تفاصيل الخبر

الباحث في ”الدولية للمعلومات“ محمد شمس الدين: الفساد مستشرٍ بشكل فاضح دون حسيب أو رقيب!

10/03/2017
الباحث في ”الدولية للمعلومات“ محمد شمس الدين: الفساد مستشرٍ بشكل فاضح دون حسيب أو رقيب!

الباحث في ”الدولية للمعلومات“ محمد شمس الدين: الفساد مستشرٍ بشكل فاضح دون حسيب أو رقيب!

 

بقلم كوزيت كرم الأندري

5-(11)

في لبنان رب عمل كبير اسمه <الدولة>. لكن رب العمل هذا فوضوي، سيء، فاسد وغير عادل. فالمشهد في مؤسسات وإدارات الدولة هو كالآتي: إنفاق كبير على الأجور والتعويضات، سوء إدارة الموارد البشرية، ظلم في توزيع الرواتب، تفاوت كبير بين الموظفين الذين يملكون الكفاءة والمؤهلات عينها، أجور <خرافية> مقابل رواتب متواضعة جداً... مع الباحث في <الدولية للمعلومات> محمد شمس الدين جالت <الأفكار> على مختلف مظاهر اللاعدالة والفساد في القطاع العام.

ــ ترددون أن عدم توحيد رواتب وأجور العاملين في المؤسسات والإدارات العامة هي مشكلة كبيرة في لبنان. ماذا تقصدون بـ<توحيد الراتب>؟

 - هذا يعني أنه ما من معيار واحد يُتّبع وما من عدالة في هذا الموضوع. فمن الممكن أن تجدي موظفَّين يحملان الشهادة عينها ويعملان في مؤسستَين تابعتين للدولة، أي لربّ عمل واحد، لكن براتبَين مختلفَين وبمخصصات مختلفة. غياب العدالة في هذا المجال يعود إلى كون التشريعات قديمة، مما يدفع بكل مؤسسة إلى اعتماد تشريعات خاصة بها. المشكلة إذاً هي في عدم تحديد الراتب تبعاً للكفاءة بل بحسب الموقع. <ليش مثلاً بيركضوا ليفوتوا على مصرف لبنان؟>. لأنهم يتقاضون 16 شهراً في السنة، لأن رواتبهم فيه مرتفعة ولأنهم يحصلون على قرضَين سكنيَّين. فقد <فتح> حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على الإعلام ووضع الكثير من الإعلانات في كل الوسائل الإعلامية، علماً أن مصرف لبنان ليس شركة تجارية وبالتالي لا نفهم جدوى أو منطلق هذه الإعلانات. ثم إنه يحظى برضى كل القوى السياسية إذ أرضاها جميعها. فيوم استلم كان عدد موظفي المصرف 900 ، أما اليوم فباتوا 2500 موظف!

ــ ولكن هل من المنطقي أن يتقاضى موظفان في مؤسّستَين رسميتين مختلفتين الراتب نفسه؟

- طبعاً، لأنهما يعملان لدى رب عمل واحد هو الدولة اللبنانية! نحن نتحدث هنا عن حاملي الشهادة عينها.

ــ وماذا إذاً عن الجهد الذاتي والكفاءة والطموح والتقدم... ألا تُؤخذ هذه العوامل بالاعتبار؟

- كلا. في وظائف الدولة سلّم للرواتب، أي جدول محدد بحسب الرتبة والموقع والوظيفة. جميع الوظائف الرسمية محدّدة من حيث الرواتب والدرجات والتعويضات.

ــ لكن مبدأ المساواة هذا يلغي حوافز التقدم في المهنة ويعطي الكسول تماماً كما يعطي الكادح!

- مفهوم <الحافز> غير موجود في الوظيفة الرسمية، أي أن موظف الدولة الذي يقصد عمله ويتركه في المواقيت المحددة ويعمل بجدية خلال دوام عمله يتقاضى الراتب عينه الذي يتقاضاه من يمضي نهاره <عم يتسلى ويشرب قهوة. تنينن بيقبضوا نفس الشيء>.

 

التضخم والبطالة

ــ إذاً المساواة القانونية تولد ظلماً لا عدالة في هذه الحالة!

- لا بل يجب أن يتزامن توحيد الرواتب مع خلق حوافز للموظفين. موضوع الحوافز مسألة لا نختلف عليها.

ــ في ظل البطالة وغياب الفرص، يسعى الجميع إلى أن <يلزق أو يلبص عالدولة>، وهي عبارة نسمعها مراراً.

