المتوافرة - ازمة نفاد هذا الاحتياطي اذا استمر الوضع المالي على ما هو عليه مع تراجع واردات الدولة وتزايد الاعباء.... ولعل ما زاد الطين بلة، المعلومات التي تتسرب يوماً بعد يوم عن اقتراب توقف المصرف المركزي عن دعم المواد الغذائية والطبية الاساسية، الامر الذي احدث ذعراً في صفوف المواطنين الذين يتخوفون من توقف الدعم الذي يعني عملياً ارتفاع اسعار المحروقات والادوية والخبز وهي مواد لا يمكن الاستغناء عنها في الحياة اليومية للبنانيين الذين يعانون من حدة الازمة الاقتصادية والمالية.
مصدر مالي موثوق اكد ان الاحتياط الباقي في مصرف لبنان يبلغ 19.5 مليار دولار، لكن القدرة على استعمال هذا الاحتياط تبلغ مليارين ونصف مليار دولار، لأن المليارات الـــ 17 تعود لاصول المودعين في المصارف الموضوعة في مصرف لبنان كضمانة ولا يمكن بالتالي للمصرف المركزي استعمالها لأنها من حق المودعين في المصارف حصراً. وبالتالي، فإن عملية حسابية بسيطة تظهر ان المبلغ الشهري الذي يدفعه المصرف المركزي لتأمين الدعم يراوح بين 600 و 700 مليون دولار، ما يعني ان التغطية تتأمن لفترة تراوح بين ثلاثة واربعة اشهر في ما لو بقيت حركة الاستيراد على ما هي عليه خلال الاشهر الماضية. ويضيف المصدر ان وقف الدعم سيؤدي الى ارتفاع سعر ربطة الخبز الى 15 الف ليرة لبنانية، فيما يرتفع سعر صفيحة البنزين الى ما يزيد عن 70 الف ليرة، وهذان الارتفاعان لا يمكن تحمل نتائجهما في الشارع ما سيحرك التظاهرات الرافضة من جديد لأن رفع سعر البنزين يعني اوتوماتيكياً ارتفاع اسعار المواد الغذائية والخضار والفواكه وكل ما ينقل على اساس ان سعر البنزين ارتفع وعادة ترتفع معه كل الاسعار...
ويبدو ان مسألة الارقام التبست على المسؤولين اذ ظنوا في وقت من الاوقات ان في مقدورهم استعمال الاحتياطي الكامل اي 19.5 مليار دولار الا انهم صدموا عندما علموا انه لا يمكن تحريك الا مليارين ونصف المليار فقط لأن الباقي يعود للودائع في المصرف. وقد عبّر رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب عن انزعاجه من هذه المسألة امام كبار المسؤولين لانه لم يقل له احد ان استعمال الاحتياطي يقتصر على ملياري دولار فقط، وهو في المقابل ابلغ المعنيين انه لن يقبل طالما هو يصرف الاعمال بأي رفع للدعم عن المواد الاستهلاكية الاساسية لأن ردة الفعل في الشارع ستكون كبيرة، وليس على استعداد ان يتحمل هو اي خطوة في هذا السبيل، على ان يترك الامر للحكومة الجديدة التي يفترض ان تشكل كي تتخذ القرارات المناسبة في هذا الشأن. ولعل ما ازعج الرئيس دياب - على حد ما قالته مصادر مطلعة - انه في الماضي تم استعمال الاحتياطي المصرفي لتغطية نفقات الدولة فلماذا لا يمكن استعماله الآن والبلاد تمر في اصعب ازمة مالية واجهتها منذ الاستقلال؟
لا استعمال لاحتياطي المصارف
[caption id="attachment_81619" align="alignleft" width="444"] الرئيس ميشال عون مترئساً الاجتماع المالي في القصر الجمهوري.[/caption]ويقول مطلعون على الواقع المالي لمصرف لبنان ان المجلس المركزي للمصرف اتخذ قراراً بعدم استعمال الاحتياطي المصرفي لاستمرار دعم المواد الاستهلاكية الاساسية بل الاكتفاء بأموال مصرف لبنان اي ملياري دولار اميركي، خصوصاً ان قانون النقد والتسليف يحمي حقوق المودعين ويمنع المصرف المركزي من التصرف بحقوقهم المالية، علماً انه لا يمكن استعمال احتياطي المصارف الا بموافقتها وليس في الافق ما يؤكد ان المصارف سوف توافق على التصرف بأموال مودعيها. ويبدو ان المصرف المركزي بدأ يمهد الاجواء لرفع الدعم من خلال اصدار بطاقة ممغنطة توزع على اللبنانيين بدءاً بالفئات الفقيرة، ثم الاقل فقراً وصولاً الى الطبقة المتوسطة فيها مبلغ من المال يعادل المبالغ التي تحسم للمواطنين نتيجة الدعم المالي على المواد الاستهلاكية، على اساس ان هذه البطاقة تضبط من جهة حركة الانفاق، وتحصر الدعم باللبنانيين من دون من هو غير لبناني موجود على الاراضي اللبنانية خصوصاً ان عدد هؤلاء يفوق مليوني شخص بين نازح سوري ولاجىء فلسطيني. وينتظر مصرف لبنان اذن الحكومة ليصدر البطاقات من خلال "داتا" باسماء العائلات المعوزة في مرحلة اولى، ثم بقية اللبنانيين في مرحلة ثانية.
