أعلى درجات التواضع ونكران الذات تجلت خلال الأسبوع الماضي بجلوس قداسة البابا <فرانسيس> على كرسي الاعتراف أمام أحد الكهنة، وفاجأ بذلك المشاركين في رتبة <توبة> التي كان يترأسها في <بازيليك> القديس <بطرس>، في إطار الاستعداد لأسبوع الآلام وعيد الفصح في أواخر هذا الشهر.
وبكل تواضع ركع الحبر الأعظم أمام الكاهن وهمس له باعترافاته.
والبابا <فرانسيس> (78 سنة) بحكم منصبه هو خليفة للقديس بطرس الذي خاطبه السيد المسيح قائلاً: <بطرس بطرس ستنكرني عند صياح الديك> ولكن البابا <فرانسيس> لم ينكر أحداً من رعيته، ولا من أترابه في الأرجنتين مسقط رأسه، بل ظل على وفاء عظيم للبابا الراحل <يوحنا بولس الثاني> الذي منحه الرتبة الكاردينالية عام 2001، ويحتفل بتطويبه قديساً في 27 نيسان (ابريل) الجاري، وبلغ من تواضعه واختياره حالة البساطة، كأي انسان عادي، أنه ألغى تشريعات بالجملة في نظام البابوية، وأبى أن يقيم كسائر البابوات داخل المقر الرسمي في القصر الرسولي واختار أن تكون اقامته في بيت القديسة <مرتا> التي قال لها السيد المسيح في الانجيل: <مرتا مرتا تطلبين أشياء كثيرة والمطلوب واحد>. كما انه يحمل الآن لقب <بابا التغيير> بعدما قطع دابر رجال الدين الذين اتهموا باعتداءات جنسية على القاصرين.
والبابا الذي جلس على كرسي الاعتراف مروحة من التواصل مع عباد الله، ولاسيما الفقراء في كل أنحاء العالم، تعززه اجادة قداسته سبع لغات هي الفرنسية والاسبانية والايطالية والانكليزية والألمانية والأوكرانية واللاتينية.
ولطلاب معرفة أخبار صحة قداسة البابا نقول إنه يتمتع بصحة جيدة بفضل سلوكه أسلوب البساطة والتقشف والرياضة الروحية والجسدية بدءاً من رياضة المشي. ولكنه قبل ذلك وبعد وقت قصير من وسامته كاهناً، عام 1969، تعرض لالتهاب رئوي، وعن ذلك قال قداسته في مقابلة أجراها مع كاتب سيرته الذاتية بأنه كان عالقاً بين الموت والحياة طوال ثلاثة أيام وسلم من المرض بعدما تمت ازالة الجزء العلوي من رئته اليمنى، وحسب الأطباء لن يكون اقتطاع هذا الجزء العلوي من الرئة ذا أثر على حياته، بل أعطاه دفعاً لحياة جديدة. وفي عام 2007 أصيب البابا، حين كان كاردينال <بوينس آيرس>، بالتهاب في عرق النسا، وتعالج منه خارج الأرجنتين واستعاد بعده حياته الطبيعية.
ويبقى أن يعرف المرء بماذا اعترف البابا <فرانسيس> للكاهن؟!
لا مجال لكشف هذا الاعتراف لأنه سر مقدس. ولكننا نحن نعترف لقداسة البابا <فرانسيس> بأنه أحدث ثورة في الفاتيكان، بجعل الفقراء يأتون إليه دون أن يسمح لأحد بمنعهم، وكان صريحاً في التصدي لقانون في البرلمان الأرجنتيني يسمح بزواج المثليين، واعتبره تمييزاً مبكراً ضد الأطفال لأن الأديان أمرت بالزواج الطبيعي، لتكوين عائلة وإعطاء الأطفال حق الوجود.
وقداسة البابا <فرانسيس> ملجأ أمل بالنسبة للبنانيين على أبواب الاستحقاق الرئاسي، والصحافة الفرنسية سربت أسراراً عن لقاء البابا <فرانسيس> والرئيس الفرنسي <فرانسوا هولاند> ومنها انعطافهما على الوضع اللبناني وضرورة اجراء انتخابات الرئاسة في موعدها.
وراقبوا صورة البابا <فرانسيس> وهو على كرسي الاعتراف وأسألوا: ألا يستحق قادة السياسة في لبنان أن يمتثلوا بقداسة البابا ويجلسوا على كرسي الاعتراف.. ويبوحوا بما ينسجم مع النفس والضمير بدءاً من مصادر ثرواتهم؟
وما أحوجنا الى مثل هذا الاعتراف!