تفاصيل الخبر

الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية وآثارها السلبية وسبل معالجتها!

21/02/2020
الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية وآثارها السلبية وسبل معالجتها!

الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية وآثارها السلبية وسبل معالجتها!

بقلم طوني بشارة

الخبير الاقتصادي الدكتور وليد أبو سليمان:على المواطن أن يعلم أن كل عملة صعبة تُدفع انما يتم دفعها من ودائعه!

 

يمر لبنان حاليا بأزمة مالية ــ إقتصادية ــ إجتماعية لا مثيل لها على الإطلاق، اذ ينحدر إقتصادنا مسرعاً نحو كارثة ستقوده حكماً نحو الإفلاس، والأزمة التي نمر بها متشعبة ومتجذرة، وتتمثل بإرتفاع الدين العام من جهة ليبلغ ما تتجاوز نسبته 152 بالمئة من الناتج المحلي، ناهيك عن ضعف النمو الاقتصادي من جهة ثانية، ففرص العمل نادرة مع إرتفاع لا مثيل له بعدد العاطلين عن العمل نتيجة الإقفال القسري للعديد من المؤسسات، كما ان البنى التحتية متردية، وواردات الدولة من العملة الصعبة تكاد تختفي.

فما الأسباب الكامنة وراء هذه الازمة؟ وما هي اثارها السلبية؟ وهل من سبل معينة لمعالجتها؟

أبو سليمان والازمة!

 

<الأفكار> التقت الخبير الإقتصادي الدكتور وليد أبو سليمان الذي أفادنا بأن الازمة في لبنان عبارة عن ثلاث أزمات مجتمعة وهي:

أ ــ أزمة مالية وما يرافقها من عجز بمالية الدولة.

ب ــ أزمة نقدية متمثلة بسعر الصرف.

ج ــ أزمة إقتصادية متمثلة بما تعانيه كافة القطاعات الاقتصادية من تردٍ وتراجع وانكماش.

مما يعني أن أزمتنا ثلاثية الأبعاد، إقتصادية ــ نقدية ــ مالية. إقتصادية لأن كلّ المؤشرات الإقتصادية سلبية، نقدية بما يتعلّق بسعر الصرف، ومالية بسبب العجز في الموازنة. وللأسف المشكلة تتفاعل وتتفاقم ذلك أن تغيير الفلسفة الإقتصادية والسياسة المتّبعة منذ عقود يستغرق وقتاً ولن يكون سريعاً، فالإنتقال من الإقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج لا يحصل بكبسة زرّ.

 واستطرد ابو سليمان قائلا:

- في تاريخ العالم لم تجتمع ثلاث أزمات بأزمة واحدة: فلدينا أزمة مصرفية كأيسلندا، أزمة ديون سياديّة كاليونان، وأزمة فساد كفنزويلا. بالمقابل لا نلمس اي حسٍّ للمسؤوليّة من قبل المعنيين بالموضوع بل تقاذفاً للمسؤوليّات، ولا أحد يواجه الشعب أو لديه الجرأة لمواجهة الشعب ومخاطبته.

ــ الأزمة في لبنان وككل أزمات العالم لا بد من أن تكون ناتجة عن عوامل مكلفة، فما هي هذه العوامل؟

- أنّ أكثر ثلاثة عوامل تكلّف الدولة هي: أولاً القطاع العام فكافة موظفيه غير منتجين وهذه التخمة يجب إعادة النظر بها. ثانياً يجب إعادة النظر بخدمة الدين العام. ثالثاً قطاع الكهرباء. يترافق ذلك مع كوننا نعيش الـ<كابيتال كونترول ــ Capital Control> والـ<هير كات ــ Hair Cut>، أي القيود على التحاويل والسقوف على السحوبات.

العجز والاستحقاقات المالية المقبلة!

ــ العجز واقع لا محالة ولكن كم تبلغ قيمته؟

ــ لدينا عجز بقيمة 40 مليار دولار كما يقول مصرف لبنان، تم من خلاله تمويل إستحقاق سندات خزينة وتمويل مؤسسة كهرباء لبنان، وعلى المواطن أن يعلم أن كل عملة صعبة تُدفع انما يتم دفعها من ودائعه.

 للأسف، هذه جريمة منظمة وبالتالي لا أحد اليوم يطلعنا على الحقيقة، فهم يتلطون وراء أصابعهم... لم يعد بإمكاننا أن نكون غير شفافين لأن قطع الاعناق من قطع الارزاق، والشعب لن يرحمهم... لا أحد يخاطب الشعب اللبناني بالحقيقة، ولم يتم تشكيل أية خلية أزمة لمعالجة الوضع الراهن.