وفي حسابات المصرف المركزي ان وجود البطاقة له عدة فوائد، ابرزها ضبط الانفاق وحصر المستفيدين من البطاقة باللبنانيين، والحد من الهدر المالي المترتب على الدولة بفعل الدعم الذي يذهب في اتجاهات غير سليمة مثل التهريب واستفادة غير اللبنانيين، اضافة الى تسهيل عمليات الغش التي يتفنن اللبناني في ممارستها من خلال الدعم المفتوح.
وتشير المعلومات الى ان المشكلة التي تواجه خيار البطاقات تكمن في عدم وجود احصاءات دقيقة و "داتا " مفصلة للعائلات اللبنانية في مختلف الفئات وهذا ما ظهر خلال توزيع المساعدات المالية ( 400 الف ليرة شهرياً) التي اقرت لهذه العائلات كي تتمكن من الصمود نتيجة تداعيات احداث 17 تشرين الاول (اكتوبر) وانتشار "الكورونا" واخيراً الانفجار في مرفأ بيروت. وفي رأي المشرفين على اعداد البطاقات، انه لا بد من اجراء مسح دقيق وشامل للعائلات التي ستستفيد من البطاقة قبل الشروع بالتوزيع حتى لا تذهب هذه البطاقات الى غير مستحقيها وتسقط الغاية من اصدارها. كذلك يقتضي وضع خارطة طريق بأنواع السلع التي تشملها عملية التعويض على المواطنين من خلال البطاقة الذكية حتى يصار الى حصر الضروري منها لتحديد المبالغ التي ستخصص في كل بطاقة تعطى للمواطن المستفيد من الدعم، مع الاشارة الى ان العدد التقريبي للعائلات في حالة الفقر يبلغ 400 الف عائلة حصلت على مساعدات مالية خلال الاشهر الماضية.
اما بالنسبة الى دعم الدواء والذي سيرفع بعد نفاد اموال الاحتياط في مصرف لبنان، فإن الاتجاه الى تفعيل عملية استيراد ادوية "الجينيريك" للحد من تكلفة الادوية من الشركات بعدما تبين ان وكلاء الادوية يتقاضون ارباحاً كبيرة يمكن توفيرها من خلال "الجينيريك" الذي له الفعالية نفسها ويمكن بالتالي اضافة دعم الدواء على البطاقة الذكية التي ستكون في حوزة المواطنين بعد انجاز الترتيبات اللازمة للاعداد والطبع وتحديد المبلغ الاجمالي الذي سيكون في البطاقات وتوزيعها، ولا تحدد مصادر مصرف لبنان وقتاً دقيقاً لاصدار البطاقات، لكن ذلك يستلزم وقتاً يتراوح بين شهرين وثلاثة اشهر اذا ما توافرت "الداتا" الدقيقة والمعلومات الصحيحة عن المستفيدين من البطاقة بعد برمجتها.
1_الرئيس ميشال عون مترئساً الاجتماع المالي في القصر الجمهوري.
2_ مصرف لبنان.. احتياطه المالي لا يتعدى 19.5 مليار دولار.