- لكن حلّ البطالة لا يكون بتعويم الدولة! في لبنان اليوم 300,000 عامل في مؤسسات وإدارات الدولة ما بين قوى أمنية وعسكرية وأساتذة ومدنيين، إلخ، وهو ما يمثل 25 بالمئة من القوى العاملة في البلد، علماً أن لبنان لا يحتاج إلى هذا العدد من العاملين في مؤسساته الرسمية! ففي الدول المتقدمة لا تزيد هذه النسبة عن 10 بالمئة.

ــ لكن ألا تجدون أن سبب هذا التضخم هي البطالة، كما قلت؟

- لا بل التوظيفات السياسية. هناك أيضاً مشكلة ثانية متمثلة بعدم مواكبة التطور التكنولوجي الذي قلّص من الحاجة إلى الموارد البشرية. الملاكات في الإدارات العامة تحددت منذ أكثر من خمسين سنة، أما اليوم فبات بإمكاننا إلغاء الكثير من الوظائف لأن المكننة غيرت المسار وباتت الأمور تُنجز بشكل أسرع وتحتاج إلى نسبة أقل من العاملين. هناك أيضاً أساليب عمل تم تبسيطها. فقد تبين، في بعض الأماكن، أن بعض المعاملات كانت تحتاج إلى عشرات التواقيع <البلا طعمة> وأنه يمكن اختصار هذه الإجراءات.

ــ لكن أكرر: ألا يشكل التوظيف في الدولة نوعاً من الحل للعاطلين عن العمل في بلاد تشح فيها الفرص؟

- معضلة البطالة لا تُحلّ بالتوظيف الرسمي لأن ذلك سيعود ويرخي بثقله على الدولة! فالعاطل عن العمل الذي وظفناه في مؤسسة أو دائرة رسمية بات يتقاضى راتباً ثم سيتقاضى تعويضاً في نهاية الخدمة.

ــ تحدثنا عن المجتهد الذي يتقاضى تماماً كالكسول في وظيفة الدولة. كيف يمكن، بالمنطق، لمن لا يقوم بأي عمل أن يتقاضى أجراً في نهاية الشهر؟

- <لأنو ما في صرف بوظائف الدولة، وهون الغلط>. الصرف يتم فقط في حالتَي الفساد والسرقة، وحتى في حال حصول هذين الجرمين يظل الموظف في وظيفته بفعل الغطاء السياسي. فلو نظرنا إلى تقارير التفتيش المركزي التي يحيلونها على الهيئة العليا للتأديب، لوجدنا أن عدد الموظفين، الذين يُطردون سنوياً بسبب الفساد أو السرقة، لا يتخطى العشرة أو العشرين موظفاً، بالرغم من انتشار الفساد على نطاق واسع ومفضوح! هناك، مثلاً، الكثير من الموظفين في المالية أو في الدوائر العقارية أو في الجمارك <معروف هلقد بدّن ياخدوا أو ما بتمشي المعاملة. كل الناس بتدفعلن وما حدا بيسترجي يقرب منن لأنن مدعومين>.

 

الفساد وغياب المساءلة

ــ ماذا عن القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية؟

- إحتج القضاة على رواتبهم فتم اعتماد سلسلة رواتب جديدة أعطت القاضي راتباً قد يصل إلى حوالى 10 ملايين ل.ل. في الشهر. لكن هل تحسنت إنتاجية هؤلاء؟ كلا! كذلك الأمر بالنسبة إلى أساتذة الجامعة اللبنانية الذين باتوا يدرّسون 175 ساعة في السنة فقط، في حين أن راتبهم قفز من حوالى المليون و200 ألف ل.ل. إلى  حوالى5 ملايين وقد يصل إلى 10 ملايين!

ــ هل جذور المشكلة هي في غياب المساءلة أم في عقلية اللبناني الذي تربى على الفساد؟

- لا، ليست برأيي مسألة عقلية. أصل المشكلة تكمن في غياب المحاسبة في وظائف الدولة. في الشركة الخاصة يُحاسب الموظف. إن تغيّب عن وظيفته أو تقاعص <بقولولو مع السلامة، بينما بالدولة رفيقتك بتّكس أو بتمضي عنك>. تصوري أن موازنة تلفزيون لبنان السنوية هي 20 مليار ل.ل. وهو لا يزال ما دون الأداء المطلوب! كذلك الأمر بالنسبة لوزارة الإعلام حيث هناك أشخاص لا علاقة لهم بمهنة الإعلام، لكن تم توظيفهم لأسباب سياسية. <شي دكّنجي وشي خضرجي (مع احترامي للجميع) بيجي بيقبض وبفلّ>. كلفة العاملين والمتقاعدين في الدولة اللبنانية هي 8400 مليار ليرة بحسب موازنة العام 2017 ، وهو ما يمثل نحو 60 بالمئة من إيرادات الموازنة!