وأوضح ابو سليمان قائلا:

- إن أزمتنا هي أزمة مصارف ودين سيادي وهدر وفساد بالإضافة إلى أزمة اقتصادية، ولا يتم تحريك أي ساكن لإيجاد الحلول المناسبة. علينا الحفاظ على الاحتياطي من العملات الاجنبية، كما ان اعادة جدولة الديون لا تفيد بل نحن بحاجة إلى اعادة هيكلة الديون السيادية.

واستطرد ابو سليمان قائلا:

- ليس خفيا على أحد انه لم يعد بإمكاننا تسيير أمورنا اذ لدينا مشكلة بنيوية فنحن نستورد 90 بالمئة من احتياجاتنا من الخارج، وكي ننتقل من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج فالأمر بحاجة إلى وقت، وكي نستورد من الخارج نحن بحاجة إلى الدولار غير المتوافر في الاسواق، وهذا ما سيؤدي إلى عدم اكتفاء ذاتي وارتفاع بنسبة الازمة.

ــ هذا بالنسبة للاستيراد، فماذا عن الإستحقاقات المالية وأولها في آذار؟

- موضوع الإستحقاق المالي للبنان في 9 آذار (مارس) المقبل أمر مهم جداً، وحتى الآن هناك تجاذب حول هذا الملف وتضارب في الآراء ما إذا كان يجب أن ندفع أم لا على إعتبار أنه في ظل الوضع المأزوم وتراجع الإحتياطي من العملات الأجنبية فان أي دولار يدفعه لبنان يؤخذ من درب الإستيراد للسلع الأساسية.

وتابع أبو سليمان قائلا:

- إن السؤال المطروح هو أنه لو دفعنا الإستحقاقات في شهر آذار (مارس)، فماذا سنفعل في الديون المستحقة عن شهري نيسان (ابريل) وحزيران (يونيو) المقبلين؟ فعلى لبنان 27 إستحقاقاً مالياً تُدفع فوائدهم مرتين سنوياً، لذا لا مفر من إعادة هيكلة الدين العام، وأقله على مستوى سندات الخزينة بالـ<اليوروبوندز>، وكل من يقول عكس ذلك فهو يختبئ خلف إصبعه، فالوقت يداهمنا خصوصاً أن على لبنان أن يعطي إشعاراً لحاملي السندات قبل 21 يوما من تاريخ الإستحقاق مع وجود فترة سماح لمدة 10 ايام، وأظن ان لبنان سيسدد إستحقاقات شهر آذار (مارس) نظرا لضيق الوقت.

ــ بلغة الارقام كم تبلغ قيمة دين السندات الخارجية؟

- يشير الجميع بأن دين السندات الخارجية <اليوروبوندز> تبلغ قيمتها 30 مليار دولار، لكن هناك فوائد تترتب على هذه الإصدارات وبالتالي قيمة الدين تبلغ حاليا 45 مليار دولار، وفي شهر أيار (مايو) المقبل يجب دفع مليار و200 الف دولار من قيمتها.

وتابع ابو سليمان قائلا:

- المعلن من قيمة الدين هو 30 ملياراً، لكن يجب أن نعرف ما هي قيمة الإحتياطي وما هو الإلزامي وما هي الأموال التي يمكن لمصرف لبنان التحكم بها لدفع الإستحقاقات.

ــ هل بإمكان لبنان التخلف عن الدفع؟

- هذا الأمر ليس معيباً فحتى الولايات المتحدة وبريطانيا وبلدان كبيرة أخرى تخلفت عن سداد الدين، ولكن أقله كان لديها برنامج، لذا إذا تخلفنا وامتنعنا عن المفاوضة فهناك خطر.

نحن لا نطالب بالتخلف بل بإعادة هيكلة الدين العام، فاذا دفعنا 3 إستحقاقات ماذا سنفعل بالـ27 الاستحقاق المتبقي؟ وهنا اؤكد بان إعادة الهيكلة ليست تخلفاً أو تعثراً بل مصارحة الدائنين وعرض لبرنامج. لذلك علينا أن نعيد هيكلة الدين وبغير ذلك فان ما يحصل يعتبر إنتحاراً في ظل هذه المرحلة. الوقت أصبح ضيقاً جدا لعدم دفع سندات شهر آذار (مارس) بسبب التأخر عن إعطاء إشعار بعدم الدفع.

ــ كثر في الاونة الاخيرة الحديث عن اموال مهربة الى الخارج من قبل البعض بالتواطؤ مع المصارف، فما مدى دقة ذلك؟

- بالواقع إن لجنة الرقابة على المصارف طلبت بخطاب موجه للمصارف أن تحيطها بالمعلومات حول حجم التحويلات المالية لديها إلى سويسرا، بينما هناك تحويلات إلى بلدان أخرى أيضا ولا يجوز التغاضي عنها. المصارف طالبت تزويدها بحجم التحويلات ولكنها لم تطالب بالأسماء، ولدى هيئة التحقيق الخاصة الصلاحيات المطلقة لطلب رفع السرية المصرفية، ولكنها لم تطلب ذلك بعد لنعرف من هم الأشخاص او الجهات التي حولت الأموال للخارج ولا يزال الموضوع مبهماً، ونريد ان نعرف من هم هؤلاء وخصوصا إذا كانوا من السياسيين او الذين يشغلون وظائف عامة.