ثم استطرد قائلاً:

- سأعطيك مثلاً آخر مضحكاً ومتعلقاً بما حصل في مسألة شركات النفط . فهي تستورد النفط من الدول العربية أو من أوروبا، وهذه البضاعة معفاة من الرسوم الجمركية بموجب اتفاقيات التجارة العربية والشراكة الأوروبية. تقدم الشركة لوزير الطاقة والمياه جدولاً بالأسعار، يتضمن سعر الطنّ، شحن التبخير، إلخ، ومن بينها كلفة الرسوم الجمركية، وعلى أساسه تحدد تسعيرة صفيحة البنزين ويوقع الوزير. لكن بعد مرور  حوالى السنتين على جباية هذه الرسوم، تبين أن شركات النفط تضمّن جدولها تسعيرة الرسوم الجمركية لكنها لا تدفعها للدولة كونها معفية منها. <ما في ولا وزير كان عندو الذكا أو المتابعة اللازمة ليقول كيف عم نمضي عرسم جمركي هو غير موجود! فجأة انتبهوا إنو الشركات قابضة لا شي 30 مليون دولار وما حدا حاسب حدا>. منظومة الفساد باتت اليوم على مستويات كبيرة نتيجة الوضعين السياسي والطائفي. فالموظف في الدولة، الذي يتقاضى مليوناً أو مليونَي ل.ل.، لا يخوّله راتبه هذا أن يكون لديه شقة في بيروت وشقة في الجبل وشقة على البحر وسيارات وأن يسافر إلى هناك وهنالك...

 

الإثراء غير المشروع

ــ لكن هناك قانون الإثراء غير المشروع!

- قانون الإثراء غير المشروع لا يُطبق لأنه يفرض غرامة على الشخص الذي تقدم بالدعوى. فإن ادّعيت عليكِ بتهمة الإثراء غير المشروع عليّ أن أدفع كفالة مالية بقيمة 25 مليون ل.ل.، وفي حال تبيّن أن لا أساس للشكوى أدفع غرامة قيمتها 200 مليون ل.ل. إذاً قانون الإثراء غير المشروع موجود لكنه معطل، ناهيك عن تعطيل جميع أجهزة الرقابة من ديوان المحاسبة إلى التفتيش المركزي فمجلس الخدمة المدنية والهيئة العليا للتأديب. غياب المحاسبة والرادع يشجعان الآخرين على ارتكاب الشواذات عينها التي يرتكبها الموظف الفاسد. <وين في مصاري في سرقة>: في السير، في القضاء، في قوى الأمن، في الدوائر العقارية...

ــ في السير؟

- نعم في السير، <بيعملّك ظبط وبيلغيلك ياه إذا دفعتيلو>! يوم يُعاقب الموظف المرتشي يتضاءل حينئذٍ عدد المرتشين. خذي، مثلاً، البلديات. من يحاسب البلديات؟ <ما حدا!> البلديات في لبنان تنفق  حوالى3 مليارات دولار في السنة <على مشاريع وتوظيفات بلا طعمة>.كذلك الأمر بالنسبة للأملاك العامة البحرية. على الدولة أن تصدر قانوناً يفرض على المحتلين لهذه الأملاك أموالاً تدرّ عليها 400 مليار دولار في السنة، <بس مش عم يعملوا شي لأن كل جهة مسيطرة على أملاك الدولة تابعة لجهة سياسية>. الأملاك البحرية تدر اليوم 4 مليار دولار وتتم دراسة رفع الرسوم لتصبح 40 مليار دولار، في حين أنه يجب أن يكون هذا الرقم 400 مليار دولار!

ــ تقولون إن ثمة قوانين تشجع على الفساد. كيف يتم ذلك؟

- خذي الطوائف! لديها ملايين من الدولارات، لكن القانون يعفيها من الضرائب والرسوم ولا يعفيك منها أنتِ المواطنة. أعني في حال اشترى المواطن أو باع قطعة أرض يدفع مالاً، في حين أن الطائفة لا تدفع في هذه الحالة لأنها معفية.

ــ هل باستطاعة رئيس الجمهورية أن يضبط دهاليز الفساد هذه؟

- صلاحيات رئيس الجمهورية تقلصت مع الوقت، إنما بإمكانه أن يفعّل الأجهزة المعنية بمحاربة الفساد، أن يفرض، مثلاً، على التفتيش المركزي الملاحقة الجادة، لكن رئيس التفتيش المركزي غير تابع اليوم لرئيس الجمهورية بل للمرجعية السياسية التي عينته. الفساد موجود في مجمل دول العالم لكن بشكل محدود و<مضبضب>، أما في لبنان فهو مستشري و<عالمفضوح>!