وتابع أبو سليمان قائلاً:

- إن قانون النقد والتسليف يحمي حرية نقل الأموال من وإلى الخارج، ولكن منذ 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 البلد يمر بوضع إستثنائي وظروف قاهرة، ومن جهة أخرى اذا علمنا مثلاً أن موظفاً في القطاع العام حوّل ملايين الدولارات إلى الخارج فعندئذٍ من حقنا أن نسأل: من أين له هذا؟!

ــ ماذا عن ملف الصيارفة وما نتج عنه من تفلت في سعر صرف الدولار؟

- إن الدولار سلعة مثل بقية السلع وفي ظل الشح والطلب المرتفع من الطبيعي أن يرتفع سعره... لا يوجد بلد في العالم يتم فيه تثبيت سعر الشراء وترك سعر المبيع مفتوحاً.

وهنا لا بد من التوضيح بأن الصيارفة يؤمنون الدولار من ثلاثة موارد: اولاً هناك 9 صيارفة يشحنون الدولارات من الخارج إما عبر الشراء بالعملات الاجنبية او عبر حسابات لهم في الخارج، وثانياً من خلال المدّخرات في المنازل والتي يتم عرضها بالسوق، وثالثاً من خلال المودعين الذين يسحبون الدولارات من المصارف ويتم صرفها في السوق. وليست لدي معطيات حول ما يحكى عن تواطؤ بين الصيارفة والمصارف ولذلك لا أستطيع أن أتبنى هذا الأمر.

 

التعامل مع المودعين والحلول!          

ــ البعض من المودعين يلمس الإستنسابية في التعامل معه فما موقفك من ذلك؟

- يجب وضع حد للإستنسابية والإنتهازية بحق المودعين، ومصرف لبنان لديه السلطة للقيام بذلك وهو الهيئة الرقابية القادرة على سحب التراخيص، كما عليه تنظيم القطاع المصرفي بشكل عام لإعادة الثقة بين المصرف والمواطن، وهنا أشير بأن رئيس جمعية المصارف سليم صفير لا يجدر به القيام بأفعال عكس أقواله بحيث أنه كلما بشرنا بالخير نجد في اليوم التالي اجراءات معاكسة من قبله، وهذا الأمر يزيد الهوّة بين المودع والمصرف، فالمصارحة مهمّة جداً وعلى صفير أن يصارح المودعين وأن يكون شفافاً معهم، على اعتبار أن الثقة مفقودة بسبب الإرباك في التعاطي من جهة وطريقة التعامل مع المودعين من جهة اخرى، ولا يجوز للمصرف أن يتعاطى مع المودع وكأن أمواله مصادرة، والحل يكون بتوحيد المعايير، فنحن لم نرَ حتى اليوم أي نائب أو وزير أو صاحب نفوذ ينتظر في الطوابير لسحب الدولار من حسابه.

ــ البعض يعتبر أننا بحاجة الى ما يقارب الخمسة مليارات دولار لتحريك العجلة، فما الحل وهل يسعى المسؤولون لإيجاد حل للأزمة؟

- في ظل الشح الحاصل في الدولار والحاجة الى خمسة مليارات لتحريك الإقتصاد من جديد، أتساءل مثل كافة المواطنين: ماذا فعل المعنيون لكي يستعيدوا المليارات المخبئة في المنازل او ما يعرف بالـ<رساميل الميتة> او (Dead Capital) والمقدرة بأكثر من ثلاثة مليارات؟ وهي كانت وحدها كفيلة بوقف الانهيار الحاصل فيما لو أعيدت الى السوق من جديد ومن دون الحاجة الى التوسل من الخارج.

للأسف حتى الان لم تلتفت السلطة الى هذه الرساميل ولم تعط أصحابها أي حوافز لإعادتها الى الاقتصاد مما ادى الى مزيد من التخبط والضياع!

ــ ما الحل؟

- بداية لا بد من الحفاظ على مخزون وإحتياطي كافٍ من الدولار وذلك لتأمين شبكة الامان الصحية ــ الغذائية... كما انه لا بد من إعادة هيكلة الاستحقاقات بالعملة الاجنبية أقله لحاملي السندات من الاجانب علما ان للبنان 27 استحقاقاً بالعملة الاجنبية، ولا يمكننا أن نتناسى إعادة هيكلة القطاع العام وتطبيق مبدأ العمالة الكاملة، ومن الأمور المفترض اتباعها أيضا كحل للأزمة هو الإنتقال بقضية توليد الكهرباء الى الغاز مما سيؤدي حكما الى توفير من 400 الى 500 مليون دولار.